د. صبري محمد خليل خيري - مؤشرات بداية الاستخلاف العام الثانى للامه

اولا: ملخص الدراسه : أشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف الأمة ، في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...)(النور:55). وتتضمن الآية الإشارة إلى أنماط متعددة من الاستخلاف هي :أولا: الاستخلاف الاصلى- المثال:ويتضمن ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعي)، ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى).ثانيا:الاستخلاف التبعى: ويتضمن :ا/ استخلاف الأمة في الماضي (الاستخلاف العام الاول للامه)،ب/ استخلاف الأمة في الحاضر (الاستخلاف العام الثانى للامه)،ج/ الاستخلاف العام للأمة في المستقبل الدنيوي" الشهادى ، د/ استخلاف العام للأمة في المستقبل الأخروي" الغيبي ". وهناك مرحلتين أساسيتين للتغير- تمثل أيضا مراحل لتحقيق الاستخلاف:المرحلة الأولى"الاستطاعة" ، ومضمونها الانتقال مما هو كائن إلى ما هو ممكن، ومستوى أصلى هو مستواها الاعتقادي"الفكري" ومستوى فرعى هو مستواها العملي"التطبيقي". . المرحلة الثانية "العزم" ،ومضمونها الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي ان يكون، ومستواها الأصلي هو مستواها العملي"التطبيقي" ، ومستواها الفرعي هو مستواها الاعت قادى"الفكري". وغاية الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية . أما غاية ثنائيه " الاستكبار- الاستضعاف" فهى إلغائها– وهو ما يؤدى إلى تعطيلها وليس إلغائها " لأنها غير قابله للالغاء" , وهناك أنماط متعددة لتفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية: أولا : تضمنت مرحله الاستخلاف العام الأول للامه انماط تفعيل و تعطيل الاراده الشعبية التالية :ا/ التعطيل الاستبدادي"الداخلي، ب/ التعطيل الغزوى "الخارجي" ، ج/ التفعيل الزعامي . ثانيا: تتضمن مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه :ا/ مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبيه العربيه على المستوى الرسمى. ب/ مرحله تفعيل الاراده الشعبيه العربيه على المستوى الشعبى: وتشمل :ا/ مرحله التفعيل التلقائي، ب/ مرحله التفعيل القصدي. وشروط الاستخلاف تتضمن :شروط نصية مطلقة وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية ، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة . ب/ شروط اجتهادية مقيدة : وتتمثل في الحرية والعدالة الاجتماعية و الوحدة والجمع بين الأصالة والمعاصرة "التجديد" – على وجه لا يتناقض مع أصول الدين النصية الثابتة ، وباعتبارها قيم حث عليها الاسلام.........................................................

ثانيا:متن الدراسه التفصيلى:

الوعد الالهى باستخلاف الامه :
أشار القران الكريم إلى الوعد الالهى باستخلاف أمه التكليف"اى الأمة الإسلامية "، بأممها وشعوبها التكوينية المتعددة " ومنها الأمة العربيه – المسلمة " في قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ...)(النور:55).

انماط الاستخلاف: وتتضمن الآية الإشارة - الصريحة او الضمنية- إلى أنماط متعددة من الاستخلاف هي :

أولا: الاستخلاف الاصلى- المثال: وهو الاستخلاف الاصلى، اى الاستخلاف الذي تشير إليه الدلالة الأصلية للأيه،وهو المثال (النموذج) لاى استخلاف للامه ، ويتضمن أيضا نمطين من انماط الاستخلاف:

ا/ الاستخلاف النبوي(المثال الاتباعى): وهو استخلاف الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، و هو قسم من أقسام الاستخلاف الخاص ،الذي مضمونه استخلاف الله تعالى لفرد معين، والذى ينفرد به الرسل والأنبياء ، ولا يجوز نسبته إلى غيرهم . وهو مثال"نموذج" اتباعى لاى استخلاف للامه ، اى مثال "نموذج" واجب الإتباع لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان، قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ (آل عمران: 31- 32)، ومضمون هذا الإتباع أن السنة النبوية هي احد المصادر الأصلية للتشريع الاسلامى” بالإضافة إلى القران الكريم ” ، وان الأحاديث اليقينية الورود القطعية الدلالة مصدر لأصول الدين ،والأحاديث الظنية الورود والدلالة مصدره لفروعه .

ب/الاستخلاف الراشدي(المثال الاقتدائى): وهو استخلاف الخلفاء الراشدين خاصة والسلف الصالح(الصحابة والتابعين) عامه، وهذا الاستخلاف هو أعلى درجات الاستخلاف العام ، وهو مثال " نموذج " اقتدائي لاى استخلاف للامه، اى مثال(نموذج) واجب الاقتداء لتحقيق الاستخلاف الاسلامى في اى زمان ومكان،قال تعالى (فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)(البقرة: 137)، ومضمون هذا الاقتداء – على مستوى أصول الدين – الالتزام بفهم السلف الصالح للنصوص ، وما تتضمنه من عقائد وعبادات وأصول معاملات، كما أنها قائمة على إلغاء الإضافات التي طرأت علي فهم السلف لهذه الأصول .أما على مستوى فروع الدين فمضمون هذا الاقتداء هو اعتبار اجتهاد السلف الصالح في وضع قواعد فرعية لتنظيم مجتمعاتهم استجابة للمشاكل التي عاشوها، ، تجسيد لماضي الأمة وخبرتها، وبالتالي اتخاذه نقطة بداية لاجتهادنا فى وضع قواعد فرعية لتنظيم مجتمعاتنا استجابة للمشاكل التي نعيشها ، وليس نقطة نهاية له، وذلك بالالتزام بالقواعد الفرعية التي وضعوها كما هي ، أو بعد الترجيح بينها ، أو وضع قواعد جديدة استجابة لمشاكل جديدة لم يعايشوها..

ثانيا:الاستخلاف التبعى: و هو الاستخلاف الذي تشير إليه الدلالة التبعية للأيه، وهو الاستخلاف الأمة بعد الخلافة الراشدة ، وهو قسم من أقسام الاستخلاف العام، ويتضمن هذا الاستخلاف أيضا أنماط متعددة من الاستخلاف – تمثل مراحل متعددة للاستخلاف العام للامه منها :

ا/ استخلاف الامه في الماضي (الاستخلاف العام الاول للامه): وهو استخلاف الأمة بعد الخلافة الراشدة، وقد كان قائما على الاتصال الزمانى بالاستخلاف المثال - بنوعيه النبوي” والاقتدائى”الراشدي”- كما كان قائما على الاتصال المتناقص بالاستخلاف المثال بنوعيه ، بمعنى انه تضمن انقطاع قيمي تدريجي عنه.

ب/ استخلاف الامه في الحاضر (الاستخلاف العام الثانى للامه): وتحققه يكون بعد انقطاع زماني وقيمي عن الاستخلاف المثال بنوعيه - النبوى " الاتباعى" والراشدى "الاقتدائى"-

ج/ الاستخلاف العام للأمة في المستقبل الدنيوي" الشهادى ": وهو غير معلوم المرات، لان زمن انقضاء الحياة الدنيا " عالم الشهاده" غير معلوم .

د/ استخلاف العام للأمة في المستقبل الأخروي" الغيبي ": وهو الاستخلاف الذي سيتحقق فى آخر الزمان،المقترن بالحياة الآخرة "عالم الغيب "- والذي هو ممكن التحقق فى اى زمان، لان زمن هذا التحقق غير معلوم - وهو الاستخلاف العام الأخير للامه.

الاستخلاف ومنهج التغيير ” كيفيه ومراحل تحقيق الاستخلاف “:وهناك مرحلتين أساسيتين للتغير- تمثل أيضا مراحل لتحقيق الاستخلاف:

المرحلة الأولى"الاستطاعه": هي مرحله الانتقال مما هو كائن، إلى ما هو ممكن ، والتي يمكن التعبير عنها بمصطلح الاستطاعة ، ومن أدلتها: تقرير النصوص لقواعد متعددة مها قاعدة الاستطاعة (فَاتّقُوا ْاللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُواْ وَأَطِيعُواْ). ولهذه المرحلة مستويان : مستوى أصلى هو مستواها الاعتقادى"الفكري" و مستوى فرعى هو مستواها العملي"التطبيقي".

المرحلة الثانية : هي مرحله الانتقال مما هو ممكن إلى ما ينبغي أن يكون ، ويمكن التعبير عنها بمصطلح العزم ، و من أدلتها مفهوم العزم الذي يرتبط بما ينبغي أن يكون كما في قوله ( وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ )( الشورى: 43 ) ، وهذه المرحلة لها مستويان : مستوى أصلى هو مستواها العملي"التطبيقي" ، ومستوى فرعي هو مستواها الاعتقادي"الفكري".

الاستخلاف وتفعيل الاراده الشعبيه: - يثبت المنظور السياسي الإسلامي الاراده الشعبية، لأنه يسند السلطة " المقيدة " إلى الجماعة ، بموجب الاستخلاف العام ﴿ وأمرهم شورى بينهم) – بعد إسناده الحاكمية (السيادة "السلطة المطلقة ") لله تعالى - أما الحاكم فنائب ووكيل عن الجماعة، لها حق تعيينه ومراقبته وعزله اذا جار- بالاساليب السلمية - يقول أبو يعلي (الخليفة وكيل للمسلمين ) (المارودي، الأحكام السلطانية، ص 7 ). بناء على ما سبق فان غاية الاستخلاف تفعيل الاراده الشعبية . أما غاية ثنائيه " الاستكبار- الاستضعاف" فهى إلغائها– وهو ما يؤدى إلى تعطيلها وليس إلغائها " لأنها غير قابله للإلغاء" –

انماط تفعيل وتعطيل الاراده الشعبية العربية:

أولا: في مرحله الاستخلاف العام الأول للامه :
تضمنت هذه المرحلة أنماط تفعيل و تعطيل الاراده الشعبية التالية :

ا/ التعطيل الاستبدادي"الداخلي ": وتمثل فى عدم الالتزام – بدرجات متفاوتة – بقيمه الشورى ،التي كانت متحققة في مرحلتي الاستخلاف الاصلى " النبوي والراشدي".

ب/ التعطيل الغزوى "الخارجي" : وتمثل في تعرض الامه لغزوات متتاليه" المغول والتتار، الصليبين، الاستعمار القديم …".

ج/ التفعيل الزعامي : وتمثل في نجاح الاراده الشعبية العربية في تحقيق أهدافها، والتي تتضمن نجاحها في مقاومة وهزيمة الغزوات المتتالية ، من خلال توحدها خلف الزعماء التاريخيين الأمة ، وآخرهم الزعيم جمال عبد الناصر(رحمه الله تعالى )، قائد حركة التحرر العربي من الاستعمار القديم"البريطانى، الفرنسى، الايطالى..." والجديد " الامبريالي الامريكي " والاستيطاني"الصهيوني"- والحديث عن الأخير ليس حديث عنه كشخص او حاكم لدوله عربيه معينه ، بل كرمز تاريخي للامه العربيه بشعوبها المتعدده، وليس لحزب معين. .

ثانيا: فى مرحله الاستخلاف العام الثاني للامه :

مرحله التعطيل الارتدادي للاراده الشعبيه العربيه على المستوى الرسمى: وهي مرحله الانتهاء " الفعلي " للاستخلاف العام الأول للامه، مع تضمنها مؤشرات لبداية الاستخلاف العام الثاني للامه . وهي المرحلة التي بدأت بالارتداد" السياسى" للرئيس/ محمد أنور السادات، بعد توليه السلطة في مصر1970،عن المواقف الوطنيه والقوميه للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والتى كانت بمثابة خطوات كبيره، تجاه أهداف الاراده الشعبية العربية ، فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة – رغم ما شاب تجربته من سلبيات - وهو الارتداد السياسى الذى تم بدعم من الغرب الرأسمالي- الاستعماري بقياده الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيونى - ومضمونه انتقاله من مناهضة الاستعمار بكافة أشكاله ( القديم والجديد "الامبريالى” والاستيطانى) ، إلى التبعية للولايات المتحدة " شعار 99% من اوراق اللعب فى يد امريكا". ومن مناهضة الكيان الصهيوني إلى التطبيع معه- ما يعنى إعطاء شرعيه للاغتصاب الصهيوني لفلسطين" اتفاقية كامب ديفيد" . ومن السعة لتحقيق التنمية المستقلة والعدالة الاجتماعية إلى تطبيق النظام الرأسمالي - الربوي " شعار الانفتاح الاقتصادى". ومن التضامن العربي إلى القطيعة مع الدول العربية… ثم تبنى العديد من الأنظمة العربية نفس المواقف لاحقا ... وفى هذه المرحلة تعطلت الاراده الشعبية العربية على المستوى السياسي ، نتيجة لتردى النظام السياسي العربي من التجزئة " الشعوبية " إلى التفتيت" الطائفي "، فضلا عن انزلاق بعض أجزائه نحو الفوضى لاحقا .

مرحله تفعيل الاراده الشعبيه العربيه على المستوى الشعبي:
غير أن هذا التعطيل "الارتدادي" للاراده الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، أدى إلى تفعيل الاراده الشعبية العربية على مستوى آخر ، هو مستواها الشعبي ، فضلا عن انه مهد الطريق أمام انتقال الاراده الشعبية العربية من نمط التفعيل الزعامي - المشار اليه اعلاه-نمط تفعيل آخر هو نمط التفعيل الجماهيري ، والذي دعمه تطور وسائل الإعلام والاتصال وظهور الخاصية التفاعلية للإعلام. . وتشمل هذه المرحلة مرحلتين هما:

ا/ مرحله التفعيل التلقائي: وفيها أخذت حركة الاراده الشعبيه العربيه شكل رد فعل عاطفي " انفعالي"، ضد مظاهر تردي النظام السياسي الرسمي العربي ، ومحاولات تطبيق المشاريع التي تهدف إلى – أو يلزم منها – إلغاء الإرادة الشعبية العربية"كمشروع الشرق الأوسط الجديد الامبريالي - الصهيوني" ..وقد حققت الاراده الشعبية العربية في هذه المرحلة العديد من الانتصارات الجماهيريه، بدون ان يدعمها او يمثلها نظام سياسى عربى معين . ويتمثل الامتداد الطبيعى لها فى المسار الأصلي للموجات الكمية لثورة الشباب العربي،والتى تتضمن موجتيها : الموجه الاولى، التي نجحت فى إسقاط عدد من الأنظمة الاستبدادية ، بأساليب سلمية في بعض الدول العربية"نظامى بن علي في تونس ومبارك فى مصر"، قبل أن تنجح النظم والقوى" العالمية والاقليميه والمحلية" ، التي تتعارض مصالحها مع غايات الاراده الشعبية العربي ،في تحويل مسارها في دول عربيه أخرى،إلى صراع طائفي مسلح بغرض تشويه صورتها ومن ثم منع انتشارها الى دول اخرى، " أسلوب الإسقاط العنيف". الموجة الثانية: وتتمثل فى الحراك الشعبي السلمي - والذي طليعته الشباب أيضا- في العديد من الدول العربية ،والذى نجح أيضا فى إسقاط العديد من الانظمة بأسلوب سلمى"نظام البشير فى السودان وبوتفليقة فى الجزائر"... وهى الموجة التى تعمل ذات النظم والقوى على إجهاضها وافراغها من مضمونها، من خلال العديد من الأساليب ، أهمها أسلوب "الهبوط الناعم" ،و الذي يتضمن :إجراء تغيير شكلى يشمل تغيير الأشخاص ، دون اى تغيير حقيقى السياسات الاقتصاديه والسياسيه والاجتماعيه... التى تتعارض مع غايات الاراده الشعبيه العربيه فى الحريه والعدالة الاجتماعية والوحدة ...

ب/ مرحله التفعيل القصدي: إن تردى النظام السياسي العربي نحو مزيد من التجزئة "التفتيت"، يزيد من احتمال انزلاقه نحو الفوضى – وخاصة أجزائه التي تتصف بضعف الروابط الوطنية والقومية ، لشيوع الطائفية أو القبلية أو العشائرية فيها – وهذا ما يقتضى ضرورة انتقال الاراده الشعبية العربية، إلى مرحله جديدة من مراحل تفعيلها، وهي المرحلة القصدية ، والتي يجب ان تتجاوز فيها حركتها شكل رد الفعل العاطفي- التلقائي/ المؤقت- إلى شكل فعل عقلاني- مستمر – منظم / مؤسساتي ، يهدف إلى تحقيق ما هو ممكن من خطوات ، تجاه أهداف الارادة الشعبية العربية ، بأساليب سلمية- وهي بذلك ستمثل الموجه الكيفية لثورة الشباب العربي – وهذه المرحله ستمثل مرحله تحقيق الاستخلاف العام الثانى للامه .

شروط الاستخلاف : تشير الآية ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ… ﴾ إلى الوعد الالهى بالاستخلاف.

التصور الشامل للاستخلاف ورفض التصورالجزئى له: والاستخلاف هنا مفهوم شامل ذو أبعاد متعددة - بتعدد مجالات الحياه – السياسيه، الاقتصاديه، الاجتماعيه، الحضارية...،وبالتالى لا يجوز اختزاله في بعد معين من ابعاده، كالبعد السياسي مثلا كما يفعل مذهب التفسير السياسي للدين - الذى يطلق عليه البعض خطأ اسم الإسلام السياسي – والذي يختزل الدين فى بعده السياسى.

الشروط المطلقة والمقيدة: كما تشير الآية إلى أن تحقيق هذا الوعد الالهى معلق بمعرفة والتزام شروطه الذاتية ( والتي عبر القران عن جملتها بالإيمان ) ، والموضوعية ( والتي عبر القران عن جملتها بالعمل الصالح) . وقد بين الإسلام كدين " ممثلا في القران والسنة " شروط الاستخلاف في كل زمان ومكان ، وترك للمسلمين أمر الاجتهاد في تحديد شروط الاستخلاف في المكان والزمان المعينين . وفيما يلي نبين شروط الاستخلاف النصية المطلقة ، اى شروط استخلاف الأمة في كل مكان " كل أمم وشعوب أمه التكليف"، و كل زمان" ماضي وحاضر ومستقبل الأمة ". وشروط الاستخلاف الاجتهادية المقيدة ، اى شروط استخلاف الأمة في مكان معين " الامه العربية المسلمة بشعوبها المتعددة "، وزمان معين " الحاضر":

أولا:الاستخلاف السياسي:

ا/ شروطه النصية المطلقة :
وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ومنها: أولا: التوحيد وإسناد الحاكمية( السياده او السلطه المطلقه) لله : ثانيا: الاستخلاف وإسناد الأمر(السلطة المقيده) للجماعة: ثالثا: إقرار قواعد كليه للسلطة كالمساواة ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، والعدل(وإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْل، و الشورى ) وَأَمْرُهُمْ شورى بَيْنَهُمْ (. رابعا أما كيفيه قيام السلطة في زمان ومكان معينين ، فقد ترك الإسلام للمسلمين أمر الاجتهاد فيها، بما في ذلك الاستفادة من إسهامات المجتمعات الأخرى .

ب/ شروطه الاجتهادية المقيدة : وتتمثل في الحرية – على وجه لا يتناقض مع أصول الدين النصية الثابته، وباعتبارها قيمة حث عليها الاسلام، كما فى قول عمر بن الخطاب( رضى الله عنه")( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟) ( ابن عبد الحكم ، فتوح مصر و أخبارها : ص 290 - الكاندهلوى ، حياة الصحابة ، ج 2 ، ص 88 - علاء الدين المتقي بن حسام الدين الهندي ،كنز العمال : ج 12 / ص 660 ) – وتتضمن تحرير الاراده الشعبية الوطنية والقومية – وهي حل لمشاكل الاستبداد والتبعية السياسية (الاستعمار بشكله القديم" القائم على الاحتلال العسكري" ، والجديد" الامبريالي القائم على التبعية الاقتصادية" ، و الاستيطاني " ومنه الاحتلال الصهيوني لفلسطين") ( كمظاهر لثنائيه الاستضعاف - الاستكبار السياسي الداخلي والخارجي).

ثانيا: الاستخلاف الاقتصادي :

ا/ شروطه النصية المطلقة :
وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ومنها:أولا:إسناد ملكية المال (اى حق التصرف المطلق في المال) لله تعالى وحده ﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ (النور: 33). ثانيا: الجماعة مستخلفة في الانتفاع به بالأصالة ﴿وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه﴾ (الحديد: 7)،وهو ما يتحقق بان تتولى الدولة كممثل للجماعة إدارة مصادر الإنتاج الاساسيه، أما الفرد فمستخلف في الانتفاع بالمال بالتبعية ، وبالتالي فان انتفاعه به مشروط بعدم التعارض مع مصلحه الجماعة" الوظيفة الاجتماعية للملكية".

ب/شروطه الاجتهادية المقيدة : وتتمثل في العدالة الاجتماعية – على وجه لا يتناقض مع أصول الدين النصية الثابتة ،وكقيمه حث عليها الاسلام من خلال تقريره لشرطيها: الشرط الأول: تكافؤ الفرص كما فى قول عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) ( والله ما احد أحق بهذا المال من احد ، وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته) . الشرط الثاني:عدالة توزيع الثروة الذي يتضمن عدالة الأجور كما فى قول عمر بن الخطاب في استخدام الصحابة في العمل فقال ( أما إن فعلت فأعنهم بالعمالة عن الخيانة ) – وهى حل لمشاكل التخلف والتبعية الاقتصاديين والظلم الاجتماعي (كمظاهر لثنائيه لمظاهر الاستضعاف - الاستكبار الاقتصادي).

ثالثا:الاستخلاف الاجتماعي :

ا/ شروطه النصية المطلقة :
وتتمثل في جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة ، والتى تحث على الوحدة بأشكالها المختلفة التكوينية التكليفية كما فى قوله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا )

ب/شروط الاجتهادية المقيدة : و تتمثل في الوحدة التكوينية (الوطنية والقومية "العربية" والتكليفية ( الدينية "الإسلامية")- طبقا لمفهوم واقعي - عملي "تدريجي /سلمى /مؤسساتي" - كحل لمشكلة التقسيم والتجزئة والتفتيت( كمظاهر لثنائية الاستكبار والاستضعاف الاجتماعى)

رابعا:الاستخلاف الحضاري :

ا/ شروطه النصية المطلقة
: وتتمثل في أصول المنظور الحضاري الاسلامى، التي مصدرها النصوص اليقينية الورود القطعية الدلالة.

ب/شروطه الاجتهادية المقيدة: وتتمثل في الجمع بين الأصالة والمعاصرة ، من خلال الالتزام بمفهوم التجديد – طبقا لمفاهيمه وضوابطه الشرعية - والذي اشارت اليه النصوص كما فى قوله الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (سنن أبى داود:ح رقم 3740 / الحاكم في المستدرك: 4/522) - وذلك كحل لمشاكل الهوية المتمثلة في الانشطار بين الجمود والتغريب الحضاري ( كمظاهر لثنائيه الاستضعاف - الاستكبار الحضاري).

_

د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

_______________________
الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى