محمد السلاموني - السِيجَارَة.. كعضو جديد أضافته الحداثة إلى أجسادنا :

فيما مضى، وقبل الإقرار طبيا بالعلاقة الحتمية بين التدخين والأمراض، وعلى رأسها مرض السرطان، كثيرا ما كنا نرى صور المفكرين والصحفيين والمشاهير عامة فى الجرائد والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة، غارقين فى سحابة من تبغ محترق... حتى إن بعض ملامحهم كانت تختفى أو تكاد، فى سبيل إبراز تعبير داخلى عميق، يتمحور عادة حول "الإستغراق فى التفكير والأحلام والشرود وما شابه".
"ومن نافلة القول"- رغم أننى أكره المسكوكات اللغوية- أن هذا النموذج الدعائى الجديد، سرعان ما تفشى بين البشر أجمعين تقريبا، لاسيما الشباب فى تقليدهم للمشاهير من نجوم السينما...
كان دخان التبغ يضفى على صاحبه مسحة رومانسية غامضة، هذا إن لم نقل سحرا آسرا من نوع ما... / فأن تبدو - أينما كنت- داخل سحابة، كأنما تصطحب معك قطعة من السماء، هى علامة على هيامك فى عوالم أخرى "داخلية- عميقة"، وهو ما يشير إلى نأيك بنفسك عن الآخرين- هذا على الرغم من أنهم جميعا تقريبا يفعلون نفس ما تفعل!...
هل كانت تلك الظاهرة علامة على أن هناك "فرد" يفكر، يحلم، يُبدِع... "فرد صار له عالمه الخاص" ؟...
// يخطر لى أحيانا أن هناك علاقة ما بين الإنسان الذى يضع السيجارة المشتعلة فى فمه، لينهمر منها الدخان، و"مداخن المصانع"... وهو ما قد يعنى أن "الإنسان الحديث" صار "منتِجا" كالمصانع تماما... لقد تحوَّل إلى "آلة"، آلة بشرية... !.
استثمرت السينما هذا العنصر الجديد، ببلاغة بصرية مذهلة...
[وهنا لا أتحدث عن البروباجندة وشركات التبغ العالمية والأموال الطائلة التى تحَصَّلت عليها جرَّاء ذلك... أنا أتحدث فقط من الناحية السيميولوجية- أى العلاماتية].
لقد ساهمت تلك الظاهرة فى تضخم الذوات الفردية- حتى الصَّبية الصغار كان يتعاطون التبغ متخذين مظهر الكبار، ليبدو لنا كبارا...
ومن الغريب أن تضخم الذات هذا، كان يخفى فى طياته "إنقسام الخلايا وتكاثرها فى الجسد" وهو ما يُعرف بمرض السرطان ؟!.
نعم، ليست السِيجَارَة سوى العضو الجديد الذى أضافته الحداثة إلى أجسادنا، لنختفى به عن الأنظار/ أو هكذا انقلبت دلالة المجتمع الصناعى .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى