علم النفس السياسي البورجوازى
1 - نقد العقل القمعى وميتافيزيقا الجلاد
ضد أحمد عكاشة
" لعل الحكمة لا تظهر على الارض الا على هيئة غراب يهيجه عفن جيفة مكتوم ؟ " ( 1 ) هكذا كتب فيلسوف أفول الاصنام ! وهاهوذا سلطان العلم والمعرفة " الموضوعية المحايدة " !! ( العالم المصرى الكبير، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي ، عضو المجلس الاستشارى الرئاسى ، ومستشار الرئيس للصحة النفسية ) د. أحمد عكاشة يتجلى امامنا ، ويقول قولته الفاصلة متخذا من الشعب المصرى ، وسيكولوجيته موضوع معرفته ، معينا له ماينبغى ، ومالاينبغى فى الظروف الراهنة ، مبينا له دلالة فعله فى كل حال ومعناه ، مبعدا عن ذاته شبهة أنه قد يكون فى الواقع بوصفه مثقفا عضويا للطبقة السائدة ولسلطتها الراهنة – وبحكم كونه مستشارا للرئاسة - ظلا متراميا فى البعد لإرادة السلطان وإكراهه . لكن علينا ان نقرأ مايكتب شاكين فى أنه يكتب لإخفاء مايضمره ، وأن ننبش وراء كل حرف ، فربما إستترت دلالات أعمق مما تكشف عنه ، وأن نحذر ونحتاط من أن يكون الظاهر أمامنا هو فلسفة واجهة توارى مضمونها التبريرى الفعلى خلف الكلمات - الأقنعة ، وأن ندرك أن السمات المؤسسية الظاهرة للفاعلين الإجتماعيين سواء كان المتحدث هو القاضى الجنائي ، أم المفتى ووزير الاوقاف أم شيخ الأزهر ، أم النائب العام ، وضابط الأمن الوطنى ، أم الإعلامى الشهير ، أم الطبيب النفسي كما هو الحال هنا ، هى معادلات موضوعية ذات مضمون طبقى واحد وإن تغايرت فى أشكالها الأيديولوجية وفق نوعية المجالات ، ففى عالم البورجوازية الرثة التى إستنفدت دورها التاريخى من الأصنام الكاذبة أكثر مما فيه من الحقائق . ودون ان ننسي انه قد تكون هناك ميول ثانوية غير مهيمنة تخترق مؤسسات النظام ذاتها يتجلى فيها الصراع الاجتماعى خارجها .
1 -
علم النفس السياسي البورجوازى ووظيفته الاجتماعية
هو فرع من فروع علم النفس " يختص بالظواهر النفسية ( الأمزجة ، والآراء ، والأحاسيس ، الاتجاهات القيمية ، الخ ) للحياة السياسية التى تتشكل وتكشف عن نفسها فى الوعى السياسى للطبقات ، والجماعات الاجتماعية ، والحكومات والأفراد وتتحقق فى أفعالهم السياسية . وعلم النفس السياسي البورجوازى ، الذى يؤدى وظيفة فكرية رجعية ، بالاضافة الى تحليل الجوانب النفسية للمسائل السياسية الجارية ( الداخلية والدولية على السواء ) يدعى أنه يطور نظريات علمية اجتماعية صيغت لتكون بدائل للماركسية ، وللمفهومات السياسية الاجتماعية البورجوازية السابقة ......... " (2 ) ودوره يتمثل فى تزويد صاحب القرار ( السلطة ) بما يحتاجه من بيانات تتعلق يإتجاهات الرأى العام حتى يضمن للقرار السياسي أقصى تأثير وفاعلية . وكذلك يسهم فى مجال إدارة الأزمات الداخلية والخارجية وتبيان أفضل السبل لتطويع الكادحين وغسل أدمغتهم وترويج الأفكار الداعية للتكيف مع النظم القائمة .
ويعتبر علم النفس السياسي من الفروع "العلمية" الحديثة نسبيا ، فلم يكن يدرس فى الجامعات الغربية كمجال معرفى قبل السبعينات ، رغم أن البعض درس تأثير علم النفس فى السياسة منذ العشرينات فى القرن الفائت ، مثل الأمريكى هارولد لاسويل ( 1902 – 1976 ) . وقد أصدر الأكاديمى البريطانى ديفيد باتريك هوتون مؤخرا كتابه : " علم النفس السياسي " عام 2008 فى طبعته الانجليزية . ( 3 )
وقد إستعرض فيه أبرز النظريات التحليلية المفسرة للنشاط السياسي من منظور نفسي ، وخاصة المدرستين الموقفية والنزوعية . و " تعرف الموقفية كمدخل لفهم السلوك الإنسانى ، تعتبر فيه البيئة ، أو الموقف المحيط بالفرد ، العامل الأكثر أهمية فى تشكيل وتوجيه سلوكه ، أما النزوعية فترى أن الفرد ومايحمله من قيم واعتقادات وخصائص شخصية العامل الأكثر أهمية فى توجيهه واستنادا الى هاتين المقاربتين فى فهم المواقف وسلوك الأفراد والجماعات والقيادات والنخب السياسية .... (بدأ ) بتحليل النظرية السلوكية او نظرية المثير – الاستجابة ، وعلم نفس الطاعة والسيرة النفسية (وانتهى) الى علم نفس العلاقات الدولية " ( 4 ) .
وجدير بالذكر أن معظم الأكاديميين فى هذا المجال قد تأثروا تأثرا واضحا بمؤلفات كاتب فرنسي رجعى هو الأنثروبولوجى وعالم الاجتماع الفرنسى جوستاف لوبون خصوصا فى كتابه " سيكولوجية الجماهير" الصادر عام 1895 حيث "يرى المؤلف أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحداً، من دون أن تتحمل مناقشتها. ومايقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً، ومايوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، في صورة إرادية، إلى التضحية بالنفس. إنها لا تعرف غير العنف الحادّ شعوراً، فتعاطفها لا يلبث أن يصير عبادة، ولاتكاد تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كرهه.
وفي الحالة الجماهيرية تنخفض الطاقة على التفكير، ويذوب المغاير في المتجانس،بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي .
وحتى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها إلى عبادة الزعيم، وإلى الخوف من بأسه، وإلى الإذعان الأعمى لمشيئته، فيصبح كلامه دوغما لا تناقش، وتنشأ الرغبة إلى تعميم هذه الدوغما. أما الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء. ( 5 )
وفى كتابه" روح الثورات "الذى خصصه للثورة الفرنسية رأى ان النفسية الى تسودها هى نفسية الحقد ، والخوف والحرص ،والحسد ، والزهو ، والحماسة ، كما ان هناك نفسية دينية ، ونفسية يعقوبية ، ونفسية ثورية ، ونفسية مجرمة ، وعموما تسودها فوضى نفسية ، وإجمالا إتخذ من الثورة موقفا رجعيا . وقد كتب ناقدا الشعار الرئيسى للثورة الفرنسية مايلى : " للشعار الجمهورى أى " الحرية والمساواة والإخاء " ، شأن كبير مع ضعف قيمته العقلية ، ولهذا الشعار الساحر الذى نقش على جدرنا قدرة عظيمة تعدل القدرة التى يعزوها السحرة الى بعض الألفاظ ، وما ألقاه من الآمال فى القلوب سهل إنتشاره ، وقد ضحى ألوف الناس بأنفسهم فى سبيله ، والآن اذا اضطرمت ثورة فى العالم فإن رجالها يستنجدون به .
حقا أنهم يجيدون الاختيار ، فذلك الشعار من الأمثال المبهمة الساحرة للنفوس والتى يفسرها كل امرئ على حسب ذوقه وحقه وخياله ، ففى أمر الايمان لا شأن لمعنى الألفاظ الحقيقى ، وما سر قوة هذه الألفاظ إلا بما يعزى إليها من قدرة " ( 6 )
إحتل علم نفس الطاعة مكانة أساسية فى بحوث ستانلى ملجرام وقد طرح أسئلة جوهرية حول ماالذى يدفع الأفراد لطاعة سلطة عليا كالدولة حتى عندما تصطدم متطلبات تلك السلطة بشدة بالقيم والأخلاق . وقد إنتهى بعد تجارب أجراها على مجموعة من المتطوعين الى أننا " ... جميعا قد نخالف أعز مبادئنا وقيمنا عندما نواجه موقفا تحثنا فيه على الطاعة سلطة نرى أنها سلطة شرعية " . ( 7 )
2 – علم النفس السياسى فى مصر : اتجاهان
تأسس علم النفس فى مصر على يد رواد يتصدرهم د . يوسف مراد ود . مصطفى زيور اللذان أصدرا أول مجلة تحمل اسم علم النفس فى يونيو 1945 وواصلت الصدور حتى فبراير 1953 . تضمنت اعدادها موضوعات ذات خصوصية مثل " اختيار ضباط الجيش " ، " علم النفس والحرب " . وقد ساهم يوسف مراد فى انشطة " ادارة التدريب الحربى " لتنظيم قسم للخدمة السيكولوجية فى الجيش ، وتطبيق اختبارات الذكاء والشخصية على طلبة الكلية الحربية فى سبتمبر 1952 ، وألقى محاضرتين فى كلية اركان الحرب عن الانفعالات والتمويه والإخفاء فى يناير 1953 . ولم يكن هو الوحيد الذى ارتبط بالنظام الجديد فقد اسهم آخرون فى مجال الأمن القومى ، وفى تحليل اتجاهات الرأى العام .
وفى مقابل الاتجاه المذكور الذى إرتبط بنظام يوليو وبورجوازيته البيروقراطية فيما بعد نشأ اتجاه معارض ديموقراطى النزعة مثله كل من مصطفى زيور ومصطفى سويف ولايمكن أن يختزل ذلك التعارض بين مدعمى النظام ونقاده بوصفه شقاقا بين مدرستين من مدارس علم النفس : مدرسة التحليل النفسى ، والمدرسة السلوكية .
كان زيورليبراليا مدافعا عن الحرية السياسية ، والقضية الفلسطينية ، وقد احتضن وساند طلابه الشيوعيين من الحلقة الثانية للحركة الذين أعتقلوا بتهمة قلب نظام الحكم على خطورة هذا الأمر عليه آنذاك . وقد مثل كتاب مصطفى زيور " فى النفس : مقالات مجمعة فى التحليل النفسي " فاتحة انطلاقة فى علم النفس السياسي العربى . كما كان مهموما بمسألة الفتنة الطائفية فحاضر وكتب عن سيكولوجية التعصب كظاهرة نفسية اجتماعية سياسية مرضية . كتب : " التعصب يؤدى وظيفة خاصة تتلخص فى التنفيس عما يعتلج فى النفس من كراهية وعدوان مكبوت ، وذلك عن طريق عمليتى النقل و الإبدال ، دفاعا عن الذات وعن من نحبه. فالمتعصب اذن يجنى فى موقفه كسبا ، غير أن هذا الكسب لا يختلف عما يجنيه العصابى من سلوكه الشاذ ، اى انه كسب وهمى ناقص يفوت على صاحبه فرصة حل إشكاله حلا رشيدا واقعيا مجديا " ولم يقصر زيور تفسيراته على ماهو نفسي بل رأى ان لنقمة الشعب المصرى اسبابا يمكن ان نفهمها بدراسة الأحوال الإقتصادية . كما عالج العدوان الإسرائيلى من منظور التحليل النفسي فى مقالين نشرا عام 1968 .
" لا أستطيع أن أسمح لنفسي أن أضع علمى فى خدمة هذا الحكم الإستبدادى " هكذا رد مصطفى سويف على طلب أستاذه يوسف مراد بأن يساعده فى تطبيقات علم النفس فى الجيش . وظل طوال حياته ديموقراطيا صارما فى موقفه من ديكتاتورية سلطة يوليو . ( 11 )
وقد كان عالم النفس المصرى مصطفى صفوان الذى هاجر الى فرنسا عقب انقلاب يوليو 1952 من كبار المحللين النفسيين من مدرسة جاك لاكان ينتمى للاتجاه الثانى وله اسهامات بارزة فى مجال تفكيك الإستبداد ، والسلطة الطغيانية فى العالم العربى ، وهو مؤلف كتاب " لماذا العرب ليسوا أحرارا – صدر عن دار الساقى بيروت ، 2012 – وكذلك " إشكاليات المجتمع العربى : قراءة من منظور التحليل النفسي – صدر عن المركز الثقافى العربى 2009 - بإلاشتراك مع عالم النفس اللبنانى عدنان حب الله . وقد ترجم ايضا بعض الكتب الهامة منها : علم ظهور العقل للفيلسوف الألمانى هيجل – وقد صدر عن دار الطليعة ببيروت ط . ث. 1994 . وكذلك مقال فى العبودية المختارة للفرنسي إتيين لابواتييه – صدر عن مكتبة مدبولى ،1990 القاهرة .
ويستخدم مصطفى صفوان مصطلح " الدولة البدائية الحديثة " للدلالة على الأنظمة الإستبدادية السائدة فى العالم العربى محددا خصائصها فهى تكرس ماأسماه " الإعتقاد الطبيعى بنظام المقدس " وثانيا ، لاتقبل اقتسام السلطة ، وثالثا ، ترفض أى ضبط حقيقى لسلطة الحاكم ، ورابعا ، تلهث وراء ضمان الاستقرار واستمرار الحكم على حساب الاستقلال الوطنى والنمو الاقتصادى ويناء الانسان . " ( 12 )
ويتواصل الإتجاهان السابقان فى مصر المعاصرة فنجد الدكتور أحمد عكاشة ويحيى الرخاوى من مروجى التكيف الخانع للنظم القائمة ، وقد ارتبط كلاهما بالنظام الحاكم كمثقفين عضويين وكأصحاب مصلحة طبقية فى إستبقاء الاوضاع التى تمنحهم الإمتيازات كمهنيين أو أصحاب رأسمال نوعى .
ومن جانب آخر نجد الباحثة الجادة النابهة د . بسمة عبد العزيز التى إختطت طريقا جديدا فى حقل الدراسات النفسية الاجتماعية فى مصر وأسست داخل علم النفس السياسي لدراسات تكشف الآثار النفسية والجسدية والإنفعالية التى تعترى المعتقلين فى سجوننا المصرية من جراء التعذيب ( كرب مابعد الصدمة ) . وتناولت فى أبحاثها ظاهرة القمع البوليسى من زاوية الآليات والوظائف والأدوار والنتائج . وقد أصدرت عددا من الدراسات تمثل علامة بارزة فى مجالها منها " ماوراء التعذيب " – الجوانب النفسية والسياسية (دار ميريت ط . أ 2007 ) ثم إغراء السلطة المطلقة ( دار صفصافة ط . ث 2011 ) وكذلك ذاكرة القهر ( دار التنوير ط . أ 2014) وهى توظف معرفتها فى كشف عفن الأوضاع القائمة برموزها ومؤسساتها وتناهض كل مايزينها ويبررها بكتابة علمية رصينة .
وهناك كوكبة من الطبيبات اللامعات اللائى لعبن ومازلن يلعبن دورا هاما ومؤثرا فى كشف آليات القمع وتقنيات التعذيب ومعالجة آثارها ومنهم الدكاترة : عايدة سيف الدولة ، وسوزان فياض ، وماجده عدلى وآخريات ( مركز النديم ) ، وفرادى مثل د . سالى توما . بإختصار هولاء لايبررن الأوضاع القائمة ولايزينونها ويساندن المضطهدين والمقموعين من ابناء شعبهم .
3 - من الصعب أن تحكم جالسا على الحراب طوال الوقت !
فى مقال : "طرائق الانتلجنسيا البورجوازية فى النضال ضد العمال " يشير ف . لينين الى أنه فى كل الاقطار الرأسمالية فى العالم تلجأ البورجوازية الى طريقتين فى النضال ضد حركة الطبقة العاملة والأحزاب العمالية . تتمثل الأولى فى إستخدام العنف ، والإضطهاد ، والحظر ، والقمع . وتعد هذه طريقة إقطاعية ، قروسطية فى جوهرها . وهناك فى كل مكان اقسام وجماعات من البورجوازية – أصغر فى البلدان المتقدمة ، وأكبر فى البلدان المتخلفة – تفضل هذه الطرائق ، وفى لحظات الاحتدام القصوى فى نضال العمال ضد عبودية العمل المأجور ، تتفق البورجوازية بكاملها على استخدام طرائق كهذه . أما الطريقة الأخرى التى تستخدمها البورجوازية ضد الحركة فتتمثل فى شق صفوف العمال ، إشاعة الفوضى فى صفوفهم ، رشوة ممثلين فرديين أو مجموعات معينة من البروليتاريا بهدف كسبهم الى صفها . وهذه الطرائق ليست طرائق إقطاعية وإنما طرائق بورجوازية محضة وحديثة ... " وكذلك نشر النفوذ " الايديولوجى للبورجوازية فى صفوف العبيد المأجورين بهدف حرف نضالهم ضد العبودية المأجورة . ( 13 ) فوظيفة المثقف العضوى الذى ينتمى للطبقة السائدة هى وظيفة المفكر والمنظم والداعية والمنظر والمنافح عن مصالحها بغض النظر عن مهنته النوعية ، ويتميز بوظيفته فى توجيه افكار وتطلعات الطبقة التى ينتمى االيها واضفاء التجانس على وعيها وممارسة الهيمنة على الطبقات المسودة (وظيقة الأفكار فى التضليل وفى إرساء سلطة المستغلين – وهو واحد من معان تاريخية متعددة لمفهوم الايديولوجيا ) . كما أن الوظيفة التبريرية للايديولوجيا تنهض أساسا للمشروعية السياسية .
" ترتبط علاقة الايديولوجيا بالسلطة بالمسألة الحيوية والأساسية بالنسبة لكل سلطة سياسية وهى مسألة المشروعية . فالهم الأساسى لكل سلطة هو اكتساب المشروعية ..... السلطة القادرة على الاستمرار هى السلطة التى لاتقوم فقط على القوة والعنف وانتزاع الاعتراف ، بل هى السلطة القادرة على جعل الذوات السياسية تنتج تلقائيا مصادقتها عليها وقبولها بها بحيث لاتكون بمثابة مؤسسة خارجية قائمة على القهر والقسر بل على الرضى والموافقة . ............ وبما أن هذا الصنف من المشروعية لايتم اكتسابه بالعنف الفيزيقى ، فإن من الضرورى اللجوء إلى نوع من العنف أكثر لطفا وتهذيبا وخفاء وهو العنف اللفظى أو " العنف الرمزى " . وقد ارتبط خطاب السلطة دوما بسلطة الخطاب وكلمات السلطة بسلطة الكلمات . " ( 14 )
" فالايديولوجيا بهذا المعنى ركن أساسى من أركان أى سلطة سياسية وأداة سلطة من الدرجة الأولى ، مما يجعلها أمرا لاغنى عنه بالنسبة لأية سلطة سياسية مهما كانت استبدادية أو تعسفية . فحتى الأنظمة القائمة على الاستبداد والنزعة الكليانية والقمع مضطرة لإصطناع ايديولوجيا تبريرية أو تبنى ايديولوجيا بإسمها ومن أجلها يصبح الاستبداد مبررا و"معقولا " . " ( 15 )
من المعروف وفقا للتراث الماركسي ان الدولة تنطوى على : أجهزة الدولة القمعية وهى تشمل : الحكومة ، الادارة ، القوات المسلحة ، الشرطة ، المحاكم ، السجون وهى تسير بصفة أساسية بواسطة العنف . وتتجلى أجهزة الدولة الايديولوجية فى شكل مؤسسات مميزة ذات اختصاص مثل المؤسسة الدينية بمشتملاتها وتعددها ، المؤسسة التعليمية عامة أو خاصة أو نوعية ، المؤسسة العائلية ( البطريركية ) ، النظام الحقوقى فى شموله حيث يرتبط ايضا بجهاز الدولة القمعى ، النظام السياسي بما فيه من أحزاب ، النقابات العمالية والمهنية والفلاحية ، المؤسسة الاعلامية ، المؤسسة الثقافية بمشتملاتها . ( 16 )
وتدخل آراء د .أحمد عكاشة فى مجال الايديولوجيا سواء إعتبرناها " طبا نفسيا " أم سياسة أوفكرا أو إعلاما . والتاريخ الفعلى مغرم بالسخرية ومراوغة البشر . لكن مايطرحه لاقدرة له على الفتنة . فتأويلاته التبريرية التى تعمى عن الواقع وتستبعد البحث المعمق عن الأسباب تنتهى لشئ ملفق، صاخب ، مضطرب ، وهى تدافع عن الطبقة الرأسمالية وليبراليتها المتوحشة ، وتدعم توجه السلطة القمعى تعزيزا لنظامها الاجتماعى . ولابد أن ننتبه الى أن المعارك الطبقية تنعكس فى العلوم الاجتماعية ، وأن لكل طبقة مفهومها عن العالم ، ففى مجتمع يجرى فيه الصراع بين طبقات متعادية لايمكن ان تكون هناك فلسفة مستقلة عن مصالح الأحزاب . ويحاول العلم البورجوازى التظاهر ب " الحياد " و" الموضوعية " و" التحليق فوق الطبقات " رغم أنه من الناحية الفعلية يزيف ويشوه الواقع ويتبنى وجهة نظر المستغلين .
" ان الدور التبريرى الذى تمارسه النظريات البورجوازية يتخذ وجوها مختلفة وذلك تبعا للمهمات الملموسة التى تطرح على الطبقة البورجوازية . والمفكرون البورجوازيون يستخدمون لهذه الغاية مذاهبهم بصورة تكون مرنة وبصورة كافية ، وهم مستعدون للتخلى اليوم عن عدد من الحجج "النظرية " التى كانوا يقدمونها فى الامس ، اذا لم تعد هذه مطابقة للحاجات الجديدة للبورجوازية فى هذه المرحلة التاريخية أو تلك ، من مراحل تطورها . ( 17 )
" بوسع الكلمات أن تسبب الدمار" هذا ماقاله ج . ب سارتر ذات مرة . فأى شئ تروجه كلمات وحوارات "مستشار الرئيس " ؟
يرى د . عكاشة أن مفهوم الصحة النفسية يعنى قدرة الإنسان على التكيف مع الأوضاع القائمة والصمود فى مواجهتها بغير إنكسار واستطاعة العمل والإنتاج بما يعنى تجاوز الذات ، وكان يشدد فى ظل نظام مبارك على أن من شروط الصحة النفسية للشخص بعد " التكيف " وإتقان العمل الموكل إليه " تواكب " القدرات مع التطلعات "أى إحتلال مكانة إجتماعية تتفق مع مايبذله المواطن من جهد بغير واسطة ولا محسوبية ، وأخيرا أن يكون له " دورا تقريريا وكلمة فى المجتمع الذى يعيش فيه " . وحين يجابهه المحاور أحمد منصور بسؤال : كيف يحقق الإنسان الصحة النفسية فى ظل نظام سياسي يجرده من مقوماتها يجيب : " ... انت بتسألنى سؤال صعب جدا . هى دى المشكلة اللى فيها كتير جدا من الموجودين فى الأمة العربية ، أنهم بيجدوا نوعا من الإحباط الشديد جدا أنه ماعندوش حرية التعبير انه هو يبقى له دور فى المجتمع ، أنه هو مش شايف ان كل حاجة يعنى فى أساسيات تخلى الإنسان يحس بالإنتماء ، يعنى عندنا كده هرم موجود . اول حاجة الحاجات الأساسية فى الحياة مسكن ، دفء ، طعام ، شراب ، من غير دول الواحد لاينتمى إلى أى حاجة ، لازم يحصل عليهم .. " ( 18 )
كان مقدم البرنامج قد أشار الى أن هناك " حالة من الإحباط والاضطرابات والأمراض النفسية التى تجتاح الشارع العربى ، فعشرات الملايين من العرب يعانون من الاضطرابات النفسية بنسب متفاوتة منهم أكثر من عشرة ملايين مصابون بالإكتئاب بينهم مليونين فى مصر ونصف مليون فى الأردن ، بينما يعانى 61 %من الفلسطينيين من الإكتئاب أما نسبة العراقيين المصابين باضطرابات نفسية فإنها تزيد على 35 % . ويشير الخبراء إلى أن الضغوط السياسية والإقتصادية التى يعيش فيها الإنسان العربى هى المتسبب الرئيسى فى تفشى الاضطرابات والأمراض النفسية . " ن . م .
ويرجع د . عكاشة فقدان الثقة بين الناس بعضها البعض ثم فقدان الإحساس بالولاء والإنتماء للوطن الى ان المواطن " لما يحس أنه هو صحته النفسية متأثرة بالظروف اللى حواليه يبتدى يفقد الانتماء ، بمعنى أنه أنا لما أكون أشتغل عملا جديا جدا وذو كفاءة عظيمة جدا وأجد أن واحد تانى أخذ المحل اللى أنا مفروض أعمله أنا لايمكن أقدر أحب البلد دى . لما يكون أن كل السلوك فى البلد بتاعتى رد فعل ، بمعنى أن ماعندناش أى أحد يقوم بإستراتيجية طويلة المدى فيها فعل يعنى عيل مثلا يقع فى الباكابورت فتقوم حملة لسد الباكابورتات ، شايف إزاى ، عبارة تغرق فيقوموا بالتفتيش على كل السفن ، العيش يبقى مش موجود فننزل الجيش والبوليس عشان أن هو يعمل تنظيم للعملية دى ، المفروض يبقى عندنا .. ( خطط ؟ !) طويلة المدى . كلما كان الإنسان حاسس أن هو عايش يوم بيومه بيفقد إنتماءه ، لكن كلما كان حاسس أن هو حيتعالج كويس – حيتعلم كويس – حيتدفن كويس - ، دى بتدى له نوع من أنواع الصحة النفسية " هل إختلف الأمر عقب سقوط مبارك وفى عهد كل الرؤساء اللا حقين وفى العهد الحالى – لقد زادت الأمور سوءا على كل صعيد . وقد كان "عالمنا النفسى " وقتها – زمن مبارك – يناشد النخبة التى لاتشعر بالشعب أن تكون قدوة ، كما رأى فى قوى المعارضة التى ظهرت آنذاك والمظاهرات التى جرت أمورا إيجابية . ليس ذلك فحسب بل إنه لم يستبعد قيام ثورة شعبية ضد نظام مبارك ورفض ماقاله د. على الدين هلال : " إن الذين ينتظرون ثورة شعبية هم أنبياء الفجر الكاذب " كما رفض مازعمه مقدم البرنامج من أن " هذا الشعب لمن غلب " وردا عليه إستشهد بالثورتين الفرنسية والبلشفية وقيادة الأخيرة الثورية . " زى ماباقول لك اللى قام بالثورة الشيوعية ناس مثقفون وناس أغنياء وناس مبسوطين ولكن كانت لمصلحة الفقراء قاموا بها . اللى قاموا بالثورة الفرنسية ماكانوش الشعب الهمج اللى ماشيين ( ؟؟؟ !!! ) ، لأ كان فيه ناس بيفكروا فيها . واعترض على وجهة النظر التى ترى أن هناك إختلافا بين نفسيات الشعوب أوأننا شعب خانع مطيع . " شوف الشعوب نفسيتها واحدة " . وياللعجب يصرح بأن " كلما كان النظام شموليا كلما كان فيه نوع من أنواع النفاق شديد جدا " . وأنتهى إالى أن العجز واليأس يؤدى إلى اللامبالاة ، وكذلك للعنف والعدوان ، والإكتئاب ، والقلق النفسي الشديد ، والرتابة والخنوع .
وفى احدى الندوات التى عقدتها جامعة الوادى تحت عنوان ( التأثيرات الإيجابية والسلبية لثورة يناير فى الشخصية المصرية ) أكد د . عكاشة أن أهم مكاسب المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير هو كسر حاجز الخوف وأن السياسة أصبحت مادة دائمة على مائدة الحوار . ( 19 ) وكرر مفاهيمه السابق إيرادها حول الصحة النفسية .
" ان الرجعية الإجتماعية بجميع أشكالها ، مضطرة لإخفاء نواياها الحقيقية ، وبقدر مايكون الانتقال من الثورة الى الرجعية حادا ، بقدر ماتعتمد الرجعية على أعراف الثورة وتقاليدها ، أى أنه بقدر مايتعاظم خوفها من الجماهير ، بقدر ماتضطر للجوء الى الخداع والاحتياط فى صراعها ضد ممثلى الثورة . " ل . تروتسكى ، أخلاقهم وأخلاقنا ، ص 40 ، دار دمشق ، ط . أ ، مايو 1969 " .
وقد عارض د . عكاشة حكم الإخوان ورأى أن أيديولوجيتهم تنطوى على نوعين من الضلال : الدينى والسياسي . وقدم تفسيرا ( مستلهما من جوستاف لوبون فيما يبدو ) فى أعقاب ذبح بعض السلفيين لأربعة من معتنقى المذهب الشيعى فى عهد الرئيس الإخوانى : " من الناحية النفسية شخصية الإنسان لها تكوين هرمى ، بمعنى أنه لابد أن تتوافرلها أولا الاحتياجات البيولوجية من مسكن وملبس وطعام وشراب ، يليها بعد ذلك مرحلة الاستقرار وتوافر الإحساس بالأمن والأمان ، وبعد هذين الأمرين تأتى مرحلة الإنتماء للوطن والانتماء الدينى ، بمعنى أنه لو تم حرمان شخص من هذه الاحتياجات الأساسية واصبح غير مستقر أمنيا فهو لايكترث ولايهتم بانتمائه لوطنه أو دينه ، وهذا مايحدث مع سكان العشوائيات ، أضف الى ذلك مايسمى ب " سياسة غريزة القطيع " الذى ينساق دون وعى وراء قائدة " ( 20 ) .
في عهد الرئيس السيسي سينسى "الإحتياجات الاساسية " ويرى أن مشاكلنا توجز فى إنعدام أو غياب الضمير والأخلاق ! .ورغم كل شئ فقد كان متفائلا بالشباب ووعيهم السياسى وحماسهم ثم إنتهى فى عصر طبيب الفلاسفة إلى أن " الشباب الذين تولوا مناصب قيادية ووزارية فشلوا فشلا ذريعا " من هم هؤلاء الشياب لاندرى فإطلاق الأحكام دون برهنة عليها هى سمة من سمات " عالمنا النفسي " وهو مايدخل فى نطاق ما يسمى بالمغالطات المنطقية .
لقد أشرنا فيما سبق إلى تعاون جماعة من الأطباء النفسيين مع النظام القائم فى مراحل تطوره المختلفة بهدف ممارسة نوع من السيطرة الأيديولوجية – والنفسية فى مجالى الطب النفسي وعلم النفس الفردى والجماعى لتطويع الشعب وصياغة سلوكه وإرهابه وفق خطط عامة ، وترويج وعى زائف يهدف الى " تحسين الصورة الذهنية المجتمعية " بما يتوافق مع الإستغلال والقمع بهدف دفع الشعب للتكيف مع الوضع القائم إجمالا . وكذلك رصد ردود الفعل المحتملة والتعامل معها وحرف الإنتباه عنها بإشاعة صورة مغلوطة – ( يقول د . عكاشة ... عادت روح" الضمير الجمعى " للمصريين مرة أخرى ( التى تجلت فى ال 18 يوما الاولى من ثورة يناير ، وانتهت بكنس الميدان مما أبهر العالم ! ) ، وخير دليل على ذلك أنه حينما ترددت أنباء بأن الرئيس السيسى سوف يرفع الدعم عن كثير من السلع سادت الصحافة الغربية مجموعة كتابات أن مصر بصدد ثورة ثالثة على السيسي ، لكن رد المصريون عليهم " أننا قادرون على تحمل المشقة مع الرئيس .. ولن نقوم بثورة ثالثة " !!! ( 21 )
وليس لذلك معنى إلا تزييف الواقع المناقض كليا لما يقول وغاية مايريد هو تزييف الوعى به – فقد صادرت سلطة الثورة المضادة غالب أدوات الصراع الطبقى بدأ من الحق فى التظاهر ، وحرية التعبير ، وخلقت برلمانا كاريكاتوريا لايمثل سوى نفسه ، وهيمنت على النقابات العمالية ، وأصدرت قوانين دراكونية من قانون الارهاب حتى الكيانات الارهابية ، وأضفت المشروعية على القتل الإنتقامى فى شكل التصفية والتعذيب فى أقسام الشرطة والسجون وأماكن الإعتقال السرية ، وحولت الحبس الإحتياطى لإعتقال طويل الأمد ، ولم تعد دولة الثورة المضادة دولة قانون حتى فى أدنى درجاتها ، وحاصرت الأحزاب الشرعية فى مقارها ، وصفت منظمات المجتمع المدنى ، وتسعى الآن للهيمنة الكلية على الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعى ، وهى لاتحترم القوانين التى وضعتها بما فيها دستورها وتنتهكها كلما ناقضت مصالحها ، وإنتهجت سياسة إقتصادية يمليها صندوق النقد الدولى ، أى سياسة الليبرالية المتوحشة التى تزيد من معاناة وإفقار الشعب وضاعفت الاسعار أضعافا مضاعفة من البترول والغاز والكهرباء الى المواد الغذائية والأدوية الى فرض ضرائب جبائية ، كالقيمة المضافة والضريبة العقارية ، فى الوقت الذى لم تستطع فيه أن تفرض ضريبة تصاعدية على الارباح الرأسمالية ، أو على أرباح البورصة ، ولا أن تضع حدا فعليا أعلى للأجور ، وواصلت كل أجهزة الدولة القمعية زيادة مخصصاتها وإمتيازاتها ورفضت خضوعها للأجهزة الرقابية والمحاسبية ، وقننت الفساد وأضفت عليه مشروعية بمنعها الطعن على العقود ، وبالتصالح مع الرأسماليين اللصوص الفاسدين ... الخ الشعب مكبل بالإرهاب الأصولى الذى تستفيدالدولة من وجوده بمصادرة الحقوق والحريات ثم بإرهاب الدولة نفسها الهادف للتخويف والترويع وشل الحركة الشعبية الإحتجاجية . الحقيقة هى ان الناس ضاجون بسياسات السلطة لكن التململ والغضب والسخط لم يتحول الى حركة مناهضة بعد ولايمكن إعتبار صمت الشعب الراهن على سياسات النظام قبولا بها .
إن هذا الطراز من الأطباء النفسيين ( نعنى د . أحمد عكاشة ) الذى إرتبط بأجهزة الدولة القمعية وصار أداة من أدواتها طوال تاريخه المهنى بحكم الموقع الإجتماعى، والمصالح الطبقية – وصلات القرابة فقد كان اخ احد الضباط الأحرار ووزير الثقافة فى حكومات عبد الناصر وهو ثروت عكاشة – تكاد تتطابق مواقفه ومشوراته مع ماينطق به رأس الدولة ومايعبر عنه من رؤى وسياسات . وهو يحاول تزييف الوعى بالواقع عبرإستخدام معرفة " مهنية " مزعومة ( علم النفس الفردى غير علم النفس الإجتماعى – خاصة الثورى ) ، و"إختصاص علمى رفيع " ، فهو فى حواراته وتصريحاته يستبعد ويضيف ويناقض نفسه ويفتعل وينفى حسب متطلبات وإحتياجات الثورة المضادة ، ومنعرجاتها الوقتية لتقديم صورة مغايرة غير مطابقة للواقع بهدف تصدير صورة ذهنية مزيفة ، وترويجها فى وسائل الإعلام من صحافة وتليفزيون وغيرها لخلق سلوك نمطى خاضع للإستغلال والقمع دون تذمر .
4 - سياسات البورجوازية البيروقراطية العسكرية المدمرة أم الإنفلات الأخلاقى ؟ !
لقد كلفت مؤسسة الرئاسة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي د. أحمد عكاشة عضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية بمهمة تحديد أسباب الانفلات الأخلاقى فى مصر ، ووضع ملامح خطة قومية شاملة " لإعادة الأخلاق إلى شعب كان تميزه التاريخى الأخلاق الحميدة " !. والصحة النفسية هى أساس الأخلاق وتتقوم وفق تعريف منظمة الصحة العالمية – وهو التعريف الذى يتبناه د. عكاشة فى " ..... القدرة على التكيف مع ضغوط وكروب الحياة بالصمود والمرونة والتحكم فى العصبية أى إدارة الغضب والقدرة على العمل والعطاء بحب وإتقان . أن تتواكب القدرات مع التطلعات أى أن يعرف الفرد أنه إذا كان كفئا فسيصل إلى النجاح دون المعوقات الموجودة فى البلدان النامية . وحرية التعبير وإحساس الفرد بأن له قيمة واحترام فى المجتمع ( تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن حرية التعبير تعطى 30 % من الصحة النفسية ) . ( 22 )
فى كتابه " السياسة وسلطة اللغة " يشير د . عبد السلام المسدى إلى أن " السياسة لغة واللغة سياسة لأن اللفظ عند إستخدامك إياه فيها يتحول من مجرد دال يحيل على مدلول إلى موقف ، ومن وراءه إختيار كامل مرتسم على شاشة الأحداث ، وقد يكون فى إستعمال الكلمة أو العبارة مايتجاوز حدود الواقعة التى تروم الإفصاح عنها ويصبح حاملا لأعباء التاريخ مختزلا صراعاته الطويلة فى إختيار كلمة واحدة من بين كلمات عديدة أخرى كان يمكن أن تأتى بدلها " ( 23 )
يمكن أن نلاحظ بسهولة اللهجة الإستعلائية التقريرية حول الإنفلات الأخلاقى ، وهذا الإنفلات يبدو وكأن لاعلاقة له بسياسات وسلوك البورجوازية البيروقراطية ورموزها ، ولا الرأسمالية التقليدية وممثليها بنهبها وفسادها وقمعها وإنتهاكها للقوانين والدساتير ولامايرتبط بها ولا ممارسة إرهاب الدولة ولا التعذيب المنهجى ، ولا بتصفيتها الحياة السياسية وتجريفها ، ولا إفقارها الشعب المصرى بجعل حياته مؤلمة بتبنى سياسات الليبرالية المتوحشة والإيغال فيها . فعند هؤلاء الإنفلات الأخلاقى يتعلق بالشعب وخاصة إنتهاكه لما يسمونه " هيبة الدولة " ، فالمطلوب الإنصياع والتكيف مع سياسات السلطة فى كل المجالات وأيا كانت وقبول الوضع القائم بخنوع وبلا تذمر ، و" إدارة الغضب " بكبته والسيطرة عليه ، فلا تظاهر ولا إضراب ، ولاتمرد ، ولا إنتفاض ... الخ ثم " العطاء " أى قبول الإستغلال برضوخ ، أى بلا احتجاج ولاتذمر، ولا مطالب " فئوية " . أما حرية التعبير فقاصرة على ذيول النظام القائم فى كل المجالات وإطارها المحدد هو دعم السلطة . أما لغير هؤلاء فهى مصادرة بكل التشريعات التى صدرت فى عهدى الرئيسين الأخيرين . ويروج طبيبنا لفكرة "التوافق المجتمعى" فى مواجهة الفكرة التى يروجها الثوريون أى : الصراع الطبقى . وقد تجلى من وجهة نظره الإنفلات الأخلاقى بعد ثورة 25 يناير فى " خلط الديموقراطية وحرية التعبير بالفوضى ، فلوحظ غياب هيبة الدولة ومن ثم غياب تطبيق القانون ، الهجوم على الشرطة ... مما يجعل المصرى ينغمس فى الأمور الذاتية وتلبية الرغبات الخاصة .. والتمركز حول الذات والإنفلات الأخلاقى وكل ذلك عكس سمات الإنتماء للوطن " ( 24 ) . ويزعم " أن 60% من المصريين لا يهمهم حرية ولا ديمقراطية ولا دستور، فهم يريدون فقط أن يوفروا لأولادهم حياة كريمة من المأكل والمسكن، فحقوق الإنسان فى مصر تهم نخبة مع نخبة آخرين، فالديمقراطية التى يصدّرها لنا دول الغرب لم يعترفوا بها. " وروج لعبارة مزيفة نسبت لدافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى وهى : "إن الأمن القومى لبريطانيا يتفوق على أى إنسان يتكلم عن حقوق الإنسان.. الجحيم لحقوق الإنسان فى سبيل أمن بريطانيا تحيا بريطانيا"، لافتا النظر إلى أن مَن فى مصر يستطيع أن يقول تحيا مصر والجحيم لمن يقول حقوق الإنسان (اليوم السابع - الأربعاء، 08 يناير 2014 )
وتتخذ الأيديولوجية التى تتقمص شخصه كمثقف عضوى فى الإستتار وراء العلم لتحدد لنا وفق الطب النفسي ملامح الأخلاق وتتقوم فى " ... تحمل المسؤولية ، الإنضباط ، الإتقان ، الضمير ، والإخلاص فى العمل ... العمل بروح الفريق فى كل عمل ... والتسامح والحميمية والثقة فى الآخر ... تجاوز الذات وهنا يتمركز الفرد على الآخر على المشاكل وليس على التمركز الذاتى ، العطاء للآخر " كل هذا ينمى الضمير الجمعى وينهض بالأخلاق . ( 25 )
ونتساءل مع صاحب السياسة وسلطة اللغة عن" كيف تدل اللغة ؟ وماهى الأدوار التى تنتظمها حين تتحول لأداة من ادوات الصراع السياسي ؟ "
هنا نكتشف أن " الإلهاء السياسي يمتطى ظهر اللغة " .
" الإلهاء باللغة ، وقضاء الأوطار – الرفيعة والوضيعة باللغة ، ثم الدخول بها إلى محتشد الإغراء والإغواء ، ثم على جسر الإيحاء تحمل اللغة إلى الجزر القريبة من التضمين والتداعى والالتفات ، فإلى الجزر النائية من التخييل والمجاز والإيهام بالتماهى ، ثم إلى الهضبة القصية حيث المخاتلة والمكر والخداع والمناورة ، لامن حيث هى أحكام أخلاقية ، ولكن بإعتبارها جزءا من منظومة النجاعة . .... وكلما كان الناس غافلين عن مسؤولياتهم فى استعمال الألفاظ ، سهل على المناورين استخدام اللغة لغزو عالمهم النفسي وابتزاز إرادتهم ، ثم إعادة تشكيل وعيهم . " ( 26 ) .
إن الأخلاق التى يروجها فى مشروعه فى كلمة مختصرة هى أن : على الكادحين أن يبيعوا روحهم لمفيستوفيليس البورجوازى ، وأن يخضعوا ويتكيفوا مع الوضع القائم متحملين مسؤولية إنتاج فائض القيمة ، متقنين عملهم فى ظل الإستغلال الرأسمالى برضا ودون تذمر ، متجاوزين ذاتهم بالتمركز على الآخر صاحب العمل الرأسمالى ، والعطاء لهذا الآخر دون إحتجاج أو إضراب أو تظاهر ، ولامطالب إقتصادية " فئوية " ... الخ . هذا هو ماينمى الضمير الجمعى !!!
إن المفاهيم الواردة أعلاه حول " الصحة النفسية " ومقوماتها تدعم الأخلاق البورجوازية بوسائلها وهى من حيث الجوهر أنشطة الرأسمالية ، ولا تمثل إلا تلاعبا بالوعى الأخلاقى الجماهيرى .
إن كل أخلاقية مشروطة إجتماعيا وتاريخيا . هذا هو جوهر المفهوم الماركسي عن الأخلاق . وبما أن الأخلاق تعبر عن مصالح وحدات إجتماعية وبينها فى المقام الأول الطبقات ، فهى تتوقف مباشرة على وجهة هذه المصالح ، على تصادمها وتطورها – ومامن أخلاق أبدية تقف خارج التاريخ .
" ... البورجوازية تتعثر عاجزة على عتبة المجتمع التاريخى ، لأنها لاترغب بالاعتراف بالقوة الدافعة فى تطور الاشكال الاجتماعية : أى بالصراع الطبقى . والأخلاق هى احدى الوظائف الأيديولوجية فى هذا الصراع ، فالطبقة الحاكمة تفرض أهدافها على المجتمع ، وتعوده على أن يعتبر جميع هذه الوسائل التى تناقض غاياتها ، غير أخلاقية . وهذه هى الوظيفة الرئيسية للأخلاقية الرسمية إنها تتبع فكرة أعظم سعادة ممكنة " ليس للأغلبية ، وانما لأقلية صغيرة تتناقص باستمرار . ومثل هذا النظام لم يكن ليصمد حتى لمدة أسبوع واحد بواسطة القوة وحدها ، بل انه ليحتاج الى أسمنت الأخلاق . ويشكل انتاج هذا الأسمنت مهنة المتطرفين البورجوازيين الصغار والأخلاقيين . ... إلا أنهم يظلون فى التحليل الأخير دعاة للعبودية والإستسلام . " ( ل . تروتسكى وآخرون ، أخلاقهم وأخلاقنا ، ص 24 ، دار دمشق ، ط . أ ، مايو 1969 . )
وأفادنا النطاسي البارع الذى لايهتم بضمير الرأسماليين ، بأن رسالة السيسي ، هى : " أنه لن يحدث نمو فى الإقتصاد إلا إذا عادت أخلاق المصرى كما كانت خلال ال 18 يوما الأولى من ثورة 25 يناير " . وأضاف من عندياته " أن أكثر الشعوب سعادة ، هؤلاء الذين يعيشون حياة متواضعة ، ويهتمون بالنسيج الإجتماعى أكثر من الجوانب الإستهلاكية " وهذا يذكرنى بمشايخ السلفية الذين يروجون لجمهورهم منافع بول البعير والحجامة بينما يعالجون حين يمرضون فى ألمانيا. .
فماذا حدث فى ال 18 يوما الأولى ؟ ليس غير إسهام قوى طبقية متناقضة المصالح فى الإطاحة بمبارك ، ثم سلمية هذه القوى فى مواجهة السلطة من الناحية الأساسية على الأقل فى بعض الميادين الكبرى الرئيسية ، رغم عنفها ونهجها القمعى ، وأخيرا تنظيف الشوارع وإعادة تشجيرها بعد تنحى مبارك – وهى الأمور التى رأت البورجوازية المصرية والعالمية أنها أبهرت العالم . فكيف كان الحال من الناحية الفعلية آنذاك :
" أرادت الإمبريالية الأمريكية, والغربية , إنتقالا سلميا للسلطة يستبعد رأس النظام , إن لم يكن هناك مناص , ويحتفظ بنفس النظام حماية لمصالحها , ومصالح اسرائيل , وأرادت الرجعية العربية الإحتفاظ برأس النظام وكامل كيانه, فلم تكن قد أفاقت بعد من أثر الثورة التونسية , وبالطبع خشت من تداعيات كل ذلك على أوضاعها . وتخلصت البورجوازية البيروقراطية العسكرية من مشروع التوريث الذى إرتبط براسمالية المحاسيب , وكان يهدد سلطتها , و مكاسبها , وإمتيازاتها وهيمنتها على مايقرب من 25—40 من الاقتصاد المصرى , وكانت قد دخلت فى معركة إجهاض لطلائع الثورة على مراحل منذ 9 مارس مرورا بكل المحطات الكبرى فى التصفية العنيفة , ماسبيرو , محمد محمود , مجلس الوزراء , مجزرة بورسعيد , وتخلصت قطاعات أخرى من البورجوازية الليبرالية , والدينية , المقموعة سياسيا , من إحتكار فئة طبقية للسلطة السياسية , داخل الرأسمالية المصرية ذاتها, ونالت حريتها السياسية , وسعت لتقنين شرعيتها الخاصة, قابلة بالفتات الذى ألقاه المجلس العسكرى لها , من رفع الحظر الفعلى عنها , قابلة بإقتسام الغنيمة , وتوطيد السلطة التنفيذية , وجهازها البيروقراطى , وتعزيز أجهزة القمع , وإجراء تعديلات دستورية , وتشكيل برلمان لاصلاحيات له , الى " انتخاب " رئيس مقبل لابد ان يؤمن امتيازات العسكر , ويخضع لهم بوصفه أداة من أدواتهم , وأطلق الإحتياطى الرجعى السلفى , والجهادى, والجماعاتى المعبر عن قطاعات من البورجوازية الريفية , واشباه بروليتاريا المدن القاطنين فى عشوائيتها , والمرتبطة اجمالا بمشروع , وتمويل الرجعية العربية .
كان مطلوبا اقناع الشعب أن الإمتيازات التى حققها هؤلاء هى إمتيازات له , وأن الأوان قد حان لعودته للبيوت , وأنه قد ترك السلطة فى ايدى أتقياء يمثلونه, ويعبرون عنه , ولم يكن كل ماتحقق فعلا , إلا توسيعا نسبيا لدائرة المتمتعين بالإمتيازات السياسية والإقتصادية والإجتماعية داخل الطبقة المالكة ذاتها, وركائزها فى الأجنحة الرجعية للبورجوازية الصغيرة بعد أن وضعت الثورة رؤوس رأسمالية المحاسيب , ورموزها السياسية فى السجون .
لقد تطلب خلع مبارك إتحاد الأغلبية الساحقة من الشعب لانجاز ذلك . ولكن هذه الأغلبية لم تتألف من طبقة إجتماعية واحدة , وإن جمعها ذلك الشعار العام : " الشعب يريد إسقاط النظام " , " عيش حرية كرامة إنسانية عدالة إجتماعية ", وكان لكل طبقة أو فئة طبقية , أن تفهم من ذلك الشعار مايستجيب لمصالحها الطبقية هى لا لغيرها . وإذا دققنا وحللنا مصالح الطبقات تحليلا دقيقا لوجدناها متناقضة , بين العمال والرأسماليين , والبورجوازية الصغيرة مثلا ... وأن المضمون الطبقى للشعار يتوقف على موقف حامله وموقعه الطبقى الاجتماعى . لذا كانت النداءات الى ضرورة التوحد مرة اخرى بين ذات القوى التى انجزت مهمة الإطاحة بمبارك فى مراحل لاحقة , إما واهمة أو مضللة لأن هناك صراعا – تلى ذلك – بين هذه القوى الإجتماعية التى وحدها هدف مشترك فى لحظة تاريخية معينة . وليست هذه السمة خاصة بالثورة المصرية , فالنسب بين الطبقات تتباين وتتغير مع تقدم الثورة, حيث تخرج قوى حققت أهدافها عند مرحلة ما , وتدخل أخرى لم تكن قد طرحت أهدافها , او لم تستكملها بعد , غير أن ماينتج عن ذلك هو وعى أكثر بالمصالح الطبقية , وبالتالى بلورة للقوى السياسية وتجلياتها الحزبية , وطابعا أدق لسماتها , والإستعاضة عن الشعارات العامة المجردة المبهمة , والغامضة بمطالب ملموسة , ومحددة بدقة لمختلف الطبقات . من هنا تتكشف تلك الهوة العميقة التى تفصل بين مصالح مختلف الطبقات الإجتماعية التى تطالب باجراءات إقتصادية , وسياسية , مختلفة بإسم الشعار الواحد ذاته . والواقع أنه فى مسار التطور الثورى يتبين أن طبقة أوفئة " ثورية " لاتستطيع أن تمضى أبعد بقدر ما تمضى طبقة أوفئة أخرى, وأن مصادمات ضارية تتطور على أرض تحقيق هذا الشعار المشترك بينها جميعا " ( 27 )
ورغم أنه مدرك لحالة الإكتئاب الناجم عن اليأس والإحباط ، وكون سببه الرئيسي تدهور الأوضاع الإقتصادية ، والإجتماعية ، وسوء أوضاع المعيشة ، ورغم الصبر الأيوبى للشعب المصرى ، وكثرة من يعيشون على حد الكفاف ، وتحت خط الفقر ، وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى ، وأساسا الطبقة العاملة ، فهو لايشير إلى مسؤولية النظام الحالى وسياسة الإفقار التى ينتهجها عن ذلك بحيث يتحول الأخير إلى المسكوت عنه فى حواراته وأطروحاته ، ويدين شخصية المصرى الذى يسعى من وجهة نظره إلى الإشباع " الإشباع الفورى السريع " !!!
تهكم الكاتب المعروف عمرو حسنى فى مقال له على تلك الحملة الأخلاقية التى دشنها ودعا إليها الرئيس :
" عزيزى المواطن الغلبان ، أخلاقك الزفت تجعلك تستحق ظروفك الهباب ! هذه هى الرسالة التى توجهها لك " حملة أخلاقنا " التى تقول دون مواربة : دعنا نحاول الارتقاء بأخلاقك وعندما تفشل المهمة ستكون أنت السبب فى كل ماجرى ، وكل ماسيجرى لك ، لأن انهيارك الأخلاقى هو الذى يجلب لك الشقاء! أما عن أخلاق النظام الحاكم ورجاله فهى رفيعة بلا شك ولاتحتاج مطلقا إلى محاولة الارتقاء بها ! " ( 28 )
5 - ماذا فى جعبة الشرطى السيكولوجى أيضا ؟
عقب المؤتمر الإقتصادى الذى عقد فى شرم الشيخ فى مارس 2015 وتصريح السيسي بأنه من الممكن أن يجوع الشعب المصرى من أجل تحقيق النهضة ، إنبري د . عكاشة فى ذيله ليؤكد مامعناه أن الشعب قد ربط الأحزمة على البطون فى عهد عبد الناصر وإحتمل أوضاعا إقتصادية قاسية بعد هزيمة 1967 من أجل خوض الحرب ضد إسرائيل ، ومن الممكن مطالبته بأن يضحى مثلما ضحى قبلا . والحال أن الظرفين التاريخيين مختلفان كليا فمشروع التحرير رغم حدوده النسبية ، غير تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولى ، وسياسات الليبرالية المتوحشة ، وعبد الناصر كان قائد البورجوازية فى فترة صعودها وتناقضها مع الإستعمار ، أما السيسى فهو قائدها فى فترة هبوطها وتبعيتها للإمبريالية الأمريكية ، والسلام الدافئ مع إسرائيل ، والإصطفاف مع الرجعية العربية . ويدرك د . عكاشة أن من يعتقد أن هناك تشابه بين الرئيسين يتوهم " سراب كبير " .
لم يكتف د . عكاشة بتعزير موقف السيسى حول " التجويع " بل طالب بإعلان حالة الطوارئ معللا مطلبه بأن " الشعب المصرى عاش مدللا ومرفها منذ الأزل " وإلى أننا نواجه نوعا من الإنفلات الأخلاقى ، وأن الشعب المصرى شعب " مدلع " وكل رغباته مجابه ، مضيفا ( مش عايزين يشتغلوا وطول الوقت فى إعتصامات .. يعمل إيه الرئيس السيسى ؟ ) وكان قبل ذلك بثلاث أعوام قد تحدث عن تناقض بين الديموقراطية والفقر والأمية ( 29 ) .
وقد علق الأستاذ فهمى هويدى على ماقاله د . عكاشة : " المعلومة التى ذكرها الدكتور عكاشة تتناقض مع نتائج دراسة ذات صلة أعدها البنك السويسرى يو.بى.اس، ونقلتها قناة سى.إن.إن الاقتصادية العربية. إذ بينت أن العامل المصرى يعمل عددا من الساعات سنويا أكثر من نظيره فى أى بلد من العالم. وبعد دراسة لظروف العمل فى ٧٣ مدينة فى أنحاء العالم تبين أن متوسط عدد ساعات العمل للعامل فى المدن الآسيوية ٢١١٩ ساعة سنويا. أما المتوسط فى الشرق الأوسط فهو فى حدود ٢٠٦٣ ساعة سنويا. وهو فى كوريا الجنوبية ٢٣١٢ ساعة أما فى مصر (فى القاهرة مثلا) فهو ٢٣٧٣ ساعة، وهو الرقم الأكبر بين الـ٧٣ مدينة (متوسط ساعات العمل للإنسان العادى هو ١٩٠٢ ساعة سنويا ــ المتوسط فى باريس ١٥٩٤ ساعة وفى ليون بفرنسا ١٥٨٢ ) " 30 )
حاصل الأمر أن لاشئ للشعب غير الإفقار والقمع ، فلا الحد الأدنى من الإحتياجات المعيشية الإنسانية يتحقق ، ولا الحريات والحقوق الديموقراطية .
وتصدى د . عكاشة " للمغرضين" ممن لاحظوا أن إقبال الناخبين على التصويت لمرشحى البرلمان فى إنتخابات عام 1915 كان ضعيفا ، وحاول تبرير ذلك بأسباب كثيرة منها خمول الشباب ، وكبتهم الجنسي ، وتقاعس الإعلام ، وكون كثير من المرشحين وجوها جديدة ، وتجاهل أن موقف الشباب هو موقف مقاطعة سلبية لمهرجان إنتخابى سلطوى لنظام لم يحقق لهم شيئا سوى قمع ثورتهم التى قدموا فيها مئات الشهداء .
كما يرى أننا نعيش فى " هامش حرية جيد" فالحرية من أسباب "الشعور بالإنتماء " وأننا قادرون على "إنتقاد الأوضاع بما فيها الرئيس " .
يقول د . عكاشة متهدجا :
" بكل أمانة وصدق أرى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقبل الإنتقاد ويستمع جيدا لآرائنا المخالفة له " و " سمات السيسي الشخصية بعيدة عن أن يكون فرعونا " . ( السيسي غير مؤهل ليكون فرعون – حوار طارق صلاح – جريدة المصرى اليوم – 27 – 10 – 2015 )
ألا تكذب الوقائع كل مايقول ؟ من المؤكد أن الرئيس السيسي يقبل الإنتقاد من نمط " إيه الحنية دى ياريس ؟" ،" أنت عمال تطبطب وبتدلع – طب لإمتى كده ؟ " ، " الشعب مايستاهلكش ياريس " !
واقع الحال أن المستشارين لايؤخذ برأيهم فهناك د . محمد نور فرحات ، والأستاذ عبد الله السناوى ( زرقاء يمامة النظام ) وغيرهما تحدثوا ، ويتحدثون ، إنتقدوا ، وينتقدون ولم يعرهم أحد إالتفاتا . رغم أنهما إصلاحيان يهدفان لتغيير النظام من داخله ، وليسا ثوريين يرغبان فى الإطاحة به .
أما "الفرعنة " التى ينفيها عنه ، ولايراها، يرد عليها الشعب المصرى بأمثاله ( العمى يابدر ) حيث وسع ومايزال الرئيس يوسع سلطاته " متبولا " على كل نصوص الدستور الكريمة الذى يتهم الثوريين بتعطيله .
فالرئيس يعتبر نفسه مسؤولا " أمام الله " لاأمام الشعب ، فهو" طبيب الفلاسفة " ( أى فلاسفة ؟ لانعلم ) متوهما أنه أوتى الحكمة وفصل الخطاب . لذلك لايسأل عما يفعل فيتنازل عن تراب الوطن بقرار شخصى دون الرجوع إلى أحد ويتجاسر بالقول " مش عايز حد يتكلم فى الموضوع ده " كما لو كان قد تنازل عن" ربع " أبيه فى الجمالية ، وليس عن جزء من أرض الوطن . ويعقد مع الرئيس الأمريكى الجديد " صفقة القرن " دون أن يدرى أحد ماهى طبيعة هذه الصفقة ؟ ! . ويجمع فى بدايات رئاسته من الشعب ستين مليارا من الجنيهات ليحفر تفريعة غيرذات جدوى إقتصاديا فى الوقت الراهن ، وينجزها بأسرع الطرق أى أشدها كلفة ، وحين يخفق يدعى أنه كان يهدف من المشروع إلى "رفع معنويات الشعب " ! دون أن ينصت لآراء المستشارين ، ودون أن يراجع الشعب . ويبتلع تدريجيا كل السلطات : فجهازى القمع الرئيسيين – الجيش والشرطة - باتا تحت جناحه بالإمتيازات المادية الممنوحة لهما خلال فترة رئاسته ، وتطهيراته الأمنية المتواترة لهما ، والبرلمان الذى يفترض أنه سلطة تشريعية رقابية تمثيلية بات خاويا من مضمونه وذيلا محضا للسلطة التنفيذية - كان الرئيس يحلم بقائمة مرشحين واحدة ؟ ! - ، بتركيبته التى صنعتها الأجهزة السيادية ، ولم يعد حتى منبرا يمكن للثوريين أن يخاطبوا الكادحين خارجه داعين ومحرضين ومنظمين . والإعلام طوى من الناحية الأساسية ، وجرى تطهيره من أى عناصر مستقلة نسبيا بدءا من باسم يوسف حتى ليليان داوود ، ووضع مؤخرا على رأس الإعلام فلولى عتيق هو مكرم محمد أحمد ، ولطالما حلم الرئيس بإعلام يماثل الإعلام الموحد فى عهد عبد الناصر ! ، أما القضاء فبصدور القانون الإخير للهيئات القضائية ( فى 27 أبريل الحالى ) فقد بات تحت سيطرة الاجهزة السيادية ، وسبق ذلك إخضاع الهيئات الرقابية والمحاسبية للجهات التى تراقبها (31 ) وحوصرت الأحزاب السياسية فى مقارها ، وكبلت بقوانين تستهدف تصفية مظاهر الحياة السياسية والحريات الديموقراطية رغم لافتاتها الظاهرية بأنها موجهة ضد الإرهاب بدءا من قانون التظاهر ، والإرهاب ، والكيانات الإرهابية ، والجرائم الإلكترونية ، الى قانون الطوارئ ، وأغلقت منظمات المجتمع المدنى التى لعبت دورا مزدوجا فى مجتمعنا ( 32 ) . وبات غالبية نشطاء الثورة فى المعتقلات والسجون بأحكام طويلة الأمد ، أو بحبس إحتياطى لانهاية له ، معرضين للقتل والتعذيب حيث باتت " التصفية " سياسة شرعية لقوات " إنفاذ القانون " .
يريد السيسي شعبا خنوعا صامتا لاينصت إلا لكلمته ولايسمع إلا رأية ، ولايتحرك إلا بإذنه ، فالمؤامرات تحيطنا من كل جانب ، من خلال خرافة حروب الجيل الرابع ، بقيادة المجلس الأعلى للعالم ( ماتسمعوش غير كلامى أنا بس – هذا مايقوله للشعب ) . وكل هذا والسيسي بعيد " عن أن يكون فرعونا " !!! ؟؟؟ ( كان ماركس يعتبرالخنوع هو أحقر رذيلة . )
ولكن كيف يمكن لنا أن نفهم سيكولوجية طبيب الفلاسفة " ما هي الصفات التي يكتسبها القائد السياسي حينما يصاب بالغطرسة ؟ اقترح اللورد أوين بالاشتراك مع جوناثان ديفيدسون تلك الصفات المحددة لمتلازمة الغطرسة : رؤية العالم كمكان لتمجيد الذات من خلال استعمال السلطة والنزوع إلى القيام بأفعال تهدف أساسًا إلى تحسين صورتهم ، والاهتمام المفرط بتلك الصورة، وظهور حماس تبشيري في الخطب، والمطابقة بين الذات والشعب أو المؤسسة، والثقة المفرطة في الذات، والاعتقاد بأن المحاسبة التي يخضعون لها لا تكون إلا لقوة أعلى كمحكمة التاريخ أو الإله، والاعتقاد الراسخ أن تلك المحكمة ستنصفهم، وفقد الاتصال بالواقع واللجوء إلى أفعال لحظية دون دراسة للعواقب تحت شعارات أخلاقية، وعدم الكفاءة في إدراك تفاصيل صناعة السياسات. ......... ثم أضيفت صفتان أخريان هما عدم القدرة على التعاطف مع الآخرين وإطلاق العنان للحدس أو الإلهام . " ( 33 )
د. عكاشة لايثق فقط فى " قدرة السيسي على تحقيق أحلام الشعب " وإنما يرى أيضا أنه " نجح فى تحطيم النظريات الإمبريالية الأمريكية والأوروبية الهادفة لتفكيك الدول العربية وإلغاء الحدود بينها " ولا أدرى لم نسي أننا أسرنا – فى خيالنا – قائد الأسطول السادس الأمريكى ؟ !
أما الإحباط والإكتئاب النفسي العام فيرجعه إلى عدم تحقق ماتطلع الشعب إليه بثورته فى يناير . كما لايتوقع إندلاع ثورة أخرى ، وفى كل الأحوال وبسبب إنتشار الفقر والأمية فشعبنا من وجهة نظره غير مؤهل للديموقراطية ، ويستشهد بفيكتور هيجو الذى قال : " إذا أعطيت الحرية والديموقراطية للجاهل كأنك أعطيت سلاحا لمجنون " ، فضلا عن أن الرئيس السادات أخطأ من وجهة نظره بإعلانه أن الإعلام سلطة رابعة . وهكذا نرى أن طبيبنا النفسي يحتذى خطى الرئيس وأجهزته السيادية فى سياستهما ، ويترجم مايقال بلغته معتبرا مقولاته مقولات عبقرية تتسم بالحكمة والألمعية ، ويحاول أن يوهمنا بأن لغته هى لغة علمية محايدة . ( الدكتور أحمد عكاشة فى ندوة ، اليوم السابع ، 23 ، أبريل ، 2016 )
ويتجاهل القمع العسكرى البوليسى ، وإخماد أنفاس المعارضين بمتابعتهم ، ووضعهم تحت أشكال شتى من المراقبة البوليسية ، فحين تعرض عليه حالة مواطن يعتقد أن رجال الأمن الوطنى يراقبونه ، والمحيطين به مخبرون سريون لصالح الجهاز ، ودون أن يفحص الرجل ويعاينه ( رفض أن يدلى برأى فيماإذا كان الرئيسان مبارك ومرسي مرضى نفسيين لأنه لم يفحصهما ) إعتبرمن عرضت عليه حالته مريضا وقد أفتى فورا بأن : " هذه الحالة تسمى الضلالات الإضطهادية ، وقد تكون انوية لعدة أمراض منها الأعراض الإكتئابية والهوسية وجنون العظمة والفصامية ... وأهم أعراض الضلالات الإضطهادية هو أن المريض يشعر بأن أجهزة أمن الدولة أو الأمن الوطنى ... والمخابرات جميعها تراقبه " ورأى ضرورة إيداعه الفورى مستشفى الأمراض العقلية ( دكتور أحمد عكاشة يرد على قراء اليوم السابع ، اليوم السابع ، 13 ، أبريل ، 2016 . )
تبرر الأخلاق البورجوازية فى الواقع ماتعانى منه أغلبية الناس من استغلال وتفاوت واضطهاد وعدم التساوى فى الحقوق . ويقترن الصراع السياسي بتصادم مبادئ أخلاقية طبقية متناقضة بين الثورة والثورة المضادة .
أما د . يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي المعروف ، فقد كان رافضا لحكم الإخوان ومحرضا ضده ولننصت إليه حين يقول :
" الثورات علامات فارقة خطيرةعلى طريق مسيرة أى أمة ، لاتوجد ثورة بيضاء بالمعنى الشائع ، أغلب الثورات البيضاء تقريبا هى مسخ للثورات الحقيقية ، وأنا هنا لا أدعولثورة حمراء ، لكننى أحاول أن أفيق من لايريد أن يدفع الثمن ليجتاز بثورتنا بحور مقاومتها ، ومحاولات محو آثارها أو يعكس اتجاه مسارها ، الثورة ليست مجرد مليونيات وشعارات ، الثورة إبداع جماعى ، وأى إبداع لايكتمل ويجهض ينتج عنه مسخ غير كامل النمو ، كلنا مسؤولون عن هذا الإحباط الذى نحن فيه الآن ، وحكم الإخوان عرى خيبتنا بشكل لايمكن السكوت عليه حين أقدم على الجهر بالسوء ، وحين راح يغطى فشله بالوعود بغير أساس ، وبالتقية ، أن يظهر غير مايخفى ، وبضرب المؤسسات الأساسية ، مثل القضاء والداخلية ، ولامانع من محاولة ذلك مع الجيش ... " ( الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي يحلل شخصية الرئيس والثورة ، حوار رضوى الشاذلى ، اليوم السابع ، 2 يوليو ، 2013 ) .
ثم إستنوق الجمل فى ظل نظام السيسي حيث أفتى بأن هناك خللا أخلاقيا لدى المصريين وطالب بتجييش البلاد حتى يراعى الشعب قواعد الضبط والإلتزام ، وإقترح إدخال الأطفال من سن 3 سنوات الجيش – جيشى وان وجيشى تو – حتى يتعلموا الإنضباط وقواعد القراءة والكتابة . ( بوابة القاهرة ، صايل الخطيب ، 23 ، سبتمبر 2015 )
أى عسكرة المجتمع والهيمنة عليه والتشويش على الواقع المعاش بتوظيف التعابير المزدوجة على طريقة أورويل فى 1984 :
"
" أن تعرف وأن لاتعرف , أن تعى الحقيقة كاملة , ومع ذلك لاتفتأ تقص الأكاذيب محكمة البناء , أن تؤمن برأيين فى آ ن وأنت تعرف أنهما لايجتمعان ومع ذلك تصدق بهما , أن تجهض المنطق بالمنطق , أن ترفض الإلتزام بالأخلاق فيما انت واحد من الداعين اليها , أن تعتقد أن الديموقراطية ضرب من المستحيل , وأن الحزب وصى عليها . أن تنسى كل مايتعين عليك نسيانه , ثم تستحضره فى الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه , ثم تنساه مرة ثانية فورا , وفوق كل ذلك أن تطبق الأسلوب نفسه على الحالتين . ذلك هو الدهاء الكامل , أن تفقد الوعى عن عمد ووعى , ثم تصبح ثانية غير واع بعملية التنويم الذاتى التى مارستها على نفسك . بل حتى إن فهم عبارة التفكير الازدواجى تستدعى منك اللجوء الى التفكير الازدواجى "
6 - علم الثورة اللينينى وعلم النفس الإجتماعى
يعد التأسيس لعلم النفس السياسى من الضرورات العلمية والثورية نظرا لأهمية هذا الحقل المعرفى فى تفسير الظواهر السياسية المركبة والمعقدة سيما تلك المرتبطة بتشريح بنى الاستبداد السياسي والإقتصادى والإجتماعى والدينى وكيفية ممارسة الايديولوجيا البورجوازية فى مجال نوعى ، وفهم سيكولوجيا الجماهير الكادحة لتهيئتها للإطاحة به . وتحفل المؤلفات اللينينية بدراسة ديناميكية الأمزجة الإجتماعية والبحث عن الجذور السيكولوجية للظواهر ، وتناول الوقائع بكل ماتحويه من مدلول اجتماعى – سيكولوجى . وقد نوه لينين فى مؤلفاته الى ولادة المشاعر، والأمزجة ، والغرائز ، أى الحالات النفسية لمختلف الطبقات والجماهير الناجمة عن حالتها الإقتصادية ومصالحها الإقتصادية الجذرية . وهذا أول وأعمق مصدر للظواهر الاجتماعية – السيكولوجية . ولم يكن لينين يتفادى كلمات مثل " الغريزة الطبقية " ، و " غريزة الطبقة الثورية " و " الغريزة الثورية " و " مزاج الجماهير" . وكان عميق الاهتمام بعمل الفكر والتكوين السيكولوجى ، بالأفكار والأمزجة فى وقت واحد . كما كانت مراعاة التطور السيكولوجى ، واثارة التطور السيكولوجى لدى الكادحين من اولى مهام الثوريين . وخاصة تجميع الأمزجة الثورية وتركيزها فى تيار واحد ، والتغلب على الامزجة المعرقلة للثورة من أجل الإطاحة بالنظام الرأسمالى . كما أن مفهوم " الأزمة الثورية " أو الوضع الثورى " يشكل أهمية كبيرة فى ميدان السيكولوجيا الاجتماعية . ولذا أولاه لينين اهتماما شديدا لتعلقه بسيكولوجيا ومزاج وفعالية الجماهير . وخاصة أنه يسم انتقالها من الحالة السلبية للغضب الى الحالة الإيجابية للاستياء والانتفاضة . فهدف السيكولوجية الثورية هو الإطاحة بالسلطة التى إستنفدت دورها التاريخى وباتت عائقا امام كل تقدم . ( 33 ) واجمالا ففى " علم النفس الماركسي يتم حل كثير من المشاكل التى تشكل مادة علم النفس السياسى مثل التربية السياسية ، والوعى الاجتماعى ، وسيكولوجية التأثير النفسي ، والنشاط السياسي الجماهيرى ، فى |إطار علم نفس النمو وعلم الاجتماع ونظرية الاشتراكية العلمية والفلسفة " ( 34 )
أما من ناحية الأخلاق التى يوليها د . عكاشة والرخاوى إهتمامهما فلا يمكن فهمها خارج إطارالصراع الطبقى بين الثورة والثورة المضادة . ولطالما حاولت النظريات البورجوازية المعاصرة " أن تصور حركات الكادحين الثورية بوصفها مصدر الفوضى الأخلاقية ، وإعتبارها سبب الهبوط الأخلاقى والتقهقر ... . كما تصور الأهداف ، والمثل العليا ، والمعايير والتقييمات الأخلاقية الجديدة ، الأمزجة والمشاعر التى يحملها الكادحون إلى العملية التاريخية فى سياق الثورة بصورة تجل " لطبيعة " الإنسان الشريرة ، المنتقمة ، بصورة جماعية ... وهم يعارضون الغليان العاصف للابداع الأخلاقى للشعب الثائر ، بالنظام الأخلاقى المستقر للطبقة الحاكمة ، ... إن البروليتاريا الثورية ... تتميز بصفات اخلاقية رفيعة ، منها " الجرأة ، ووعى الكرامة الشخصية ، ، والشعور بالإعتزاز والإستقلال" ، والمبادرة ، والإقدام ، والصلابة ، والعزيمة ... " وهذه الصفات تكتسب فى خضم النضال الطبقى الفعلى . الثورة عيد المضطهدين والمستثمرين ولهذا العيد مغزى أخلاقى عميق لأنه يرمز إلى نهضة الشعب الروحية وتحرره من حالة الاضطهاد المذلة الى رحاب الابداع التاريخى الحر – على حد تعبير لينين . أما العداء للثورة فيرتبط عادة بمعاداة الديموقراطية ، ومناهضة مبادرة الجماهير ونشاطها ، وروعة الحرية ، ومثل العدالة ( 35 ) .
فلنضع أفكار دعاة التكيف ومروجى التبرير فى المكان الفعلى الذى تستحقه . ولنبتدع لغة للثورة نقلب فيها كل الكلمات حيث يطاح بكل دلالات الخنوع والاستسلام فهى بداية طريق التجاوز الراديكالى .
هوامش
1 – أفول الأصنام ، فردريك نيتشه ، ص 18 ، ترجمة حسان بورقية ، محمد الناجى ، أفريقيا الشرق ، ط . أ ، 1996 .
2 – معجم علم النفس المعاصر ، أ . بتروفسكى ، م . ج . ياروشفسكى ، ص 226 محرر الطبعة العربية سعد الفيشاوى ، دار العالم الجديد ، ط. أ 1996 . ولتعريف مماثل بعلم النفس السياسى ، انظر ايضا ، معجم العلوم الاجتماعية ، ناتاليا يفريموفا ، توفيق سلوم ، دار التقدم ، موسكو ، ط . أ بيروت 1992 .
3 – نقل الكتاب المذكور الى العربية بعنوان : علم النفس السياسي ، دايفد باتريك هوتون ، ترجمة ياسمين حداد ، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات ، الدوحة ، ط . أ ، 2015 .
4 – علم النفس السياسى بين الموقفية والنزوعية ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 21 مايو ، 2016 .
5 – سيكولوجية الجماهير ، غوستاف لوبون ، ترجمة هاشم صالح ، دار الساقى ، بيروت ، 2011 .
6 – روح الثورات والثورة الفرنسية ، ص 108 غوستاف لوبون ، نقله الى العربية عادل زعيتر ، الطبعة الثالثة ، المطبعة العصرية ، 1957 .
7 – علم النفس السياسى بين الموقفية والنزوعية ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 21 مايو ، 2016 .
.
8 – كتابات فى علم النفس السياسى ، أ . د . قدرى حفنى ، ص ص 2 – 16 ، معهد البحوث والدراسات العربية – قسم الدراسات التربوية ، 2007 ، القاهرة .
9 - علم النفس السياسي فى العالم العربى : قراءة فى افكار على زيعور ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 10 ابريل ، 2017 ( المعلومات الواردة فى المقال عن مصطفى صفوان مأخوذة من هذا المصدر ) .
10 - طرائق الانتلجنسيا البورجوازية فى النضال ضد العمال ، ف إ . لينين ، الأعمال الكاملة ، المجلد 20 , ص ص 455 – 486 ، دار التقدم موسكو ، 1972 . ( الأرشيف الماركسي على الإنترنت ) .
11 – الايديولوجيا – نحو نظرة تكاملية ، د . محمد سبيلا ، ص ص 57 – 58 . المركز الثقافى العربى ، بيروت ، ط . أ . سبتمبر ، 1992 .
13 – نفس المصدر السابق ، ص 59 .
14 – دراسات لاانسانوية ، لويس ألتوسير وجورج كانغليم ، ص 83 – 84 ترجمة وتقديم د . سهيل القش ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ط . أ ، 1981 .
15 – الروح الحزبية فى العلوم والفلسفة ، تأليف ب . تشاجين ، روجيه جارودى ، ص 58 ، ترجمة لجنة من الاساتذة ، المكتب الشرقى للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ، ط . أ . 1959 .
16 –أثر الأمراض النفسية على الإنسان العربى ، برنامج بلاحدود ، يقدمه أحمد منصور، قناة الجزيرة ، آخر عام 2004 .
17 - http://www.svu.edu.eg/arabic/links/camps/qena/art/news/news44.html .
18 – جريدة المصرى اليوم ، حوار إبراهيم الطيب ، ص 9 ، 1 – 7 – 2013 .
19 – جريدة الصباح ، حوار خاص مع د . أحمد عكاشة مستشار الرئيس ... ، 20 ، ديسمبر ، 2014 .
20 – د . أحمد عكاشة : الإنفلات الأخلاقى كارثة يجب مواجهتها ،أجرى الحوار رياض توفيق ، جريدة الأهرام ، 1 نوفمبر 2014 .
21 – السياسة وسلطة اللغة ، د . عبد السلام المسدى ، ص 137 ، الدار المصرية اللبنانية ، ط . أ ، 2007 .
22 - د . أحمد عكاشة : الإنفلات الأخلاقى كارثة يجب مواجهتها ،أجرى الحوار رياض توفيق ، جريدة الأهرام ، 1 نوفمبر 2014 .
23 – نفس المصدر .
24 - السياسة وسلطة اللغة ، د . عبد السلام المسدى ، مواضع متفرقة ص ص 166 - 170 ، الدار المصرية اللبنانية ، ط . أ ، 2007 .
25 - سعيد العليمى - دون كيشوتيوا الثورة والعاصفة الثورية المقبلة
26 – أخلاق فتوات حارتنا ، عمرو حسنى ، جريدة التحريرالإلكترونية ، 12 – 2 – 2016 . مقال نقدى ساخر يكشف مواقف الداعين للحملة وتسترهم على إنعدام الأخلاق الفعلى لدى الطبقة السائدة وممثليها . وللمزيد ، أنظر ، مشتل المعلم أرسطو للأخلاق! ، لنفس الكاتب ، جريدة التحرير الإلكترونية ، 16 – 2 – 2016 .
27 – تصريح صادم للمستشار الطبى للسيسي يطالب بتجويع الشعب ، موقع قناة الجزيرة على الإنترنت ، 22 – 3 – 2015 . ، الشعب مدلع ومش عايز يشتغل .. والسيسى يعمل إيه ؟ جريدة الشروق ، 12 مارس، 1915 .
28 – السلطة الحالية فاشلة والشعب غير مدلل ، جريدة الشعب الإلكترونية ، بدون تاريخ .
29 – عن دور هشام جنينة : لن يقضى على الفساد الا بالقضاء على الراسمالية - الرجل جزء من / ونتاج للنظام ولم يعترض على سياساته الكبرى الاساسية - فى امريكا يلعب امثاله دور صمام امان للنظام - كما انه يقوم بتفريغ السخط ضد النظام بترويج وهم انه يمكن ان يصلح ذاته من داخله - مع ذلك ينبغى الاستفادة من كل التناقضات التى تظهر وسط رجال السلطة واجهزتها . كان هذا هو الدور الذى يلعبه رالف نادر فى امريكا - فقع " دمامل " النظام وكان مرحبا به وبدوره - الفرق هو فى راسمالية غاية فى التخلف وراسمالية انضج ذات خبرة ذات وضع مختلف كيفيا .
30 - للأسف يجرى تناول مسألة الموقف من المنظمات الحقوقية من البعض بشكل غير تاريخى وبدون تمييز بين قبل وبعد 25 يناير ، رغم أن هناك سياقا ودورا واثرا مختلفا لبعض م م م فى دعم النضال الديموقراطى ، ومساندته ، وتعزيزه بأشكال مختلفة - يتبنى البعض رؤية أحادية الجانب للظاهرة بحصرها فى مسألة " التمويل " مجردا بعيدا عن أى تناول عينى ملموس ، وإغفال طبيعتها وآثارها المتناقضة - والتجاهل الكلى وعدم الإلتفات إلى أن الدولة تعادى هذه المنظمات بسبب موقفها من قضايا الحريات الديموقراطية أساسا لا بسبب التمويل المصرح به وفق القانون والخاضع لرقابة الدولة ، وإغفال أن هناك مسافة تفصل بين الممول وتوجهاته ، وماتمارسه فعلا وعملا بعض هذه المنظمات ، أى بين مايتوخاه هو وماتحققه المنظمة المعنية - لذا لاينبغى تناول قضية التمويل مجردا فى كل الأحوال والوقوف فى خندق واحد دون تمييز مع النظام وإنما بحث الأثر الكلى الفعلى لها فى الواقع ، وعدم وضع جميع المنظمات فى سلة واحدة - رغم أننى مبدئيا أرى ضرورة الإعتماد على تمويل الداخل بصفة أساسية والدعم الشعبى والإنتباه لضرورة إلحاق حركة -بعض -هذه المنظمات بمتطلبات الحركة الثورية لا العكس . أكرر اننى اتحدث عن بعض هذه المنظمات وليس كلها فهى تتمايز ، ومن الضرورى ادراك هذا التمايز ، فلايدخل فى إطار ماأقول تلك التى تتلقى تمويلا مباشرا من السفارة الأمريكية ، أو المخابرات المركزية الأمريكية وما ماثلها . ولابد لعلاقة " اليسار " بها ان تكون علاقة نقدية دائما . فالمهم ان يخدم الصراع الحقوقى مسار ومطالب الحركة الثورية جذريا لاأن تتحول الاخيرة الى متفرج يتابع معارك الصراعات الحقوقية فى مقاعد المشاهدين ، او يكتفى بها فهى حتى ان اثمرت تظل غالبا فى اطار الاصلاحية . بايجاز نحن مع المنظمات بقدر ماتعزز الحركة الثورية وتجذرها وتتحرك فى اطارها - وضدها حين تطرح نفسها بديلا لها وتقوض حركتها وتفسدها .
31 - هناء سليمان - السياسة وآفة الغطرسة
32 - الدكتور أحمد عبدربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علق على ما قاله عكاشة ... ، قائلا: «طبعا منطق الدكتور عكاشة لايختلف عن موقف الكثير من النخب المصرية، وهو باختصار منطق انتهازى يسعى لتبرير الآوضاع القائمة من خلال تزييف وعى الناس ومحاولة إقناعهم إنهم جهلة لا تصلح معهم ديموقراطية ولا حرية، وهو منطق تلح عليه الكثير من الوسائل الإعلامية فضلا عن المسئوليين بالإضافة لبعض المنتمين للطبقات الوسطى فما فوقها للدرجة التى تجعل بعض الناس العادية بالفعل تردد هذا الكلام الساقط...... وأضاف عبدربه في منشور على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «الحقيقة بسيطة للغاية، منذ آن نشآت الجمهورية فى عام 1953 ورغم ذلك لم ينتهى الجهل ولا الفقر ومصر ليس بها ديموقراطية ولاحرية ! بل العكس هو الصحيح، تغولت المؤسسات الآمنية “التي بيدها السلاح” على الناس، ونتيجة لغياب قواعد المحاسبة والمسائلة تم انتهاك حقوق الشعب ومن ثم تزايدت معدلات العنف السياسى والإرهاب والتطرف، تدهورت مستويات التعليم والصحة والخدمات، ومن ثم دخلنا في حلقة مفرغة بين عنف الدولة وعنف الجماعات المسلحة في بيئة قام بتغذيتها آمثال الدكتور عكاشة على الطرفين (مسلحي الدولة ومسلحي الجماعات الإرهابية!
وتابع: «وقطعا المسكوت عنه، هو آن نفس هذا الشعب الذي يتم نعته دائما بالجهل، هو نفسه الشعب الذي تم وصفه بالعبقرية والحضارة وتعليم العالم كله حينما نزل في ٣٠ يونيو وفي ٢٦ يوليو (التفويض) وهو نفس الشعب الذي صوت للدستور بالموافقة (٩٨٪)، وانتخب السيسي (٩٦٪) !
فهل هذا هو نفس الشعب الذي يتحدث عنه الدكتور عكاشة آم تم تبديله؟!
لا آعلم من يفتقد بالفعل الضمير والآخلاق، الشعب آم النخب المثقفة على من هم من شاكلة الدكتور عكاشة وشركاءه؟».
واستطرد: «غياب الحرية والديموقراطية وما يرتبط بهما من قواعد المحاسبة والمسائلة والشفافية هو من ينشر الجهل والعنف والغضب والسلاح وليس العكس، لكنها انحيازاتكم الانتهازية التى تزيف الحقائق!».
!»
http://klmty.net/532545-عبد_الرحمن_كمال_يكتب___لماذا_يستمع_السيسي_لنصائح_أحمد_عكاشة؟.html
راجع اأيضا مقال : أحمد عكاشة .. خبيرخلط السياسة بالطب النفسي ، جريد إعلام الإلكترونية ، 19 – 3 - 2016 .
33– علم الثورة اللينينى وعلم النفس الاجتماعى ، ب . بورشنيف ، مطبوعات وكالة نوفستى ، 1970 . ومن اجل التوسع فى الموضوع راجع : علم النفس الاجتماعى والتاريخ – ب . بورشنيف ، ترجمة سعد رحمى ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1986 . وكذلك ، مسائل السيكولوجيا الاجتماعية والدعاية ، جماعة من الاساتذة ، معهد العلوم الاجتماعية ، دار الفارابى ، بيروت ، 1985 .
34– معجم علم النفس المعاصر – مرجع سابق – نفس الصفحة .
35 – علم الأخلاق ، البروفسور الكسندر تيتارنكو ، مواضع متفرقة ص ص 67 – 75 ، ار التقدم ، موسكو ، 1990 .
1 - نقد العقل القمعى وميتافيزيقا الجلاد
ضد أحمد عكاشة
" لعل الحكمة لا تظهر على الارض الا على هيئة غراب يهيجه عفن جيفة مكتوم ؟ " ( 1 ) هكذا كتب فيلسوف أفول الاصنام ! وهاهوذا سلطان العلم والمعرفة " الموضوعية المحايدة " !! ( العالم المصرى الكبير، ورئيس الجمعية المصرية للطب النفسي ، عضو المجلس الاستشارى الرئاسى ، ومستشار الرئيس للصحة النفسية ) د. أحمد عكاشة يتجلى امامنا ، ويقول قولته الفاصلة متخذا من الشعب المصرى ، وسيكولوجيته موضوع معرفته ، معينا له ماينبغى ، ومالاينبغى فى الظروف الراهنة ، مبينا له دلالة فعله فى كل حال ومعناه ، مبعدا عن ذاته شبهة أنه قد يكون فى الواقع بوصفه مثقفا عضويا للطبقة السائدة ولسلطتها الراهنة – وبحكم كونه مستشارا للرئاسة - ظلا متراميا فى البعد لإرادة السلطان وإكراهه . لكن علينا ان نقرأ مايكتب شاكين فى أنه يكتب لإخفاء مايضمره ، وأن ننبش وراء كل حرف ، فربما إستترت دلالات أعمق مما تكشف عنه ، وأن نحذر ونحتاط من أن يكون الظاهر أمامنا هو فلسفة واجهة توارى مضمونها التبريرى الفعلى خلف الكلمات - الأقنعة ، وأن ندرك أن السمات المؤسسية الظاهرة للفاعلين الإجتماعيين سواء كان المتحدث هو القاضى الجنائي ، أم المفتى ووزير الاوقاف أم شيخ الأزهر ، أم النائب العام ، وضابط الأمن الوطنى ، أم الإعلامى الشهير ، أم الطبيب النفسي كما هو الحال هنا ، هى معادلات موضوعية ذات مضمون طبقى واحد وإن تغايرت فى أشكالها الأيديولوجية وفق نوعية المجالات ، ففى عالم البورجوازية الرثة التى إستنفدت دورها التاريخى من الأصنام الكاذبة أكثر مما فيه من الحقائق . ودون ان ننسي انه قد تكون هناك ميول ثانوية غير مهيمنة تخترق مؤسسات النظام ذاتها يتجلى فيها الصراع الاجتماعى خارجها .
1 -
علم النفس السياسي البورجوازى ووظيفته الاجتماعية
هو فرع من فروع علم النفس " يختص بالظواهر النفسية ( الأمزجة ، والآراء ، والأحاسيس ، الاتجاهات القيمية ، الخ ) للحياة السياسية التى تتشكل وتكشف عن نفسها فى الوعى السياسى للطبقات ، والجماعات الاجتماعية ، والحكومات والأفراد وتتحقق فى أفعالهم السياسية . وعلم النفس السياسي البورجوازى ، الذى يؤدى وظيفة فكرية رجعية ، بالاضافة الى تحليل الجوانب النفسية للمسائل السياسية الجارية ( الداخلية والدولية على السواء ) يدعى أنه يطور نظريات علمية اجتماعية صيغت لتكون بدائل للماركسية ، وللمفهومات السياسية الاجتماعية البورجوازية السابقة ......... " (2 ) ودوره يتمثل فى تزويد صاحب القرار ( السلطة ) بما يحتاجه من بيانات تتعلق يإتجاهات الرأى العام حتى يضمن للقرار السياسي أقصى تأثير وفاعلية . وكذلك يسهم فى مجال إدارة الأزمات الداخلية والخارجية وتبيان أفضل السبل لتطويع الكادحين وغسل أدمغتهم وترويج الأفكار الداعية للتكيف مع النظم القائمة .
ويعتبر علم النفس السياسي من الفروع "العلمية" الحديثة نسبيا ، فلم يكن يدرس فى الجامعات الغربية كمجال معرفى قبل السبعينات ، رغم أن البعض درس تأثير علم النفس فى السياسة منذ العشرينات فى القرن الفائت ، مثل الأمريكى هارولد لاسويل ( 1902 – 1976 ) . وقد أصدر الأكاديمى البريطانى ديفيد باتريك هوتون مؤخرا كتابه : " علم النفس السياسي " عام 2008 فى طبعته الانجليزية . ( 3 )
وقد إستعرض فيه أبرز النظريات التحليلية المفسرة للنشاط السياسي من منظور نفسي ، وخاصة المدرستين الموقفية والنزوعية . و " تعرف الموقفية كمدخل لفهم السلوك الإنسانى ، تعتبر فيه البيئة ، أو الموقف المحيط بالفرد ، العامل الأكثر أهمية فى تشكيل وتوجيه سلوكه ، أما النزوعية فترى أن الفرد ومايحمله من قيم واعتقادات وخصائص شخصية العامل الأكثر أهمية فى توجيهه واستنادا الى هاتين المقاربتين فى فهم المواقف وسلوك الأفراد والجماعات والقيادات والنخب السياسية .... (بدأ ) بتحليل النظرية السلوكية او نظرية المثير – الاستجابة ، وعلم نفس الطاعة والسيرة النفسية (وانتهى) الى علم نفس العلاقات الدولية " ( 4 ) .
وجدير بالذكر أن معظم الأكاديميين فى هذا المجال قد تأثروا تأثرا واضحا بمؤلفات كاتب فرنسي رجعى هو الأنثروبولوجى وعالم الاجتماع الفرنسى جوستاف لوبون خصوصا فى كتابه " سيكولوجية الجماهير" الصادر عام 1895 حيث "يرى المؤلف أن الجماهير لا تعقل، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلا واحداً، من دون أن تتحمل مناقشتها. ومايقوله لها الزعماء يغزو عقولها سريعاً فتتجه إلى أن تحوله حركة وعملاً، ومايوحي به إليها ترفعه إلى مصاف المثال ثم تندفع به، في صورة إرادية، إلى التضحية بالنفس. إنها لا تعرف غير العنف الحادّ شعوراً، فتعاطفها لا يلبث أن يصير عبادة، ولاتكاد تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كرهه.
وفي الحالة الجماهيرية تنخفض الطاقة على التفكير، ويذوب المغاير في المتجانس،بينما تطغى الخصائص التي تصدر عن اللاوعي .
وحتى لو كانت الجماهير علمانية، تبقى لديها ردود فعل دينية، تفضي بها إلى عبادة الزعيم، وإلى الخوف من بأسه، وإلى الإذعان الأعمى لمشيئته، فيصبح كلامه دوغما لا تناقش، وتنشأ الرغبة إلى تعميم هذه الدوغما. أما الذين لا يشاطرون الجماهير إعجابها بكلام الزعيم فيصبحون هم الأعداء. ( 5 )
وفى كتابه" روح الثورات "الذى خصصه للثورة الفرنسية رأى ان النفسية الى تسودها هى نفسية الحقد ، والخوف والحرص ،والحسد ، والزهو ، والحماسة ، كما ان هناك نفسية دينية ، ونفسية يعقوبية ، ونفسية ثورية ، ونفسية مجرمة ، وعموما تسودها فوضى نفسية ، وإجمالا إتخذ من الثورة موقفا رجعيا . وقد كتب ناقدا الشعار الرئيسى للثورة الفرنسية مايلى : " للشعار الجمهورى أى " الحرية والمساواة والإخاء " ، شأن كبير مع ضعف قيمته العقلية ، ولهذا الشعار الساحر الذى نقش على جدرنا قدرة عظيمة تعدل القدرة التى يعزوها السحرة الى بعض الألفاظ ، وما ألقاه من الآمال فى القلوب سهل إنتشاره ، وقد ضحى ألوف الناس بأنفسهم فى سبيله ، والآن اذا اضطرمت ثورة فى العالم فإن رجالها يستنجدون به .
حقا أنهم يجيدون الاختيار ، فذلك الشعار من الأمثال المبهمة الساحرة للنفوس والتى يفسرها كل امرئ على حسب ذوقه وحقه وخياله ، ففى أمر الايمان لا شأن لمعنى الألفاظ الحقيقى ، وما سر قوة هذه الألفاظ إلا بما يعزى إليها من قدرة " ( 6 )
إحتل علم نفس الطاعة مكانة أساسية فى بحوث ستانلى ملجرام وقد طرح أسئلة جوهرية حول ماالذى يدفع الأفراد لطاعة سلطة عليا كالدولة حتى عندما تصطدم متطلبات تلك السلطة بشدة بالقيم والأخلاق . وقد إنتهى بعد تجارب أجراها على مجموعة من المتطوعين الى أننا " ... جميعا قد نخالف أعز مبادئنا وقيمنا عندما نواجه موقفا تحثنا فيه على الطاعة سلطة نرى أنها سلطة شرعية " . ( 7 )
2 – علم النفس السياسى فى مصر : اتجاهان
تأسس علم النفس فى مصر على يد رواد يتصدرهم د . يوسف مراد ود . مصطفى زيور اللذان أصدرا أول مجلة تحمل اسم علم النفس فى يونيو 1945 وواصلت الصدور حتى فبراير 1953 . تضمنت اعدادها موضوعات ذات خصوصية مثل " اختيار ضباط الجيش " ، " علم النفس والحرب " . وقد ساهم يوسف مراد فى انشطة " ادارة التدريب الحربى " لتنظيم قسم للخدمة السيكولوجية فى الجيش ، وتطبيق اختبارات الذكاء والشخصية على طلبة الكلية الحربية فى سبتمبر 1952 ، وألقى محاضرتين فى كلية اركان الحرب عن الانفعالات والتمويه والإخفاء فى يناير 1953 . ولم يكن هو الوحيد الذى ارتبط بالنظام الجديد فقد اسهم آخرون فى مجال الأمن القومى ، وفى تحليل اتجاهات الرأى العام .
وفى مقابل الاتجاه المذكور الذى إرتبط بنظام يوليو وبورجوازيته البيروقراطية فيما بعد نشأ اتجاه معارض ديموقراطى النزعة مثله كل من مصطفى زيور ومصطفى سويف ولايمكن أن يختزل ذلك التعارض بين مدعمى النظام ونقاده بوصفه شقاقا بين مدرستين من مدارس علم النفس : مدرسة التحليل النفسى ، والمدرسة السلوكية .
كان زيورليبراليا مدافعا عن الحرية السياسية ، والقضية الفلسطينية ، وقد احتضن وساند طلابه الشيوعيين من الحلقة الثانية للحركة الذين أعتقلوا بتهمة قلب نظام الحكم على خطورة هذا الأمر عليه آنذاك . وقد مثل كتاب مصطفى زيور " فى النفس : مقالات مجمعة فى التحليل النفسي " فاتحة انطلاقة فى علم النفس السياسي العربى . كما كان مهموما بمسألة الفتنة الطائفية فحاضر وكتب عن سيكولوجية التعصب كظاهرة نفسية اجتماعية سياسية مرضية . كتب : " التعصب يؤدى وظيفة خاصة تتلخص فى التنفيس عما يعتلج فى النفس من كراهية وعدوان مكبوت ، وذلك عن طريق عمليتى النقل و الإبدال ، دفاعا عن الذات وعن من نحبه. فالمتعصب اذن يجنى فى موقفه كسبا ، غير أن هذا الكسب لا يختلف عما يجنيه العصابى من سلوكه الشاذ ، اى انه كسب وهمى ناقص يفوت على صاحبه فرصة حل إشكاله حلا رشيدا واقعيا مجديا " ولم يقصر زيور تفسيراته على ماهو نفسي بل رأى ان لنقمة الشعب المصرى اسبابا يمكن ان نفهمها بدراسة الأحوال الإقتصادية . كما عالج العدوان الإسرائيلى من منظور التحليل النفسي فى مقالين نشرا عام 1968 .
" لا أستطيع أن أسمح لنفسي أن أضع علمى فى خدمة هذا الحكم الإستبدادى " هكذا رد مصطفى سويف على طلب أستاذه يوسف مراد بأن يساعده فى تطبيقات علم النفس فى الجيش . وظل طوال حياته ديموقراطيا صارما فى موقفه من ديكتاتورية سلطة يوليو . ( 11 )
وقد كان عالم النفس المصرى مصطفى صفوان الذى هاجر الى فرنسا عقب انقلاب يوليو 1952 من كبار المحللين النفسيين من مدرسة جاك لاكان ينتمى للاتجاه الثانى وله اسهامات بارزة فى مجال تفكيك الإستبداد ، والسلطة الطغيانية فى العالم العربى ، وهو مؤلف كتاب " لماذا العرب ليسوا أحرارا – صدر عن دار الساقى بيروت ، 2012 – وكذلك " إشكاليات المجتمع العربى : قراءة من منظور التحليل النفسي – صدر عن المركز الثقافى العربى 2009 - بإلاشتراك مع عالم النفس اللبنانى عدنان حب الله . وقد ترجم ايضا بعض الكتب الهامة منها : علم ظهور العقل للفيلسوف الألمانى هيجل – وقد صدر عن دار الطليعة ببيروت ط . ث. 1994 . وكذلك مقال فى العبودية المختارة للفرنسي إتيين لابواتييه – صدر عن مكتبة مدبولى ،1990 القاهرة .
ويستخدم مصطفى صفوان مصطلح " الدولة البدائية الحديثة " للدلالة على الأنظمة الإستبدادية السائدة فى العالم العربى محددا خصائصها فهى تكرس ماأسماه " الإعتقاد الطبيعى بنظام المقدس " وثانيا ، لاتقبل اقتسام السلطة ، وثالثا ، ترفض أى ضبط حقيقى لسلطة الحاكم ، ورابعا ، تلهث وراء ضمان الاستقرار واستمرار الحكم على حساب الاستقلال الوطنى والنمو الاقتصادى ويناء الانسان . " ( 12 )
ويتواصل الإتجاهان السابقان فى مصر المعاصرة فنجد الدكتور أحمد عكاشة ويحيى الرخاوى من مروجى التكيف الخانع للنظم القائمة ، وقد ارتبط كلاهما بالنظام الحاكم كمثقفين عضويين وكأصحاب مصلحة طبقية فى إستبقاء الاوضاع التى تمنحهم الإمتيازات كمهنيين أو أصحاب رأسمال نوعى .
ومن جانب آخر نجد الباحثة الجادة النابهة د . بسمة عبد العزيز التى إختطت طريقا جديدا فى حقل الدراسات النفسية الاجتماعية فى مصر وأسست داخل علم النفس السياسي لدراسات تكشف الآثار النفسية والجسدية والإنفعالية التى تعترى المعتقلين فى سجوننا المصرية من جراء التعذيب ( كرب مابعد الصدمة ) . وتناولت فى أبحاثها ظاهرة القمع البوليسى من زاوية الآليات والوظائف والأدوار والنتائج . وقد أصدرت عددا من الدراسات تمثل علامة بارزة فى مجالها منها " ماوراء التعذيب " – الجوانب النفسية والسياسية (دار ميريت ط . أ 2007 ) ثم إغراء السلطة المطلقة ( دار صفصافة ط . ث 2011 ) وكذلك ذاكرة القهر ( دار التنوير ط . أ 2014) وهى توظف معرفتها فى كشف عفن الأوضاع القائمة برموزها ومؤسساتها وتناهض كل مايزينها ويبررها بكتابة علمية رصينة .
وهناك كوكبة من الطبيبات اللامعات اللائى لعبن ومازلن يلعبن دورا هاما ومؤثرا فى كشف آليات القمع وتقنيات التعذيب ومعالجة آثارها ومنهم الدكاترة : عايدة سيف الدولة ، وسوزان فياض ، وماجده عدلى وآخريات ( مركز النديم ) ، وفرادى مثل د . سالى توما . بإختصار هولاء لايبررن الأوضاع القائمة ولايزينونها ويساندن المضطهدين والمقموعين من ابناء شعبهم .
3 - من الصعب أن تحكم جالسا على الحراب طوال الوقت !
فى مقال : "طرائق الانتلجنسيا البورجوازية فى النضال ضد العمال " يشير ف . لينين الى أنه فى كل الاقطار الرأسمالية فى العالم تلجأ البورجوازية الى طريقتين فى النضال ضد حركة الطبقة العاملة والأحزاب العمالية . تتمثل الأولى فى إستخدام العنف ، والإضطهاد ، والحظر ، والقمع . وتعد هذه طريقة إقطاعية ، قروسطية فى جوهرها . وهناك فى كل مكان اقسام وجماعات من البورجوازية – أصغر فى البلدان المتقدمة ، وأكبر فى البلدان المتخلفة – تفضل هذه الطرائق ، وفى لحظات الاحتدام القصوى فى نضال العمال ضد عبودية العمل المأجور ، تتفق البورجوازية بكاملها على استخدام طرائق كهذه . أما الطريقة الأخرى التى تستخدمها البورجوازية ضد الحركة فتتمثل فى شق صفوف العمال ، إشاعة الفوضى فى صفوفهم ، رشوة ممثلين فرديين أو مجموعات معينة من البروليتاريا بهدف كسبهم الى صفها . وهذه الطرائق ليست طرائق إقطاعية وإنما طرائق بورجوازية محضة وحديثة ... " وكذلك نشر النفوذ " الايديولوجى للبورجوازية فى صفوف العبيد المأجورين بهدف حرف نضالهم ضد العبودية المأجورة . ( 13 ) فوظيفة المثقف العضوى الذى ينتمى للطبقة السائدة هى وظيفة المفكر والمنظم والداعية والمنظر والمنافح عن مصالحها بغض النظر عن مهنته النوعية ، ويتميز بوظيفته فى توجيه افكار وتطلعات الطبقة التى ينتمى االيها واضفاء التجانس على وعيها وممارسة الهيمنة على الطبقات المسودة (وظيقة الأفكار فى التضليل وفى إرساء سلطة المستغلين – وهو واحد من معان تاريخية متعددة لمفهوم الايديولوجيا ) . كما أن الوظيفة التبريرية للايديولوجيا تنهض أساسا للمشروعية السياسية .
" ترتبط علاقة الايديولوجيا بالسلطة بالمسألة الحيوية والأساسية بالنسبة لكل سلطة سياسية وهى مسألة المشروعية . فالهم الأساسى لكل سلطة هو اكتساب المشروعية ..... السلطة القادرة على الاستمرار هى السلطة التى لاتقوم فقط على القوة والعنف وانتزاع الاعتراف ، بل هى السلطة القادرة على جعل الذوات السياسية تنتج تلقائيا مصادقتها عليها وقبولها بها بحيث لاتكون بمثابة مؤسسة خارجية قائمة على القهر والقسر بل على الرضى والموافقة . ............ وبما أن هذا الصنف من المشروعية لايتم اكتسابه بالعنف الفيزيقى ، فإن من الضرورى اللجوء إلى نوع من العنف أكثر لطفا وتهذيبا وخفاء وهو العنف اللفظى أو " العنف الرمزى " . وقد ارتبط خطاب السلطة دوما بسلطة الخطاب وكلمات السلطة بسلطة الكلمات . " ( 14 )
" فالايديولوجيا بهذا المعنى ركن أساسى من أركان أى سلطة سياسية وأداة سلطة من الدرجة الأولى ، مما يجعلها أمرا لاغنى عنه بالنسبة لأية سلطة سياسية مهما كانت استبدادية أو تعسفية . فحتى الأنظمة القائمة على الاستبداد والنزعة الكليانية والقمع مضطرة لإصطناع ايديولوجيا تبريرية أو تبنى ايديولوجيا بإسمها ومن أجلها يصبح الاستبداد مبررا و"معقولا " . " ( 15 )
من المعروف وفقا للتراث الماركسي ان الدولة تنطوى على : أجهزة الدولة القمعية وهى تشمل : الحكومة ، الادارة ، القوات المسلحة ، الشرطة ، المحاكم ، السجون وهى تسير بصفة أساسية بواسطة العنف . وتتجلى أجهزة الدولة الايديولوجية فى شكل مؤسسات مميزة ذات اختصاص مثل المؤسسة الدينية بمشتملاتها وتعددها ، المؤسسة التعليمية عامة أو خاصة أو نوعية ، المؤسسة العائلية ( البطريركية ) ، النظام الحقوقى فى شموله حيث يرتبط ايضا بجهاز الدولة القمعى ، النظام السياسي بما فيه من أحزاب ، النقابات العمالية والمهنية والفلاحية ، المؤسسة الاعلامية ، المؤسسة الثقافية بمشتملاتها . ( 16 )
وتدخل آراء د .أحمد عكاشة فى مجال الايديولوجيا سواء إعتبرناها " طبا نفسيا " أم سياسة أوفكرا أو إعلاما . والتاريخ الفعلى مغرم بالسخرية ومراوغة البشر . لكن مايطرحه لاقدرة له على الفتنة . فتأويلاته التبريرية التى تعمى عن الواقع وتستبعد البحث المعمق عن الأسباب تنتهى لشئ ملفق، صاخب ، مضطرب ، وهى تدافع عن الطبقة الرأسمالية وليبراليتها المتوحشة ، وتدعم توجه السلطة القمعى تعزيزا لنظامها الاجتماعى . ولابد أن ننتبه الى أن المعارك الطبقية تنعكس فى العلوم الاجتماعية ، وأن لكل طبقة مفهومها عن العالم ، ففى مجتمع يجرى فيه الصراع بين طبقات متعادية لايمكن ان تكون هناك فلسفة مستقلة عن مصالح الأحزاب . ويحاول العلم البورجوازى التظاهر ب " الحياد " و" الموضوعية " و" التحليق فوق الطبقات " رغم أنه من الناحية الفعلية يزيف ويشوه الواقع ويتبنى وجهة نظر المستغلين .
" ان الدور التبريرى الذى تمارسه النظريات البورجوازية يتخذ وجوها مختلفة وذلك تبعا للمهمات الملموسة التى تطرح على الطبقة البورجوازية . والمفكرون البورجوازيون يستخدمون لهذه الغاية مذاهبهم بصورة تكون مرنة وبصورة كافية ، وهم مستعدون للتخلى اليوم عن عدد من الحجج "النظرية " التى كانوا يقدمونها فى الامس ، اذا لم تعد هذه مطابقة للحاجات الجديدة للبورجوازية فى هذه المرحلة التاريخية أو تلك ، من مراحل تطورها . ( 17 )
" بوسع الكلمات أن تسبب الدمار" هذا ماقاله ج . ب سارتر ذات مرة . فأى شئ تروجه كلمات وحوارات "مستشار الرئيس " ؟
يرى د . عكاشة أن مفهوم الصحة النفسية يعنى قدرة الإنسان على التكيف مع الأوضاع القائمة والصمود فى مواجهتها بغير إنكسار واستطاعة العمل والإنتاج بما يعنى تجاوز الذات ، وكان يشدد فى ظل نظام مبارك على أن من شروط الصحة النفسية للشخص بعد " التكيف " وإتقان العمل الموكل إليه " تواكب " القدرات مع التطلعات "أى إحتلال مكانة إجتماعية تتفق مع مايبذله المواطن من جهد بغير واسطة ولا محسوبية ، وأخيرا أن يكون له " دورا تقريريا وكلمة فى المجتمع الذى يعيش فيه " . وحين يجابهه المحاور أحمد منصور بسؤال : كيف يحقق الإنسان الصحة النفسية فى ظل نظام سياسي يجرده من مقوماتها يجيب : " ... انت بتسألنى سؤال صعب جدا . هى دى المشكلة اللى فيها كتير جدا من الموجودين فى الأمة العربية ، أنهم بيجدوا نوعا من الإحباط الشديد جدا أنه ماعندوش حرية التعبير انه هو يبقى له دور فى المجتمع ، أنه هو مش شايف ان كل حاجة يعنى فى أساسيات تخلى الإنسان يحس بالإنتماء ، يعنى عندنا كده هرم موجود . اول حاجة الحاجات الأساسية فى الحياة مسكن ، دفء ، طعام ، شراب ، من غير دول الواحد لاينتمى إلى أى حاجة ، لازم يحصل عليهم .. " ( 18 )
كان مقدم البرنامج قد أشار الى أن هناك " حالة من الإحباط والاضطرابات والأمراض النفسية التى تجتاح الشارع العربى ، فعشرات الملايين من العرب يعانون من الاضطرابات النفسية بنسب متفاوتة منهم أكثر من عشرة ملايين مصابون بالإكتئاب بينهم مليونين فى مصر ونصف مليون فى الأردن ، بينما يعانى 61 %من الفلسطينيين من الإكتئاب أما نسبة العراقيين المصابين باضطرابات نفسية فإنها تزيد على 35 % . ويشير الخبراء إلى أن الضغوط السياسية والإقتصادية التى يعيش فيها الإنسان العربى هى المتسبب الرئيسى فى تفشى الاضطرابات والأمراض النفسية . " ن . م .
ويرجع د . عكاشة فقدان الثقة بين الناس بعضها البعض ثم فقدان الإحساس بالولاء والإنتماء للوطن الى ان المواطن " لما يحس أنه هو صحته النفسية متأثرة بالظروف اللى حواليه يبتدى يفقد الانتماء ، بمعنى أنه أنا لما أكون أشتغل عملا جديا جدا وذو كفاءة عظيمة جدا وأجد أن واحد تانى أخذ المحل اللى أنا مفروض أعمله أنا لايمكن أقدر أحب البلد دى . لما يكون أن كل السلوك فى البلد بتاعتى رد فعل ، بمعنى أن ماعندناش أى أحد يقوم بإستراتيجية طويلة المدى فيها فعل يعنى عيل مثلا يقع فى الباكابورت فتقوم حملة لسد الباكابورتات ، شايف إزاى ، عبارة تغرق فيقوموا بالتفتيش على كل السفن ، العيش يبقى مش موجود فننزل الجيش والبوليس عشان أن هو يعمل تنظيم للعملية دى ، المفروض يبقى عندنا .. ( خطط ؟ !) طويلة المدى . كلما كان الإنسان حاسس أن هو عايش يوم بيومه بيفقد إنتماءه ، لكن كلما كان حاسس أن هو حيتعالج كويس – حيتعلم كويس – حيتدفن كويس - ، دى بتدى له نوع من أنواع الصحة النفسية " هل إختلف الأمر عقب سقوط مبارك وفى عهد كل الرؤساء اللا حقين وفى العهد الحالى – لقد زادت الأمور سوءا على كل صعيد . وقد كان "عالمنا النفسى " وقتها – زمن مبارك – يناشد النخبة التى لاتشعر بالشعب أن تكون قدوة ، كما رأى فى قوى المعارضة التى ظهرت آنذاك والمظاهرات التى جرت أمورا إيجابية . ليس ذلك فحسب بل إنه لم يستبعد قيام ثورة شعبية ضد نظام مبارك ورفض ماقاله د. على الدين هلال : " إن الذين ينتظرون ثورة شعبية هم أنبياء الفجر الكاذب " كما رفض مازعمه مقدم البرنامج من أن " هذا الشعب لمن غلب " وردا عليه إستشهد بالثورتين الفرنسية والبلشفية وقيادة الأخيرة الثورية . " زى ماباقول لك اللى قام بالثورة الشيوعية ناس مثقفون وناس أغنياء وناس مبسوطين ولكن كانت لمصلحة الفقراء قاموا بها . اللى قاموا بالثورة الفرنسية ماكانوش الشعب الهمج اللى ماشيين ( ؟؟؟ !!! ) ، لأ كان فيه ناس بيفكروا فيها . واعترض على وجهة النظر التى ترى أن هناك إختلافا بين نفسيات الشعوب أوأننا شعب خانع مطيع . " شوف الشعوب نفسيتها واحدة " . وياللعجب يصرح بأن " كلما كان النظام شموليا كلما كان فيه نوع من أنواع النفاق شديد جدا " . وأنتهى إالى أن العجز واليأس يؤدى إلى اللامبالاة ، وكذلك للعنف والعدوان ، والإكتئاب ، والقلق النفسي الشديد ، والرتابة والخنوع .
وفى احدى الندوات التى عقدتها جامعة الوادى تحت عنوان ( التأثيرات الإيجابية والسلبية لثورة يناير فى الشخصية المصرية ) أكد د . عكاشة أن أهم مكاسب المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير هو كسر حاجز الخوف وأن السياسة أصبحت مادة دائمة على مائدة الحوار . ( 19 ) وكرر مفاهيمه السابق إيرادها حول الصحة النفسية .
" ان الرجعية الإجتماعية بجميع أشكالها ، مضطرة لإخفاء نواياها الحقيقية ، وبقدر مايكون الانتقال من الثورة الى الرجعية حادا ، بقدر ماتعتمد الرجعية على أعراف الثورة وتقاليدها ، أى أنه بقدر مايتعاظم خوفها من الجماهير ، بقدر ماتضطر للجوء الى الخداع والاحتياط فى صراعها ضد ممثلى الثورة . " ل . تروتسكى ، أخلاقهم وأخلاقنا ، ص 40 ، دار دمشق ، ط . أ ، مايو 1969 " .
وقد عارض د . عكاشة حكم الإخوان ورأى أن أيديولوجيتهم تنطوى على نوعين من الضلال : الدينى والسياسي . وقدم تفسيرا ( مستلهما من جوستاف لوبون فيما يبدو ) فى أعقاب ذبح بعض السلفيين لأربعة من معتنقى المذهب الشيعى فى عهد الرئيس الإخوانى : " من الناحية النفسية شخصية الإنسان لها تكوين هرمى ، بمعنى أنه لابد أن تتوافرلها أولا الاحتياجات البيولوجية من مسكن وملبس وطعام وشراب ، يليها بعد ذلك مرحلة الاستقرار وتوافر الإحساس بالأمن والأمان ، وبعد هذين الأمرين تأتى مرحلة الإنتماء للوطن والانتماء الدينى ، بمعنى أنه لو تم حرمان شخص من هذه الاحتياجات الأساسية واصبح غير مستقر أمنيا فهو لايكترث ولايهتم بانتمائه لوطنه أو دينه ، وهذا مايحدث مع سكان العشوائيات ، أضف الى ذلك مايسمى ب " سياسة غريزة القطيع " الذى ينساق دون وعى وراء قائدة " ( 20 ) .
في عهد الرئيس السيسي سينسى "الإحتياجات الاساسية " ويرى أن مشاكلنا توجز فى إنعدام أو غياب الضمير والأخلاق ! .ورغم كل شئ فقد كان متفائلا بالشباب ووعيهم السياسى وحماسهم ثم إنتهى فى عصر طبيب الفلاسفة إلى أن " الشباب الذين تولوا مناصب قيادية ووزارية فشلوا فشلا ذريعا " من هم هؤلاء الشياب لاندرى فإطلاق الأحكام دون برهنة عليها هى سمة من سمات " عالمنا النفسي " وهو مايدخل فى نطاق ما يسمى بالمغالطات المنطقية .
لقد أشرنا فيما سبق إلى تعاون جماعة من الأطباء النفسيين مع النظام القائم فى مراحل تطوره المختلفة بهدف ممارسة نوع من السيطرة الأيديولوجية – والنفسية فى مجالى الطب النفسي وعلم النفس الفردى والجماعى لتطويع الشعب وصياغة سلوكه وإرهابه وفق خطط عامة ، وترويج وعى زائف يهدف الى " تحسين الصورة الذهنية المجتمعية " بما يتوافق مع الإستغلال والقمع بهدف دفع الشعب للتكيف مع الوضع القائم إجمالا . وكذلك رصد ردود الفعل المحتملة والتعامل معها وحرف الإنتباه عنها بإشاعة صورة مغلوطة – ( يقول د . عكاشة ... عادت روح" الضمير الجمعى " للمصريين مرة أخرى ( التى تجلت فى ال 18 يوما الاولى من ثورة يناير ، وانتهت بكنس الميدان مما أبهر العالم ! ) ، وخير دليل على ذلك أنه حينما ترددت أنباء بأن الرئيس السيسى سوف يرفع الدعم عن كثير من السلع سادت الصحافة الغربية مجموعة كتابات أن مصر بصدد ثورة ثالثة على السيسي ، لكن رد المصريون عليهم " أننا قادرون على تحمل المشقة مع الرئيس .. ولن نقوم بثورة ثالثة " !!! ( 21 )
وليس لذلك معنى إلا تزييف الواقع المناقض كليا لما يقول وغاية مايريد هو تزييف الوعى به – فقد صادرت سلطة الثورة المضادة غالب أدوات الصراع الطبقى بدأ من الحق فى التظاهر ، وحرية التعبير ، وخلقت برلمانا كاريكاتوريا لايمثل سوى نفسه ، وهيمنت على النقابات العمالية ، وأصدرت قوانين دراكونية من قانون الارهاب حتى الكيانات الارهابية ، وأضفت المشروعية على القتل الإنتقامى فى شكل التصفية والتعذيب فى أقسام الشرطة والسجون وأماكن الإعتقال السرية ، وحولت الحبس الإحتياطى لإعتقال طويل الأمد ، ولم تعد دولة الثورة المضادة دولة قانون حتى فى أدنى درجاتها ، وحاصرت الأحزاب الشرعية فى مقارها ، وصفت منظمات المجتمع المدنى ، وتسعى الآن للهيمنة الكلية على الإعلام وعلى وسائل التواصل الإجتماعى ، وهى لاتحترم القوانين التى وضعتها بما فيها دستورها وتنتهكها كلما ناقضت مصالحها ، وإنتهجت سياسة إقتصادية يمليها صندوق النقد الدولى ، أى سياسة الليبرالية المتوحشة التى تزيد من معاناة وإفقار الشعب وضاعفت الاسعار أضعافا مضاعفة من البترول والغاز والكهرباء الى المواد الغذائية والأدوية الى فرض ضرائب جبائية ، كالقيمة المضافة والضريبة العقارية ، فى الوقت الذى لم تستطع فيه أن تفرض ضريبة تصاعدية على الارباح الرأسمالية ، أو على أرباح البورصة ، ولا أن تضع حدا فعليا أعلى للأجور ، وواصلت كل أجهزة الدولة القمعية زيادة مخصصاتها وإمتيازاتها ورفضت خضوعها للأجهزة الرقابية والمحاسبية ، وقننت الفساد وأضفت عليه مشروعية بمنعها الطعن على العقود ، وبالتصالح مع الرأسماليين اللصوص الفاسدين ... الخ الشعب مكبل بالإرهاب الأصولى الذى تستفيدالدولة من وجوده بمصادرة الحقوق والحريات ثم بإرهاب الدولة نفسها الهادف للتخويف والترويع وشل الحركة الشعبية الإحتجاجية . الحقيقة هى ان الناس ضاجون بسياسات السلطة لكن التململ والغضب والسخط لم يتحول الى حركة مناهضة بعد ولايمكن إعتبار صمت الشعب الراهن على سياسات النظام قبولا بها .
إن هذا الطراز من الأطباء النفسيين ( نعنى د . أحمد عكاشة ) الذى إرتبط بأجهزة الدولة القمعية وصار أداة من أدواتها طوال تاريخه المهنى بحكم الموقع الإجتماعى، والمصالح الطبقية – وصلات القرابة فقد كان اخ احد الضباط الأحرار ووزير الثقافة فى حكومات عبد الناصر وهو ثروت عكاشة – تكاد تتطابق مواقفه ومشوراته مع ماينطق به رأس الدولة ومايعبر عنه من رؤى وسياسات . وهو يحاول تزييف الوعى بالواقع عبرإستخدام معرفة " مهنية " مزعومة ( علم النفس الفردى غير علم النفس الإجتماعى – خاصة الثورى ) ، و"إختصاص علمى رفيع " ، فهو فى حواراته وتصريحاته يستبعد ويضيف ويناقض نفسه ويفتعل وينفى حسب متطلبات وإحتياجات الثورة المضادة ، ومنعرجاتها الوقتية لتقديم صورة مغايرة غير مطابقة للواقع بهدف تصدير صورة ذهنية مزيفة ، وترويجها فى وسائل الإعلام من صحافة وتليفزيون وغيرها لخلق سلوك نمطى خاضع للإستغلال والقمع دون تذمر .
4 - سياسات البورجوازية البيروقراطية العسكرية المدمرة أم الإنفلات الأخلاقى ؟ !
لقد كلفت مؤسسة الرئاسة رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي د. أحمد عكاشة عضو المجلس الاستشارى العلمى لرئيس الجمهورية بمهمة تحديد أسباب الانفلات الأخلاقى فى مصر ، ووضع ملامح خطة قومية شاملة " لإعادة الأخلاق إلى شعب كان تميزه التاريخى الأخلاق الحميدة " !. والصحة النفسية هى أساس الأخلاق وتتقوم وفق تعريف منظمة الصحة العالمية – وهو التعريف الذى يتبناه د. عكاشة فى " ..... القدرة على التكيف مع ضغوط وكروب الحياة بالصمود والمرونة والتحكم فى العصبية أى إدارة الغضب والقدرة على العمل والعطاء بحب وإتقان . أن تتواكب القدرات مع التطلعات أى أن يعرف الفرد أنه إذا كان كفئا فسيصل إلى النجاح دون المعوقات الموجودة فى البلدان النامية . وحرية التعبير وإحساس الفرد بأن له قيمة واحترام فى المجتمع ( تشير بعض الأبحاث الحديثة إلى أن حرية التعبير تعطى 30 % من الصحة النفسية ) . ( 22 )
فى كتابه " السياسة وسلطة اللغة " يشير د . عبد السلام المسدى إلى أن " السياسة لغة واللغة سياسة لأن اللفظ عند إستخدامك إياه فيها يتحول من مجرد دال يحيل على مدلول إلى موقف ، ومن وراءه إختيار كامل مرتسم على شاشة الأحداث ، وقد يكون فى إستعمال الكلمة أو العبارة مايتجاوز حدود الواقعة التى تروم الإفصاح عنها ويصبح حاملا لأعباء التاريخ مختزلا صراعاته الطويلة فى إختيار كلمة واحدة من بين كلمات عديدة أخرى كان يمكن أن تأتى بدلها " ( 23 )
يمكن أن نلاحظ بسهولة اللهجة الإستعلائية التقريرية حول الإنفلات الأخلاقى ، وهذا الإنفلات يبدو وكأن لاعلاقة له بسياسات وسلوك البورجوازية البيروقراطية ورموزها ، ولا الرأسمالية التقليدية وممثليها بنهبها وفسادها وقمعها وإنتهاكها للقوانين والدساتير ولامايرتبط بها ولا ممارسة إرهاب الدولة ولا التعذيب المنهجى ، ولا بتصفيتها الحياة السياسية وتجريفها ، ولا إفقارها الشعب المصرى بجعل حياته مؤلمة بتبنى سياسات الليبرالية المتوحشة والإيغال فيها . فعند هؤلاء الإنفلات الأخلاقى يتعلق بالشعب وخاصة إنتهاكه لما يسمونه " هيبة الدولة " ، فالمطلوب الإنصياع والتكيف مع سياسات السلطة فى كل المجالات وأيا كانت وقبول الوضع القائم بخنوع وبلا تذمر ، و" إدارة الغضب " بكبته والسيطرة عليه ، فلا تظاهر ولا إضراب ، ولاتمرد ، ولا إنتفاض ... الخ ثم " العطاء " أى قبول الإستغلال برضوخ ، أى بلا احتجاج ولاتذمر، ولا مطالب " فئوية " . أما حرية التعبير فقاصرة على ذيول النظام القائم فى كل المجالات وإطارها المحدد هو دعم السلطة . أما لغير هؤلاء فهى مصادرة بكل التشريعات التى صدرت فى عهدى الرئيسين الأخيرين . ويروج طبيبنا لفكرة "التوافق المجتمعى" فى مواجهة الفكرة التى يروجها الثوريون أى : الصراع الطبقى . وقد تجلى من وجهة نظره الإنفلات الأخلاقى بعد ثورة 25 يناير فى " خلط الديموقراطية وحرية التعبير بالفوضى ، فلوحظ غياب هيبة الدولة ومن ثم غياب تطبيق القانون ، الهجوم على الشرطة ... مما يجعل المصرى ينغمس فى الأمور الذاتية وتلبية الرغبات الخاصة .. والتمركز حول الذات والإنفلات الأخلاقى وكل ذلك عكس سمات الإنتماء للوطن " ( 24 ) . ويزعم " أن 60% من المصريين لا يهمهم حرية ولا ديمقراطية ولا دستور، فهم يريدون فقط أن يوفروا لأولادهم حياة كريمة من المأكل والمسكن، فحقوق الإنسان فى مصر تهم نخبة مع نخبة آخرين، فالديمقراطية التى يصدّرها لنا دول الغرب لم يعترفوا بها. " وروج لعبارة مزيفة نسبت لدافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطانى وهى : "إن الأمن القومى لبريطانيا يتفوق على أى إنسان يتكلم عن حقوق الإنسان.. الجحيم لحقوق الإنسان فى سبيل أمن بريطانيا تحيا بريطانيا"، لافتا النظر إلى أن مَن فى مصر يستطيع أن يقول تحيا مصر والجحيم لمن يقول حقوق الإنسان (اليوم السابع - الأربعاء، 08 يناير 2014 )
وتتخذ الأيديولوجية التى تتقمص شخصه كمثقف عضوى فى الإستتار وراء العلم لتحدد لنا وفق الطب النفسي ملامح الأخلاق وتتقوم فى " ... تحمل المسؤولية ، الإنضباط ، الإتقان ، الضمير ، والإخلاص فى العمل ... العمل بروح الفريق فى كل عمل ... والتسامح والحميمية والثقة فى الآخر ... تجاوز الذات وهنا يتمركز الفرد على الآخر على المشاكل وليس على التمركز الذاتى ، العطاء للآخر " كل هذا ينمى الضمير الجمعى وينهض بالأخلاق . ( 25 )
ونتساءل مع صاحب السياسة وسلطة اللغة عن" كيف تدل اللغة ؟ وماهى الأدوار التى تنتظمها حين تتحول لأداة من ادوات الصراع السياسي ؟ "
هنا نكتشف أن " الإلهاء السياسي يمتطى ظهر اللغة " .
" الإلهاء باللغة ، وقضاء الأوطار – الرفيعة والوضيعة باللغة ، ثم الدخول بها إلى محتشد الإغراء والإغواء ، ثم على جسر الإيحاء تحمل اللغة إلى الجزر القريبة من التضمين والتداعى والالتفات ، فإلى الجزر النائية من التخييل والمجاز والإيهام بالتماهى ، ثم إلى الهضبة القصية حيث المخاتلة والمكر والخداع والمناورة ، لامن حيث هى أحكام أخلاقية ، ولكن بإعتبارها جزءا من منظومة النجاعة . .... وكلما كان الناس غافلين عن مسؤولياتهم فى استعمال الألفاظ ، سهل على المناورين استخدام اللغة لغزو عالمهم النفسي وابتزاز إرادتهم ، ثم إعادة تشكيل وعيهم . " ( 26 ) .
إن الأخلاق التى يروجها فى مشروعه فى كلمة مختصرة هى أن : على الكادحين أن يبيعوا روحهم لمفيستوفيليس البورجوازى ، وأن يخضعوا ويتكيفوا مع الوضع القائم متحملين مسؤولية إنتاج فائض القيمة ، متقنين عملهم فى ظل الإستغلال الرأسمالى برضا ودون تذمر ، متجاوزين ذاتهم بالتمركز على الآخر صاحب العمل الرأسمالى ، والعطاء لهذا الآخر دون إحتجاج أو إضراب أو تظاهر ، ولامطالب إقتصادية " فئوية " ... الخ . هذا هو ماينمى الضمير الجمعى !!!
إن المفاهيم الواردة أعلاه حول " الصحة النفسية " ومقوماتها تدعم الأخلاق البورجوازية بوسائلها وهى من حيث الجوهر أنشطة الرأسمالية ، ولا تمثل إلا تلاعبا بالوعى الأخلاقى الجماهيرى .
إن كل أخلاقية مشروطة إجتماعيا وتاريخيا . هذا هو جوهر المفهوم الماركسي عن الأخلاق . وبما أن الأخلاق تعبر عن مصالح وحدات إجتماعية وبينها فى المقام الأول الطبقات ، فهى تتوقف مباشرة على وجهة هذه المصالح ، على تصادمها وتطورها – ومامن أخلاق أبدية تقف خارج التاريخ .
" ... البورجوازية تتعثر عاجزة على عتبة المجتمع التاريخى ، لأنها لاترغب بالاعتراف بالقوة الدافعة فى تطور الاشكال الاجتماعية : أى بالصراع الطبقى . والأخلاق هى احدى الوظائف الأيديولوجية فى هذا الصراع ، فالطبقة الحاكمة تفرض أهدافها على المجتمع ، وتعوده على أن يعتبر جميع هذه الوسائل التى تناقض غاياتها ، غير أخلاقية . وهذه هى الوظيفة الرئيسية للأخلاقية الرسمية إنها تتبع فكرة أعظم سعادة ممكنة " ليس للأغلبية ، وانما لأقلية صغيرة تتناقص باستمرار . ومثل هذا النظام لم يكن ليصمد حتى لمدة أسبوع واحد بواسطة القوة وحدها ، بل انه ليحتاج الى أسمنت الأخلاق . ويشكل انتاج هذا الأسمنت مهنة المتطرفين البورجوازيين الصغار والأخلاقيين . ... إلا أنهم يظلون فى التحليل الأخير دعاة للعبودية والإستسلام . " ( ل . تروتسكى وآخرون ، أخلاقهم وأخلاقنا ، ص 24 ، دار دمشق ، ط . أ ، مايو 1969 . )
وأفادنا النطاسي البارع الذى لايهتم بضمير الرأسماليين ، بأن رسالة السيسي ، هى : " أنه لن يحدث نمو فى الإقتصاد إلا إذا عادت أخلاق المصرى كما كانت خلال ال 18 يوما الأولى من ثورة 25 يناير " . وأضاف من عندياته " أن أكثر الشعوب سعادة ، هؤلاء الذين يعيشون حياة متواضعة ، ويهتمون بالنسيج الإجتماعى أكثر من الجوانب الإستهلاكية " وهذا يذكرنى بمشايخ السلفية الذين يروجون لجمهورهم منافع بول البعير والحجامة بينما يعالجون حين يمرضون فى ألمانيا. .
فماذا حدث فى ال 18 يوما الأولى ؟ ليس غير إسهام قوى طبقية متناقضة المصالح فى الإطاحة بمبارك ، ثم سلمية هذه القوى فى مواجهة السلطة من الناحية الأساسية على الأقل فى بعض الميادين الكبرى الرئيسية ، رغم عنفها ونهجها القمعى ، وأخيرا تنظيف الشوارع وإعادة تشجيرها بعد تنحى مبارك – وهى الأمور التى رأت البورجوازية المصرية والعالمية أنها أبهرت العالم . فكيف كان الحال من الناحية الفعلية آنذاك :
" أرادت الإمبريالية الأمريكية, والغربية , إنتقالا سلميا للسلطة يستبعد رأس النظام , إن لم يكن هناك مناص , ويحتفظ بنفس النظام حماية لمصالحها , ومصالح اسرائيل , وأرادت الرجعية العربية الإحتفاظ برأس النظام وكامل كيانه, فلم تكن قد أفاقت بعد من أثر الثورة التونسية , وبالطبع خشت من تداعيات كل ذلك على أوضاعها . وتخلصت البورجوازية البيروقراطية العسكرية من مشروع التوريث الذى إرتبط براسمالية المحاسيب , وكان يهدد سلطتها , و مكاسبها , وإمتيازاتها وهيمنتها على مايقرب من 25—40 من الاقتصاد المصرى , وكانت قد دخلت فى معركة إجهاض لطلائع الثورة على مراحل منذ 9 مارس مرورا بكل المحطات الكبرى فى التصفية العنيفة , ماسبيرو , محمد محمود , مجلس الوزراء , مجزرة بورسعيد , وتخلصت قطاعات أخرى من البورجوازية الليبرالية , والدينية , المقموعة سياسيا , من إحتكار فئة طبقية للسلطة السياسية , داخل الرأسمالية المصرية ذاتها, ونالت حريتها السياسية , وسعت لتقنين شرعيتها الخاصة, قابلة بالفتات الذى ألقاه المجلس العسكرى لها , من رفع الحظر الفعلى عنها , قابلة بإقتسام الغنيمة , وتوطيد السلطة التنفيذية , وجهازها البيروقراطى , وتعزيز أجهزة القمع , وإجراء تعديلات دستورية , وتشكيل برلمان لاصلاحيات له , الى " انتخاب " رئيس مقبل لابد ان يؤمن امتيازات العسكر , ويخضع لهم بوصفه أداة من أدواتهم , وأطلق الإحتياطى الرجعى السلفى , والجهادى, والجماعاتى المعبر عن قطاعات من البورجوازية الريفية , واشباه بروليتاريا المدن القاطنين فى عشوائيتها , والمرتبطة اجمالا بمشروع , وتمويل الرجعية العربية .
كان مطلوبا اقناع الشعب أن الإمتيازات التى حققها هؤلاء هى إمتيازات له , وأن الأوان قد حان لعودته للبيوت , وأنه قد ترك السلطة فى ايدى أتقياء يمثلونه, ويعبرون عنه , ولم يكن كل ماتحقق فعلا , إلا توسيعا نسبيا لدائرة المتمتعين بالإمتيازات السياسية والإقتصادية والإجتماعية داخل الطبقة المالكة ذاتها, وركائزها فى الأجنحة الرجعية للبورجوازية الصغيرة بعد أن وضعت الثورة رؤوس رأسمالية المحاسيب , ورموزها السياسية فى السجون .
لقد تطلب خلع مبارك إتحاد الأغلبية الساحقة من الشعب لانجاز ذلك . ولكن هذه الأغلبية لم تتألف من طبقة إجتماعية واحدة , وإن جمعها ذلك الشعار العام : " الشعب يريد إسقاط النظام " , " عيش حرية كرامة إنسانية عدالة إجتماعية ", وكان لكل طبقة أو فئة طبقية , أن تفهم من ذلك الشعار مايستجيب لمصالحها الطبقية هى لا لغيرها . وإذا دققنا وحللنا مصالح الطبقات تحليلا دقيقا لوجدناها متناقضة , بين العمال والرأسماليين , والبورجوازية الصغيرة مثلا ... وأن المضمون الطبقى للشعار يتوقف على موقف حامله وموقعه الطبقى الاجتماعى . لذا كانت النداءات الى ضرورة التوحد مرة اخرى بين ذات القوى التى انجزت مهمة الإطاحة بمبارك فى مراحل لاحقة , إما واهمة أو مضللة لأن هناك صراعا – تلى ذلك – بين هذه القوى الإجتماعية التى وحدها هدف مشترك فى لحظة تاريخية معينة . وليست هذه السمة خاصة بالثورة المصرية , فالنسب بين الطبقات تتباين وتتغير مع تقدم الثورة, حيث تخرج قوى حققت أهدافها عند مرحلة ما , وتدخل أخرى لم تكن قد طرحت أهدافها , او لم تستكملها بعد , غير أن ماينتج عن ذلك هو وعى أكثر بالمصالح الطبقية , وبالتالى بلورة للقوى السياسية وتجلياتها الحزبية , وطابعا أدق لسماتها , والإستعاضة عن الشعارات العامة المجردة المبهمة , والغامضة بمطالب ملموسة , ومحددة بدقة لمختلف الطبقات . من هنا تتكشف تلك الهوة العميقة التى تفصل بين مصالح مختلف الطبقات الإجتماعية التى تطالب باجراءات إقتصادية , وسياسية , مختلفة بإسم الشعار الواحد ذاته . والواقع أنه فى مسار التطور الثورى يتبين أن طبقة أوفئة " ثورية " لاتستطيع أن تمضى أبعد بقدر ما تمضى طبقة أوفئة أخرى, وأن مصادمات ضارية تتطور على أرض تحقيق هذا الشعار المشترك بينها جميعا " ( 27 )
ورغم أنه مدرك لحالة الإكتئاب الناجم عن اليأس والإحباط ، وكون سببه الرئيسي تدهور الأوضاع الإقتصادية ، والإجتماعية ، وسوء أوضاع المعيشة ، ورغم الصبر الأيوبى للشعب المصرى ، وكثرة من يعيشون على حد الكفاف ، وتحت خط الفقر ، وتدهور أوضاع الطبقة الوسطى ، وأساسا الطبقة العاملة ، فهو لايشير إلى مسؤولية النظام الحالى وسياسة الإفقار التى ينتهجها عن ذلك بحيث يتحول الأخير إلى المسكوت عنه فى حواراته وأطروحاته ، ويدين شخصية المصرى الذى يسعى من وجهة نظره إلى الإشباع " الإشباع الفورى السريع " !!!
تهكم الكاتب المعروف عمرو حسنى فى مقال له على تلك الحملة الأخلاقية التى دشنها ودعا إليها الرئيس :
" عزيزى المواطن الغلبان ، أخلاقك الزفت تجعلك تستحق ظروفك الهباب ! هذه هى الرسالة التى توجهها لك " حملة أخلاقنا " التى تقول دون مواربة : دعنا نحاول الارتقاء بأخلاقك وعندما تفشل المهمة ستكون أنت السبب فى كل ماجرى ، وكل ماسيجرى لك ، لأن انهيارك الأخلاقى هو الذى يجلب لك الشقاء! أما عن أخلاق النظام الحاكم ورجاله فهى رفيعة بلا شك ولاتحتاج مطلقا إلى محاولة الارتقاء بها ! " ( 28 )
5 - ماذا فى جعبة الشرطى السيكولوجى أيضا ؟
عقب المؤتمر الإقتصادى الذى عقد فى شرم الشيخ فى مارس 2015 وتصريح السيسي بأنه من الممكن أن يجوع الشعب المصرى من أجل تحقيق النهضة ، إنبري د . عكاشة فى ذيله ليؤكد مامعناه أن الشعب قد ربط الأحزمة على البطون فى عهد عبد الناصر وإحتمل أوضاعا إقتصادية قاسية بعد هزيمة 1967 من أجل خوض الحرب ضد إسرائيل ، ومن الممكن مطالبته بأن يضحى مثلما ضحى قبلا . والحال أن الظرفين التاريخيين مختلفان كليا فمشروع التحرير رغم حدوده النسبية ، غير تطبيق تعليمات صندوق النقد الدولى ، وسياسات الليبرالية المتوحشة ، وعبد الناصر كان قائد البورجوازية فى فترة صعودها وتناقضها مع الإستعمار ، أما السيسى فهو قائدها فى فترة هبوطها وتبعيتها للإمبريالية الأمريكية ، والسلام الدافئ مع إسرائيل ، والإصطفاف مع الرجعية العربية . ويدرك د . عكاشة أن من يعتقد أن هناك تشابه بين الرئيسين يتوهم " سراب كبير " .
لم يكتف د . عكاشة بتعزير موقف السيسى حول " التجويع " بل طالب بإعلان حالة الطوارئ معللا مطلبه بأن " الشعب المصرى عاش مدللا ومرفها منذ الأزل " وإلى أننا نواجه نوعا من الإنفلات الأخلاقى ، وأن الشعب المصرى شعب " مدلع " وكل رغباته مجابه ، مضيفا ( مش عايزين يشتغلوا وطول الوقت فى إعتصامات .. يعمل إيه الرئيس السيسى ؟ ) وكان قبل ذلك بثلاث أعوام قد تحدث عن تناقض بين الديموقراطية والفقر والأمية ( 29 ) .
وقد علق الأستاذ فهمى هويدى على ماقاله د . عكاشة : " المعلومة التى ذكرها الدكتور عكاشة تتناقض مع نتائج دراسة ذات صلة أعدها البنك السويسرى يو.بى.اس، ونقلتها قناة سى.إن.إن الاقتصادية العربية. إذ بينت أن العامل المصرى يعمل عددا من الساعات سنويا أكثر من نظيره فى أى بلد من العالم. وبعد دراسة لظروف العمل فى ٧٣ مدينة فى أنحاء العالم تبين أن متوسط عدد ساعات العمل للعامل فى المدن الآسيوية ٢١١٩ ساعة سنويا. أما المتوسط فى الشرق الأوسط فهو فى حدود ٢٠٦٣ ساعة سنويا. وهو فى كوريا الجنوبية ٢٣١٢ ساعة أما فى مصر (فى القاهرة مثلا) فهو ٢٣٧٣ ساعة، وهو الرقم الأكبر بين الـ٧٣ مدينة (متوسط ساعات العمل للإنسان العادى هو ١٩٠٢ ساعة سنويا ــ المتوسط فى باريس ١٥٩٤ ساعة وفى ليون بفرنسا ١٥٨٢ ) " 30 )
حاصل الأمر أن لاشئ للشعب غير الإفقار والقمع ، فلا الحد الأدنى من الإحتياجات المعيشية الإنسانية يتحقق ، ولا الحريات والحقوق الديموقراطية .
وتصدى د . عكاشة " للمغرضين" ممن لاحظوا أن إقبال الناخبين على التصويت لمرشحى البرلمان فى إنتخابات عام 1915 كان ضعيفا ، وحاول تبرير ذلك بأسباب كثيرة منها خمول الشباب ، وكبتهم الجنسي ، وتقاعس الإعلام ، وكون كثير من المرشحين وجوها جديدة ، وتجاهل أن موقف الشباب هو موقف مقاطعة سلبية لمهرجان إنتخابى سلطوى لنظام لم يحقق لهم شيئا سوى قمع ثورتهم التى قدموا فيها مئات الشهداء .
كما يرى أننا نعيش فى " هامش حرية جيد" فالحرية من أسباب "الشعور بالإنتماء " وأننا قادرون على "إنتقاد الأوضاع بما فيها الرئيس " .
يقول د . عكاشة متهدجا :
" بكل أمانة وصدق أرى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يقبل الإنتقاد ويستمع جيدا لآرائنا المخالفة له " و " سمات السيسي الشخصية بعيدة عن أن يكون فرعونا " . ( السيسي غير مؤهل ليكون فرعون – حوار طارق صلاح – جريدة المصرى اليوم – 27 – 10 – 2015 )
ألا تكذب الوقائع كل مايقول ؟ من المؤكد أن الرئيس السيسي يقبل الإنتقاد من نمط " إيه الحنية دى ياريس ؟" ،" أنت عمال تطبطب وبتدلع – طب لإمتى كده ؟ " ، " الشعب مايستاهلكش ياريس " !
واقع الحال أن المستشارين لايؤخذ برأيهم فهناك د . محمد نور فرحات ، والأستاذ عبد الله السناوى ( زرقاء يمامة النظام ) وغيرهما تحدثوا ، ويتحدثون ، إنتقدوا ، وينتقدون ولم يعرهم أحد إالتفاتا . رغم أنهما إصلاحيان يهدفان لتغيير النظام من داخله ، وليسا ثوريين يرغبان فى الإطاحة به .
أما "الفرعنة " التى ينفيها عنه ، ولايراها، يرد عليها الشعب المصرى بأمثاله ( العمى يابدر ) حيث وسع ومايزال الرئيس يوسع سلطاته " متبولا " على كل نصوص الدستور الكريمة الذى يتهم الثوريين بتعطيله .
فالرئيس يعتبر نفسه مسؤولا " أمام الله " لاأمام الشعب ، فهو" طبيب الفلاسفة " ( أى فلاسفة ؟ لانعلم ) متوهما أنه أوتى الحكمة وفصل الخطاب . لذلك لايسأل عما يفعل فيتنازل عن تراب الوطن بقرار شخصى دون الرجوع إلى أحد ويتجاسر بالقول " مش عايز حد يتكلم فى الموضوع ده " كما لو كان قد تنازل عن" ربع " أبيه فى الجمالية ، وليس عن جزء من أرض الوطن . ويعقد مع الرئيس الأمريكى الجديد " صفقة القرن " دون أن يدرى أحد ماهى طبيعة هذه الصفقة ؟ ! . ويجمع فى بدايات رئاسته من الشعب ستين مليارا من الجنيهات ليحفر تفريعة غيرذات جدوى إقتصاديا فى الوقت الراهن ، وينجزها بأسرع الطرق أى أشدها كلفة ، وحين يخفق يدعى أنه كان يهدف من المشروع إلى "رفع معنويات الشعب " ! دون أن ينصت لآراء المستشارين ، ودون أن يراجع الشعب . ويبتلع تدريجيا كل السلطات : فجهازى القمع الرئيسيين – الجيش والشرطة - باتا تحت جناحه بالإمتيازات المادية الممنوحة لهما خلال فترة رئاسته ، وتطهيراته الأمنية المتواترة لهما ، والبرلمان الذى يفترض أنه سلطة تشريعية رقابية تمثيلية بات خاويا من مضمونه وذيلا محضا للسلطة التنفيذية - كان الرئيس يحلم بقائمة مرشحين واحدة ؟ ! - ، بتركيبته التى صنعتها الأجهزة السيادية ، ولم يعد حتى منبرا يمكن للثوريين أن يخاطبوا الكادحين خارجه داعين ومحرضين ومنظمين . والإعلام طوى من الناحية الأساسية ، وجرى تطهيره من أى عناصر مستقلة نسبيا بدءا من باسم يوسف حتى ليليان داوود ، ووضع مؤخرا على رأس الإعلام فلولى عتيق هو مكرم محمد أحمد ، ولطالما حلم الرئيس بإعلام يماثل الإعلام الموحد فى عهد عبد الناصر ! ، أما القضاء فبصدور القانون الإخير للهيئات القضائية ( فى 27 أبريل الحالى ) فقد بات تحت سيطرة الاجهزة السيادية ، وسبق ذلك إخضاع الهيئات الرقابية والمحاسبية للجهات التى تراقبها (31 ) وحوصرت الأحزاب السياسية فى مقارها ، وكبلت بقوانين تستهدف تصفية مظاهر الحياة السياسية والحريات الديموقراطية رغم لافتاتها الظاهرية بأنها موجهة ضد الإرهاب بدءا من قانون التظاهر ، والإرهاب ، والكيانات الإرهابية ، والجرائم الإلكترونية ، الى قانون الطوارئ ، وأغلقت منظمات المجتمع المدنى التى لعبت دورا مزدوجا فى مجتمعنا ( 32 ) . وبات غالبية نشطاء الثورة فى المعتقلات والسجون بأحكام طويلة الأمد ، أو بحبس إحتياطى لانهاية له ، معرضين للقتل والتعذيب حيث باتت " التصفية " سياسة شرعية لقوات " إنفاذ القانون " .
يريد السيسي شعبا خنوعا صامتا لاينصت إلا لكلمته ولايسمع إلا رأية ، ولايتحرك إلا بإذنه ، فالمؤامرات تحيطنا من كل جانب ، من خلال خرافة حروب الجيل الرابع ، بقيادة المجلس الأعلى للعالم ( ماتسمعوش غير كلامى أنا بس – هذا مايقوله للشعب ) . وكل هذا والسيسي بعيد " عن أن يكون فرعونا " !!! ؟؟؟ ( كان ماركس يعتبرالخنوع هو أحقر رذيلة . )
ولكن كيف يمكن لنا أن نفهم سيكولوجية طبيب الفلاسفة " ما هي الصفات التي يكتسبها القائد السياسي حينما يصاب بالغطرسة ؟ اقترح اللورد أوين بالاشتراك مع جوناثان ديفيدسون تلك الصفات المحددة لمتلازمة الغطرسة : رؤية العالم كمكان لتمجيد الذات من خلال استعمال السلطة والنزوع إلى القيام بأفعال تهدف أساسًا إلى تحسين صورتهم ، والاهتمام المفرط بتلك الصورة، وظهور حماس تبشيري في الخطب، والمطابقة بين الذات والشعب أو المؤسسة، والثقة المفرطة في الذات، والاعتقاد بأن المحاسبة التي يخضعون لها لا تكون إلا لقوة أعلى كمحكمة التاريخ أو الإله، والاعتقاد الراسخ أن تلك المحكمة ستنصفهم، وفقد الاتصال بالواقع واللجوء إلى أفعال لحظية دون دراسة للعواقب تحت شعارات أخلاقية، وعدم الكفاءة في إدراك تفاصيل صناعة السياسات. ......... ثم أضيفت صفتان أخريان هما عدم القدرة على التعاطف مع الآخرين وإطلاق العنان للحدس أو الإلهام . " ( 33 )
د. عكاشة لايثق فقط فى " قدرة السيسي على تحقيق أحلام الشعب " وإنما يرى أيضا أنه " نجح فى تحطيم النظريات الإمبريالية الأمريكية والأوروبية الهادفة لتفكيك الدول العربية وإلغاء الحدود بينها " ولا أدرى لم نسي أننا أسرنا – فى خيالنا – قائد الأسطول السادس الأمريكى ؟ !
أما الإحباط والإكتئاب النفسي العام فيرجعه إلى عدم تحقق ماتطلع الشعب إليه بثورته فى يناير . كما لايتوقع إندلاع ثورة أخرى ، وفى كل الأحوال وبسبب إنتشار الفقر والأمية فشعبنا من وجهة نظره غير مؤهل للديموقراطية ، ويستشهد بفيكتور هيجو الذى قال : " إذا أعطيت الحرية والديموقراطية للجاهل كأنك أعطيت سلاحا لمجنون " ، فضلا عن أن الرئيس السادات أخطأ من وجهة نظره بإعلانه أن الإعلام سلطة رابعة . وهكذا نرى أن طبيبنا النفسي يحتذى خطى الرئيس وأجهزته السيادية فى سياستهما ، ويترجم مايقال بلغته معتبرا مقولاته مقولات عبقرية تتسم بالحكمة والألمعية ، ويحاول أن يوهمنا بأن لغته هى لغة علمية محايدة . ( الدكتور أحمد عكاشة فى ندوة ، اليوم السابع ، 23 ، أبريل ، 2016 )
ويتجاهل القمع العسكرى البوليسى ، وإخماد أنفاس المعارضين بمتابعتهم ، ووضعهم تحت أشكال شتى من المراقبة البوليسية ، فحين تعرض عليه حالة مواطن يعتقد أن رجال الأمن الوطنى يراقبونه ، والمحيطين به مخبرون سريون لصالح الجهاز ، ودون أن يفحص الرجل ويعاينه ( رفض أن يدلى برأى فيماإذا كان الرئيسان مبارك ومرسي مرضى نفسيين لأنه لم يفحصهما ) إعتبرمن عرضت عليه حالته مريضا وقد أفتى فورا بأن : " هذه الحالة تسمى الضلالات الإضطهادية ، وقد تكون انوية لعدة أمراض منها الأعراض الإكتئابية والهوسية وجنون العظمة والفصامية ... وأهم أعراض الضلالات الإضطهادية هو أن المريض يشعر بأن أجهزة أمن الدولة أو الأمن الوطنى ... والمخابرات جميعها تراقبه " ورأى ضرورة إيداعه الفورى مستشفى الأمراض العقلية ( دكتور أحمد عكاشة يرد على قراء اليوم السابع ، اليوم السابع ، 13 ، أبريل ، 2016 . )
تبرر الأخلاق البورجوازية فى الواقع ماتعانى منه أغلبية الناس من استغلال وتفاوت واضطهاد وعدم التساوى فى الحقوق . ويقترن الصراع السياسي بتصادم مبادئ أخلاقية طبقية متناقضة بين الثورة والثورة المضادة .
أما د . يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي المعروف ، فقد كان رافضا لحكم الإخوان ومحرضا ضده ولننصت إليه حين يقول :
" الثورات علامات فارقة خطيرةعلى طريق مسيرة أى أمة ، لاتوجد ثورة بيضاء بالمعنى الشائع ، أغلب الثورات البيضاء تقريبا هى مسخ للثورات الحقيقية ، وأنا هنا لا أدعولثورة حمراء ، لكننى أحاول أن أفيق من لايريد أن يدفع الثمن ليجتاز بثورتنا بحور مقاومتها ، ومحاولات محو آثارها أو يعكس اتجاه مسارها ، الثورة ليست مجرد مليونيات وشعارات ، الثورة إبداع جماعى ، وأى إبداع لايكتمل ويجهض ينتج عنه مسخ غير كامل النمو ، كلنا مسؤولون عن هذا الإحباط الذى نحن فيه الآن ، وحكم الإخوان عرى خيبتنا بشكل لايمكن السكوت عليه حين أقدم على الجهر بالسوء ، وحين راح يغطى فشله بالوعود بغير أساس ، وبالتقية ، أن يظهر غير مايخفى ، وبضرب المؤسسات الأساسية ، مثل القضاء والداخلية ، ولامانع من محاولة ذلك مع الجيش ... " ( الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسي يحلل شخصية الرئيس والثورة ، حوار رضوى الشاذلى ، اليوم السابع ، 2 يوليو ، 2013 ) .
ثم إستنوق الجمل فى ظل نظام السيسي حيث أفتى بأن هناك خللا أخلاقيا لدى المصريين وطالب بتجييش البلاد حتى يراعى الشعب قواعد الضبط والإلتزام ، وإقترح إدخال الأطفال من سن 3 سنوات الجيش – جيشى وان وجيشى تو – حتى يتعلموا الإنضباط وقواعد القراءة والكتابة . ( بوابة القاهرة ، صايل الخطيب ، 23 ، سبتمبر 2015 )
أى عسكرة المجتمع والهيمنة عليه والتشويش على الواقع المعاش بتوظيف التعابير المزدوجة على طريقة أورويل فى 1984 :
"
" أن تعرف وأن لاتعرف , أن تعى الحقيقة كاملة , ومع ذلك لاتفتأ تقص الأكاذيب محكمة البناء , أن تؤمن برأيين فى آ ن وأنت تعرف أنهما لايجتمعان ومع ذلك تصدق بهما , أن تجهض المنطق بالمنطق , أن ترفض الإلتزام بالأخلاق فيما انت واحد من الداعين اليها , أن تعتقد أن الديموقراطية ضرب من المستحيل , وأن الحزب وصى عليها . أن تنسى كل مايتعين عليك نسيانه , ثم تستحضره فى الذاكرة حينما تمس الحاجة إليه , ثم تنساه مرة ثانية فورا , وفوق كل ذلك أن تطبق الأسلوب نفسه على الحالتين . ذلك هو الدهاء الكامل , أن تفقد الوعى عن عمد ووعى , ثم تصبح ثانية غير واع بعملية التنويم الذاتى التى مارستها على نفسك . بل حتى إن فهم عبارة التفكير الازدواجى تستدعى منك اللجوء الى التفكير الازدواجى "
6 - علم الثورة اللينينى وعلم النفس الإجتماعى
يعد التأسيس لعلم النفس السياسى من الضرورات العلمية والثورية نظرا لأهمية هذا الحقل المعرفى فى تفسير الظواهر السياسية المركبة والمعقدة سيما تلك المرتبطة بتشريح بنى الاستبداد السياسي والإقتصادى والإجتماعى والدينى وكيفية ممارسة الايديولوجيا البورجوازية فى مجال نوعى ، وفهم سيكولوجيا الجماهير الكادحة لتهيئتها للإطاحة به . وتحفل المؤلفات اللينينية بدراسة ديناميكية الأمزجة الإجتماعية والبحث عن الجذور السيكولوجية للظواهر ، وتناول الوقائع بكل ماتحويه من مدلول اجتماعى – سيكولوجى . وقد نوه لينين فى مؤلفاته الى ولادة المشاعر، والأمزجة ، والغرائز ، أى الحالات النفسية لمختلف الطبقات والجماهير الناجمة عن حالتها الإقتصادية ومصالحها الإقتصادية الجذرية . وهذا أول وأعمق مصدر للظواهر الاجتماعية – السيكولوجية . ولم يكن لينين يتفادى كلمات مثل " الغريزة الطبقية " ، و " غريزة الطبقة الثورية " و " الغريزة الثورية " و " مزاج الجماهير" . وكان عميق الاهتمام بعمل الفكر والتكوين السيكولوجى ، بالأفكار والأمزجة فى وقت واحد . كما كانت مراعاة التطور السيكولوجى ، واثارة التطور السيكولوجى لدى الكادحين من اولى مهام الثوريين . وخاصة تجميع الأمزجة الثورية وتركيزها فى تيار واحد ، والتغلب على الامزجة المعرقلة للثورة من أجل الإطاحة بالنظام الرأسمالى . كما أن مفهوم " الأزمة الثورية " أو الوضع الثورى " يشكل أهمية كبيرة فى ميدان السيكولوجيا الاجتماعية . ولذا أولاه لينين اهتماما شديدا لتعلقه بسيكولوجيا ومزاج وفعالية الجماهير . وخاصة أنه يسم انتقالها من الحالة السلبية للغضب الى الحالة الإيجابية للاستياء والانتفاضة . فهدف السيكولوجية الثورية هو الإطاحة بالسلطة التى إستنفدت دورها التاريخى وباتت عائقا امام كل تقدم . ( 33 ) واجمالا ففى " علم النفس الماركسي يتم حل كثير من المشاكل التى تشكل مادة علم النفس السياسى مثل التربية السياسية ، والوعى الاجتماعى ، وسيكولوجية التأثير النفسي ، والنشاط السياسي الجماهيرى ، فى |إطار علم نفس النمو وعلم الاجتماع ونظرية الاشتراكية العلمية والفلسفة " ( 34 )
أما من ناحية الأخلاق التى يوليها د . عكاشة والرخاوى إهتمامهما فلا يمكن فهمها خارج إطارالصراع الطبقى بين الثورة والثورة المضادة . ولطالما حاولت النظريات البورجوازية المعاصرة " أن تصور حركات الكادحين الثورية بوصفها مصدر الفوضى الأخلاقية ، وإعتبارها سبب الهبوط الأخلاقى والتقهقر ... . كما تصور الأهداف ، والمثل العليا ، والمعايير والتقييمات الأخلاقية الجديدة ، الأمزجة والمشاعر التى يحملها الكادحون إلى العملية التاريخية فى سياق الثورة بصورة تجل " لطبيعة " الإنسان الشريرة ، المنتقمة ، بصورة جماعية ... وهم يعارضون الغليان العاصف للابداع الأخلاقى للشعب الثائر ، بالنظام الأخلاقى المستقر للطبقة الحاكمة ، ... إن البروليتاريا الثورية ... تتميز بصفات اخلاقية رفيعة ، منها " الجرأة ، ووعى الكرامة الشخصية ، ، والشعور بالإعتزاز والإستقلال" ، والمبادرة ، والإقدام ، والصلابة ، والعزيمة ... " وهذه الصفات تكتسب فى خضم النضال الطبقى الفعلى . الثورة عيد المضطهدين والمستثمرين ولهذا العيد مغزى أخلاقى عميق لأنه يرمز إلى نهضة الشعب الروحية وتحرره من حالة الاضطهاد المذلة الى رحاب الابداع التاريخى الحر – على حد تعبير لينين . أما العداء للثورة فيرتبط عادة بمعاداة الديموقراطية ، ومناهضة مبادرة الجماهير ونشاطها ، وروعة الحرية ، ومثل العدالة ( 35 ) .
فلنضع أفكار دعاة التكيف ومروجى التبرير فى المكان الفعلى الذى تستحقه . ولنبتدع لغة للثورة نقلب فيها كل الكلمات حيث يطاح بكل دلالات الخنوع والاستسلام فهى بداية طريق التجاوز الراديكالى .
هوامش
1 – أفول الأصنام ، فردريك نيتشه ، ص 18 ، ترجمة حسان بورقية ، محمد الناجى ، أفريقيا الشرق ، ط . أ ، 1996 .
2 – معجم علم النفس المعاصر ، أ . بتروفسكى ، م . ج . ياروشفسكى ، ص 226 محرر الطبعة العربية سعد الفيشاوى ، دار العالم الجديد ، ط. أ 1996 . ولتعريف مماثل بعلم النفس السياسى ، انظر ايضا ، معجم العلوم الاجتماعية ، ناتاليا يفريموفا ، توفيق سلوم ، دار التقدم ، موسكو ، ط . أ بيروت 1992 .
3 – نقل الكتاب المذكور الى العربية بعنوان : علم النفس السياسي ، دايفد باتريك هوتون ، ترجمة ياسمين حداد ، المركز العربى للأبحاث ودراسة السياسات ، الدوحة ، ط . أ ، 2015 .
4 – علم النفس السياسى بين الموقفية والنزوعية ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 21 مايو ، 2016 .
5 – سيكولوجية الجماهير ، غوستاف لوبون ، ترجمة هاشم صالح ، دار الساقى ، بيروت ، 2011 .
6 – روح الثورات والثورة الفرنسية ، ص 108 غوستاف لوبون ، نقله الى العربية عادل زعيتر ، الطبعة الثالثة ، المطبعة العصرية ، 1957 .
7 – علم النفس السياسى بين الموقفية والنزوعية ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 21 مايو ، 2016 .
.
8 – كتابات فى علم النفس السياسى ، أ . د . قدرى حفنى ، ص ص 2 – 16 ، معهد البحوث والدراسات العربية – قسم الدراسات التربوية ، 2007 ، القاهرة .
9 - علم النفس السياسي فى العالم العربى : قراءة فى افكار على زيعور ، ريتا فرج ، مجلة الأوان الالكترونية ، 10 ابريل ، 2017 ( المعلومات الواردة فى المقال عن مصطفى صفوان مأخوذة من هذا المصدر ) .
10 - طرائق الانتلجنسيا البورجوازية فى النضال ضد العمال ، ف إ . لينين ، الأعمال الكاملة ، المجلد 20 , ص ص 455 – 486 ، دار التقدم موسكو ، 1972 . ( الأرشيف الماركسي على الإنترنت ) .
11 – الايديولوجيا – نحو نظرة تكاملية ، د . محمد سبيلا ، ص ص 57 – 58 . المركز الثقافى العربى ، بيروت ، ط . أ . سبتمبر ، 1992 .
13 – نفس المصدر السابق ، ص 59 .
14 – دراسات لاانسانوية ، لويس ألتوسير وجورج كانغليم ، ص 83 – 84 ترجمة وتقديم د . سهيل القش ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، ط . أ ، 1981 .
15 – الروح الحزبية فى العلوم والفلسفة ، تأليف ب . تشاجين ، روجيه جارودى ، ص 58 ، ترجمة لجنة من الاساتذة ، المكتب الشرقى للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ، ط . أ . 1959 .
16 –أثر الأمراض النفسية على الإنسان العربى ، برنامج بلاحدود ، يقدمه أحمد منصور، قناة الجزيرة ، آخر عام 2004 .
17 - http://www.svu.edu.eg/arabic/links/camps/qena/art/news/news44.html .
18 – جريدة المصرى اليوم ، حوار إبراهيم الطيب ، ص 9 ، 1 – 7 – 2013 .
19 – جريدة الصباح ، حوار خاص مع د . أحمد عكاشة مستشار الرئيس ... ، 20 ، ديسمبر ، 2014 .
20 – د . أحمد عكاشة : الإنفلات الأخلاقى كارثة يجب مواجهتها ،أجرى الحوار رياض توفيق ، جريدة الأهرام ، 1 نوفمبر 2014 .
21 – السياسة وسلطة اللغة ، د . عبد السلام المسدى ، ص 137 ، الدار المصرية اللبنانية ، ط . أ ، 2007 .
22 - د . أحمد عكاشة : الإنفلات الأخلاقى كارثة يجب مواجهتها ،أجرى الحوار رياض توفيق ، جريدة الأهرام ، 1 نوفمبر 2014 .
23 – نفس المصدر .
24 - السياسة وسلطة اللغة ، د . عبد السلام المسدى ، مواضع متفرقة ص ص 166 - 170 ، الدار المصرية اللبنانية ، ط . أ ، 2007 .
25 - سعيد العليمى - دون كيشوتيوا الثورة والعاصفة الثورية المقبلة
26 – أخلاق فتوات حارتنا ، عمرو حسنى ، جريدة التحريرالإلكترونية ، 12 – 2 – 2016 . مقال نقدى ساخر يكشف مواقف الداعين للحملة وتسترهم على إنعدام الأخلاق الفعلى لدى الطبقة السائدة وممثليها . وللمزيد ، أنظر ، مشتل المعلم أرسطو للأخلاق! ، لنفس الكاتب ، جريدة التحرير الإلكترونية ، 16 – 2 – 2016 .
27 – تصريح صادم للمستشار الطبى للسيسي يطالب بتجويع الشعب ، موقع قناة الجزيرة على الإنترنت ، 22 – 3 – 2015 . ، الشعب مدلع ومش عايز يشتغل .. والسيسى يعمل إيه ؟ جريدة الشروق ، 12 مارس، 1915 .
28 – السلطة الحالية فاشلة والشعب غير مدلل ، جريدة الشعب الإلكترونية ، بدون تاريخ .
29 – عن دور هشام جنينة : لن يقضى على الفساد الا بالقضاء على الراسمالية - الرجل جزء من / ونتاج للنظام ولم يعترض على سياساته الكبرى الاساسية - فى امريكا يلعب امثاله دور صمام امان للنظام - كما انه يقوم بتفريغ السخط ضد النظام بترويج وهم انه يمكن ان يصلح ذاته من داخله - مع ذلك ينبغى الاستفادة من كل التناقضات التى تظهر وسط رجال السلطة واجهزتها . كان هذا هو الدور الذى يلعبه رالف نادر فى امريكا - فقع " دمامل " النظام وكان مرحبا به وبدوره - الفرق هو فى راسمالية غاية فى التخلف وراسمالية انضج ذات خبرة ذات وضع مختلف كيفيا .
30 - للأسف يجرى تناول مسألة الموقف من المنظمات الحقوقية من البعض بشكل غير تاريخى وبدون تمييز بين قبل وبعد 25 يناير ، رغم أن هناك سياقا ودورا واثرا مختلفا لبعض م م م فى دعم النضال الديموقراطى ، ومساندته ، وتعزيزه بأشكال مختلفة - يتبنى البعض رؤية أحادية الجانب للظاهرة بحصرها فى مسألة " التمويل " مجردا بعيدا عن أى تناول عينى ملموس ، وإغفال طبيعتها وآثارها المتناقضة - والتجاهل الكلى وعدم الإلتفات إلى أن الدولة تعادى هذه المنظمات بسبب موقفها من قضايا الحريات الديموقراطية أساسا لا بسبب التمويل المصرح به وفق القانون والخاضع لرقابة الدولة ، وإغفال أن هناك مسافة تفصل بين الممول وتوجهاته ، وماتمارسه فعلا وعملا بعض هذه المنظمات ، أى بين مايتوخاه هو وماتحققه المنظمة المعنية - لذا لاينبغى تناول قضية التمويل مجردا فى كل الأحوال والوقوف فى خندق واحد دون تمييز مع النظام وإنما بحث الأثر الكلى الفعلى لها فى الواقع ، وعدم وضع جميع المنظمات فى سلة واحدة - رغم أننى مبدئيا أرى ضرورة الإعتماد على تمويل الداخل بصفة أساسية والدعم الشعبى والإنتباه لضرورة إلحاق حركة -بعض -هذه المنظمات بمتطلبات الحركة الثورية لا العكس . أكرر اننى اتحدث عن بعض هذه المنظمات وليس كلها فهى تتمايز ، ومن الضرورى ادراك هذا التمايز ، فلايدخل فى إطار ماأقول تلك التى تتلقى تمويلا مباشرا من السفارة الأمريكية ، أو المخابرات المركزية الأمريكية وما ماثلها . ولابد لعلاقة " اليسار " بها ان تكون علاقة نقدية دائما . فالمهم ان يخدم الصراع الحقوقى مسار ومطالب الحركة الثورية جذريا لاأن تتحول الاخيرة الى متفرج يتابع معارك الصراعات الحقوقية فى مقاعد المشاهدين ، او يكتفى بها فهى حتى ان اثمرت تظل غالبا فى اطار الاصلاحية . بايجاز نحن مع المنظمات بقدر ماتعزز الحركة الثورية وتجذرها وتتحرك فى اطارها - وضدها حين تطرح نفسها بديلا لها وتقوض حركتها وتفسدها .
31 - هناء سليمان - السياسة وآفة الغطرسة
32 - الدكتور أحمد عبدربه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، علق على ما قاله عكاشة ... ، قائلا: «طبعا منطق الدكتور عكاشة لايختلف عن موقف الكثير من النخب المصرية، وهو باختصار منطق انتهازى يسعى لتبرير الآوضاع القائمة من خلال تزييف وعى الناس ومحاولة إقناعهم إنهم جهلة لا تصلح معهم ديموقراطية ولا حرية، وهو منطق تلح عليه الكثير من الوسائل الإعلامية فضلا عن المسئوليين بالإضافة لبعض المنتمين للطبقات الوسطى فما فوقها للدرجة التى تجعل بعض الناس العادية بالفعل تردد هذا الكلام الساقط...... وأضاف عبدربه في منشور على صفحته عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «الحقيقة بسيطة للغاية، منذ آن نشآت الجمهورية فى عام 1953 ورغم ذلك لم ينتهى الجهل ولا الفقر ومصر ليس بها ديموقراطية ولاحرية ! بل العكس هو الصحيح، تغولت المؤسسات الآمنية “التي بيدها السلاح” على الناس، ونتيجة لغياب قواعد المحاسبة والمسائلة تم انتهاك حقوق الشعب ومن ثم تزايدت معدلات العنف السياسى والإرهاب والتطرف، تدهورت مستويات التعليم والصحة والخدمات، ومن ثم دخلنا في حلقة مفرغة بين عنف الدولة وعنف الجماعات المسلحة في بيئة قام بتغذيتها آمثال الدكتور عكاشة على الطرفين (مسلحي الدولة ومسلحي الجماعات الإرهابية!
وتابع: «وقطعا المسكوت عنه، هو آن نفس هذا الشعب الذي يتم نعته دائما بالجهل، هو نفسه الشعب الذي تم وصفه بالعبقرية والحضارة وتعليم العالم كله حينما نزل في ٣٠ يونيو وفي ٢٦ يوليو (التفويض) وهو نفس الشعب الذي صوت للدستور بالموافقة (٩٨٪)، وانتخب السيسي (٩٦٪) !
فهل هذا هو نفس الشعب الذي يتحدث عنه الدكتور عكاشة آم تم تبديله؟!
لا آعلم من يفتقد بالفعل الضمير والآخلاق، الشعب آم النخب المثقفة على من هم من شاكلة الدكتور عكاشة وشركاءه؟».
واستطرد: «غياب الحرية والديموقراطية وما يرتبط بهما من قواعد المحاسبة والمسائلة والشفافية هو من ينشر الجهل والعنف والغضب والسلاح وليس العكس، لكنها انحيازاتكم الانتهازية التى تزيف الحقائق!».
!»
http://klmty.net/532545-عبد_الرحمن_كمال_يكتب___لماذا_يستمع_السيسي_لنصائح_أحمد_عكاشة؟.html
راجع اأيضا مقال : أحمد عكاشة .. خبيرخلط السياسة بالطب النفسي ، جريد إعلام الإلكترونية ، 19 – 3 - 2016 .
33– علم الثورة اللينينى وعلم النفس الاجتماعى ، ب . بورشنيف ، مطبوعات وكالة نوفستى ، 1970 . ومن اجل التوسع فى الموضوع راجع : علم النفس الاجتماعى والتاريخ – ب . بورشنيف ، ترجمة سعد رحمى ، دار الثقافة الجديدة ، القاهرة ، 1986 . وكذلك ، مسائل السيكولوجيا الاجتماعية والدعاية ، جماعة من الاساتذة ، معهد العلوم الاجتماعية ، دار الفارابى ، بيروت ، 1985 .
34– معجم علم النفس المعاصر – مرجع سابق – نفس الصفحة .
35 – علم الأخلاق ، البروفسور الكسندر تيتارنكو ، مواضع متفرقة ص ص 67 – 75 ، ار التقدم ، موسكو ، 1990 .
سعيد العليمى - الطب النفسي والسياسة أداة التلاعب بالعقول
سعيد العليمى - الطب النفسي والسياسة أداة التلاعب بالعقول
www.ahewar.org
