السعيد عبدالغني - في نقد المجتمع العربي 1_

المجتمع والسُلطات :
المجتمع دوما يقدس السلطات مهما كان يعاني منها، لأنها تحميه أمام عدمية الحياة ،لأنه يُعطيها معناه الأكبر و يُنشيء معها علاقة غائية. ونجد ذلك في أقل العلاقات التي تكون في المجتمع مع أي سلطة من الأب للأم للآبن للدولة لرئيس العمل للدين فكل شيء ممكن أن يستحيل إلى سلطة مهما كانت درجة ملائكيته المزعومة تاريخيا أو في السائد

قيم المجتمع وقيم الخلق:
قيم المجتمع تختلف عن قيم الشعر والفنون والآداب.. إلخ التي التمرد والخروج عن مألوف المجتمع والفوضى والجنون فيها مميزة. وذلك لأنه يميل إلى الثبات لأن الثبات يحقق للسلطة كما أسلفت بأنواعها القدرة على السيطرة. لكن لم تريد السلطة أو من يريد التسلط ؟ لأنه يريد العودة لأناه البدائية ولأنه يريد تحقيق أناه على آخر حتى يشعر بوجودها فمهازل العالم ومآسيه كانت بسبب نوازع أشخاص فردية وكذلك حضاراته كانت بسبب نشاطات ذهنيه لأشخاص ومحاولة مرضنة الاثنين هو نوع من تحقيق الفوقية للمصنِف والممرضِن لكي يحمي نفسه من وجود هذا النشاط أو النوازع فيه.

فلدي أن ينعتك المجتمع بالجنون أو بالغرابة فهذا دليل على اختلافك وحريتك وإنسانيتك .لأن هناك انزياح كبير عن القيم الجمالية التي تخص الإنسانية والتي تختلف من شخص لآخر لكنها تتحقق أكثر في هؤلاء الخارجين عن المجتمع لأنهم أكثر الأشخاص لديهم حس نقدي وهذا الحس النقدي يقربهم من المعنى الجمالي اليوتوبي أو المقارب له.

المختلف :
الحياة في المجتمع العربي صعبة بالنسبة لأي أحد مختلف والمقصود بالاختلاف هو عدم الإيمان بثوابت المجتمع وعاداته وتقاليده بشكل كامل أو جزئي. والاختلاف ليس أفضلية أو دونية فقط اختلاف.

والاختلاف هذا ينشأ من حسية نقدية أو من اطلاع أو من تأمل في التفاصيل والكليات التي يؤمن بها المجتمع أو من رهافة فلسفية أو من اقتراب من الفنون أو الشعر أو حمل دلالاتهم أو حمل نشاطهم.

المختلف لا يستطيع ممارسة حريته بالكامل ولا يستطيع إن مارس جزء منها أن لا يتم رفضه من الاخر وأن لا يؤوله بالتأويلات البشعة الموجودة في تراث الآخرين من الكفر للالحاد للشذوذ للغرابة للتطرف للانحلال.. و لا يقتضي ذلك كون هذه التصنيفات في حد ذاتها أقل إنسانية بل الأمر له علاقة بتراث هذا المستكرِه وما يقدس من قيم وما يدنس.

المجتمع العربي يخاف من الفن والفلسفة والشعر .. إلخ ذلك لأنهم أدوات تحررية لذلك أي أحد مقترب منهم ،يمسه فيضهم ،يوصف بالشيطنة والأبسلة لأن إبليس في التاريخ الديني هو أكثر الكائنات دنسا.

المجتمع لا يريد خارجين عنه،بل مؤمنين بأصنامه أيا كانت هويتها وعاداته وتقاليده وخوفه و تابوهاته .

والكآبة تلاحق المختلفين الأحرار دوما فهي تمثل جبرية شعورية عليهم بسبب ازدياد الوعي بدلا على ان يكون منتشيا فازدياد الوعي في المجتمع القمعي عار بالنسبة له ومصدر للألم، ولا يمكن أن يقلل المختلف من وعيه بعد أن ازداد، والتكيف يقتضي منه بعض النفاق.

ماذا يفعل المجتمع في المختلف؟

المجتمع أيا كان تراثه ينبذ كل مَن يخرج عليه ويدمره نفسيا بالملاحقات والمضايقات. لا يريده أن يبدع لأن استخدام المخيلة يهدد متن المجتمع المعرفي و الإيماني. فكيف يكون الإنسان الحر المختلف متزنا في هكذا بيئة بالإضافة إلى الالام الشخصية وآلام الفكر؟

بعض الأشخاص المختلفة لا تستطيع تفكيك مشاعرها في علاقاتها مع الآخر وذلك لا يُلام أبدا وبعض الأشخاص تتصلب مشاعرها تجاه المجتمع، لتصنيفاته ونعوته لا لنقده الحقيقي. و رغم أن الأول يعاني بالأكثر داخليا لأن لديه إيمان شعري وذلك الإيمان الشعري أتي أنه تغير وله نفس السمات والصفات والبيئة فلم لا يتغير الآخر المتخلف ذاك؟ أما الآخر فتحدث له صدمات قوية تبعده عن الرهافة التاريخية التي كان يشعر بها ولا يلغي ذلك رهافته بالمطلق بل تجاه التصنيفات تلك.

يبقى الآخر المتخلف وليس ذلك تصنيفا بل وصفا له لأنه متأخر عن المعاني المتسعة التي يحملها هذا المختلف. فالاختلاف ربما يكون اتساعا في الرؤية وربما يكون عمقا في المعنى وربما يكون اطلاعا بعناصر أكبر لتكوينات العالم من تفلسف وشعر وفن وأدب .. إلخ.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى