شوقى رجب فاضل المحامى - إن خير موارد العدل القياس على النفس

1
من كتاب أغرب القضايا للأستاذ المستشار / بهاء الدين أبو شقة ( إن خير موارد العدل القياس على النفس ) :

يروى المستشار بهاء أبو شقة قصة قضية من أغرب القضايا، لشاب في مقتبل العمر هاجر من بلدته بالصعيد قاصدا العاصمة باحثا عن الرزق الوفير والعمل الجاد، حيث ساقه القدر إلى ورشة رجل كهل ليس له أولاد أو أسرة وكأن القدر قرر أن يجمعهما فى مصير واحد ليكون العجوز بمثابة الأب للشاب ويكون الأخير بمثابة الابن البار به فى أيامه الأخيرة.
وبالفعل رحل الرجل العجوز بعد أن كتب كل ثروته إلى هذا الشاب الذى لم يدخر جهدا يقدمه له، وتزوج الشاب من إحدى الفتيات وتفتحت له أبواب الرزق على مصراعيها، وأنجب من الأبناء 3 وانتقل إلى العيش فى إحدى الفيلات بحى راقٍ، حتى ظهر فى حياتهم هذه الثعبان.
ففى أحد الأيام مرضت زوجته فاستدعى هذا الطبيب الذى سكن بجوارهم منذ فترة بسيطة وذاع صيته بين الجيران، وشاء القدر أن تكون هذه هى بداية النهاية، حيث نشأت علاقة آثمة بين زوجته أم الأبناء الثلاثة التى غلبها الشيطان وقدمت نفسها إلى هذه الثعبان على طبق من فضية ينهل منها ما يشاء ليروى غريزته الجنسية ويجنى من الأموال ما يريد حتى فاحت رائحتهما بين الجيران وبلغت سمع الزوج فواجه زوجته وكانت الطامة عندما أكدت له صحة تلك المعلومات، بل عايرته برجولته الوهنة، فقد وعيه ولم يدرِ إلا وهو يغرس سكينا في قلبها فأرداها قتيلة.
وتابع أبو شقة كاشفا أن تحريات المباحث أكدت خيانة الزوجة والعلاقة الآثمة التى ربطتها بالطبيب المزيف والذى كان قد تقدم لخطبة ابنتها واتخاذها ستارا لأفعالهما الآثمة، وانتهت تحقيقات النيابة بإدانة الزوج المكلوم فى شرفه وأحيل الرجل إلى محكمة الجنايات بتهمة القتل العمد.
ويوم الجلسة الحاسمة حسبما يروى المستشار بهاء أبو شقة قائلا: إن القاضى سأل الزوج المتهم عن ارتكاب الجريمة والذى أصر على الاعتراف بأنه قتلها عندما فاجأته وأعلنت له فى وقاحة وبلا استحياء أنها على علاقة آثمة بالطبيب .
استهل المستشار بهاء أبو شقة مرافعته قائلاً (إن خير موارد العدل القياس على النفس) وطرح سؤالاً يفرض نفسه فى منطق الدليل فى هذه القضية قائلا: "لو أن أياً منا ساقه قدره الأليم وحظه العاثر فى أن يعيش فصول هذه الماسأة التى عاشها المتهم، فماذا هو فاعل؟
وتابع فى مرافعته قائلا: إن المجنى عليه الحقيقى فى الدعوى الماثلة هو هذا الزوج المسكين الذى تلقي طعنة غادرة فى شرفه، وأنه لم يتسرع بالقصاص منها أو من الطبيب رغم وجود الدليل الدامغ معه على خيانتها بعد أن تلقى خطاباً يفضح هذه العلاقة وبعد أن أصبحت سيرتها وفضيحتها على كل لسان فى الحى، ولكنه آثر أن يحافظ على هذا الصرح الذى تعب وجد وشقى حتى شيده صدق معسول قولها وأقنع نفسه بتصديق قولها علها تصحح من سلوكها المعوج، ذكرها بأبنائها الذين يدرسون فى الجامعات وأنهم سيتخرجون فى الجامعة وكيف أن سلوكها المعوج سيكون نقطة سوداء فى الرداء الأبيض الذى حرص دائماً أن يكون ناصعاً، ولكنها لم ترتدع صمَّت أذنيها وأغلقت فكرها وداست على ضميرها وابتعدت عن النصيحة واختارت طريق إبليس .
وأضاف أبو شقة فى دفاعه أن ما كشفت عنه التحقيقات أنه لم يكن طبيباً، بل كان أفاقاً يبتز أموالها وكانت تعلم ذلك جيداً وأدخلته البيت ليخطب ابنتها وهى تعلم جيداً ليكون إلى جوارها عابثة غير عابئة حتى بعد أن تأكدت ابنتها من خيانتها.
واستطرد فى دفاعه بأن المادة 237 من قانون العقوبات جعلت الجنحة لمن يقتل زوجته وشريكها وهما متلبسين بجريمة الزنا تنطبق على المتهم فى الدعوى الماثلة، لافتا إلى أن التلبس لا يعنى المشاهدة بالعين ولا يقتضى أن يفاجأ الزوج بوجود زوجته مع خليلها فى وضع الرذيلة، ولكن التلبس يدرك بأى حاسة من حواس الإنسان.
وتساءل الدفاع قائلا: فما الفرق فى أن يدرك الصورة ببصره أو يدركها تخيلاً بعد أن سمعها بأذنيه، فى أن يسمع زوجته وهى تعترف أنها تخونه بين أحضان رجل آخر لا تستطيع أن تنساه وأن صورته لا تفارق عينيها، إنه التلبس بعينه، وقعه على نفسه وأثره عليها تماماً كما لو كان شاهدهما معاً متلبسين بالجريمة.
الغاية التى يطلبها القانون والحكمة التى من أجلها شرع هذا النص وهبط بعقوبة القتل من الجناية إلى الجنحة، عقوبة الجنحة ذلك الشعور المفاجئ غير المتوقع من الزوج عندما يفاجأ ويتيقن من أن زوجته بين أحضان رجل آخر.
فحكمت المحكمة بحبس المتهم سنة مع الإيقاف عن تهمة قتل زوجته كان قد قضاها فى الحبس الاحتياطى وأوردت فى أسباب حكمها أنها طبقت عليه المادة 237 من قانون العقوبات وقاست حالته على حالة التلبس باعتبار أن القياس جائز فى المسائل الجنائية إذا كان لمصلحة المتهم.

منصة جنائيون



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى