أبووردة السعدني - الزهاوي بين الشعر والسياسة

جميل صدقي بن محمد فيضي الزهاوي ، شاعر من طلائع نهضة الأدب العربي في العصر الحديث ، ورائد من رواد التفكير العلمي والنهج الفلسفي ، يرجع نسبه إلى الصحابي الشهير خالد بن الوليد - رضي الله عنه -، نشأ في بيت علمي عريق ، فقد كان والده مفتي مدينة بغداد في أواخر العصر العثماني ، يملك مكتبة زاخرة بالعلوم والمعارف الدينية والعربية ، اتخذ من بيته منتدى للعلماء والأدباء ...
ولد جميل الزهاوي في بغداد سنة 1863 م ، لم يدرس في مدارس ولم يلتحق بجامعات ، وإنما تلقي العلم على والده ، وانكب على مطالعة الكتب فأحرز كثيرا من العلوم الدينية والعربية والمعارف الأوربية وأجاد عدة لغات أجنبية ، شأنه شأن المفكر المصري عباس العقاد ....
....تقلد الزهاوي عددا من الوظائف العلمية و القضائية في بغداد ، وذاع صيته وارتفع ذكره حتى وصل إلى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني ، فدعاه - ضمن من دعاهم من العلماء العرب -- إلى العاصمة العثمانية سنة 1896 م ، وكانت الدولة العثمانية - في تلك المرحلة - قد تداعى عليها الأمم خارجيا وداخليا كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، أكرم السلطان العثماني وفادة الزهاوي ، كما منحه الوسام " المجيدي " تقديرا لشخصه وعلمه ، غير أن العاصمة العثمانية كانت تموج بالتيارات المناهضة للسلطان العثماني ، فانضم الزهاوي سرا إلى " جمعية تركيا الفتاة " ، فوشى به الشيخ أبوالهدى الصيادي ، ووضع تحت المراقبة ، بعد أن نظم قصيدة ينتقد فيها سياسة السلطان عبدالحميد الثاني ، قال فيها :
أيأمر ظل الله في أرضه
بما نهى الله عنه والرسول المبجل
فيفقر ذا مال وينفي مبرأ
ويسجن مظلوما ويسبي ويقتل
تمهل قليلا لا تغظ إنه إذا
تحرك فيها الغيظ لا تتمهل
وأيديك إن طالت فلا تغترر بها
فإن يد الأيام منهن أطول
... أيد الزهاوي الاتحاديين في ثورتهم ضد السلطان عبدالحميد الثاني ، وانتخب مرتين عضوا في مجلس " المبعوثان " العثماني ، ثم عاد إلى بغداد بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الاولى ، وواصل مسيرته العلمية والأدبية ، غير أنه كان مغاليا في شعره ونثره ، مثيرا للجدل ، اتهم بالطعن في أمور كثيرة تتعلق بالإسلام ، أنكر التعدد ، وأنكر الحور العين للرجال في الجنة ، ولماذا تحرم المرأة من الحق الممنوح للرجال في الآخرة وتقتصر على زوجها فقط ؟! ، دعا إلى السفور وتحرير المرأة ، فثار البغداديون ضده وكادوا يفتكون به ، من نظمه الداعي إلى السفور :
مزقي يا ابنة العراق الحجابا
أسفري فالحياة تبغي انقلابا
مزقيه وأحرقيه بلا ريث
فقد كان حارسا كذابا
... من قصائده عن "الحب " :
أول الحب في القلوب شراره
تختفي تارة وتظهر تاره
ثم يرقى حتى يكون سراجا
لذويه فيه هدى وإناره
ثم يرقى حتى يكون مع الأيام
نارا حمراء ذات حراره
ثم يرقى حتى يكون أتونا
بحرارته تذوب الحجاره
ثم يرقى حتى يكون حريقا
فيه هلك لأهله وخساره
ثم يرقى حتى يمثل بركانا
يرى الناس من بعيد ناره
ثم يرقى حتى يكون جحيما
عن تفاصيلها تضيق العباره
....جدير بالذكر أن الزهاوي كان يدعى في صباه بالمجنون ، وفي شبابه بالطائش ، وفي كهولته بالجرئ ، وفي شيخوخته بالزنديق !...
..... كانت وفاته في مدينة بغداد سنة 1936 م .....




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى