محمد السلاموني - المنظور الدينى والمنظور الجمالى: "الحقيقة الجمالية"

< الحقيقة الجمالية >

فيما كتبت عن "سرد النسيان"، أشرت إلى أن "سرد التَّذكُّر"- الذى هو السرد الروائى فى مجمله، بعمقه التاريخى، يتأسس على "الشعور بالذنب"، مما يجعل منه أمتدادا ظِلِّيا للمنظور الدينى.
ومنعا لإثارة الحساسية الدينية التى قد تنجم عن سوء الفهم، يجب التنويه إلى التالى:
يتمحور مشروع ميشيل فوكو حول العمل على تخليص العلوم الإنسانية، لاسيما التاريخ، من الفلسفة... لأن المنظور الفلسفى يسعى بدأب لإدراك الحقيقة الفلسفية، وهى تختلف بالضرورة عن سائر أنواع الحقائق الأخرى.
وهو ما يعنى أن اختلاط المعايير، أو الشروط العلمية الواجب توافرها فى البحث عن الحقائق النوعية، يحول بين النتائج التى يمكن أن ينتهى إليها البحث وبين إدراك تلك الحقائق على اختلافها.
وترسما لخطى فوكو، أحاول تخليص المنظور الأدبى من التأسيسات القديمة التى لم تدرك الأدب فى سياقه الشرطى النوعى.
من هنا فالأمر لا يتعلق بموقف أيديولوجى من "الدين" نفسه، بل ولا يمت بصلة للدين بتاتا .
تعيين شروط الأدب والفن عامة، هى الموجبات التى على المبدعين والنقاد أن يحملوها على عاتقهم، إذا ما أرادوا الإمساك بالحقيقة الجمالية؛ ولا أعتقد أن أحدا يمارى فى هذا.
المشكلة لدينا تكمن دائما فى إرادة تديين كل الأشياء على اعبار أن "الدين" هو حقيقة الحقائق كلها، بينما البحث العلمى يقول بأن الحقيقة الدينية لا تزيد عن كونها إحدى الحقائق فقط، وغير خاف أن المجتمعات المتقدمة لم تتحصَّل على تقدمها الذى نراه سوى بوضع الحدود الفاصلة بين مجالات الحياة المختلفة، ليتسنى لها إدراك الظواهر فى تعيناتها النوعية.
ومن ناحية المنظور الجمالى، فما أراه هو أن هناك قبصة هائلة على الأصل التاريخى والأنثروبولوجى الذى انحدرت منه الفنون والآداب، وهو "الأصل الدينى"، حتى إن الأمر يبدو وكأنما الفنون والآداب، بعد مرور كل هذه القرون، لم يبرحوا مكانهم بعد من الإبتهال السيكولوجى للآلهة طلبا للغفران- أعنى أن الفنون والآداب تكاد تبدو كجزء لا يتجزَّأ من طقوس الأضحيات... وربما لهذا ظل "الموت" قابعا فى القلب منهم.
سأحاول فى مرحلة أخرى البحث والتنقيب فى هذا الأمر، عسى أن أستطيع الإمساك بشئ آخر
يمنحنى إمكانية "إعادة التأسيس الجمالى" التى أتطلع إليها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى