هناك طفل نائم في البراز
خليط من الدم والبراز، طفل نائم فيه
متى يعتقونه، متى يصعد ليغتسل؟
هل قطعوا أذنيه حقيقة يا أمانيتي؟
بعد أن انتهيت من رواية (أنا لا أخاف) لكاتبها الإيطالي نيكولو أمانيتي، وجدت نفسي أكتب تلك الكلمات، وأثناء تفكيري في استكمالها كقصيدة، صعد الدم إلى رأسي، وقفز إلى ذهني المعادل الموضوعي للرواية كلها.
نيكولو أمانيتي من الروائيين الذين أطلق عليهم النقاد، آكلي لحوم البشر، لذا جاءت روايته (أنا لا أخاف) قاسية إلى حد بعيد، لكنها تلك القسوة الكاشفة التي تنكأ الجراح، وتريك بعنف، الصديد والموت والذباب.
فبطل الرواية (ميكيلي) طفل عمره تسع سنوات، يكتشف أثناء لعبه مع أقرانه، حفرة عميقة، مغطاة ببعض الأوراق، والأعواد الجافة وحشية رقيقة، ظن في البداية أنه مخبأ سري، أو ممر يؤدي إلى مغارة مليئة بالذهب والأحجار النفيسة، لكنه سمع صوتًا، مخنوقًا وضعيفًا، زحزح تلك الأغطية، فانبعثت من داخل الحفرة، عفونة براز فظيعة، كتم ميكيلي أنفاسه، لكنه أصر على رؤية ما بداخل تلك الحفرة، حدق جيدًا في الظلام، فإذا بطفل مكور، تلتف ساقاه على رقبته، كان جامدًا، لايتحرك، إنه ميت، ميت جدًا. أثناء محاولة ميكيلي التحقق من موت ذلك الطفل المغمور في البراز والصديد والدم الجاف، ناداه أقرانه، فغطى الحفرة مرة أخرى، وعاد سريعًا إليهم، لكنه رأى، لن يستطيع أن يهدأ ويكف عن محاولة اكتشاف ذلك الطفل الميت لبقية الرواية. تلك هي المغامرة التي يقوم بها طفل في التاسعة من عمره.
يظل ميكيلي يتسلل إلى تلك الحفرة كل يوم، ليلقي نظرة على الميت المسكين، إلى أن يلمح يده تتحرك، فيصيبه الرعب، ومع ذلك يقرر النزول إلى ذلك المحبأ المليء بالعفونة والبراز، مغامرًا بحياته، معرضًا وجوده للهلاك، كي يتحقق من موت ذلك الصغير القابع في الحفرة، كان جلد الميت متسخًا وملطخًا بالوحل والبراز، كان عاريًا في طول قامة ميكيلي، ولكن أكثر هزالًا، كان جلدًا على عظم، بارز الضلوع، وكان له تقريبًا مثل سن ميكيلي، لمس ميكيلي يد الطفل الميت بطرف قدمه، لكنها بقيت دون حراك، رفع الغطاء الذي كان يحجب ساقيه، فوجد عرقوبه الأيمن مشدودًا بسلسلة غليظة، مغلقة بقفل وكانت جلدته مسلوخة، وردية اللون، ينز من لحمها سائل شفاف، كثيف، يسيل فوق حلقات السلسلة المتآكلة بالصدأ والمشدودة إلى حلقة مغروسة في الأرض، حاول ميكيلي بكثير من الخوف والتردد، الكشف عن وجه الطفل المقيد داخل الحفرة، وأثناء محاولته تلك، ثنى الميت ساقه، تيبست قبضتا ميكيلي وعصر الرعب خصيتيه، رفع الميت صدره، وبعينين مغمضتين، مد ذراعه نحوه، وقف شعر ميكيلي وأطلق صرخة وقفز إلى الوراء، فتعثر في سطل مليء بالبراز، فسال الوسخ في كل النواحي، وأخيرًا وجد نفسه ملقًى على ظهره وهو يصرخ، والميت بدأ يصرخ أيضًا، تخبط ميكيلي في البراز، وبقفزة يائس، أمسك أخيرًا بالحبل الذي كان قد استعان به في النزول، وخرج من تلك الحفرة مثل نحلة مجنونة، ظل يعدو هاربًا مع كثير من المعاناة والفزع والرغبة في الأمان، ولكن هل أوقفه ذلك الرعب عن زيارة طفله الميت؟ على العكس ففي كل يوم يذهب إلى تلك الحفرة وينزل إليها متكبدًا المصاعب والأهوال والتي كان أصعبها، أوهام الطفولة المرعبة.
شيئًا فشيئًا، اعتاد ميكيلي تلك الرحلة، بل اعتاد عفونة الحفرة وأوساخ الطفل الملقى فيها، والذي اتضح له بعد ذلك، أنه ليس بميت، بل هو طفل مخطوف من والديه ومدرسته وعالمه الأليف، وهنا بدأ ميكيلي يسقيه ويطعمه.
في الثلث الأخير من الرواية يكتشف ميكيلي أن أباه عضو في العصابة التي اختطفت الطفل، وأن أمه أيضًا تتواطأ سرًا مع تلك الجريمة.
لكن الأمر الذي لفت انتبهاهي، أن الكاتب لم يجعل أبا الطفل ميكيلي زعيمًا للعصابة، بل عضوًا ضئيلًا هشًا فيها، يأتمر بأمر زعيمها العجوز، ذي الثياب الرثة والرائحة الكريهة والمفاصل المتيبسة، فزعيم العصابة هو أيضًا هش ومهترئ.
يفتضح أمر ميكيلي لدى العصابة، لكن محاولات الترغيب والترهيب التي مارسها والداه عليه، لم تفلح في إثنائه عن استكمال مغامرته، والتي تنتهي بإطلاق صراح الطفل المخطوف، قبل أن تقطع العصابة أذنيه، لقد سمعهم يقولون ذلك، يكتشف أيضًا ميكيلي أن هذا الطفل في مثل عمره تمامًا.. تسع سنوات.
زلزلتني أحداث تلك الرواية، حيث ظل حفيدي ذو العامين، يخايلني أثناء قراءتي لها، بل ويعتصر قلبي.
هناك طفل نائم في البراز
خليط من الدم والبراز، طفل نائم فيه
هل قطعوا أذنيه حقيقة يا أمانيتي؟
فجرت تلك الأبيات مناطق مروعة ورائعة داخل نفسي وعقلي.
لقد فعلوا بنا ذلك، جميعهم فعلوا بنا ذلك، اختطفوا النفس الغريزية التي هي حقيقتنا، ورموها داخل قبو مظلم، مليء بالعفونة والبراز، وهاهو النمل الكبير الأسود يزحف على جلودنا، ونحن في العراء، محاولين باستماتة تخليص أنفسنا مما لحق بها.
هم الآن يتهموننا بالجنون، إذ رأينا ذلك المسكين المتسخ الجائع، وفتحنا له ممرات للشمس والهواء، لقد استبدلوا لنا نموذجًا مجتمعيًا أجوف، بذلك النابض الحي الذي وأدوه مبكرًا، كانوا يحسبونه وحشًا، (الإنسان الذئب) الذي يتحول في الليل ويفغر فاه ليبتلعهم، لذلك قيدوه إلى الأرض بالسلاسل، وتركوه يبول ويتبرز على نفسه، وحجبوا عنه الضوء والهواء، كي ينز صديدًا، يغرق فيه حتى أذنيه.
هذا هو الطفل الجائع، الغارق في قاع أنفسنا، يصرخ الآن كي نسمعه، لم يستطيعوا قطع أذنينا أو أذنيه، فالعصابة هشة هشة، زعيمها ذلك المجتمع العجوز المهترئ، المتيبس المفاصل، وآباؤنا الضعفاء الخائفون، هم أدواته.
يالعمري الذي ضاع، وأنا أسير بنفس مصنوعة، نظيفة تمامًا، صالحة للعرض، كما أرادوها لي، تاركة طفلي يعوي بالداخل، يالأعماركم الضائعة، وأنتم تلهثون وراء هذا النموذج الذي صنعه لكم عجوز حزين، ذو رائحة كريهة، هو أقرب إلى الموت من الحياة، تاركين أطفالكم تنز صديدًا، يصعد إلى أدمغتكم، إلى أعينكم ويعميها!!!
لو كنت أدركت، لو كنت أدركت مبكرًا يا ميكيلي، ساعة أن حاولوا قتلي، يوم كان عمري ثماني سنوات أو تسعة أو عشرة!!!
إنها سنوات القتل.
القمر السري
خليط من الدم والبراز، طفل نائم فيه
متى يعتقونه، متى يصعد ليغتسل؟
هل قطعوا أذنيه حقيقة يا أمانيتي؟
بعد أن انتهيت من رواية (أنا لا أخاف) لكاتبها الإيطالي نيكولو أمانيتي، وجدت نفسي أكتب تلك الكلمات، وأثناء تفكيري في استكمالها كقصيدة، صعد الدم إلى رأسي، وقفز إلى ذهني المعادل الموضوعي للرواية كلها.
نيكولو أمانيتي من الروائيين الذين أطلق عليهم النقاد، آكلي لحوم البشر، لذا جاءت روايته (أنا لا أخاف) قاسية إلى حد بعيد، لكنها تلك القسوة الكاشفة التي تنكأ الجراح، وتريك بعنف، الصديد والموت والذباب.
فبطل الرواية (ميكيلي) طفل عمره تسع سنوات، يكتشف أثناء لعبه مع أقرانه، حفرة عميقة، مغطاة ببعض الأوراق، والأعواد الجافة وحشية رقيقة، ظن في البداية أنه مخبأ سري، أو ممر يؤدي إلى مغارة مليئة بالذهب والأحجار النفيسة، لكنه سمع صوتًا، مخنوقًا وضعيفًا، زحزح تلك الأغطية، فانبعثت من داخل الحفرة، عفونة براز فظيعة، كتم ميكيلي أنفاسه، لكنه أصر على رؤية ما بداخل تلك الحفرة، حدق جيدًا في الظلام، فإذا بطفل مكور، تلتف ساقاه على رقبته، كان جامدًا، لايتحرك، إنه ميت، ميت جدًا. أثناء محاولة ميكيلي التحقق من موت ذلك الطفل المغمور في البراز والصديد والدم الجاف، ناداه أقرانه، فغطى الحفرة مرة أخرى، وعاد سريعًا إليهم، لكنه رأى، لن يستطيع أن يهدأ ويكف عن محاولة اكتشاف ذلك الطفل الميت لبقية الرواية. تلك هي المغامرة التي يقوم بها طفل في التاسعة من عمره.
يظل ميكيلي يتسلل إلى تلك الحفرة كل يوم، ليلقي نظرة على الميت المسكين، إلى أن يلمح يده تتحرك، فيصيبه الرعب، ومع ذلك يقرر النزول إلى ذلك المحبأ المليء بالعفونة والبراز، مغامرًا بحياته، معرضًا وجوده للهلاك، كي يتحقق من موت ذلك الصغير القابع في الحفرة، كان جلد الميت متسخًا وملطخًا بالوحل والبراز، كان عاريًا في طول قامة ميكيلي، ولكن أكثر هزالًا، كان جلدًا على عظم، بارز الضلوع، وكان له تقريبًا مثل سن ميكيلي، لمس ميكيلي يد الطفل الميت بطرف قدمه، لكنها بقيت دون حراك، رفع الغطاء الذي كان يحجب ساقيه، فوجد عرقوبه الأيمن مشدودًا بسلسلة غليظة، مغلقة بقفل وكانت جلدته مسلوخة، وردية اللون، ينز من لحمها سائل شفاف، كثيف، يسيل فوق حلقات السلسلة المتآكلة بالصدأ والمشدودة إلى حلقة مغروسة في الأرض، حاول ميكيلي بكثير من الخوف والتردد، الكشف عن وجه الطفل المقيد داخل الحفرة، وأثناء محاولته تلك، ثنى الميت ساقه، تيبست قبضتا ميكيلي وعصر الرعب خصيتيه، رفع الميت صدره، وبعينين مغمضتين، مد ذراعه نحوه، وقف شعر ميكيلي وأطلق صرخة وقفز إلى الوراء، فتعثر في سطل مليء بالبراز، فسال الوسخ في كل النواحي، وأخيرًا وجد نفسه ملقًى على ظهره وهو يصرخ، والميت بدأ يصرخ أيضًا، تخبط ميكيلي في البراز، وبقفزة يائس، أمسك أخيرًا بالحبل الذي كان قد استعان به في النزول، وخرج من تلك الحفرة مثل نحلة مجنونة، ظل يعدو هاربًا مع كثير من المعاناة والفزع والرغبة في الأمان، ولكن هل أوقفه ذلك الرعب عن زيارة طفله الميت؟ على العكس ففي كل يوم يذهب إلى تلك الحفرة وينزل إليها متكبدًا المصاعب والأهوال والتي كان أصعبها، أوهام الطفولة المرعبة.
شيئًا فشيئًا، اعتاد ميكيلي تلك الرحلة، بل اعتاد عفونة الحفرة وأوساخ الطفل الملقى فيها، والذي اتضح له بعد ذلك، أنه ليس بميت، بل هو طفل مخطوف من والديه ومدرسته وعالمه الأليف، وهنا بدأ ميكيلي يسقيه ويطعمه.
في الثلث الأخير من الرواية يكتشف ميكيلي أن أباه عضو في العصابة التي اختطفت الطفل، وأن أمه أيضًا تتواطأ سرًا مع تلك الجريمة.
لكن الأمر الذي لفت انتبهاهي، أن الكاتب لم يجعل أبا الطفل ميكيلي زعيمًا للعصابة، بل عضوًا ضئيلًا هشًا فيها، يأتمر بأمر زعيمها العجوز، ذي الثياب الرثة والرائحة الكريهة والمفاصل المتيبسة، فزعيم العصابة هو أيضًا هش ومهترئ.
يفتضح أمر ميكيلي لدى العصابة، لكن محاولات الترغيب والترهيب التي مارسها والداه عليه، لم تفلح في إثنائه عن استكمال مغامرته، والتي تنتهي بإطلاق صراح الطفل المخطوف، قبل أن تقطع العصابة أذنيه، لقد سمعهم يقولون ذلك، يكتشف أيضًا ميكيلي أن هذا الطفل في مثل عمره تمامًا.. تسع سنوات.
زلزلتني أحداث تلك الرواية، حيث ظل حفيدي ذو العامين، يخايلني أثناء قراءتي لها، بل ويعتصر قلبي.
هناك طفل نائم في البراز
خليط من الدم والبراز، طفل نائم فيه
هل قطعوا أذنيه حقيقة يا أمانيتي؟
فجرت تلك الأبيات مناطق مروعة ورائعة داخل نفسي وعقلي.
لقد فعلوا بنا ذلك، جميعهم فعلوا بنا ذلك، اختطفوا النفس الغريزية التي هي حقيقتنا، ورموها داخل قبو مظلم، مليء بالعفونة والبراز، وهاهو النمل الكبير الأسود يزحف على جلودنا، ونحن في العراء، محاولين باستماتة تخليص أنفسنا مما لحق بها.
هم الآن يتهموننا بالجنون، إذ رأينا ذلك المسكين المتسخ الجائع، وفتحنا له ممرات للشمس والهواء، لقد استبدلوا لنا نموذجًا مجتمعيًا أجوف، بذلك النابض الحي الذي وأدوه مبكرًا، كانوا يحسبونه وحشًا، (الإنسان الذئب) الذي يتحول في الليل ويفغر فاه ليبتلعهم، لذلك قيدوه إلى الأرض بالسلاسل، وتركوه يبول ويتبرز على نفسه، وحجبوا عنه الضوء والهواء، كي ينز صديدًا، يغرق فيه حتى أذنيه.
هذا هو الطفل الجائع، الغارق في قاع أنفسنا، يصرخ الآن كي نسمعه، لم يستطيعوا قطع أذنينا أو أذنيه، فالعصابة هشة هشة، زعيمها ذلك المجتمع العجوز المهترئ، المتيبس المفاصل، وآباؤنا الضعفاء الخائفون، هم أدواته.
يالعمري الذي ضاع، وأنا أسير بنفس مصنوعة، نظيفة تمامًا، صالحة للعرض، كما أرادوها لي، تاركة طفلي يعوي بالداخل، يالأعماركم الضائعة، وأنتم تلهثون وراء هذا النموذج الذي صنعه لكم عجوز حزين، ذو رائحة كريهة، هو أقرب إلى الموت من الحياة، تاركين أطفالكم تنز صديدًا، يصعد إلى أدمغتكم، إلى أعينكم ويعميها!!!
لو كنت أدركت، لو كنت أدركت مبكرًا يا ميكيلي، ساعة أن حاولوا قتلي، يوم كان عمري ثماني سنوات أو تسعة أو عشرة!!!
إنها سنوات القتل.
القمر السري
Bei Facebook anmelden
Melde dich bei Facebook an, um dich mit deinen Freunden, deiner Familie und Personen, die du kennst, zu verbinden und Inhalte zu teilen.
www.facebook.com