كانت "زهرة" أول من خرجت من الدار، اندفعت نحو الباب فتحته بعنف: صباح الخير يا أم سيد. كأنها تراها أول مرة، رغم أن الباب مفتوح على الباب، والجدار مسنود على الجدار. مر عليها ابن الجيران "سيد" يلهب ظهر حماره المعتل محملاً بالسباخ، يتعثر في حفرة ثقبتها شقاوة أطفال الحارة ليلاً، يسقط الغبيط يرمى حممه المتسخة في مدخل الدار بعد أن أحالته السنين إلى قبو وابتلعت الأرض نصف بابه ولم يبق من شبابيكه إلا طاقة تُحشر فيها رؤوس المتلصصين من أطفال الحارة.
في كل ليلة تحمل "زهرة" سلمها الخشبي، تسنده برفق على واجهة الدار، تتفقد بأطراف أصابعها المسمار ثم تشبك فيه اللمبة الجاز، تشعل الشريط القماش ثم تضع برفق القمع الزجاجي. قبل أن تغلق عليها بابها، ترفع غطاء الزير تفرغه من بقايا الماء، يأتي السقا، تلقي في يديه صدقة مخفية، تدعك الكوز النحاسي بالتراب، وتعيده ليستقر مكانه فوق غطاء الزير، ليخطف لمعانه عيون العابرين.
من خلف الباب، ناداها العارف بالله البوهي، أشرق وجهها الأسمر، اكتمل بدره، واختفت همهمات الألم، وتعطرت أنفاسها بحضوره المبارك، وتحول شهيقها وزفيرها إلى أهازيج. أراد استئجار إحدى غرف الدار، يستقبل فيها الصبية، يعلمهم الكتاب والحكمة: اختار ما شئت يا مولانا. أشار بعصاه إلى واحدة منها واتفقا على الأجر.
في الصباح وجدت حمار "أم سيد" رابضا ينهق في صحن الدار، يؤانسه الفأس والمقطف والغبيط، وشياه الحارة،سألت.. قالوا: النبي وصى على سابع جار والناس لبعضها. اختفت اللمبة الجاز والزير وجدته إربًا وهباء منثورًا، التفتت إلى كتاب الشيخ البوهي، وجدت شابًا يتأبط بين ذراعية أحزمة عيدان القصب الملفوفة، ينقلها إلى الكتاب وآخر يفك حزمة ويدس بيديه المتشققتين عيدانًا منها في تروس العصارة الخشبية. قالوا اللمبة ضلالة وكل ضلالة في النار، تُغري على السهر وتلهي عن قيام الليل. سمعوا أن "جنيًا" يتسلق شجرة الجُميز العتيقة عند "الرشاح" كل ليلة يظهر في صورة "زهرة" ثم يلقي بنفسه في الترعة المجاورة قبل الفجر، فتخرج حورية البحر نصفها يشبه "زهرة" وذيلها وكأنه "الزير".قالوا اكسروا "زير زهرة" وعمدوا أطفالكم في الترعة، يتغوطون ويبولون ويشربون، لا يتلبسكم عفريت "زهرة" وينام الجن في ترعته بسلام. ترك الأطفال كتاب البوهي، وعملوا صبية في محل عصير القصب.
انشطر عقل "زهرة" إلى شطرين، أحدهما يرثي حال الناس والآخر ينصت لوشوشة النفس: هدي الدار. نادت يا عماه: هدوا الدار.. فسمعت حفيف الأفاعي وحكت الحيات جلدها بالدار.
في كل ليلة تحمل "زهرة" سلمها الخشبي، تسنده برفق على واجهة الدار، تتفقد بأطراف أصابعها المسمار ثم تشبك فيه اللمبة الجاز، تشعل الشريط القماش ثم تضع برفق القمع الزجاجي. قبل أن تغلق عليها بابها، ترفع غطاء الزير تفرغه من بقايا الماء، يأتي السقا، تلقي في يديه صدقة مخفية، تدعك الكوز النحاسي بالتراب، وتعيده ليستقر مكانه فوق غطاء الزير، ليخطف لمعانه عيون العابرين.
من خلف الباب، ناداها العارف بالله البوهي، أشرق وجهها الأسمر، اكتمل بدره، واختفت همهمات الألم، وتعطرت أنفاسها بحضوره المبارك، وتحول شهيقها وزفيرها إلى أهازيج. أراد استئجار إحدى غرف الدار، يستقبل فيها الصبية، يعلمهم الكتاب والحكمة: اختار ما شئت يا مولانا. أشار بعصاه إلى واحدة منها واتفقا على الأجر.
في الصباح وجدت حمار "أم سيد" رابضا ينهق في صحن الدار، يؤانسه الفأس والمقطف والغبيط، وشياه الحارة،سألت.. قالوا: النبي وصى على سابع جار والناس لبعضها. اختفت اللمبة الجاز والزير وجدته إربًا وهباء منثورًا، التفتت إلى كتاب الشيخ البوهي، وجدت شابًا يتأبط بين ذراعية أحزمة عيدان القصب الملفوفة، ينقلها إلى الكتاب وآخر يفك حزمة ويدس بيديه المتشققتين عيدانًا منها في تروس العصارة الخشبية. قالوا اللمبة ضلالة وكل ضلالة في النار، تُغري على السهر وتلهي عن قيام الليل. سمعوا أن "جنيًا" يتسلق شجرة الجُميز العتيقة عند "الرشاح" كل ليلة يظهر في صورة "زهرة" ثم يلقي بنفسه في الترعة المجاورة قبل الفجر، فتخرج حورية البحر نصفها يشبه "زهرة" وذيلها وكأنه "الزير".قالوا اكسروا "زير زهرة" وعمدوا أطفالكم في الترعة، يتغوطون ويبولون ويشربون، لا يتلبسكم عفريت "زهرة" وينام الجن في ترعته بسلام. ترك الأطفال كتاب البوهي، وعملوا صبية في محل عصير القصب.
انشطر عقل "زهرة" إلى شطرين، أحدهما يرثي حال الناس والآخر ينصت لوشوشة النفس: هدي الدار. نادت يا عماه: هدوا الدار.. فسمعت حفيف الأفاعي وحكت الحيات جلدها بالدار.