طارق حرب - جحا الرومي جريدة بغدادية هزليه صدرت سنة 1923 م

في التاسع عشر من شهر تشرين الأول صدرت في بغداد جريدة جحا الرومي وأوضح صاحبها رشيد الصوفي بأنها جريدة أدبيه انتقاديه هزليه مصوره وصدرت في الاسبوع مرة واحده في بداية صدورها وبأربع صفحات وأبان صاحبها سبب إصدار ها فقال( وبعد فأن الانسان لا يفتأ من الجد وتحمل مشاق الحياة ......وان ادراك الامور والقضايا المراد افهامها يكون أسهل اذا كان بواقعه خارقه للعاده أو نكتة فكاهيه مضحكه ولما كان - قطرنا- خالياً من صحيفة فكاهيه تقرب الامور الادبيه والاجتماعيه من فهم الجمهور بطريقه بسيطه لا تستلزم عناء الدرس ولا طائلة التفكير بل يضمنها لطيفة مطربه أو صورة هزليه مضحكه رأينا أن نصدر صحيفتنا هذه ) وعن سبب إختيار هذا الاسم الذي يدخل في باب الاسطوريات ذلك ان البعض وخاصة الترك يسمونه الملا نصر الدين الذي نقل عنه الانتقاد والمواقف المملوءه هزلاً وضحكاً وازدراء يقول( لما كان من الضرري وجود شخص لمثل هذه الصحف يكون بطل - معمعانها- وترجمان مقاصدها وقد أخترنا لها أسم جحا الرومي ذلك الرجل التاريخي المشهور بالهزل الحكمي والنكات الادبيه اذ لا يخفى ان هذا الرجل وما ذكرته كتب القصص وأشتهر أمره بين مطالعيها) وحدد صاحب هذه الجريده خطتها وسياستها بالقول( نعلم لقرائنا الكرام ان صحيفتنا هذه تبتعد قبل كل شيء عن ساس يسوس وما أشتق منها بل تتعرض لأعمال المكلفين بالخدمات العموميه غير المتعلقه بالسياسه وبالاجمال تقتصر خطتنا على ايراد القواعد الاجتماعيه الواجبه الرعايه المهمله التطبيق عندنا وافهامها للجمهور وتجنيد القواعد الاخلاقيه وتفنيد ما يحط بالاخلاق والتنديد بها وايراد وقائع تاريخيه ومراقبة الامور الصحيه والتنظيفات البلديه وتنبيه مهمليها ومدح القائمين بها.
وكان الرسم الكريكتوري في الصفحه الاولى للجريده ذا دلالات معينه حيث تصمن صور لأصحاب الجرائد وهم يسبحون في بحر السياسه وجلس جحا الرومي على مرتفع عالياً عن الماء وغير آبه بدعواتهم له بالنزول الى الماء معهم وفعلاً فقد كان موضوع الجريده واهتمامها يتمثل فيت رصد الظواهر الاجتماعيه المتنوعه وتوجيه سهام النقد اليها مستعملاً سلاح الرسم الكاريكتوري والزوايا الساخره التي زينت صفحاتها فضلاً عن الموضوعات المختلفه وتولت الجريده تحديد أبواب ثابته في المحليات والفكاهات وتقويم الجرائد و( لماذاولأن وما علي واذا لم يكن) اذ كان ينشر في الجريده وفي باب المحليات الاخبار المحليه المتفرقه كأخبار التعيينات في الوظائف والنقل منها واخبار السفر والرحلات لبعض الشهصيات السياسيه والادبيه أو ان الجريده كانت تمدح احدى الشخصيات وتكيل الاطراء لها لما تتصف به من همه في انجاز الواجبات كما كانت تنشر في هذه الزاويه أخبار إغلاق الصحف.
أما زاوية فكاهات فكانت تتناول بعض الطرائف التاريخيه والفكاهات للتسليه والامتاع وفي زاوية تقويم الجرائد كانت تستعرض بعض ما كان ينشر في الجرائد من أخبار وموضوعات وتتولى التعليق عليها وفي زاوية( لماذا الان) كانت ترصد الظواهر الاحتماعيه المختلفه وتنتقي التعليقات المناسبه عليها وفي زاوية(اذا لم يكن)فلقد كانت الجريده تختار مواضيع لمعظم الجرائدومحرريها وتنشر عليها اشارات نقديه عليها.
ولم تتخلص جريدة جحا الرومي من الشعر العامي أو الشعبي شأنها شأن جرائد تلك الايام فلقد أخذ الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي مكاناً في هذه الجريده بأشعاره ولكن ذلك لا يغمط الشعر الفصيح فلقد كانت تنشر أشعار الفصيح بتوقيع أبو البسطاء وكذلك أعتنت الجريده باللغه وخصصت زاويه نقديه مكرسه لم كان يلاحظ على اللغة العربيه الفصحى من سوء استخدام ومزج باللغه التركيه فلقد كتبت عبارة( ممنوع تخشون) بدلاً من ممنوع الدخول من باب السخريه والاستهزاء.
وكان الكاريكتور يحتل المساحه الواسعه من الجريده ولقد كان محله في الصفحة الاولى والصفحه الاخيره وللاولى رسوم كاريكتوريه تشغل مساحه كبيره وكان الرسم الكاريكتوري موفقاً في اقتناص الموضوعات ومواكبة الاحداث على الرغم من بدائية الرسوم وتواضعها وكان موضوعها الكاريكتوري الاهم هو الخصومات القائمه بين الصحف ومنازعاتها وبذلك فقد وضعت رسماً كاريكتورياً تحت عنوان ملاكمه صحفيه مستنكره حالة الجرائد البغداديه.
ولقد تولت معالجة موضوعات النظافه والحفاظ على الاماكن العامه وكثرة الضرائب وثقلها على المواطن البغدادي والبطاله وعدم وجود وظائف وظاهرة انتشار القمار وحيث كان منصب أمين العاصمه بغداد منصبا مرموقاً فأنتقدت ظاهرة كثرة طلاب منصب أمين العاصمه وكذلك سباق الخيل( الرايسز) والمدح والذم والمرأه والغاء الحجاب واغلاق الصحف وإرتياد الصحفيون والادباء لمحلات الخمور.
وجريدة جحا ولمكانتها وللموضوعات التي تناقشها فقد مدحها شاعر بأسم أبو سرحان قائلاً:-
هذا جحا الرومي الذي
في الخلق منه الصيت ذائع
لا يكترث بصحيفه ما لم تكن منها منافع
وكانت الجريده تطبع على ورق أسمر بأستثناء أعداد قليله صدرت في شهر نيسان 1924 طبعت على الورق الابيض ويلاحظ استخدامها للون الاحمر خاصة عنوان الجريده كذلك أمتازت هذه الجريده بظهور الصور الفوتوغرافيه ولقد سبقت سواها حتى انها نشرت بداية سنة 1924صوره فوتوغرافيه للأديب المنفلوضي ولمحرر جريدة الاخبار المصريه أمين الرافعي وكانت الجريده تتميز اخراجيا عن جرائد تلك الفتره في التصميم الصحفي من حيث تقسيم كل صفحه من صحف الجريده والسيء فيها هو تضمنها الكلمات العاميه وفي جميع الاحوال كانت لها مكانه في الشارع البغدادي سنة 1924 والسنه السابقه لها.

طارق حرب خبير قانوني ومحام



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى