ترتدى ملابسها فرحة. عمها يعد حقيبة السفر. لقد استيقظت مبكرة رغم أن موعد قيام القطار فى التاسعة صباحا.
زوجة عمها تساعدها فى ارتداء ملابسها, تعاملها – اليوم – معاملة حسنة على غير العادة.
أخواها الصغيران نائمان مع أبناء عمها. هى الوحيدة التى اختارها عمها لزيارة القاهرة معه. ياه لقد شاهدتها كثيرا فى أفلام السينما وفى التلفزيون, لكن لم ترها حقيقة.
لقد أساءت الظن بعمها الطيب. ظنته يقسو عليها ليرضى زوجته إذا ما حدثت مشكلة بينهما. لكن الرجل لم يكن يقصد ذلك. أو ربما يقسو عليها أحيانا كما يقسو الأب على ابنته ليقومها. وعندما رآها حزينة – بالأمس لضرب زوجته لها وقسوتها عليها – أراد أن يصالحها, ففكر فى موضوع السفر إلى القاهرة.
- أنا عمك وأعاملك مثل بناتى تماما.
ثم ضمها لصدره فى حنان. كانت تبكى وشعرها مهوش حول وجهها المتسخ:
- ولكى أصالحك سآخذك معى إلى القاهرة.
لقد تركها والدها ووالدتها مع أخويها الصغيرين لدى عمهم وسافرا للعمل فى العراق. والدها يرسل مبلغا كبيرا من المال إلى عمها كل عدة شهور. رغم هذا, زوجة عمها دائمة الاختلاف معها ولا تحبها. ألحت على زوجها حتى أخرجها من المدرسة لتساعدها فى عمل البيت. قالت:"إنها لن تصلح فى مدارس, ولن تستطيع الاستعانة بمدرسين خصوصيين, فما يرسله والدها لا يكفى طعامها وطعام أخويها "
وتركت المدرسة الإعدادية وبقيت طوال الوقت فى وجه زوجة عمها التى تسيء معاملتها.
بعد أن ضاقت بتصرفات عمها المتتالية قالت له أن يتركها وأخويها الصغيرين يذهبون إلى عمهم الآخر الذى يعمل مدرسا. فقد غضب الرجل لتركها المدرسة, ووعد بأن يعيدها إليها ثانية ويساعدها فى دروسها إذا جاءت لتعيش عنده هى أخويها. لكن عمها رفض هذا، قائلا " عمك المدرس هذا, يريد أن يفسد العلاقة بينى وبين والديك "
لكن المدرس قال لها: انه لا يريد أن يترككم حتى لا تنقطع عنه أموال أبيك وهداياه.
ليس مهما الآن فسوف تنفرد بعمها فى القطار لتحدثه فى هدوء وعلى راحتها. ستطلب منه أن يعيدها إلى الدراسة, ستجعله ينضم لصفها فى نزاعها الدائم مع زوجته.
أخواها نائمان الآن. لو كانا مستيقظين لبكيا رغبة فى الذهاب معهما. سوف تشترى لهما هدايا بسيطة من القاهرة, وتشترى لأبناء عمها وبناته هدايا أيضا. لكنها لا تمتلك مالا. ليس مهما, فسيعطيها عمها الكثير. لو تعرف عنوان والدها فى العراق لأرسلت إليه وأخبرته بأنها ستسافر إلى القاهرة. حاولت أن تعرف العنوان, وان تكتب لوالدها ووالدتها, لكن عمها أدعى أن العنوان ليس معه الآن. وكان حريصا – هو وزوجته –أن يخفيا خطابات والدها عنها.
00
أمسك عمها بيدها وسارا معا. ذكرها بما كان يفعله والدها معها. فمنذ أن سافر لم تخرج للنزهة ولا مرة واحدة.
- عمى, ما الذى يشغلك؟
تريده أن يهتم بها. تحكى له عما يشغلها. ستحدثه عما تفعله زوجته بها. وهو – لاشك – سيتفاهم معها, وستطلب منه أن يعيدها إلى المدرسة ثانية. لن تحتاج لمدرسين خصوصيين. وإن قصرت, من حقه أن يخرجها منها. لكن عمها شارد لم يزل. لا بأس, ففى القاهرة متسع من الوقت لكى يتحدثا معا.
عمها طيب, كان يحنو عليها قبل أن يسافر والديها, كان يداعبها إذا جاء إليهم زائرا. وتغيره هذا فى المعاملة ليس نتيجة كره لها, إنما لادعاءات زوجته الكاذبة واتهامها لها بعدم مشاركتها فى أعمال البيت.
أحست بالجوع, ففتحت اللفافة التى أعطتها لها زوجة عمها. أخرجت سندوتشا وأعطته له:
" تفضل" أخذه منها شاردا, قالت: متى سيعود أبى وأمى؟
أفاق من شروده. تذكر والدها الأكبر وأفضاله عليه من قبل أن يسافر. لقد كف الرجل عن إرسال المال له. وذلك منذ شهور قليلة, ولم يتوصل إلى عنونه بعد أن انتقل إلى مدينة أخرى غير بغداد هو وزوجته.
- سيعودان فى القريب.
يخشى الرجل أن يكون والدها ووالدتها قد ماتا بسبب حروب العراق المتتالية, ويتركان له تلك الفتاة والولدين الصغيرين ينفق عليهم من ماله, بعد أن كانت الأموال التى يرسلانها له, تجعله أكثر غنى.
قضمت السندوتش سعيدة.
فى القاهرة أمسك عمها بيدها وأسرع إلى الأتوبيس. وقف وسط الزحام وهو يتابعها فى شرود. قالت: إلى أين نذهب يا عمى؟
- إلى حديقة الحيوان.
- يقولون إنها أكبر من حديقة النزهة بالإسكندرية.
- نعم.
دخلا الحديقة, انهما يسيران وحدهما. لماذا لم يأت عمها بأخويها وبأبنائه أو حتى زوجته. لماذا هى وحدها؟ لو جاءوا لشاركوها فرحتها, ولكانت أكثر سعادة. على الأقل ستجد من تتحدث معه, أو من يشاركها لعبها ومرحها. ربما لم يجد عمها النقود الكافية لسفرهم, واختياره لها هى بالذات لكى يصالحها بعد شجارها مع زوجته, وضربه لها منحازا لزوجته.
تنقلا بين أقفاص القرود, ضحكت وأخرجت قطع الخبز من اللفافة ورمتها لها. وعمها شارد. بتابع ما يحدث دون أن يضحك, أو حتى يبدى اهتماما. قال:
- سأتركك لقضاء مهمة عاجلة, وسأعود إليك.
- ستتركنى فى الحديقة وحدى؟!
- - لن اتأخر كثيرا.
- أومأت برأسها وعادت لمتابعة القرود. وسار عمها. ثم نظر إليها ثانية:
- لا تبتعدى كثيرا.
أومأت برأسها. وخرج هو من الحديقة, وأكملت متابعتها للقرود. وبعد أن تعبت جلست فوق مقعد خال, ثم قامت وشاهدت الأقفاص المجاورة.
لن تبتعد حتى لا تتوه عن عمها. من هنا يمكن أن تراه وهو يدخل من باب الحديقة.
مر الوقت بطيئا, وعمها لم يأت. سارت إلى أقفاص حيوانات أخرى. تابعتهم فى اهتمام أقل فقد تأخر عمها وهى بدأت تخاف. تخشى أن تتوه منه. وليس معها نقود لتعود.
مر الوقت وبدأت الشمس فى الرحيل عن جبل الزهور وعمها لم يأت.
تغلق الحديقة أبوابها فى الخامسة مساء, فيطلب الحراس من الزوار الخروج. قالت للحارس وهى تبكى:
- ذهب عمى لقضاء حاجة ولم يعد للان.
زوجة عمها تساعدها فى ارتداء ملابسها, تعاملها – اليوم – معاملة حسنة على غير العادة.
أخواها الصغيران نائمان مع أبناء عمها. هى الوحيدة التى اختارها عمها لزيارة القاهرة معه. ياه لقد شاهدتها كثيرا فى أفلام السينما وفى التلفزيون, لكن لم ترها حقيقة.
لقد أساءت الظن بعمها الطيب. ظنته يقسو عليها ليرضى زوجته إذا ما حدثت مشكلة بينهما. لكن الرجل لم يكن يقصد ذلك. أو ربما يقسو عليها أحيانا كما يقسو الأب على ابنته ليقومها. وعندما رآها حزينة – بالأمس لضرب زوجته لها وقسوتها عليها – أراد أن يصالحها, ففكر فى موضوع السفر إلى القاهرة.
- أنا عمك وأعاملك مثل بناتى تماما.
ثم ضمها لصدره فى حنان. كانت تبكى وشعرها مهوش حول وجهها المتسخ:
- ولكى أصالحك سآخذك معى إلى القاهرة.
لقد تركها والدها ووالدتها مع أخويها الصغيرين لدى عمهم وسافرا للعمل فى العراق. والدها يرسل مبلغا كبيرا من المال إلى عمها كل عدة شهور. رغم هذا, زوجة عمها دائمة الاختلاف معها ولا تحبها. ألحت على زوجها حتى أخرجها من المدرسة لتساعدها فى عمل البيت. قالت:"إنها لن تصلح فى مدارس, ولن تستطيع الاستعانة بمدرسين خصوصيين, فما يرسله والدها لا يكفى طعامها وطعام أخويها "
وتركت المدرسة الإعدادية وبقيت طوال الوقت فى وجه زوجة عمها التى تسيء معاملتها.
بعد أن ضاقت بتصرفات عمها المتتالية قالت له أن يتركها وأخويها الصغيرين يذهبون إلى عمهم الآخر الذى يعمل مدرسا. فقد غضب الرجل لتركها المدرسة, ووعد بأن يعيدها إليها ثانية ويساعدها فى دروسها إذا جاءت لتعيش عنده هى أخويها. لكن عمها رفض هذا، قائلا " عمك المدرس هذا, يريد أن يفسد العلاقة بينى وبين والديك "
لكن المدرس قال لها: انه لا يريد أن يترككم حتى لا تنقطع عنه أموال أبيك وهداياه.
ليس مهما الآن فسوف تنفرد بعمها فى القطار لتحدثه فى هدوء وعلى راحتها. ستطلب منه أن يعيدها إلى الدراسة, ستجعله ينضم لصفها فى نزاعها الدائم مع زوجته.
أخواها نائمان الآن. لو كانا مستيقظين لبكيا رغبة فى الذهاب معهما. سوف تشترى لهما هدايا بسيطة من القاهرة, وتشترى لأبناء عمها وبناته هدايا أيضا. لكنها لا تمتلك مالا. ليس مهما, فسيعطيها عمها الكثير. لو تعرف عنوان والدها فى العراق لأرسلت إليه وأخبرته بأنها ستسافر إلى القاهرة. حاولت أن تعرف العنوان, وان تكتب لوالدها ووالدتها, لكن عمها أدعى أن العنوان ليس معه الآن. وكان حريصا – هو وزوجته –أن يخفيا خطابات والدها عنها.
00
أمسك عمها بيدها وسارا معا. ذكرها بما كان يفعله والدها معها. فمنذ أن سافر لم تخرج للنزهة ولا مرة واحدة.
- عمى, ما الذى يشغلك؟
تريده أن يهتم بها. تحكى له عما يشغلها. ستحدثه عما تفعله زوجته بها. وهو – لاشك – سيتفاهم معها, وستطلب منه أن يعيدها إلى المدرسة ثانية. لن تحتاج لمدرسين خصوصيين. وإن قصرت, من حقه أن يخرجها منها. لكن عمها شارد لم يزل. لا بأس, ففى القاهرة متسع من الوقت لكى يتحدثا معا.
عمها طيب, كان يحنو عليها قبل أن يسافر والديها, كان يداعبها إذا جاء إليهم زائرا. وتغيره هذا فى المعاملة ليس نتيجة كره لها, إنما لادعاءات زوجته الكاذبة واتهامها لها بعدم مشاركتها فى أعمال البيت.
أحست بالجوع, ففتحت اللفافة التى أعطتها لها زوجة عمها. أخرجت سندوتشا وأعطته له:
" تفضل" أخذه منها شاردا, قالت: متى سيعود أبى وأمى؟
أفاق من شروده. تذكر والدها الأكبر وأفضاله عليه من قبل أن يسافر. لقد كف الرجل عن إرسال المال له. وذلك منذ شهور قليلة, ولم يتوصل إلى عنونه بعد أن انتقل إلى مدينة أخرى غير بغداد هو وزوجته.
- سيعودان فى القريب.
يخشى الرجل أن يكون والدها ووالدتها قد ماتا بسبب حروب العراق المتتالية, ويتركان له تلك الفتاة والولدين الصغيرين ينفق عليهم من ماله, بعد أن كانت الأموال التى يرسلانها له, تجعله أكثر غنى.
قضمت السندوتش سعيدة.
فى القاهرة أمسك عمها بيدها وأسرع إلى الأتوبيس. وقف وسط الزحام وهو يتابعها فى شرود. قالت: إلى أين نذهب يا عمى؟
- إلى حديقة الحيوان.
- يقولون إنها أكبر من حديقة النزهة بالإسكندرية.
- نعم.
دخلا الحديقة, انهما يسيران وحدهما. لماذا لم يأت عمها بأخويها وبأبنائه أو حتى زوجته. لماذا هى وحدها؟ لو جاءوا لشاركوها فرحتها, ولكانت أكثر سعادة. على الأقل ستجد من تتحدث معه, أو من يشاركها لعبها ومرحها. ربما لم يجد عمها النقود الكافية لسفرهم, واختياره لها هى بالذات لكى يصالحها بعد شجارها مع زوجته, وضربه لها منحازا لزوجته.
تنقلا بين أقفاص القرود, ضحكت وأخرجت قطع الخبز من اللفافة ورمتها لها. وعمها شارد. بتابع ما يحدث دون أن يضحك, أو حتى يبدى اهتماما. قال:
- سأتركك لقضاء مهمة عاجلة, وسأعود إليك.
- ستتركنى فى الحديقة وحدى؟!
- - لن اتأخر كثيرا.
- أومأت برأسها وعادت لمتابعة القرود. وسار عمها. ثم نظر إليها ثانية:
- لا تبتعدى كثيرا.
أومأت برأسها. وخرج هو من الحديقة, وأكملت متابعتها للقرود. وبعد أن تعبت جلست فوق مقعد خال, ثم قامت وشاهدت الأقفاص المجاورة.
لن تبتعد حتى لا تتوه عن عمها. من هنا يمكن أن تراه وهو يدخل من باب الحديقة.
مر الوقت بطيئا, وعمها لم يأت. سارت إلى أقفاص حيوانات أخرى. تابعتهم فى اهتمام أقل فقد تأخر عمها وهى بدأت تخاف. تخشى أن تتوه منه. وليس معها نقود لتعود.
مر الوقت وبدأت الشمس فى الرحيل عن جبل الزهور وعمها لم يأت.
تغلق الحديقة أبوابها فى الخامسة مساء, فيطلب الحراس من الزوار الخروج. قالت للحارس وهى تبكى:
- ذهب عمى لقضاء حاجة ولم يعد للان.