ضحكك الرجلان بقهقهات عالية وهما ينظران في شاشة المراقبة، وقال السمين الذي تجاوز الخمسين بقليل:
- لم نكن نتوقع صيداً كهذا.. دخل الفأر برجليه إلى المصيدة..
- قفز من السور القصير بعد أن سرق الذهب وعبر الشارع ليختفي في أزقة حي دانتي الأسود..
- أخيراً سنرى النتيجة..
....
- تخفى اللص النحيل، رشيق الحركة، في ظلمة حي دانتي الأسود..دَوِّن ذلك..
قال النحيف فدوَّن السمين بضربات بطيئة على الحاسب:
- إنك بطيئ يا صديقي..
- في كل شيء تقريباً ما دمت قد تجاوزت الخمسين..
ضحك الرجلان وقد طافت بمخيلتهما مشاهد ما.
- دعنا نعود للعمل..حسنٌ..اللص المنحوس خرج من القطاع الحر إلى القطاع الآمن وهو حي دانتي الأسود.. دعنا نعطه رمز ألفا..
استمر في الحديث واستمر الآخر في الكتابة ببطء:
- سنرى ماذا سيفعل الفأر..
- ببطء..
- س ن ر ى ماذاسيفعلالفار
- قلت ببطء..
- حسنٌ..إنه تحت ظل الجدار الغربي للمنزل رقم ثلاثة من الشارع الرئيسي..
- دعنا لا ننسى الوقت والتاريخ..
- الساعة الحادية عشر مساء..لا زال الفأر قريياً من المنطقة الحرة..غير أن تنبؤات تطبيقاتا تؤكد بأنه سيحاول إختصار الطريق والتخفي عبر التعمق داخل حي دانتي الأسود..ويبدو أن هذا بالفعل ما يحدث الآن..لقد تعمق شرقاً ووصل إلى الزقاق الثالث ثم انعطف شمالاً ببطء وحذر.. إنه يرفع رأسه لتأمل المنازل ذات الجدران القصيرة، ويبدو أنه يفكر في اقتناص الفرصة..
- حسب التنبؤات فسوف يختار المنزل رقم ٧٣ الكائن في الشمال الغربي..
- صحيح وهو بالفعل الآن يتأمل الجدار القصير..يبدو جدار المنزل قصيراً جداً من الخارج مع بروز ارتفاع نسبي للمبنى الداخلي..وها هو بالفعل يحاول تسلق الجدار بمهارة ورشاقة..لقد قفز قفزة واحدة وأنشب أصابعه على حافة الجدار ..ثم جمع جسده كالقط ودفع به إلى الأعلى..وهاهو الآن يجلس على ركبتيه ويمد رأسه متأملاً الأرض من الداخل..
- سأقرب الكميرا لنرى ما الذي يتأمله..
- إنه يتأمل الظلام تحت الجدار..ويبدو أنه يحاول التقاط المعنى من الصورة..
- هل سيفهم أن تحت الجدار خندق من ستة أمتار؟
- يبدو أنه لا يريد تصديق ذلك..ولكنه الآن إلتفت إلى يساره والخيبة ترتسم على ملامح وجهه المذعور...
- ضاعت فريسته..
- نعم..
- وحسب التنبؤات فسوف ينزل لكنه سيحاول العودة من حيث أتى..
- وهذا بالفعل ما حدث.. لقد هبط ببطء ثم تلفت حوله واتجه جنوباً..
ضرب السمين بيده على الطاولة بمرح:
- كش ملك..
- سنبدأ الفيلم الآن..يميل الشارع الثالث بزاوية خمس وثلاثين درجة بحيث لا يلاحظها الدخل منها ولكن يلاحظها الخارج فقط..ولذلك فحسب التوقعات البرمجية سيتوقف الفأر قليلاً متأملاً الشارع ليتأكد من أنه هو الذي جاء منه..وبنسبة تسعين في المائة سيتراجع إلى الخلف أي يتجه شمالاً ليتأكد من عدم وجود شارع آخر..
يضحك السمين حتى تنهمر دموعه:
- وهنا سيرى من الخارج الشارع الذي لا يمكن رؤيته بسهولة من الداخل وسيحاول الدخول منه وتجربته..لتبدأ المسرحية..
- نعم يا صديقي.. لقد تم تصميم حي دانتي الأسود ليكون متاهة كبرى للمجرمين..إنه آخر تقليعات ما يسمى بالتصميم البيئي..
- دعني أصحح لك.. مكافحة الجريمة عبر التصميم البيئي..
- هذا صحيح.. وقد صدقت التوقعات البرمجية..لقد دخل اللص إلى الزقاق الخفي.. هذا الزقاق مصمم على شكل مقطع من دائرة، تماما كفص البرتقال..يبدو للداخل مستقيماً ولكنه ليس كذلك للخارج.. وها هو اللص المسكين يحاول الخروج لكنه يرى ثلاثة شوارع أمامه..
- يا له من وضع مفزع..
- هو كذلك بالفعل.. وبحسب التوقعات فسيحاول تسلق جدار ليرى طريق الخروج من أعلى نقطة ممكنة..
يضحك السمين:
- وسيرى طريق الخروج المزيف..
- لو كان يعرف الفَلَك لاهتدى بالنجوم..
- هل أنت متأكد؟ فالإهتداء بالنجوم يصلح للرحلات في مساحات طويلة..
- لست متأكداً، لقد خطر لي ذلك فحسب.. ها هو فريستنا يتسلق الجدار لأحد المنازل ويشرئب برأسه وهو يقف على أمشاط أصابعه ليحدد موقعه داخل المصيدة.. لقد بنيت كل المباني باللون الاسود وبذات التصميم بحيث لا يمكن لشخص أن يجد علامة تُميِّز موقعاً ما..
- دائرة نصف قطرها ثلاثة كيلو متر تقريباً..
نظر السمين إلى الشاشة وقال:
- بحسب التوقعات البرمجية فسوف يقطع سبعة وخمسين كيلو متراً قبل أن يستسلم..
- لو كنت مكانه لاستسلمت بعد خمسة كيلو متر فقط..
التفت إليه النحيل وتأمله:
- ربما أقل من هذا بكثير مع وزنك هذا..
- أملك احتياطياً كافياً من الشحم..
يتجاهل النحيل ذلك:
- يتلفت الفأر وهو يقف فوق الجدار متأملاً الأفق..في المساء يتسربل الحي بالظلام مع لون المساكن الأسود يصبح الحي مخيفاً كجحيم دانتي أليجيري..إنه حي مرعب بالفعل لمن لا يملك جي بي إس..
- أنظر (يشير السمين بأصبعه) إنه يهرول فوق الجدار محاولاً إيجاد زاوية بصرية أفضل..إنه يبحث عبثاً عن علامات...
- ترد إليَّ إشارات من الحساسات الرقمية..نبضات قلبه تزداد ويبدو أنه بدأ يتعرق من التوتر..
- بحسب التوقعات..عندما تصل درجة توتره لثلاثمائة درجة سوف يبدأ في فقدان الإتزان وسيبدأ في حركة الديك..
يضحك ويفرك كفيه:
- كم أتمنى أن أرى ذلك بسرعة..
يقول النحيل:
- من المؤكد أنك ستراه.. إن برنامجنا لا يخطئ...كل الإحتمالات مدروسة..
- إذاً؛ ها هو صاحبنا يهبط من الجدار ويسير ولكن ببطء شديد وبتردد تماما كما تنبأ البرنامج..
- الشيء الجيد هو أننا الطرف الطيب دائما.. أليس كذلك.. والجيد هو ان الأطراف الجيدة بدأت تنتصر عندما أصبحت أكثر عقلانية وأقل عاطفية من قبل..فإذا كان الإنسان السوى لديه نظام فإن المجرم أيضا لديه نظام..ليست الجريمة سوى صراع بين نظامين..أليس كذلك؟
- هو كذلك بالفعل..في خضم الفوضى نبني جميعنا نظاماً لنتحرك من خلاله..لقد اختار المجرم أن يبني نظاماً معادياً لأنظممتنا الطيبة..
ثم أضاف:
- ولكن هل من المؤكد ذلك..أقصد..أن أنظمتنا ما دامت لا تحقق له طموحاته فهي أنظمة ليست طيبة بالنسبة..على الأقل بالنسبة له..وربما هو الذي يرانا كمجرمين؟ أليس ذلك محتمل؟
- نعم..ربما..فالغالبية لا تهتم كثيراً لنظرات الأقلية..فلو أننا -أي أنا وأنت- عشنا داخل عصابة فلن يُلتفت إلينا أبداً..إن الدموقراطية كما يقول الليبراليون الأوائل هي دكتاتورية الأغلبية..لذلك سنبدو أشراراً بالنسبة له لا محالة..
- ماذا لو كنا نلتفت إلى قضايا هؤلاء المجرمين ونحاول إيجاد حلول لها..هل كان ذلك لينهي الجريمة..
- سيخففها ولن ينهيها..المشكلة أن التقاطعات كثيرة وشائكة..أنظر..ها هو صاحبنا يبدأ حركة الديك..
يضحك الرجلان بقهقهات عالية وهما يتابعات حركات اللص المجنونة..فقد كان يجري لمترين أو ثلاثة ثم يتوقف، يتحرك إلى الأمام ثم يعود إلى الخلف، يحاول القفز فوق سور منزل ثم يتراجع ويعود إلى الهرولة كالمجنون..
- حركة الديك مستقاة من دخول شخص إلى قفص فيه ديك.. حيث يفقد الديك صوابه ويبدأ بالجري ثم الطيران القصير الناقص ثم السقوط طائفاً بكل حواف القفص وفي قلب القفص وسقفه وأرضه، مرفرفاً بجناحيه وصارخاً..
- يبدو أنه سيستسلم أبكر مما توقع البرنامج..فها هو يجثو على الأرض..
- لااااا.. ليس بهذه السرعة..
- إنه يسجد باكياً..
- يا للخسارة..
- خده الأيسر على الأرض غارقا في الدموع..
- ينهض ويرفع ذراعية للسماء..
- إنه يصرخ بأعلى صوته..
- ماذا يقول؟ دعنا نسمع..
- لا..أرجوك..لا احب صراخ المفزوعين..سأصاب بالإكتئاب..
- حسنٌ..سأسمعه لوحدي عبر سماعة الأذن..
يضع النحيل سماعتي الأذن على أذنيه ويسمع ووجهه متجهم وعيناه ضيقتان..فيراقبه السمين بفزع ويهمس:
- ماذا يقو..
يقاطعه النحيل بإشارة من يده..ثم يخرج السماعتين ويلقي بهما على الطاولة بسرعة:
- سينتحر..
يقفز الرجلان من مقعديهما ويهرولان إلى الخارج بسرعة..
(تمت)
- لم نكن نتوقع صيداً كهذا.. دخل الفأر برجليه إلى المصيدة..
- قفز من السور القصير بعد أن سرق الذهب وعبر الشارع ليختفي في أزقة حي دانتي الأسود..
- أخيراً سنرى النتيجة..
....
- تخفى اللص النحيل، رشيق الحركة، في ظلمة حي دانتي الأسود..دَوِّن ذلك..
قال النحيف فدوَّن السمين بضربات بطيئة على الحاسب:
- إنك بطيئ يا صديقي..
- في كل شيء تقريباً ما دمت قد تجاوزت الخمسين..
ضحك الرجلان وقد طافت بمخيلتهما مشاهد ما.
- دعنا نعود للعمل..حسنٌ..اللص المنحوس خرج من القطاع الحر إلى القطاع الآمن وهو حي دانتي الأسود.. دعنا نعطه رمز ألفا..
استمر في الحديث واستمر الآخر في الكتابة ببطء:
- سنرى ماذا سيفعل الفأر..
- ببطء..
- س ن ر ى ماذاسيفعلالفار
- قلت ببطء..
- حسنٌ..إنه تحت ظل الجدار الغربي للمنزل رقم ثلاثة من الشارع الرئيسي..
- دعنا لا ننسى الوقت والتاريخ..
- الساعة الحادية عشر مساء..لا زال الفأر قريياً من المنطقة الحرة..غير أن تنبؤات تطبيقاتا تؤكد بأنه سيحاول إختصار الطريق والتخفي عبر التعمق داخل حي دانتي الأسود..ويبدو أن هذا بالفعل ما يحدث الآن..لقد تعمق شرقاً ووصل إلى الزقاق الثالث ثم انعطف شمالاً ببطء وحذر.. إنه يرفع رأسه لتأمل المنازل ذات الجدران القصيرة، ويبدو أنه يفكر في اقتناص الفرصة..
- حسب التنبؤات فسوف يختار المنزل رقم ٧٣ الكائن في الشمال الغربي..
- صحيح وهو بالفعل الآن يتأمل الجدار القصير..يبدو جدار المنزل قصيراً جداً من الخارج مع بروز ارتفاع نسبي للمبنى الداخلي..وها هو بالفعل يحاول تسلق الجدار بمهارة ورشاقة..لقد قفز قفزة واحدة وأنشب أصابعه على حافة الجدار ..ثم جمع جسده كالقط ودفع به إلى الأعلى..وهاهو الآن يجلس على ركبتيه ويمد رأسه متأملاً الأرض من الداخل..
- سأقرب الكميرا لنرى ما الذي يتأمله..
- إنه يتأمل الظلام تحت الجدار..ويبدو أنه يحاول التقاط المعنى من الصورة..
- هل سيفهم أن تحت الجدار خندق من ستة أمتار؟
- يبدو أنه لا يريد تصديق ذلك..ولكنه الآن إلتفت إلى يساره والخيبة ترتسم على ملامح وجهه المذعور...
- ضاعت فريسته..
- نعم..
- وحسب التنبؤات فسوف ينزل لكنه سيحاول العودة من حيث أتى..
- وهذا بالفعل ما حدث.. لقد هبط ببطء ثم تلفت حوله واتجه جنوباً..
ضرب السمين بيده على الطاولة بمرح:
- كش ملك..
- سنبدأ الفيلم الآن..يميل الشارع الثالث بزاوية خمس وثلاثين درجة بحيث لا يلاحظها الدخل منها ولكن يلاحظها الخارج فقط..ولذلك فحسب التوقعات البرمجية سيتوقف الفأر قليلاً متأملاً الشارع ليتأكد من أنه هو الذي جاء منه..وبنسبة تسعين في المائة سيتراجع إلى الخلف أي يتجه شمالاً ليتأكد من عدم وجود شارع آخر..
يضحك السمين حتى تنهمر دموعه:
- وهنا سيرى من الخارج الشارع الذي لا يمكن رؤيته بسهولة من الداخل وسيحاول الدخول منه وتجربته..لتبدأ المسرحية..
- نعم يا صديقي.. لقد تم تصميم حي دانتي الأسود ليكون متاهة كبرى للمجرمين..إنه آخر تقليعات ما يسمى بالتصميم البيئي..
- دعني أصحح لك.. مكافحة الجريمة عبر التصميم البيئي..
- هذا صحيح.. وقد صدقت التوقعات البرمجية..لقد دخل اللص إلى الزقاق الخفي.. هذا الزقاق مصمم على شكل مقطع من دائرة، تماما كفص البرتقال..يبدو للداخل مستقيماً ولكنه ليس كذلك للخارج.. وها هو اللص المسكين يحاول الخروج لكنه يرى ثلاثة شوارع أمامه..
- يا له من وضع مفزع..
- هو كذلك بالفعل.. وبحسب التوقعات فسيحاول تسلق جدار ليرى طريق الخروج من أعلى نقطة ممكنة..
يضحك السمين:
- وسيرى طريق الخروج المزيف..
- لو كان يعرف الفَلَك لاهتدى بالنجوم..
- هل أنت متأكد؟ فالإهتداء بالنجوم يصلح للرحلات في مساحات طويلة..
- لست متأكداً، لقد خطر لي ذلك فحسب.. ها هو فريستنا يتسلق الجدار لأحد المنازل ويشرئب برأسه وهو يقف على أمشاط أصابعه ليحدد موقعه داخل المصيدة.. لقد بنيت كل المباني باللون الاسود وبذات التصميم بحيث لا يمكن لشخص أن يجد علامة تُميِّز موقعاً ما..
- دائرة نصف قطرها ثلاثة كيلو متر تقريباً..
نظر السمين إلى الشاشة وقال:
- بحسب التوقعات البرمجية فسوف يقطع سبعة وخمسين كيلو متراً قبل أن يستسلم..
- لو كنت مكانه لاستسلمت بعد خمسة كيلو متر فقط..
التفت إليه النحيل وتأمله:
- ربما أقل من هذا بكثير مع وزنك هذا..
- أملك احتياطياً كافياً من الشحم..
يتجاهل النحيل ذلك:
- يتلفت الفأر وهو يقف فوق الجدار متأملاً الأفق..في المساء يتسربل الحي بالظلام مع لون المساكن الأسود يصبح الحي مخيفاً كجحيم دانتي أليجيري..إنه حي مرعب بالفعل لمن لا يملك جي بي إس..
- أنظر (يشير السمين بأصبعه) إنه يهرول فوق الجدار محاولاً إيجاد زاوية بصرية أفضل..إنه يبحث عبثاً عن علامات...
- ترد إليَّ إشارات من الحساسات الرقمية..نبضات قلبه تزداد ويبدو أنه بدأ يتعرق من التوتر..
- بحسب التوقعات..عندما تصل درجة توتره لثلاثمائة درجة سوف يبدأ في فقدان الإتزان وسيبدأ في حركة الديك..
يضحك ويفرك كفيه:
- كم أتمنى أن أرى ذلك بسرعة..
يقول النحيل:
- من المؤكد أنك ستراه.. إن برنامجنا لا يخطئ...كل الإحتمالات مدروسة..
- إذاً؛ ها هو صاحبنا يهبط من الجدار ويسير ولكن ببطء شديد وبتردد تماما كما تنبأ البرنامج..
- الشيء الجيد هو أننا الطرف الطيب دائما.. أليس كذلك.. والجيد هو ان الأطراف الجيدة بدأت تنتصر عندما أصبحت أكثر عقلانية وأقل عاطفية من قبل..فإذا كان الإنسان السوى لديه نظام فإن المجرم أيضا لديه نظام..ليست الجريمة سوى صراع بين نظامين..أليس كذلك؟
- هو كذلك بالفعل..في خضم الفوضى نبني جميعنا نظاماً لنتحرك من خلاله..لقد اختار المجرم أن يبني نظاماً معادياً لأنظممتنا الطيبة..
ثم أضاف:
- ولكن هل من المؤكد ذلك..أقصد..أن أنظمتنا ما دامت لا تحقق له طموحاته فهي أنظمة ليست طيبة بالنسبة..على الأقل بالنسبة له..وربما هو الذي يرانا كمجرمين؟ أليس ذلك محتمل؟
- نعم..ربما..فالغالبية لا تهتم كثيراً لنظرات الأقلية..فلو أننا -أي أنا وأنت- عشنا داخل عصابة فلن يُلتفت إلينا أبداً..إن الدموقراطية كما يقول الليبراليون الأوائل هي دكتاتورية الأغلبية..لذلك سنبدو أشراراً بالنسبة له لا محالة..
- ماذا لو كنا نلتفت إلى قضايا هؤلاء المجرمين ونحاول إيجاد حلول لها..هل كان ذلك لينهي الجريمة..
- سيخففها ولن ينهيها..المشكلة أن التقاطعات كثيرة وشائكة..أنظر..ها هو صاحبنا يبدأ حركة الديك..
يضحك الرجلان بقهقهات عالية وهما يتابعات حركات اللص المجنونة..فقد كان يجري لمترين أو ثلاثة ثم يتوقف، يتحرك إلى الأمام ثم يعود إلى الخلف، يحاول القفز فوق سور منزل ثم يتراجع ويعود إلى الهرولة كالمجنون..
- حركة الديك مستقاة من دخول شخص إلى قفص فيه ديك.. حيث يفقد الديك صوابه ويبدأ بالجري ثم الطيران القصير الناقص ثم السقوط طائفاً بكل حواف القفص وفي قلب القفص وسقفه وأرضه، مرفرفاً بجناحيه وصارخاً..
- يبدو أنه سيستسلم أبكر مما توقع البرنامج..فها هو يجثو على الأرض..
- لااااا.. ليس بهذه السرعة..
- إنه يسجد باكياً..
- يا للخسارة..
- خده الأيسر على الأرض غارقا في الدموع..
- ينهض ويرفع ذراعية للسماء..
- إنه يصرخ بأعلى صوته..
- ماذا يقول؟ دعنا نسمع..
- لا..أرجوك..لا احب صراخ المفزوعين..سأصاب بالإكتئاب..
- حسنٌ..سأسمعه لوحدي عبر سماعة الأذن..
يضع النحيل سماعتي الأذن على أذنيه ويسمع ووجهه متجهم وعيناه ضيقتان..فيراقبه السمين بفزع ويهمس:
- ماذا يقو..
يقاطعه النحيل بإشارة من يده..ثم يخرج السماعتين ويلقي بهما على الطاولة بسرعة:
- سينتحر..
يقفز الرجلان من مقعديهما ويهرولان إلى الخارج بسرعة..
(تمت)