هذا اليوم قصدت المقهى الذي نلتقي فيه في نهاية كل أسبوع، وأنا خالي الذهن من كل ما تعرضتَ له. اقتنيت «المساء» من بائع الصحف الذي يتخذ من أدراج مقهى باليما كشكا له،
وعندما نظرت إلى الصفحة الأولى فوجئت بنبإ اعتقالك. تذكرت للتو أننا كنا قد تهاتفنا قبل يومين أو ثلاثة، وحينها أخبرتَني بأن الشرطة القضائية حققت معك لمدة ست ساعات وأنها عاملتك معاملة لائقة قبل أن تسمح لك بالذهاب. كنتَ مرحا، وهو الأمر الذي أوحى إلي بأن الأمور عادية.
صعدت أدراج المقهى بعد أن طلبت من النادل الأصلع النحيل فنجان قهوة. كان الطابق الأول معتما، وكانت هنالك فتاتان تتناولان، فيما يبدو، فطورهما وقد وضعتا على الأرض حقيبتين: هل قدمتا من سفر أم تستعدان له؟ اخترت طاولة الزاوية التي نجلس إليها عادة، والتي تشرف على باب المقهى والطابق السفلي ثم نشرت الصحيفة، وشرعت في تصفحها بعد أن قرأت تفاصيل اعتقالك بإمعان، وحينئذ خالجني انفعال مفاجئ وأنا أقرأ تصريحات عدد من الشخصيات والهيئات التي تضامنت معك، ونددت بالخروقات المرتكبة حيالك، وإعلان بعضهم رغبتهم في الدفاع عنك إذا اقتضى الأمر ذلك. لقد كان بعض خصومك، وأنت تعرفهم، يعتقدون بأنك ستواجه محنة الاعتقال وحدك، لكن عدد «المساء» الذي بين يدي كذب ذلك تماما. وأظن أن القراء، وهم مئات الآلاف في مختلف أرجاء بلادنا، لو كان بإمكانهم التعبير عن مشاعرهم حيالك على صفحات جريدتك لفعلوا ذلك دون تردد. ألست من يخاطبهم كل يوم بواسطة عمودك الذي لا يكل منذ خمس سنوات؟
أتذكر أنني عندما كنت أقصد المقهى، كنت أجدك دوما هناك، منشغلا بقراءة الصحف والمجلات الأسبوعية، التي كنت تستلها من كيس تضعه على أحد المقاعد بجوارك. على الطاولة فنجان كافي- كريم، وقطعة خبز ملفوفة في ورق ألمونيوم، وهاتفك البلاك بيري، الذي لا يكف مصباحه الأحمر عن الاشتغال بسبب تواصل سيل الرسائل التي تردك، والتي كنت تقرأها بتمعن كثيرا ما يكون سببا في انقطاع الحديث بيننا. نتحدث في كل شيء، وفي لاشيء، لكني كنت أصغي باهتمام إلى حديثك، حيث تأسرني الدهشة حيال تحليلاتك للأوضاع، وقدرتك الفائقة على الربط بين الوقائع والشخصيات، والانتقال من الجد إلى الهزل ومن الهزل إلى الجد، ومن الأسلوب الدارج إلى بلاغة القرآن الكريم، الذي تحفظه عن ظهر قلب. وخلال ذلك، كنت ألاحظ انطلاقك دوما من الثوابت الوطنية، ومن مبادئ لا تساوم عليها بتاتا، هي مبادئ حرية الرأي، والجرأة في الصدع بالحق، وخدمة المواطن بالتعليق الذي يكشف المستور، ويعري الوجه البشع لبعض المتنفذين الذين يعيثون فسادا في مسرح المال والسياسة. لذلك تعمدوا تكميم فمك، واجتثاث زهور الحقيقة التي زرعتها في بستان الصحافة.
عندما غادرت المقهى، كنت أود مواصلة مسارنا الأسبوعي، بالذهاب إلى الجوطية لاقتناء بعض الأفلام، ثم المرور، عند العودة، على بائع التمور والمكسرات في مدخل «السويقة»، لكنني شعرت بالوحدة فلم أفعل. قد نفعل ذلك سويا في الأسبوع القادم أو في الذي يليه.
وعندما نظرت إلى الصفحة الأولى فوجئت بنبإ اعتقالك. تذكرت للتو أننا كنا قد تهاتفنا قبل يومين أو ثلاثة، وحينها أخبرتَني بأن الشرطة القضائية حققت معك لمدة ست ساعات وأنها عاملتك معاملة لائقة قبل أن تسمح لك بالذهاب. كنتَ مرحا، وهو الأمر الذي أوحى إلي بأن الأمور عادية.
صعدت أدراج المقهى بعد أن طلبت من النادل الأصلع النحيل فنجان قهوة. كان الطابق الأول معتما، وكانت هنالك فتاتان تتناولان، فيما يبدو، فطورهما وقد وضعتا على الأرض حقيبتين: هل قدمتا من سفر أم تستعدان له؟ اخترت طاولة الزاوية التي نجلس إليها عادة، والتي تشرف على باب المقهى والطابق السفلي ثم نشرت الصحيفة، وشرعت في تصفحها بعد أن قرأت تفاصيل اعتقالك بإمعان، وحينئذ خالجني انفعال مفاجئ وأنا أقرأ تصريحات عدد من الشخصيات والهيئات التي تضامنت معك، ونددت بالخروقات المرتكبة حيالك، وإعلان بعضهم رغبتهم في الدفاع عنك إذا اقتضى الأمر ذلك. لقد كان بعض خصومك، وأنت تعرفهم، يعتقدون بأنك ستواجه محنة الاعتقال وحدك، لكن عدد «المساء» الذي بين يدي كذب ذلك تماما. وأظن أن القراء، وهم مئات الآلاف في مختلف أرجاء بلادنا، لو كان بإمكانهم التعبير عن مشاعرهم حيالك على صفحات جريدتك لفعلوا ذلك دون تردد. ألست من يخاطبهم كل يوم بواسطة عمودك الذي لا يكل منذ خمس سنوات؟
أتذكر أنني عندما كنت أقصد المقهى، كنت أجدك دوما هناك، منشغلا بقراءة الصحف والمجلات الأسبوعية، التي كنت تستلها من كيس تضعه على أحد المقاعد بجوارك. على الطاولة فنجان كافي- كريم، وقطعة خبز ملفوفة في ورق ألمونيوم، وهاتفك البلاك بيري، الذي لا يكف مصباحه الأحمر عن الاشتغال بسبب تواصل سيل الرسائل التي تردك، والتي كنت تقرأها بتمعن كثيرا ما يكون سببا في انقطاع الحديث بيننا. نتحدث في كل شيء، وفي لاشيء، لكني كنت أصغي باهتمام إلى حديثك، حيث تأسرني الدهشة حيال تحليلاتك للأوضاع، وقدرتك الفائقة على الربط بين الوقائع والشخصيات، والانتقال من الجد إلى الهزل ومن الهزل إلى الجد، ومن الأسلوب الدارج إلى بلاغة القرآن الكريم، الذي تحفظه عن ظهر قلب. وخلال ذلك، كنت ألاحظ انطلاقك دوما من الثوابت الوطنية، ومن مبادئ لا تساوم عليها بتاتا، هي مبادئ حرية الرأي، والجرأة في الصدع بالحق، وخدمة المواطن بالتعليق الذي يكشف المستور، ويعري الوجه البشع لبعض المتنفذين الذين يعيثون فسادا في مسرح المال والسياسة. لذلك تعمدوا تكميم فمك، واجتثاث زهور الحقيقة التي زرعتها في بستان الصحافة.
عندما غادرت المقهى، كنت أود مواصلة مسارنا الأسبوعي، بالذهاب إلى الجوطية لاقتناء بعض الأفلام، ثم المرور، عند العودة، على بائع التمور والمكسرات في مدخل «السويقة»، لكنني شعرت بالوحدة فلم أفعل. قد نفعل ذلك سويا في الأسبوع القادم أو في الذي يليه.