عبد علي حسن : نص ونقد .. حركية المخيال في نص سلمان داود محمد

* نص ونقد

( في بلاد الأناضول أنا ظل
يشير بكل يماماته الى هديل نخلكِ ..
كل الغرقى في بحر” مرمرة ” أنا
أحفر في دمع دجلة مثواي الأخير
كانت – يمه يا يمه – لـ داخل حسن
أعلى نبرة من خطابات أتاتورك
وأوربية شارع ” تكسيم ” السعيدة لا تؤدي
الى آسوية بغداد الأسى والآس،
فالموت في شوارع العراق نجاة
وماعدا ذلك محض هراء …..)

سلمان داود محمد
26 / سبتمبر / 2019

* حركية المخيال في نص سلمان داود محمد

يرتبط مفهوم المخيال ارتباطا وثيقا بالدراسات الانثروبولوجية التي تعنى بالإنسان والتمثلات الثقافية بما في ذلك الاسطورية للمجتمع ، وهو — المخيال — بهذا المعنى سيكون وفق مانرى صندوق الصور المكونة لتجارب الانسان ومروياته وطباعه وعلائقه المتنوعة ، لذا فهو ذاكرته وماضيه الذي يستدعيه كلما وجد حاجة او تحديا لمكونات ثقافته الفردية والجمعية ، لذا فالمخيال هوية الإنسان في فرادته وانتمائه للجماعة ، وحسب القديس اوغسطين فإن هذا الماضي هو ماضي أنا، وبهذه الصفة تؤمن الذاكرة الإستمرارية الزمنية للشخص التي تسمح لنا بأن نذهب صعودا من دون اي قطيعة مع الحاضر المعيش ، وبحسب بول ريكور فإن الذاكرة هي الروح ، وتلجأ الذات الشعرية الى تكريسه بعده الحافز الذي يسهم في تحقيق الانتماء الى الذات اولا و الى المجتمع اولا ، وفي النص الشعري الآنف الذكر أعلاه للشاعر العراقي سلمان داود محمد الذي نعده اختبارا لمخياله الذي تم استدعاؤه حين اغتربت الذات الشاعرة عن ذاكرتها الاولى ، وتعرضها الى محاولة الاقتران بذاكرة جديدة لوجودها في بنية مكانية وزمانية منفصلة عن جذور مكوناتها الفردية والجمعية التي انتجت ثقافته الخاصة ، لذا فإن حركة المخيال في النص قد انشغلت بالمقارنة بين ال (هنا ) وال (هناك) ، وفي الوقت الذي كون فيه ( الأناضول ) ال (هنا ) فإن بغداد قد كونت ال (هناك ) في مكان الاغتراب ، ووجدت الذات الشاعرة فاعليةهذه المقارنة في مكان الاغتراب الذي وجد فيه الشاعر نفسه ظلا يسكنه هديل حمامات نخل العراق ، كما وحد نفسه بكل الغرقى الذين حاولوا الفرار عبر بحر (مرمرة) وأختزلهم بأناه المتوحدة مع ذاكرة المهاجرين ، ويقترح دجلة مقر مثواه الأخير مفضلا اياه على بحر مرمرة ، ولئن كانت خطابات ( اتاتورك) تملأ فضاء مكان اغترابه ، فإن أغنية داخل حسن ( يمه يايمه) كانت تملأ فضاء روحه وبنبرة اعلى من تلك الخطابات التركية ، كما ان مظاهر الحياة الاوربية في ميدان (تقسيم ) في اسطنبول ، لم تكن تضاهي الأسى الذي يتوزع ميادين وشوارع بغداد ، ان جميع هذه المقارنات بين ( المكانين) تحث به الخطى بإتجاه التصريح بان حتى الموت في شوارع بغداد هو نجاة من فقدان ذاته وهوية مخياله ، وسوى هذه الشوارع والموت فيها انما هو مجرد ثرثرة وخواء وضرب من اللاجدوى والهراء ، لقد وجدت الذات الشاعرة في اغترابها تحديا لمخيالها الذي كون هويتها العراقية والمتمثلة للصور التي جابهت ذلك التحدي ( هديل اليمامات على النخل ، عبر عكس الصورة المعهودة ، اذ اسند الهديل للنخل ، / اغنية داخل حسن المكونة للشجن والحزن العراقي / اسى بغداد وآسها / شوارع العراق ) فكل هذه الصور تم استدعاؤها لتقف متحدية مكونات ذاكرة الاغتراب ، لتبقى الذات الشاعرة الصورة الخاصة والعامة عبر مخيالها الجامع ، منتشية حتى في موتها في بلاد المخيال .
لقد تمكن الشاعر سلمان داود محمد من اختبار مخياله في بلاد ال (هناك) ليعلن انتمائه الصميمي الى بلاد ال (هنا) جاعلا حركية المخيال تأخذ مداها الانساني المتسع وفق لغة شفيفة محفزة ماهو شعري في تقريرية النثر لتتجاوز استهلاكية التلقي الى تحقيق فضاء شعري مؤثر .



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى