نادية الزقان - استراتيجية التلاعب بالأهواء ضمن جنس الموعظة

من المعلوم أن خطاب الوعظ هو خطاب ديني موجه لفئة اجتماعية معينة، وله خصوصياته في بناء علاقته الإقناعية، التي يرتهن نجاحها بمدى الانسجام الذي يربط المرسل ( الواعظ) بالمتلقي(جمهور المستمعين)، لذلك وجب على الواعظ اختيار تقنياته الحجاحية بشكل دقيق ومؤثر.
وفي هذا السياق نذكر أهم واعظ عرفه التاريخ في ثراتنا الاسلامي: ابن الجوزي، والذي قال:"أما الوعظ فهو تخويف ترق له القلوب"...من هنا نعلم أنه خطاب قلبي وجداني، يروم تحريك الأهواء والعواطف والانفعالات، من أجل توجيه النفوس تجاه الخير وتحريرها من طباعها السيئة، وعليه يكون على الخطيب/ الواعظ، بناء خطاب مؤثر في القلب قبل العقل، وهذا ما يصطلح عليه في البلاغة القديمة بالباتوس Pathos، نظرا لخصوصية المخاطَب الذي يمتثل للوعظ، ...إنه خطاب مشوري يقوم على فعل الحث على الشيء أو النهي عنه.
وكما هو معلوم أن المقام التواصلي الخطابي يتشكل أساسا من مكونات ثلاث( المخاطِب و المخاطَب والخطاب)، فإن الرهان في الخطبة الوعظية يعتمد على المتلقي، من أجل تحريك وجدانه لقبول الموعظة والنصح والرشد...وهذا طبعا بتظافر باقي الاستراتيجيات الخطابية الأخرى التي يبقى دورها مساندا ومكملا : كالايتوس Ethos او ما يعرف بصورة الخطيب في موعظته، والتي تلزمه التحلي بمظهر يجلب له ثقة السامعين تمهيدا لكسب ثقتهم في قوله، يقول أرسطو Aristotes: " ...والخطيب يقنع بالأخلاق إذا كان كلامه يلقى على نحو يجعله خليقا بالثقة"، كما عليه ألا يغفل الحجج العقلية التي تدعم حتما دعواه، وفي هذا الصدد نستحضر مقولة برنارد بوفون Bertrand Buffon:" لا وجود للوجوس( حجج عقلية) مقنع من دون إيتوس(صورة الخطيب كما تتجلى في خطابه) مؤثر"...
ثم إن السياق النوعي للموعظة الدينية يقتضي أن تشكل الذات الواعظة صورتها وفق قواعد سياق خطابي عاطفي بالضرورة، يتسم بالخضوع المطلق لإرادة الله وسلطانه، فانخراطه في البكاء _مثلا_ في حضور مستمعيه في أثناء إلقائه لموعظته، هو وسيلة لجعل السامع ينخرط تلقائيا في البكاء، فيتداخل الإتوس(صورة الذات المتكلمة) بالباتوس ( اهواء المستمع).
بالاضافة الى لجوء الخطيب/ الواعظ الى حجة الحكي والسرد لأحوال البكائين أو المتأثرين وثوابهم عند الله، مع استعمال وسائل لغوية وأسلوبية تدل على الترهيب والتخويف فالخضوع والشوق...كأن يسرد حكايات ووقائع لها وقعها على النفوس، في مثل ما يتعلق بالملائكة، ما يتعلق بالأنبياء والرسل، ثم من أتى بعدهم من الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد... خلاصة القول إن الموعظة تتسم بمظاهر المبالغة المفرطة، التي توجه الخطاب إلى التسليم المطلق بما يلقيه الخطيب لأنها تقوم على مجموعة من الاستراتيحيات والوسائل الخطابية المشكلة للأهواء سواء أكانت صريحة أو ضمنية.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى