ماذا يمكن أن يحدث للرواية حينما يشعر الراوي أن الكاتب يخذله وينسحب فجأة معتمدا على أن راويه من النوع "العليم"، لكنه يتركه جاهلا بمصائر الشخصيات وعاجزا عن فض اشتباكها؟ فهل انسحب الكاتب فعلا متخليا عن راويه المتمسك بكل سلطاته السردية والقابض على الشخصيات والمهيمن على حوارها وحركتها؟
أسئلة تثيرها النهاية الغريبة والمراوغة التي اختارتها الكاتبة "ناهد تاج" للعبتها الروائية "لا تقربوا الأشواجندا"، حيث يشتبك الراوي والطبيب النفسي الذي يعالج دينا، ووالدها طبيب القلب محمود، وزوجها المايسترو عمر السحرتي، في جدال ويتبادلون الاتهامات، يعجز كل منهم عن تبرئة نفسه أو إثبات ما يكيله من اتهامات للآخرين، عندئذ يشعر الراوي أنه فقد سلطته ويعجز عن فض تمرد الشخصيات فيقرر أن ينهي اللعبة الروائية وهو في مركز قوة فأسقط عجزه على المؤلف، وأسدل الستار منهيا الرواية.
لعبة روائية
هذه اللعبة بدأتها المؤلفة ابتداء من العتبة الأولى "العنوان"، فالأشواجندا اسم لنبات عشبي لا يرد ذكره داخل صفحات الرواية، ولا علاقة مباشرة له بالشخصيات أو الأحداث، فالأشواجندا هو اسم لعشب الجينسنج الهندي المعروف بقدرته على الحد من التوتر، ومقاومة الاكتئاب، كذلك فهو يفيد في تجديد الحيوية وزيادة معدلات الخصوبة لدى الرجال.
فما علاقة ذلك بالرواية وهل يخاطب العنوان القارئ أم الشخصية الروائية؟
ربما تقصد أن لا شيء يفيد في هذا العالم الكابوسي فيصبح الاكتئاب قدرا لا فكاك منه، فكما يقول الطبيب النفسي في الفصل الأخير من الرواية: "هناك شيئان يجهزان على النفس الإنسانية بالتخريب والتعذيب: الحرب والحب".
ولأن الحروب لا تتوقف واستسلام البشر لأوهام الحب لا ينتهي، لذا فالنفس تظل خربة معذبة، هكذا تصور الرواية شخصية "دينا"، التي جعلت منها محورا للرواية، التي تبدأ بدينا وهي تقرأ في مذكرات أمها، أو من كانت تظنها كذلك، ففي لحظة ما من عام 1990، تتهيأ دينا لحفل زفافها، وتسافر بعده إلى إيطاليا رفقة زوجها الموسيقار، تبدأ أمها ابتسام مذكراتها بذلك اليوم الفارق، تهرب من لحظتها تلك إلى ماضيها البعيد، وتتذكر غروب الشمس قبل أربعين عاما، نعرف فيما بعد أن ذلك الغروب القديم مرتبط باستشهاد حبيبها وابن خالتها، إذن ثمة فقد استدعى فقدا، ففقدها لدنيا التي تتأهب لسفر طويل ينكأ جرحا قديما، عندئذ تقرر أن تختفي، فتعود إلى الإسماعيلية لتعيش وحيدة إلا من ذكرياتها وأطلال ماض قديم، ويعلن زوجها محمود _ باتفاق معها خبر وفاتها_ يصل الخبر إلى دنيا ليبدد فرحتها ويفتتح أول مشاهد مأساة لن تنتهي.
لن تكتشف دينا أن ابتسام لم تمت إلا قبيل النهاية، وستكتشف أيضا أن ابتسام ليست أمها، هي ابنة سفاح، جاءت نتيجة لحظة ضعف بين الطبيبين محمود ودانييلا التي كانت تحبه وتتقرب من أهله وتتفانى في علاج ابتسام ابنة خالته وخطيبة أخيه، لكن الكل تنكر لها فيما بعد، رأوها مجرد ساقطة ومحمود الطبيب انتظر حتى ولدت ثم أعلن وفاة الطفلة واضطر دانييلا إلى العودة إلى إيطاليا، وبعد رحيلها يعود بالطفلة فتتزوج منه ابتسام لتربي الطفلة وتشترط أن يكون الزواج شكليا فقط، أما دانييلا العائدة إلى وطنها فتقوم بتبني طفل يتيم تمنحه اسم محمود، توهمه هو ودينا والقارئ أنها أمه لكن فقط في النهاية نكتشف أنها أمه بالتبني، ربما لتزيل عائقا يحول دون زواجه من دينا بعد طلاقها من زوجها عمر، هكذا لا تتوقف المفاجآت وبعضها غير منطقي يحدث دون تمهيد، تقتنع به الشخصية التي تستسلم لهوى الكاتبة، أو ربما تشارك الكاتبة هواها لكن القارئ قد لا يشاركهما قناعاتهما.
تبدد الشخصية
دينا هي الشخصية المحورية في الرواية، هي ابنة الطبيب محمود، أمها الحقيقية الطبيبة الإيطالية دانييلا لكنها لا تعرف ذلك إلا في ذروة أزمتها فتمنح كليتها لأمها الحقيقية التي تعاني من اعتلال الكلية، أمها بحسب شهادة الميلاد المزورة هي ابتسام وقد اختفت عمدا وصدق الجميع خبر وفاتها حتى ظهرت في المستشفى لتطمئن على دينا، وزوجها المايسترو عمر السحرتي تتهمه بأنه يسرق ألحانها ويعمل على إصابتها بالجنون بعدما أصابها بالعقم نتيجة لدسه لها حبوب منع الحمل لسبع سنوات، ينفي عمر عن نفسه التهمة ويفاخر بكونه أبنا لناظر مدرسة ومعلمة موسيقى، لكن والد دينا يكتشف بالصدفة _ هكذا_ أن هذا النسب ملفق وأن عمر ابن خطيئة ارتكبها البلطجي إبراهيم الجن مع البغي وداد، هكذا فجأة تتحطم الصور وتتبدل الحقائق، فنشعر جميعا قراء الرواية وشخصياتها أن ليس ثمة شيء حقيقيا، وقد فاقم تبدل الحقائق واكتشافها لزيف كل ما مر بها من أزمتها التي أعجزت الراوي فأنهى اللعبة قبل موعدها مسدلا الستار على الأحداث، وأيضا مبقيا على كل الاحتمالات دون تنحية لأحدها.
هنا نتذكر ما قالته فرجينيا وولف في "القارئ العادي" عن الحياة وأنها ليست مجموعة من المصابيح المتراصة في صفوف متماثلة، بل هي هالة ساطعة، هي غلاف نصف شفاف يحيط بنا ابتداء من الإدراك حتى النهاية"، هذا بالضبط ما زاد من حالة اللا يقين التي عاشتها الشخصيات وخصوصا دينا التي شعرت وكأنها تعيش في كابوس أو حلم، فليس ثمة واقع مؤكد، هكذا تصاب بما يسمى "تبدد الشخصية" أو اضطراب الغربة عن الواقع، وهو الاضطراب الذي أربك حياة دنيا التي تعرضت لفقدان الأم مرتين، مرة بانتزاعها من الأم الحقيقية والأخرى بالموت المدعى للأم البديلة.
وكان من الممكن أن يكون لهذا الفقد آثار في طفولة دينا، لكن الرواية خلت من أي إشارات إلى طفولتها، وكأن ازمتها بدأت فقط بمجرد أن سمعت عن وفاة ابتسام، ولم يكن لها جذور قديمة تعجل بالانهيار، على الرغم من أن الكاتبة عبرت عن وعيها بذلك، حينما قالت في الفصل الأخير على لسان الطبيب النفسي: "الإنسان كائن معقد أكثر تشابكا من خيوط العنكبوت يسكن جسدا فارغا يتآكل سريعا كأوهن البيوت".
الآخر كضحية
إذا كانت الرواية تبدأ في عام 1990، بقراءة دنيا لمذكرات أمها البديلة وتنتهي بتعقد الأزمة ورصد بوادر الانفراج في عام 1995، فإن زمن الرواية امتد لنحو نصف قرن، وذلك بارتداد الرواية إلى عام 1950 عبر تذكر محمود لمقاومة أهالي الإسماعيلية للاستعمار الإنجليزي وهي المقاومة التي كبدتهم شهداء كثيرين منهم شقيق محمود الذي أحبته ابتسام، وقد تعاطفت الطبيبة الإيطالية دانييلا مع أبطال المقاومة وساعدت في تهريب الثوار المصابين من المستشفى لتحول دون وقوعهم في يد الإنجليز، وبالرغم من ذلك تنكر محمود لصنيعها ولم يقدر حبها له فرفض أن يتزوجها بعد أن حملت منه، بل حرمها من ابنتها واضطرها إلى مغادرة البلاد كما أسلفنا.
وقد رسمت الرواية صورة للمجتمع المصري في النصف الأخير من القرن العشرين، وذلك من خلال ذكريات الشخصيات، فلم تقدم الواقع كما حدث، وإنما صورته من خلال ما استقبلته الذات من صور خارجية عبر فترة زمانية محددة، بكل ما في هذه الصور من تفكك وتداخل وتعارض.
كذلك تباينت صورة الآخر عندها، فرأينا الآخر المحتل في صورته النمطية التي لا تتورع عن القتل العشوائي لأهالي الإسماعيلية، ورأيناهم كمجموع وليس كأفراد على العكس من شخصية دانييلا التي لم تمنعها جذورها اليهودية من محاولة الاندماج في المجتمع المصري، وتعاطفت معها الرواية كضحية لخسة محمود فمنحتها ابنا لم تنجبه، وأوقعته في حب ابنتها الحقيقية التي ظنتها ماتت طفلة، ثم جعلتها تكتشف الحقيقة حينما اعترف محمود الباحث عن دينا المختفية، ليس ذلك فقط بل استردت حياتها باسترداد ابنتها، عبر تبرع الابنة لها بكليتها، على العكس من الأب الذي عاقبته الرواية على تصرفه الخسيس مع دانييلا، فأفقدته صحته وسعادته ثم ابنته.
لم تقدم الرواية شخصية محلية سوية حتى شخصية ابتسام كانت مضطربة نفسيا تعيش أسيرة ماضي ما قبل استشهاد حبيبها، وتزوجت من شقيقه لتتمكن من تربية ابنة دانييلا كنوع من رد الجميل لطبيبة ساعدتها في محنتها، لكن برغبتها في الانسحاب وادعاء الموت هدمت المعبد على رؤوس الجميع.
// مساهمتى في مؤتمر السرد السكندري في ظلال كورونا//
قراءة: أحمد رجب شلتوت..
أسئلة تثيرها النهاية الغريبة والمراوغة التي اختارتها الكاتبة "ناهد تاج" للعبتها الروائية "لا تقربوا الأشواجندا"، حيث يشتبك الراوي والطبيب النفسي الذي يعالج دينا، ووالدها طبيب القلب محمود، وزوجها المايسترو عمر السحرتي، في جدال ويتبادلون الاتهامات، يعجز كل منهم عن تبرئة نفسه أو إثبات ما يكيله من اتهامات للآخرين، عندئذ يشعر الراوي أنه فقد سلطته ويعجز عن فض تمرد الشخصيات فيقرر أن ينهي اللعبة الروائية وهو في مركز قوة فأسقط عجزه على المؤلف، وأسدل الستار منهيا الرواية.
لعبة روائية
هذه اللعبة بدأتها المؤلفة ابتداء من العتبة الأولى "العنوان"، فالأشواجندا اسم لنبات عشبي لا يرد ذكره داخل صفحات الرواية، ولا علاقة مباشرة له بالشخصيات أو الأحداث، فالأشواجندا هو اسم لعشب الجينسنج الهندي المعروف بقدرته على الحد من التوتر، ومقاومة الاكتئاب، كذلك فهو يفيد في تجديد الحيوية وزيادة معدلات الخصوبة لدى الرجال.
فما علاقة ذلك بالرواية وهل يخاطب العنوان القارئ أم الشخصية الروائية؟
ربما تقصد أن لا شيء يفيد في هذا العالم الكابوسي فيصبح الاكتئاب قدرا لا فكاك منه، فكما يقول الطبيب النفسي في الفصل الأخير من الرواية: "هناك شيئان يجهزان على النفس الإنسانية بالتخريب والتعذيب: الحرب والحب".
ولأن الحروب لا تتوقف واستسلام البشر لأوهام الحب لا ينتهي، لذا فالنفس تظل خربة معذبة، هكذا تصور الرواية شخصية "دينا"، التي جعلت منها محورا للرواية، التي تبدأ بدينا وهي تقرأ في مذكرات أمها، أو من كانت تظنها كذلك، ففي لحظة ما من عام 1990، تتهيأ دينا لحفل زفافها، وتسافر بعده إلى إيطاليا رفقة زوجها الموسيقار، تبدأ أمها ابتسام مذكراتها بذلك اليوم الفارق، تهرب من لحظتها تلك إلى ماضيها البعيد، وتتذكر غروب الشمس قبل أربعين عاما، نعرف فيما بعد أن ذلك الغروب القديم مرتبط باستشهاد حبيبها وابن خالتها، إذن ثمة فقد استدعى فقدا، ففقدها لدنيا التي تتأهب لسفر طويل ينكأ جرحا قديما، عندئذ تقرر أن تختفي، فتعود إلى الإسماعيلية لتعيش وحيدة إلا من ذكرياتها وأطلال ماض قديم، ويعلن زوجها محمود _ باتفاق معها خبر وفاتها_ يصل الخبر إلى دنيا ليبدد فرحتها ويفتتح أول مشاهد مأساة لن تنتهي.
لن تكتشف دينا أن ابتسام لم تمت إلا قبيل النهاية، وستكتشف أيضا أن ابتسام ليست أمها، هي ابنة سفاح، جاءت نتيجة لحظة ضعف بين الطبيبين محمود ودانييلا التي كانت تحبه وتتقرب من أهله وتتفانى في علاج ابتسام ابنة خالته وخطيبة أخيه، لكن الكل تنكر لها فيما بعد، رأوها مجرد ساقطة ومحمود الطبيب انتظر حتى ولدت ثم أعلن وفاة الطفلة واضطر دانييلا إلى العودة إلى إيطاليا، وبعد رحيلها يعود بالطفلة فتتزوج منه ابتسام لتربي الطفلة وتشترط أن يكون الزواج شكليا فقط، أما دانييلا العائدة إلى وطنها فتقوم بتبني طفل يتيم تمنحه اسم محمود، توهمه هو ودينا والقارئ أنها أمه لكن فقط في النهاية نكتشف أنها أمه بالتبني، ربما لتزيل عائقا يحول دون زواجه من دينا بعد طلاقها من زوجها عمر، هكذا لا تتوقف المفاجآت وبعضها غير منطقي يحدث دون تمهيد، تقتنع به الشخصية التي تستسلم لهوى الكاتبة، أو ربما تشارك الكاتبة هواها لكن القارئ قد لا يشاركهما قناعاتهما.
تبدد الشخصية
دينا هي الشخصية المحورية في الرواية، هي ابنة الطبيب محمود، أمها الحقيقية الطبيبة الإيطالية دانييلا لكنها لا تعرف ذلك إلا في ذروة أزمتها فتمنح كليتها لأمها الحقيقية التي تعاني من اعتلال الكلية، أمها بحسب شهادة الميلاد المزورة هي ابتسام وقد اختفت عمدا وصدق الجميع خبر وفاتها حتى ظهرت في المستشفى لتطمئن على دينا، وزوجها المايسترو عمر السحرتي تتهمه بأنه يسرق ألحانها ويعمل على إصابتها بالجنون بعدما أصابها بالعقم نتيجة لدسه لها حبوب منع الحمل لسبع سنوات، ينفي عمر عن نفسه التهمة ويفاخر بكونه أبنا لناظر مدرسة ومعلمة موسيقى، لكن والد دينا يكتشف بالصدفة _ هكذا_ أن هذا النسب ملفق وأن عمر ابن خطيئة ارتكبها البلطجي إبراهيم الجن مع البغي وداد، هكذا فجأة تتحطم الصور وتتبدل الحقائق، فنشعر جميعا قراء الرواية وشخصياتها أن ليس ثمة شيء حقيقيا، وقد فاقم تبدل الحقائق واكتشافها لزيف كل ما مر بها من أزمتها التي أعجزت الراوي فأنهى اللعبة قبل موعدها مسدلا الستار على الأحداث، وأيضا مبقيا على كل الاحتمالات دون تنحية لأحدها.
هنا نتذكر ما قالته فرجينيا وولف في "القارئ العادي" عن الحياة وأنها ليست مجموعة من المصابيح المتراصة في صفوف متماثلة، بل هي هالة ساطعة، هي غلاف نصف شفاف يحيط بنا ابتداء من الإدراك حتى النهاية"، هذا بالضبط ما زاد من حالة اللا يقين التي عاشتها الشخصيات وخصوصا دينا التي شعرت وكأنها تعيش في كابوس أو حلم، فليس ثمة واقع مؤكد، هكذا تصاب بما يسمى "تبدد الشخصية" أو اضطراب الغربة عن الواقع، وهو الاضطراب الذي أربك حياة دنيا التي تعرضت لفقدان الأم مرتين، مرة بانتزاعها من الأم الحقيقية والأخرى بالموت المدعى للأم البديلة.
وكان من الممكن أن يكون لهذا الفقد آثار في طفولة دينا، لكن الرواية خلت من أي إشارات إلى طفولتها، وكأن ازمتها بدأت فقط بمجرد أن سمعت عن وفاة ابتسام، ولم يكن لها جذور قديمة تعجل بالانهيار، على الرغم من أن الكاتبة عبرت عن وعيها بذلك، حينما قالت في الفصل الأخير على لسان الطبيب النفسي: "الإنسان كائن معقد أكثر تشابكا من خيوط العنكبوت يسكن جسدا فارغا يتآكل سريعا كأوهن البيوت".
الآخر كضحية
إذا كانت الرواية تبدأ في عام 1990، بقراءة دنيا لمذكرات أمها البديلة وتنتهي بتعقد الأزمة ورصد بوادر الانفراج في عام 1995، فإن زمن الرواية امتد لنحو نصف قرن، وذلك بارتداد الرواية إلى عام 1950 عبر تذكر محمود لمقاومة أهالي الإسماعيلية للاستعمار الإنجليزي وهي المقاومة التي كبدتهم شهداء كثيرين منهم شقيق محمود الذي أحبته ابتسام، وقد تعاطفت الطبيبة الإيطالية دانييلا مع أبطال المقاومة وساعدت في تهريب الثوار المصابين من المستشفى لتحول دون وقوعهم في يد الإنجليز، وبالرغم من ذلك تنكر محمود لصنيعها ولم يقدر حبها له فرفض أن يتزوجها بعد أن حملت منه، بل حرمها من ابنتها واضطرها إلى مغادرة البلاد كما أسلفنا.
وقد رسمت الرواية صورة للمجتمع المصري في النصف الأخير من القرن العشرين، وذلك من خلال ذكريات الشخصيات، فلم تقدم الواقع كما حدث، وإنما صورته من خلال ما استقبلته الذات من صور خارجية عبر فترة زمانية محددة، بكل ما في هذه الصور من تفكك وتداخل وتعارض.
كذلك تباينت صورة الآخر عندها، فرأينا الآخر المحتل في صورته النمطية التي لا تتورع عن القتل العشوائي لأهالي الإسماعيلية، ورأيناهم كمجموع وليس كأفراد على العكس من شخصية دانييلا التي لم تمنعها جذورها اليهودية من محاولة الاندماج في المجتمع المصري، وتعاطفت معها الرواية كضحية لخسة محمود فمنحتها ابنا لم تنجبه، وأوقعته في حب ابنتها الحقيقية التي ظنتها ماتت طفلة، ثم جعلتها تكتشف الحقيقة حينما اعترف محمود الباحث عن دينا المختفية، ليس ذلك فقط بل استردت حياتها باسترداد ابنتها، عبر تبرع الابنة لها بكليتها، على العكس من الأب الذي عاقبته الرواية على تصرفه الخسيس مع دانييلا، فأفقدته صحته وسعادته ثم ابنته.
لم تقدم الرواية شخصية محلية سوية حتى شخصية ابتسام كانت مضطربة نفسيا تعيش أسيرة ماضي ما قبل استشهاد حبيبها، وتزوجت من شقيقه لتتمكن من تربية ابنة دانييلا كنوع من رد الجميل لطبيبة ساعدتها في محنتها، لكن برغبتها في الانسحاب وادعاء الموت هدمت المعبد على رؤوس الجميع.
// مساهمتى في مؤتمر السرد السكندري في ظلال كورونا//
قراءة: أحمد رجب شلتوت..