أبووردة السعدني - ٱخرة العثمانيين

.. تمخض الانقلاب على السلطان عبدالحميد الثاني سنة 1908م ثم عزله سنة 1909م عن نتائج كارثية ، لعل أخطرها أن الدولة العثمانية لفظت أنفاسها الأخيرة في التاريخ المذكور ، فالسنوات التي تلت ذلك التاريخ لم يكن لها من الوجود إلا الاسم فقط ، ذلك الاسم الذي تدثر به الأتراك الطورانيون الماسون ، الحكام الحقيقيون الذين أوردوا المسلمين موارد الردي ، فشتتوا شملهم وفرقوهم شيعا وأحزابا !!..
... يمكن تقسيم تاريخ الدولة العثمانية - بعد عزل السلطان عبدالحميد الثاني - إلى مرحلتين :
المرحلة الأولى : من سنة 1908م إلى سنة 1918م ، تلك المرحلة التي تولى فيها رجال الاتحاد والترقي زمام الأمور في الدولة ، فكانوا - بقادتهم الثلاثة : أنور وجمال وطلعت - الحكام الفعليين ولم يكن للسلطان العثماني إلا الاسم فقط ، ليس له من الأمر شئ ، كرسوا شعار القوميات ، أكثروا في الدولة الفساد ، باءت كل مخططاتهم بالخيبة والخسران ، أدخلوا الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى إلى جانب ألمانيا والنمسا والمجر ، فكانت نتيجة سياستهم الخرقاء الهزيمة النكراء ، وعقد هدنة " مدوروس " ، واحتلال إستانبول سنة 1918م ، وهرب " الجبناء " الثلاثة ، إلى أن قتلوا واحدا بعد الآخر ، جزاء وفاقا لجرائمهم التي التي ارتكبوها في حق الإسلام والمسلمين ...!!
المرحلة الأخرى : تمتد من سنة 1919 إلى سنة 1924م ، ويمكن أن نطلق عليها المرحلة " الأتاتوركية " ، تلك المرحلة التي تولى كبرها المدعو " مصطفى كمال " !!
... قيل : إنه مجهول النسب ، لأن أمه كانت " بغيا " في مدينة "سلونيك " اليونانية ذات الأغلبية اليهودية ، وأنه نسب إلى موظف في جمارك سالونيك تزوج بأمه بعد ولادته ، ولن ندخل في تفاصيل نشأته ، ويهوديته المتخفية ،ووصمه ب " التنين ذي السبعة رؤوس "، لكنه كان عضوا في جمعية " الاتحاد والترقي " ، تمكن بدهائه أن يتقرب من ولي العهد الأمير " محمد وحيد الدين " وأن يحظى بثقة القصر العثماني ، حتى أطلق عليه " روز دور " - أي الوردة الذهبية - لفرط ثقة العثمانيين فيه !!
... تولى السلطان محمد وحيد الدين - محمد السادس - حكم الدولة العثمانية سنة 1918م ، وكانت العاصمة العثمانية والمضايق تحت احتلال جيوش الحلفاء ، والأوضاع متردية سياسيا واقتصاديا وعسكريا ، والجيش في شرق الأناضول ليس تحت السيطرة ، فلم يكن أمام السلطان إلا خله وصفيه " مصطفي كمال " ليستعين به في تلك الظروف الحالكة فعينه " مفتشا عاما "لجيش الأناضول بصلاحيات واسعة ، غير أنه تبين بعد ذلك أن تعيينه كان - أيضا -بإيعاذ من بريطانيا ، التي أعدت مصطفى كمال ليسدل الستار على الفصل الأخير في تاريخ الدولة العثمانية ....
.... استغل مصطفى كمال وجوده في الأناضول الموقف الصعب الذي تمر به الدولة ، وشرع في قيادة دفة الأمور لصالحه - بتخطيط بريطاني -- متظاهرا بمقاومة المحتلين وبولائه وإخلاصه لسلطان المسلمين وخليفتهم ، ثم تطورت الأمور وتلاحقت الأحداث ،فأعلن مصطفى كمال عصيانه واتخاذه مدينة " أنقرة " عاصمة له ، اعترف بها الحلفاء في معاهدة " سيفر " سنة 1920م ، أجريت انتخابات برلمانية ، و أقيمت دوائر حكومية ، وحاول السلطان محمد السادس إرسال جيش للقضاء على عصيان مصطفى كمال ، لكن بريطانيا حالت دون ذلك وفقا لشروط هدنة " مدوروس " !! ....
... وهكذا كشف مصطفى كمال عن وجهه الحقيقي ، وظهر بمظهر البطل القومي الذي يجاهد لتحرير بلاده من المحتلين ، وتأكيدا من بريطانيا وترسيخا منها لأقدامه ، رغبة منها في اجتثاث بقايا الدولة العثمانية الإسلامية - اصطنعت له نصرا زائفا على اليونان تحريرا لمدينة " أزمير " من احتلالهم سنة 1922م ، حيث هرب الجيش اليوناني من ساحة القتال - بإيعاذ من بريطانيا - ، فظهر مصطفي كمال في صورة القائد البطل المنقذ الذي يجدر بالمسلمين أن يعلقوا عليه الآمال ، وأذاعت بريطانيا أخبار ذلك النصر الميمون في كل أرجاء العالم الإسلامي ، خدع بتلك الدعاية المسلمون ، حتى إن أمير الشعراء " أحمد شوقي " نظم قصيدة طويلة - 88 بيتا - تمجيدا لمصطفى كمال ، رفعه - إلى مرتبة وقدر الصحابي الجليل ، سيف الإسلام " خالد بن الوليد " - رضي الله عنه - ، استهلها بقوله :
الله أكبر ، كم في النصر من عجب
يا خالد الترك جدد خالد العرب
نقول لولا الفتى التركي لحل بنا
يوم كيوم يهود كان عن كثب !!
... تمادى مصطفى كمال في عتوه وغروره ، مخيبا آمال المسلمين محققا أهداف الأوربيين المتخمة قلوبهم عداء للدولة العثمانية ، فأعلن إلغاء السلطنة العثمانية في نوفمبر سنة 1922م ، واضطر السلطان محمد السادس إلى الهرب - ليلا - إلى مالطة بواسطة زورق بريطاني -- خاوي الوفاض ، ليس معه إلا القليل من المال ، برفقة ولده وخادمه !!...
.... تم تعيين عبدالمجيد الثاني خليفة للمسلمين في الشهر نفسه سنة 1922م ، حتى عقدت معاهدة "لوزان " سنة 1923م ، وكان من بين شروطها " إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية ، وطرد الخليفة ومصادرة أمواله ، وإعلان علمانية الجمهورية التركية " ....
.... وفي الثالث من مارس سنة 1924م ، صدق البرلمان التركي - تحت قوة وتهديد السلاح - على إلغاء الخلافة الإسلامية العثمانية وفصل الدين عن الدولة ...
... وفي الليلة نفسها ، فجرا ، صدرت أوامر أتاتورك بطرد الخليفة عبدالمجيد الثاني ، فحملته سيارة عسكرية وألقت به خارج الحدود صوب سويسرا ، لا يحمل إلا حقيبة فيها القليل من الثياب وبضعة جنيهات انجليزية !! ...
.... وهكذا : تم هدم الخلافة وتدميرها ، وإلغاء الشريعة الإسلامية كدستور دولة ، وتشريع أمة ، ونظام حياة بواسطة الإنجليز وعميلهم مصطفى كمال أتاتورك !!
.... كان زوال الخلافة الإسلامية العثمانية كابوسا جثم بكلكله على قلوب المسلمين في كل أرجاء العالم الإسلامي ، سادت موجة حزن شديدة ، وبكى المسلمون مجدهم الذي ضاع ، ووحدتهم التي مزقت ، وكرامتهم التي أهينت وأهدرت ، وتعالت أصوات الشعراء عويلا ونواحا على الخلافة الإسلامية، في طليعتهم أميرهم أحمد شوقي ، الذي كان من بين المخدوعين بأتاتورك ، فراح يرثي الخلافة بحزن شديد ، ويهاجم مصطفى كمال في عنف لا يعدله إلا تحمسه له بالأمس ، وذلك حين يقول :
ضجت عليك مآذن ومنابر
وبكت عليك ممالك ونواح
الهند والهة ، ومصر حزينة
تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس
أمحا من الأرض الخلافة ماح
نزعوا من الأعناق خير قلادة
ونضوا عن الأعطاف خير وشاح
بكت الصلاة ، وتلك فتنة عابث
بالشرع عربيد القضاء وقاح
أفتى خزعبلة ، وقال ضلالة
وأتى بكفر في البلاد براح




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى