خلف جابر - السرقات الأدبية.. لَم يَنجُ منها كبار الأدباء!!

لا تقف السرقة الأدبية عند الكتّاب الشباب. تعالوا لنكشف لكم اسماء أدباء ضُبِطوا مُتلبِّسين بسرقة أعمال غيرهم.
السرقات الأدبية.. لم ينج منها كبار الأدباء!
يعتقد البعض أن السرقة الأدبية تقتصر على الكتّاب الشباب أو المغمورين، في حين أن البحث قليلاً سيكشف لنا العكس. فقد تبيّن أن الكثيرين ممن أصبحوا كتّاباً كباراً واحتلوا المكانة الرفيعة بين أبناء جيلهم من الأدباء، ضُبِطوا مُتلبِّسين بسرقة أعمال غيرهم ونسبها إلى أنفسهم.
لقد تنوعت الأعمال المسروقة بين رواية ونص مسرحي وصولاً إلى المقالات والشعر، وتعدّدت سُبل سرقتها، فمنهم من وجد في الترجمة عن الأعمال الأجنبية طريقاً وآخرون رأوا في التراث معيناً ينهلون منه نصوصاً من دون الإشارة إليها.
الأديب المصري توفيق الحكيم واحد من هؤلاء. وكان ممّن اقترن اسمهم بتهمة السرقة الأدبية منذ بداية مشواره، وتحديداً في العام 1942 مع أول نص مسرحي له بعنوان “العريس”، حيث كشف تقرير صحفي لعاصم زكريا نُشر في مجلة “المصوّر” في أيلول/أغسطس عام 1993، أنها مقتبسة من مسرحية فرنسية مجهولة يرجِّح الناقد فؤاد دوراة أنها “مفاجأة أتور”. كما كتب الناقد المسرحي محمد عبد المجيد حلمي في ذلك الوقت قائلاً: “وقفت من المسرحية موقفاً جامداً؛ لأنها نقلت من الفرنسية إلى العربية، فقط مع تغيير الأسماء، أصبحت قصة إفرنجية في كل عاداتها ومواقفها ومراميها، فقط أبطالها مصريون”.
توفيق الحكيم
حاول الحكيم تجاهل بداياته الفنية، فلم ينكر تهمة “الاقتباس” في شبابه، معترفاً بذلك في “سجن العمر” و”من البرج العاجي”. لكن مع مرور السنين وبعد أن أصبح الحكيم أحد قامات الثقافة العربية، ثبت أن الأمر لم يقتصر على باكورة مشواره الأدبي، حيث لاحقته تهمة السرقة. وكان أشهر الوقائع تلك التي جرت أحداثها على صفحات جريدة “الجمهورية” عام 1957، عندما بدأ الكاتب أحمد رشدي صالح سلسلة مقالات نقدية، قارن فيها بعض مسرحيات توفيق الحكيم وبين بعض الأعمال الأجنبية.
كان لمقالات صالح صدى واسعاً؛ حتى أنها رفعت من نسبة مبيعات صحيفة “الجمهورية”، وكان أكثرها إثارة حينها تلك المقارنة التي عقدها بين كتاب “حمار الحكيم” و” أنا وحماري ” للإسباني خوان رامون خيمينيث (1881 – 1958)، بعد حصوله على جائزة نوبل في الأدب سنة 1956.
كتاب “حمار الحكيم” لتوفيق الحكيم
وتدور رواية خيمينيث (صدرت عام 1914) في صورة رواية شعرية مكونة من 138 نصاً قصيراً، حول الراوي وحماره، وهما يجوبان أنحاء قرية موغير مسقط رأس المؤلف، متمتعين بجمال الطبيعة وتعاقب الفصول، يراقبان معاً البشر والحجر والغدران والمروج والأشجار وبقية الحيوانات، وكل شيء يصادفهما في طريقهما وهما يتسكعان معاً، أو يؤديان مهمة ما.
” أنا وحماري ” للإسباني خوان رامون خيمينيث
في حين تدور رواية الحكيم التي ظهرت بعد 26 عاماً من الرواية الإسبانية، وتحديداً في العام 1940، في نفس الفلك تقريباً. فالأقدار تسوقه إلى شراء حمار صغير وجده في يد رجل قروي، بينما كان ذاهباً لحانوت الحلاق، وأيضاً تسوقه الأحداث إلى الذهاب بالحمار إلى إحدى القرى، ليبدأ في وصف الريف المصري آنذاك، وما به من أكوام السماد والقذارة والكلاب النابحة وأسراب الصبية من صغار الفلاحين في أطمارهم وذبابهم الذي يأكل أهداب عيونهم.
لم يكتف أحمد رشدي صالح بتوضيح ما بين الروايتين من تشابه على مستوى الفكرة والبناء، بل ذهب إلى ما هو أبعد، وهو ما يضع الحكيم في خانة السرقة الصريحة، فقد طبع إلى جانب مقاله بالزنكوغراف صفحات كاملة من كتاب الأديب المصري تقابلها صفحات مماثلة من أديب إسبانيا تصل إلى حد المطابقة!
الغيطاني: استظهرت إبن إياس من دون وعي
جمال الغيطاني
لم يعترف البعض بسرقته بل ذهب إلى حد الدفاع عن نفسه والاستخفاف والاستهانة بالأمر، وعلى رأسهم الكاتب والروائي جمال الغيطاني (1945 – 2015)، الذي يشير عصام زكريا في تحقيقه الصحفي إلى تعرض الكثيرين إلى تأثره بأدب ابن إياس، خصوصاً في روايته “الزيني بركات” المسؤولة عن حجزه مقعداً بين كبار الأدباء.
لكن لم يتوقف الأمر في حالة الغيطاني على الاقتباس، إذ يضيف زكريا: “إلا أن أحداً لم يكن يتصوّر أن الغيطاني قام بنقل صفحات كاملة بالنص من إبن إياس- بالإضافة إلى اقتباسه للقصة والشخصيات والأسلوب واللغة”.
وبشأن رد الغيطاني على تلك التهم فقد ادعى أنه قرأ إبن إياس وتأثر به لدرجة حفظه عن ظهر قلب واستظهاره في أعماله من دون وعي!، ويتابع عصام زكريا موضحاً: “يبدو أن الغيطاني أحب محيي الدين إبن عربي بنفس القدر، فقد “استظهر” صفحات كاملة من أدبه الصوفي في ثلاثيته الضخمة “التجليات”.
يتهم البعض الغيطاني أيضاً بالنقل عن الأدب الغربي “المترجم” كما فعل في “هاتف المغيب” المأخوذة فكرة وفكراً وروحاً عن “مدن لا مرئية” للأديب الإيطالي الراحل إيتالو كالفينو.
الترجمة.. بوابة المازني إلى السرقة الأدبية
إبراهيم عبد القادر المازني
للشعراء أيضاً نصيب من السرقات الأدبية، ولعل أشهرهم إبراهيم عبد القادر المازني (1889 – 1949)، الذي يعد من كبار الكتاب في عصره، وأحد أعمدة مدرسة “الديوان” التي تأسست بصحبة صديقيه آنذاك عباس العقاد وعبد الرحمن شكري، قبل أن تقع بينهم خصومة استمرت 17 عاماً، وعرفت بأنها أضخم معركة أدبية في ميدان الشعر المعاصر.
راح عبد الرحمن شكري يتهم صاحبه المازني بترجمة قصائد الشعر الإنكليزي ونسبتها لنفسه؛ إذ يقول في مقدمة ديوانه “الجزء الخامس”: “لقد لفتني أديب إلى قصيدة المازني التي عنوانها “الشاعر المحتضر” البائية التي نشرت في عكاظ، واتضح لنا أنها مأخوذة من قصيدة أودني للشاعر شيلي الإنكليزي قاصداً الشاعر بيرسي بيش شيلي (1792 – 1822) أحد أفضل الشعراء الغنائيين في إنكلترا، والمعروف بقصائده القصيرة أوزيماندياس، أغنية للريح الغربية، إلى قبرة.
كما لفت إلى أن قصيدة المازني “قبر الشعر”، “منقولة عن هيني الشاعر الألماني”. قاصداً الشاعر الشهير هاينرش هاينه وهو واحد من أهم الشعراء الألمان الرومانسيين. غير مكتف بالإشارة إلى هاتين القصيدتين، بل أكد أن قصيدته “فتى في سباق الموت” هي أيضا للإنكليزي توماس هود (1799 – 1845).
لم يقتصر الأمر على سرقة عبد القادر المازني للأشعار، بل وصلت إلى المقالات المترجمة. ذلك أن مقالته “تناسخ الأرواح” المنشورة في مجلة “البيان”، يظهر أنها “مقتبسة” من أولها إلى آخرها من مجلة “سبكتاتور” لـ جوزيف أدسون الكاتب الإنكليزي، ومن مقالاته في إبن الرومي التي نشرت في “البيان” قطع طويلة عن العظماء، وهي مأخوذة من كتاب “شكسبير والعظماء” تأليف فيكتور هوجو، وفق ما يؤكده عبد الرحمن شكري.
في حين لم ينكر المازني التهمة ولكنه استهتر بها وقلل من شأنها راداً على صديقه عبد الرحمن شكري بالنقد والتجريح حيث اتهمه بالجنون في كتاب “الديوان” حتى انتهى الأمر بشكري إلى الاكتئاب واعتزال الناس.

خلف جابر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى