محمد السلاموني - الميتافيزيقا وإرادة القوة والحُجرَة الحقيرة:

من مجمل فلسفة نيتشه يمكن لنا الإنتهاء إلى أن "إرادة القوة" هى كلمة السِّر أو هى الشفرة الخاصة بإدارة الطبيعة بل والكون بأكمله.
كان نيتشه فيلسوفا طبيعيا تماما؛ أعنى أنه كان يدعو لمسايرة القوانين الطبيعية لا لمعاداتها والتحكم بها؛ على نحو ما ذهب فرانسيس بيكون. وهو ما يعنى معاداته للعقلانية الغربية التى ترى ضرورة الهيمنة على الطبيعة بالمعرفة؛ وهو ما يعنى أيضا أن المشروع النيتشوى كان ينطوى على تعريف آخر للمعرفة- لذا تم إدراج فلسفته فى إطار الفلسفة "اللاعقلية".
من هنا ذهبت بعض تيارات ما بعد الحداثة، وعلى مرجعية ما بعد البنيوية، إلى الإنقضاض على الحداثة "بشقيها العقلانى والتجريبى"...
ما أريد الحديث عنه هنا هو أن "معضلة الوجود فى العالم"، وبما هى سؤال الأسئلة كلها- من المنظور النيتشوى- ازدادت تعقيدا فوق تعقيد نظرا لاتخاذنا من "العقل" مرجعية لنا، هذا على الرغم من أن العقل يحيا فقط على تعاطى الماهيات "الميتافيزيقية"- ولدى نيتشه، ليس هنالك ما هو أكثر ضلالا من الميتافيزيقا بماهى "لغة وأخلاق".
لذا، اشتغل نيتشه على "اللغة" باعتباره فقيها لغويا، وعلى "الأخلاق" باعتباره رجل دين قديم.
// اللغة:
على الرغم من أن الدراسات المعاصرة ارتكزت على "دى سوسير" ونظريته فى "إعتباطية العلامة اللغوية"، إلا إن الإرتكاز على تلك النظرية يعود إلى أنها وفَّرت للباحثين، فى مختلف فروع المعرفة، البرنامج المنهجى العملى أو الإجرائى الذى يمكن لهم اتباعها فى البحث والتنقيب فى عالم اللغة، لكن نيتشه هى الذى وضع الإطار الفلسفى العام لذلك البحث، بحديثه عن أن "الدال لا يخبئ تحته مدلولا محددا يعد بمثابة ماهية، وأن الماهيات مختلقة..."، وهو ما لم يدركه "دى سوسير"، مما دعى اللغويين للأخذ بما ذهب إليه نيتشه، وهو ما أسفر الآن عن وجود مفاهيم جديدة، مثل: "تعدد المعنى وأنتشاره"؛ وهو ما يعرف بمشكلة "المعنى"؛ وهى المشكلة التى حلت لدى نيتشه محل "مشكلة الشئ" الديكارتية؛ التى تأسست عليها "العقلانية" و"التجريبية البيكونية" أيضا.
وهو ما يعنى أن البرنامج الفلسفى النيتشوى، كان تأسيسيا وشاملا، ومضادا للبرنامج الفلسفى "العقلانى" .
// الأخلاق:
منظومة القيم الأخلاقية تتضمن برنامجا مضادا للطبيعة التى لا تعرف سوى "إرادة القوة" .
هذا التضاد لا يعوق حركة الوجود فى العالم بقدر ما تتم به الهيمنة من قوى على قوى أخرى، فلدى نيتشه، الضعفاء فقط هم من يتمسكون بالقيم الأخلاقية، لا لشئ سوى لأنهم ضعفاء، أما حركة التاريخ، فتمتثل لإرادة القوة. من هنا كانت المصادفات هى التى تصنع التاريخ ؛ المصادفات، وليست القوانين الهيجلية والماركسية- فإرادة التاريخ عمياء وإعتباطية تماما، وليس بإمكانها سوى أن تلتف على نفسها فقط فى "عود على بِدء" .
نعم، الأخلاق حصن الضعفاء، حصن لا يزود عنهم بقدر ما يمثل شبكة لاصطيادهم من قِبَل رجال الدين؛ بما هم أدوات القوى المهيمِنة .
ونحن نعرف أن أكثر الناس تمسُّكا بالأخلاق هم أكثر الناس انتهاكا لها.
وفى الحقيقة، إذا ما نزعنا عن الأخلاق قشرتها الخارجية، لن نجد سوى إرادة القوة مختبئة هناك، فى الداخل.
كان نيتشه يدعو لتحرير طاقات وإمكانات الإنسان، وكان يرى بأن هذا ليس له أن يتحقق بالفعل سوى بإطراح المنظومات القيمية العتيقة .
وأخيرا:
استيقطت اليوم من النوم، بعد بضع ساعات فقط، دون أن آخذ قسطا كافيا...
أتعرفون لماذا؟
لأننى رأيت حلما غريبا:
شاب مفتول العضلات، يبدو أنه اختطف فتاة صغيرة وخبَّأها فى حجرته الحقيرة. كنت فى زيارته، ورأيت الفتاة ورأيت أدوات التعذيب؟!.. ثم خطر لى أن أسأله: لماذا هذه الأدوات هنا؟، ماذا تفعل بها؟!... فإذا به ينهض وينقض علىَّ ، وكاد أن يقتلنى؟!!!!!.
أدركت الآن أننى نجوت منه عندما استيقظت،... عندما خرجت من النوم- من الحجرة .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى