شريف محيي الدين إبراهيم - إسماعيل ياسين

عند التوقف عند نجم بحجم إسماعيل ياسين، لابد أن نستغرق طويلا فى التساؤل. ...
لماذا حقق إسماعيل كل هذه الشهرة؟ !
الأمر الذى مكنه من التمثيل فى أكثر من 600 فيلم وعشرات المسرحيات ومئات المنولوجات الغنائية ....
فى تلك الآونة، وصل إلى أنه أصبح الأعلى أجرا بين جميع الممثلين العرب ، وتهافت عليه المنتجون من كل حدب وصوب، لإدراكهم انه الدجاجة التى صارت تبيض ذهبا. ....
إسماعيل ياسين الشاب ، ترك أباه، وهرب من السويس نازحا إلى القاهرة، فى قناعة غريبة بأنه مطرب عظيم بل وأنه جاء إلى العاصمة لينافس المطرب والموسيقار محمد عبدالوهاب. ...
ولكنه سرعان ما يجد نفسه منولوجست تارة فى كباريه بديعة مصابنى التى أطلقوا عليها ملكة المسارح، وتارة أخرى فى فرقة ببا الرشيقة تلميذتها التى انشقت عنها ثم كونت بعد ذلك فرقة خاصة بها لتصبح أشد المنافسات لمعلمتها.
كثيرا ما كان يصل الأمر بإسماعيل ياسين من شقاء وضيق الحال أن ينام بدون عشاء، وقد كان يضطر فى بعض الأحيان إلى الاستعانة بمن يقومون بتأجير البدل ولوازمها لمدة ليلة هى فى الحقيقة مدة فقرته الغنائية. ...
وتحول الأمر تدريجيا مع دخوله المجال السينمائى ليصعد سلم المجد ويصبح أشهر فنانى الكوميديا فى عصره ربما متفوقا على أساتذته الكبار الريحانى والكسار. ...
والسؤال هو لماذا هذا النجاح الساحق الذى حققه إسماعيل، وهل هو نابغة فى فن التمثيل؟ !

إنها كاريزما خاصة جدا قد منحها الله له فجعل له القبول وحب الناس، بصرف النظر عن أى معايير علمية للتمثيل....
ولعل الفنان الكبير عادل امام أيضا ممن يتمتعون بهذه الكاريزما الكوميدية العبقرية. ..
لا يمكن إغفال ذلك الأثر الإيجابى للكوميديا على الحالة النفسية للمشاهد، خاصة والمواطن العربي مثقل دائما بأعباء وهموم كثيرة،
، لقد استطاع إسماعيل ياسين أن يرسم الابتسامة على وجوه الملايين من البسطاء وكذلك أهل الصفوة...
وكان هو بمثابة المعالج النفسي للكثيرين.
إن مشاهدة فيلم واحد من أفلامه، تعادل عشرات الجلسات لدى كبار الأطباء النفسيين...
فبالضحك والابتسامة يمكن مواجهة الاكتئاب وعدم الاستغراق في هموم ومتاعب الحياة، وقسوتها...
فهي حالة من غسيل النفس، و هدنة قصيرة تمكن صاحبها من إعادة مواجهة الواقع..
في تاريخ فن الكوميديا عشرات الأسماء لنجوم كبار ،
ولكن إسماعيل ياسين يقف وحده في جانب آخر،في منطقة من النجومية وحب الناس، لم يصل إليها ممثل عربي آخر.
ويكفي أن يكون هو الممثل الوحيد الذي قدمت سلسلة أفلام كاملة باسمه
إسماعيل في البوليس، وفي الجيش وفي مستشفى المجانين... وعشرات الأيقونات الكوميدية...
وقد كان له دور كبير في الحياة الاجتماعية والسياسية في تلك الفترة، كما أنه قدم الكثير من المساعدات المادية للعديد من الأسر الفقيرة، حتى أنه خصص جزءا من أجره للفقراء والمعدمين، ملح الأرض الذين ظلوا دائما في عقله وباله، ولم ينس أبدا أنه واحد منهم.

الأمر العجيب، والمحزن في الآن ذاته، أن إسماعيل ياسين مات مفلسا بعدما حجزت الضرائب على كل أرصدته فى البنوك، بل واضطر إلى بيع كل ممتلكاته التى كانت تقدر بما يعادل الملايين فى عصرنا. ...
مات وهو يغنى المنولوجات فى كباريهات مصر والشام متسولا بعض المال كى يكفيه وأسرته ويسد حاجته.
وإن كان قد بدأ فقيرا ، ثم مات وهو مفلسا، إلا أنه في الحقيقة قد مات غنيا بحب الناس،تاركا لنا إرثا عظيما من الأفلام والمسرحيات التى صنعت ولازالت تصنع البهجة والسرور ....رحمة الله عليه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى