في الصباحِ أغلبُ أعينِ الصغارِ مشكوكةٌ من النومِ أو من الرَّمَد، يذهبون إلى الدكانِ الصغيرِ من أجلِ أربعِ حباتٍ من البسكويتِ المغلفة، بعضُ الصغارِ لايزالُ الرِّيقِ على خدِّه أو خديه، وصغيرٌ يسحبُ سروالَه إلى أعلى ليسترَ بعض عورتَه كلما سقطَ إلى أسفل، أحدُهم تُتعبُه مخاطتُه فيضطرَّ لشفطِها إلى تجويفِ أنفِه، يشترون ويغادرون الدكانَ العتيق، بقيَ منهم اثنان، نظرَ صاحبُ الدكانِ في وجهيهما بعينٍ حمراء، طلبَ منهما النقود، ارتعدا من الخوف، مدَّ أحدُهما بعملةٍ مظلمةٍ من القِدَم، نظرَ فيها البائعُ يتفحصُها وهو يتمتم، ألايوجدُ معك غيرها، كأنكَ عثرتَ عليها في التراب، ناوله حباتُ البسكويتِ الأربعِ المغلفةِ وانتظرَ رفيقه ، مدَّ الصغيرُ الآخرُ يدَه ببراءةٍ على صندوقِ البسكويتِ الكبير فتناولَ صاحبُ الدكانِ خيزرانةً صغيرةً مخبأةً عنده وضربَ بها يدَه ليصرخَ وتهلَّ دموعُه، قال له: اذهب لأبيك - سارقٌ ابنُ سارق- دمعتْ عيناه أكثر؛ فأبوه قد توسَّدَ التراب، غادرَ الاثنان الدكانَ ولم يبتعدا كثيرًا، جلسا على صخرةٍ صغيرةٍ تناسبهما وقاسَمَ صاحبُ البسكويتِ صاحبَه ، أراد البائعُ أن يجلسَ على كرسيِّه الذي نخرَه الصدأُ فهوى على الأرض، اصطدمَ رأسُه بالرفوفِ المتآكلة وارتطمتْ يدُه التي تمسكُ بالخيزرانةِ بجسمٍ صلبٍ يضعُ عليه كيسَ التمر، شعرَ بألمٍ في العظمِ فأغلقَ الدكانَ وذهبَ إلى بيتِه القريب، اشتكى لزوجتِه من السقوطِ ومن ألمٍ في كفه، ضحكتّ في وجهِه وهي تعرفُ قسوتَه؛ كأنكَ ظلمتَ أو اعتديتَ على أحدِ أطفالِ الحي! قال لها : لاشيء؛ ولكنه السارقُ ابنُ السارقِ امتدتْ يده إلى البسكويتِ فاكتفيتُ بخيزرانةٍ واحدةٍ عليها ، قالت مَن تعني؟ قال: ابن فلان! قالت يرحمه اللهُ لقد شاركتَ بنفسكِ في دفنِه، ألا تتذكره، شعرَ بازديادِ ألمِه وطلبَ منها علاجًا شعبيًّا يُخففُ الألم، نظرتْ من على السورِ الصغيرِ ولايزال الصغيران على الصخرةِ الصغيرةِ يلوكان البسكويتَ في الظل، نظرا إليها وغادرا المكان ، عادَ إلى أمِّه يخبرُها بما حصل، وعدتْه بأنها ستبني له دكانًا ولن يذهبَ أطفالُ الحيِّ عند غيره ، شُلّتْ يده هذا المتغطرس، اشترتْ له ملابسَ جديدةً وسرَّحتْ شعره ثم جلبتْ له عربةً صغيرةً يدفعها وعليها حاجاتُ الصغار، بقيَ أبناءُ الحيِّ يتناوبون على دفعها معه ويشترون منه، جاءه يومًا طفلٌ صغيرٌ يلبسُ سروالًا قصيرًا وصدرُه بارز، قرأَ في عينيه أنه يشتهي حبةً من البسكويت، نظرَ في كفِّه التي لسعتْها الخيزرانةُ فبكى وأعطاه صندوقًا صغيرًا، أنفقَ الصغيرُ بضاعتَه وصاحبُ العصا بلا مشترين ، عرضَ عليه الصغيرُ أن يستأجرَ منه الدكان فوافق، رأى أن يُوسعَ البابَ الضيق من أجلِ أقرانه، وجدَ الخيزرانة لاتزالُ في مكانها فقذفَ بها كي لاتصيبه العدوى، في صباحٍ جديدٍ أحضرتْ له أمُّه بعضَ المناديلِ ليمسحَ وجوهَ اليتامى.