أبووردة السعدني - أقفاص الأمراء

نظام استحدثه العثمانيون للسيطرة على ثورات الأمراء من الإخوة والأبناء ، عوضا عن جرائم القتل التي كادت تقضي على الأسرة العثمانية الحاكمة ، التي عاشت عدة قرون أسرة بلا أمراء ، فلقد أساؤوا تطبيق قانون قتل الإخوة الذي أصدره السلطان محمد الفاتح - ت886 /1481 - فأسرفوا في القتل ، حيث اعتاد السلطان الجديد - يوم تربعه على العرش - أن يقتل إخوته جميعا ، وأن يواري أجسادهم الثرى مع مراسم دفن والده - السلطان السابق - ، فمنهم من قتل خمسة من إخوته ، ومنهم من قتل تسعة عشر !!...
نظام أقفاص الأمراء استحدث خوفا من انقراض الأسرة العثمانية الحاكمة ، ويذهب المؤرخون إلى أنه من مستحدثات السلطان أحمد الأول - ت 1026/1617 - الذي غير نظام وراثة العرش وجعله للأكبر من آل عثمان ....
...ونظام الأقفاص يعني : فرض إقامة جبرية على إخوة السلطان - أو أبنائه - في غرف مخصصة لهم في جناح الحريم داخل البلاط السلطاني ، ويحظر عليهم حظرا تاما الخروج من تلك الغرف - أو الغرفة - أو الاختلاط بالمجتمع ، يقوم على حراستهم وخدمتهم عدد من الخصيان وجوار عقائم منعا للإنجاب ...
...يعد نظام الأقفاص من معاول هدم بنيان الدولة العثمانية ، إذ تمخض عن سلاطين تربعوا على العرش بعد أن أمضوا عقوداً طويلة داخل تلك الأقفاص المحكمة الرتاج ، في عزلة قاتلة عن المجتمع وما يجري فيه من أحداث ، بل ومنتظرين القتل في كل لحظة ، فأصيبوا بعلل صحية وأمراض نفسية ، كان لها أوخم العواقب في تاريخ الدولة العثمانية !!...
من هؤلاء السلاطين خريجي الأقفاص :
السلطان مصطفي الأول - أخو السلطان أحمد الأول - : من أبرز النماذج التي شوهتها تجربة الأقفاص ، لم تحمد سيرته حين تولى الحكم لأول مرة سنة 1026 / 1617 ، ولقب في كتب التاريخ ب " مصطفى المجنون " !!.
والسلطان إبراهيم الأول ابن السلطان أحمد الأول : ضحية أخرى من ضحايا الأقفاص ، تولى الحكم سنة 1049 /1640، ولم يكن أهلا له
، فلقد عاش رهين القفص ثنتين وعشرين سنة ، في غرفة لا يوجد فيها غير نافذة واحدة ، شاهد منها قتل إخوته الأربعة بأوامر سلطانية ، أصابته تلك المشاهد الدامية باختلال عقلي ، فلما جلس على العرش قاد الدولة العثمانية إلى الفوضى ، كانت متعه قتل الوزراء وملاحقة الجواري !! ....
والسلطان سليمان الثاني ابن السلطان إبراهيم الأول - ت1102 /1691 - : ظل حبيس القفص أربعة عقود ، حين ذهبوا إليه في قفصه ليخرجوه منه ليتولى حكم السلطنة ، ظن أنهم جاؤوا لقتله ، فأخذ يتوسل إليهم باكيا أن يسمحوا له بالصلاة ، وسحب ليجلس على العرش بصعوبة بالغة !!.....
.... جدير بالذكر أن السلطان مراد الأول ، ثالث سلاطين الدولة العثمانية - ت 791 /1389 - أول سلطان استخدم نظام الأقفاص ، حين خرج عليه ولده ( ساوجي بك ) سنة 787 /1386 ، فلما تمكن منه وضعه في قفص بعد أن سمل عينيه ، فدست إليه جارية استولدها بنتا وولدا ، أطلقت مصادر العصر المملوكي على البنت لقب ( شاه زاده ) ، أي بنت الملك أو بنت السلطان ، أما الولد فكان اسمه ( سليمان ) ، فلما شبا عن الطوق خيف عليهما من القتل ، فهرب بهما وبأمهما ( اللالا ) ، أي القائم على رعايتهما ، إلى مصر ، فأكرم السلطان المملوكي برسباي - ت841 / 1438 - وفادتهم ، وبنى برسباي بشاه زاده ، فلما توفي عنها تزوجها السلطان جقمق - ت 857 / 1453 - ، وبعد أن طلقها تزوج بها أمير الشام ( برسباي البجاسي ت841 / 1467 ) ، وقد توفيت شاه زاده سنة 857 / 1455 ، أما شقيقها سليمان فكان قد وافاه أجله سنة 841 /1438 ...
.... الرواية التاريخية سالفة الذكر سكتت عنها مصادر التاريخ العثماني ، بينما تناولتها المصادر التاريخية المملوكية المعاصرة ، ويذهب عدد كبير من الباحثين إلى أن السلطان العثماني مراد الأول قتل ابنه ( ساوجي بك ) ، لكن الصواب ما ذكرناه ......

أبووردة السعدني




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى