علجية عيش - جزائريون يفتقدون "المواطنة" و"العدالة الإجتماعية"

يخنقهم المدخول و التجار يقطعون أنفاسهم


صرخة الجزائريين (من الدرجة الثانية) قد تذيب الحجر لو سمع صرختهم و هم يرددون : نحن لا نأكل اللحم إلا في المناسبات الدينية ( عيد الأضحى) حتى لحم الدجاج لم نعد قاردين على اقتنائه، أما الحبوب كالفاصوليا و العدس فقد نبتت جذورهما في معدتنا، هي صرخة الجياع الفارغة جيوبهم على مدار السنة حتى لو كانوا يعملون فمدخولهم زهيد لا يكفي تسديد فاتورة الغاز و الكهرباء و الماء و حتى إيجار السكن ، خاصة العاملين في القطاع الخاص، و لم يعد هؤلاء يزورون الطبيب في حالة إصابتهم بالمرض لغلاء تسعيرة العلاج و تكلفة الدواء، هي الرسالة التي وجهها الجزائريون إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي جعل "المضاربة" جريمة من أجل بناء دولة الحكم الراشد، دولة يحكمها القانون لا دولة تتحكم فيها العصابات و الزعامات


في ظل القرار المتضمن وقف الدعم للمصنعين في المواد الغذائية كالحليب مثلا، فقد عرفت السوق الجزائرية ارتفاعا ملفت للإنتباه في أسعار المواد الغذائية التي يستهلكها المواطن البسيط كالبطاطا التي وصل سعرها إلى 100 دج، الفلفل الحلو إلى 160 دج، دون الحديث عن اسعار الفواكه كالتفاح الذي وصل الكلغ الواحد منه إلى 900 دج، أما اللحوم الحمراء لا يستطيع المواطن الضعيف الدخل التقرب منها لغلاء سعرها ( 1500 دج للكلغ ) و اللحوم البيضاء كالسمك الذي يتراوح بين 950 إلى 1900 دج، فالمستوى المعيشي للفرد الجزائري اليوم يشهد تدهورا بحيث لا يزال دون المستوى المطلوب، ليس الحديث هنا عن البطّال الذي لا يملك وظيفة محترمة أو منصب عمل يسترزق منه، و يضمن به قوت أولاده الصغار، بل عن العامل ( الشهّار) الذي لا يكفيه مدخوله الشهري فيلجأ إلى الإستدانة لإعالة أبنائه و يضمن لهم الخبز و الحليب، أو شراء لهم الدواء إن مرضوا أو الأدوات المدرسية على مدار السنة أو كسوة العيد، و كل هذه اللوازم تحتاج إلى مصاريف.

فالعائلات الجزائرية الفقيرة تواجه صعوبات لتلبية احتياجات الأسرة، فمن الصعب جدا أن يعتمد المواطن البسيط على تناول العجائن يوميا، لأن معدته ستنفر منها في يوم ما و يطالبه جسمه بتناول ما يجعله قويا ليواجه قساوة الحياة، فالدريهمات أو الفُتَاتُ إن صح القول الذي يتلقاه كل شهر لا يكفي قوت شهر، فيلجأ إلى التقشف من أجل مصاريف تسديد فاتورة الغاز و الكهرباء و الماء وغير ذلك، بعدما تنازل عن بعض المصاريف التي تقتضيها العادات و التقاليد و محاها من أجنتدته، كحضور حفل زفاف لأنه سيجبر على حمل معه هدية و تكريم العروس أو العريس في ليلة الحنّة و غيرها من البروتوكولات التي تعتبر من الكماليات، و هنا يمكن الإشارة أن معظم العاملين في القطاع الخاص يلجأون إلى الإستدانة أمام مطالب الأولاد الذين يريدون العيش في المستوى الذي يعيشه زملاؤهم في المدرسة، هذا العامل الذي لم يعد يحلم بأكل اللحم و لو مرة في الشهر، و لم يعد يحلم بالسفر أو الذهاب للإستجمام على شاطئ البحر، لأن ذلك يكلفه غاليا و لم يعد حتى يذهب للطبيب للعلاج لأن جيبه فارغ ، كما لم يعد المواطن الجزائري في حاجة إلى التثقيف، لأنه غير قادر على شراء كتاب فكري يغذي عقله و يكتسب منه المعرفة و الثقافة أو شراء حتى جريدة يومية يطلع منها على الأخبار و ما يحدث، في الوقت الذي نجد بعض العائلات تبذر و ترمي الخبز اليابس و بقايا ما تطبخه في القمامة ، رغم ذلك فهو قانع لأنه يكسب قوته بالحلال و لم تمتد يده إلى الحرام بنهب المال العام مثلما نقرأ عن بعض الموظفين الذين في اشهر قليلة يشيدون الفيلات و يشترون السيارات الفاخرة.

بالمقابل لم تعمل الدولة على تحسين شبكة الأجور و منها تحسين القدرة الشرائية، يحدث هذا في جزائر يرقد شعبها على النفط الذي نهبوا مداخيله طيلة العشرين سنة الماضية أو أكثر، و لا تزال ترسبات النهب للمال العام و ثروات البلاد تؤثر بشكل سلبي على الإقتصاد في الجزائر، بالمقارنة مع نظرائها في الدول المجاورة، و بات هذا الوضع يخلق تذمرا لدى المواطن، لم يعد الجزائري يفرق بين الأجير و الفقير، على اعتبار أن الراتب الشهري لم يعد يلبي الحاجيات اليومية البسيطة (الخبز و الحليب)، و رغم أن الدولة أعادت النظر في سياسة الأجور من خلال تحديد الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، لكن هذه السياسة غير مطبقة حتى الآن خاصة في القطاعات الخاصة، فاين هي الحياة الكريمة التي يتحدث عنها المسؤولون في الجزائر؟ و أين هو حق المواطنة؟ و اين هي الوعود التي قطعوها في حملاتهم الإنتخابية؟ و هم يعلمون أن المرأة الجزائرية اصبحت تتسوّل و تبيت في الشوارع، و البطالة أجبرت الشباب على سلوك طريق الجريمة ( السرقات و المتاجرة بالمخدرات و..و..الخ)

لا غرابة في ذلك طالما أرملة الشهيد و أرملة المجاهد في فترة ما قبل صدور القانون كانت تعمل عاملة نظافة في المؤسسات الإقتصادية يتحكم فيها من كانت فرنسا راضية عنه و سمحت له بالتسلطو على الأحرار و التحكم في أرزاقهم، هذه هي حياة الجزائري في جزائر العزة و الكرامة في جزائر ما بعد بومدين، و إلى اليوم لا تزال المرأة تتسوّل و أخريات يقتنين من القمامة حتى الرجال، هي الجزائر التي يحتكر باروناتها المواد الغذائية و يعلنون عن انقطاعها كالحليب و الزيت و السميد، و يعمد مضاربوها إلى رفع الأسعار و بيعها لمن يرضون عنه لأنه صاحب نفوذ وعلى استعداد للدفع أكثر، حدث هذا مؤخرا في إحدى الأسواق الراقية في عاصمة الشرق الجزائري أين ارتفع سعر 04 لتر من زيت المائدة ( عافية + ) إلى 1070 دج و 01.60 لتر منه إلى 500 دج، و استغل كبار التجار الظرف الصحي الذي يشهده العالم كله إثر انتشار فيروس كورونا و ارتفاع عدد الإصابات خاصة في الجزائر.

المسألة طبعا لا تتعلق بـ: "التضخم" و إنما بسوء التسيير و غياب مخطط اقتصادي ، حتى لو قلنا أنه وجب إعادة النظر في خريطة التسيير الإقتصادية للبلاد و تحسين القدرة الشرائية للمواطن من خلال إعادة النظر في توزيع الأجور و بعدالة، فذلك لن يتحقق و لن يؤتي ثماره طالما الفساد لا يزال يعشش في أذهان بعض المسؤولين الذين يمثلون بقايا العصابة( بدون تعميم) فلكل عصابة أعوان و عملاء يعملون في الخفاء و ينفذون أجنداتها، المسألة تتعلق بقرار سياسي رشيد، يقضي على الفساد من جذوره و ليس على رؤوس الفساد فقط ، قرار يضع حدا لبارونات المخدرات التي أهلكت الشباب و مُهَرِّبِي "الوقود" خارج التراب الوطني، قرار يواجه الرؤوس الكبيرة التي تتحكم في سياسة البلاد في الداخل و الخارج، و المضاربيين في السلع الذين يتحكمون في السوق الوطنية، هي الرسالة التي وجهها الجزائريون إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الذي جعل "المضاربة" جريمة من أجل بناء دولة الحكم الراشد، دولة يحكمها القانون لا دولة تتحكم فيها العصابات و الزعامات.

علجية عيش

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى