أبووردة السعدني - سكة حديد الحجاز

يعد خط سكة حديد الحجاز من الإنجازات العملاقة من النواحي السياسية والدينية والحضارية للسلطان العثماني عبدالحميد الثاني ، إذ كان الهدف من إنشائه : خدمة حجاج بيت الله الحرام ، بإيجاد وسيلة نقل عصرية يتوفر فيها الأمن والراحة وقصر مدة الرحلة ، وأيضا دعم حركة الجامعة الإسلامية التي كانت تهدف إلى جمع كلمة المسلمين تحت راية الخلافة الإسلامية العثمانية لمواجهة الأطماع الأوربية في العالم الإسلامى .
شرعت الدولة العثمانية في إنشاء خط سكة حديد الحجاز في مستهل سنة 1900 م ، وأذاعت بيانا عاما أهابت فيه بالمسلمين في كل أنحاء العالم إلى التبرع لإقامة الخط الحديدي الذي يخدم حجاج بيت الله الحرام ، كان خليفة المسلمين وسلطانهم أول المتبرعين ، إذ تبرع عبدالحميد الثاني بخمسين ألف ليرة من ماله الخاص ، فتسابق المسلمون في كل أرجاء الأرض إلى التبرع بأموالهم زرافات ووحدانا ، غطت تلك التبرعات التلقائية ثلث تكاليف إنشاء خط سكة حديد الحجاز. ...
... وإذا كان الشيئ بالشيئ يذكر : فإن تيودور هرتزل - الزعيم الصهيوني الشهير - ت1904 م - حاول بعد أن تحطمت آماله وتبددت أوهامه ، على صخرة إباء وصلابة السلطان عبدالحميد الثاني ، في الموافقة على هجرة اليهود إلى فلسطين ، حاول - كدأب الصهاينة - التقرب إلى السلطان عبدالحميد الثاني بطريقة ملتوية ، فأرسل إليه ، من باريس ، مبلغا كبيرا من الأموال تبرعا منه في إنشاء سكة حديد الحجاز ، غير أن السلطان العثماني كان يقظا مدركا حيله وألاعيبه ، رفض رفضا قاطعا قبول تبرع كبير الصهاينة ، ورد إليه أمواله مع من حملها إليه !! ، هذا في الوقت الذي كان يسعى فيه الزعيم الوطني مصطفى كامل ، ت1908م ، في العاصمة الفرنسية ، إلى كسب ود هرتزل لتأييد القضية المصرية ضد الاحتلال البريطاني لمصر !! ....
كان لإنشاء خط سكة حديد الحجاز فوائد جمة ، نذكر منها :
زاد عدد الحجاج الوافدين في قافلة الحج الشامي من ثمانين ألف حاج إلى ثلاثمائة ألف حاج سنويا .
صارت رحلة الحج إلى الأراضي المقدسة سهلة ميسورة تكاد تكون دون عناء ، حيث قصرت مدة الرحلة من أربعين يوما - من دمشق إلى المدينة المنورة - إلى خمسة أيام فقط ( 72 ساعة سفر +48 ساعة استراحة ، المسافة 1200 كم ) .
تم تخصيص إحدى عربات القطار على هيئة مسجد لتقام فيه الصلوات في أوقاتها ، وتعيين مؤذن للإعلام بدخول وقت الصلاة ، وإمام ليؤم المسافرين في الصلاة ، وتخصيص عربة أخرى لتقديم المأكل والمشرب للمسافرين.
قامت الدولة العثمانية ببناء العديد من المخافر على طول الخط الحديدي ، لتوفير احتياجات حجاج بيت الله الحرام من ماء وغذاء ، وحمايتهم من مخاطر غارات البدو في طريق الحج .
ولاريب في أن من أهم فوائد الخط الحديدي حمل الصرة الهمايونية أو "الصرة الرومية " التي حرص سلاطين الدولة العثمانية على إرسالها سنويا إلى سكان الحرمين الشريفين .
أيضا : عزز إنشاء سكة حديد الحجاز سلطة الدولة العثمانية في الجزيرة العربية ، فأصبح إرسال القوات العسكرية إليها أمرا ميسورا.
... وصل أول قطار يقل زائري بيت الله الحرام وقبر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينة المنورة في 22 من شهر رجب سنة 1326 هجرية (23 /8/ 1908 م ) ، فكان لوصوله صدى طيب في قلوب المسلمين ،إذ انهمرت الدموع ، وانهالت الدعوات لخليفة المسلمين وسلطانهم عبدالحميد الثاني ، الذي كان قد أمر بوضع كساء على قضبان الحديد ، قبل الوصول إلى المدينة المنورة ، حتى لا تزعج حركة سير القطار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرقده الشريف .
وقد واكب وصول خط سكة حديد الحجاز إلى المدينة المنورة استخدام أول مصباح كهربائي في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلقد رفض السلطان عبدالحميد الثاني إنارة قصره بالكهرباء إلا بعد إنارة المسجد النبوي الشريف ، حتى لاتكون له الأفضلية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ...
... جدير بالذكر أن خط سكة حديد الحجاز قد أقض مضاجع بريطانيا ، إذ رأت في إنشائه خطرا يهدد وجودها ومشاريعها الاستعمارية في العالم الإسلامى ، فبذلت جهدا كبيرا - بطريقة غير مباشرة - لمنع إنشائه :
أذاعت أخبارا كاذبة - في مصر والهند - أن الدعوة إلى التبرع لإنشاء سكة حديد الحجاز دعوة مغرضة هدفها استيلاء السلطان عبدالحميد الثاني على أموال المسلمين ، منعت مسلمي الهند من تعليق الأوسمة العثمانية على صدورهم والتي كانت الدولة العثمانية قد منحتهم إياها تقديرا لهم على دعمهم وتبرعهم ، أيضاً : وقفت حائلا دون وصول خط سكة حديد الحجاز إلى ميناء العقبة !!
تجدر الإشارة - أخيرا - إلى أن تشغيل سكة حديد الحجاز سنة 1908 م كان من العوامل التي عجلت بالانقلاب على السلطان عبدالحميد الثاني في السنة نفسها ، ثم عزله في السنة التي تلتها !!




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى