محمد السلاموني - الإسلام الإصطناعى

على الرغم مما نراه من المحاولات تلو الأخرى التى تأتيها قوى عديدة (داخلية وخارجية) لبسط هيمنة الإسلاميين على الواقع العربى ؛ إحياءا لما يسمى بالمشروع الإسلامى ، إلا إن الواقع نفسه يقول بأن الإسلام انتهى تماما - نعم ، لقد مات الإسلام الحقيقى... ولكن بأى معنى ؟...
رغم الفروق الهائلة والواضحة بيننا وبين الغرب، إلا إن المتغيرات المعاصرة (العولمية تحديدا)، عملت على تذويب الخصوصيات إلى حد كبير، وبتعبير آخر ، السمات العامة المتشابهة التى سادت العالم الآن، بفعل الأدوات والمواد العولمية المعَمَّمَة والفَعَّالة، تتخذ فى كل مجتمع شكلا خاصا بها، تحدِّده خصوصيات ذلك المجتمع، مما نتج عنه ما يُطلق عليه إصطلاح "الثقافة الثالثة"؛ وهى ما أسفرت عنه التغايرات الناجمة عن التفاعل المستعر بين الخصوصيات المجتمعية والقيم الغربية العولمية ..
هذا والثقافة الثالثة - التى هى شئ جديد ، ليس بالغربى تماما وليس بالمحلى تماما- تعنى أن هناك إستيعابا متزايدا من قِبَل الثقافات المحلية للقيم الغربية. هذا الإمتصاص القيمى، الذى يعمل على قدم وساق، فى العالم أجمع، أدَّى إلى إعادة صياغة البنيات الثقافية المحلية لصالح البنية العولمية الجديدة، مما أفقد الخصوصيات قوتها .
هذا وأهم ما يتميز به التحول العولمى المعاصر هو تحويل الواقع الحقيقى إلى واقع إصطناعى ، والواقع الإصطناعى هو عالم الصور الزائفة، والتى لشدة مطابقتها للواقع الحقيقى، امتلكت القدرة على الإدعاء بأنها هى الواقع الحقيقى نفسه، بعد أن اغتالته وحلت محله .
أى أن كثيرا مما نحياه الآن لا يمت إلى الواقع الحقيقى بصلة، وإن هو إلا مجرد صور نموذجية مستنسَخة من واقع ميِّت، تتكون و تتحرك بأحدث البرمجيات التكنولوجية .
وما الإسلام الآن، ذلك الذى نراه فى كل مكان، سوى صورة زائفة من الإسلام، حلت محل الإسلام الحقيقى، وادَّعت أنها هى هو نفسه- وقد أشرت فى مقال سابق إلى أن الجماعات الإسلامية (الجهادية وغيرها) تسعى لحشر المشهدية التاريخية الإسلامية القديمة فى المشهدية المعاصرة، وأن أعضاء تلك الجماعات تخلُّوا عن أسمائهم وأزيائهم وأعمالهم وهوياتهم المعاصرة، وراحوا يتقمَّصون أدوارا تاريخية مستلهمة من المسلسلات والأفلام الدينية...
لقد صار الإسلام الآن جزءا من الأكاذيب الهائلة التى تغمرنا وتلتهمنا .
والمشكلة تكمن فى أن الغرب نفسه لم يزَيِّف دينه ولم يلغه، كل مافى الأمر هو أنه حدَّد مجال عمله فقط ، أما نحن فبغباء - يليق بنا - دمَّرنا كل شئ باسم الإسلام ، فدمرنا الإسلام نفسه .




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى