مصطفى نصر - جهاد النكاح

خرجت النسوة المسنات - ومعظمهن في الثمانين والتسعين من عمرهن - ليتظاهرن أمام السفارات اليابانية في عدد من العواصم الأسيوية منذ يناير 1992 للمطالبة باعتذار من طوكيو، فقد تم إجبارهن على ممارسة الجنس مع الجنود اليابانيين وقت الحرب العالمية الثانية. فقد قام الجيش الياباني الإمبراطوري بتجنيد نساء من البلدان التي تم احتلالها، مثل كوريا والصين والفلبين، وطالبوهن بتقديم خدمات جنسية للجنود خلال المعارك والحروب.
ويقدر مؤرخو الحرب العالمية الثانية عدد النساء اللاتي تم إجبارهن على ممارسة الجنس مع الجنود اليابانيين في الدول التي تم احتلالها؛ فيما بين مائة ومائتين وخمسين ألف امرأة آسيوية تتراوح أعمار الكثيرات منهن بين ثلاثة عشر وخمسة عشر عاما؛ تم اختطافهن من قبل الجيش الياباني.
وبرر قادة الحرب من إقامة مراكز الدعارة العسكرية بأنه كان لمنع حدوث جرائم الاغتصاب التي يرتكبها أفراد الجيش الياباني في المناطق المحتلة. وتجنباً لحدوث التجسس عن طريق استخدام العدو لحالة الجنود الجنسية، والنفاذ منها لجمع المعلومات باستخدام سيدات تابعة لمخابرات العدو.
وتقول المؤرخة الألمانية مريام جيرهارد في كتابها " عندما أتى الجنود ":
من أكبر عمليات الاغتصاب في تاريخ البشرية – بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية – أن اغتصب الحلفاء 2 مليون امرأة ألمانية، وتناثرت جثث الكثير منهن في الشوارع، ولم يتردد جنود الحلفاء لحظة واحدة في إعدام أية امرأة ترفض الرضوخ لمطالبهم.
قبلت ألمانيا بتسجيل 37 ألف طفل باسماء أمهاتهم، حتى منتصف خمسينات القرن الماضي. وقد اغتصب الروس أكثر من مليون امرأة، واغتصب الأمريكان 190 ألفا، والبريطانيون اغتصبوا 45 ألفا، والفرنسيون اغتصبوا 50 ألفا.
ما حدث في اليابان وفي ألمانيا، يحدث في كل المعارك الحربية تقريبا، فقائد الجيوش المحاربة، والسياسيون الذين يهمهم أن يكسبوا الحرب، يبحثون – دائما – عن حافز لجنودهم، وليس هناك أهم من الحافز الجنسي، فهم يعلمون أن الجنود بعيدين عن أسرهم، وعن نسائهم. كما أن البلاد التي يتم احتلالها، تكون في وضع ضعيف، ولا تستطيع الدفاع عن نفسها. وهذا ما كان يحدث في الأزمان القديمة، فما أن تصل الجيوش المنتصرة إلى المدينة المهزومة حتى يتم اغتصاب نسائها، وأسر رجالها، وتحويلهم إلى خصيان أو طواشي لكي يخدموا في قصور الحكام. ويتم القبض على نساء المدينة فيهدون بعضهن إلى جنودهم، يفعلون بهن ما يشاءون، فمن يتخذهن جواري يتمتع بهن، أو يبيعوهن في سوق الرقيق.
واستخدام النساء لتحفيز المقاتلين كان منذ أيام الجاهلية، فأبو سفيان كان مجهول النسب، وقد حكى عن نفسه بأنه سأل أمه: أنا ابن من؟
فتبسمت قائلة:
- فيك اجتمعت خمس قبائل، فالقبائل العربية كانت مشتتة ومتناحرة، إلى أن جاء جهاد النكاح فجمع بينها.
وفي كل الدول المتحاربة تروج مهنة الدعارة، ففي مصر أيام الحربين الأولى والثانية، راجت الدعارة بشكل ملحوظ، فالإنجليز يهمهم أن يحلوا مشكلة جنودهم الجنسية، فقد أقامت بريطانيا في الحرب العالمية الثانية مكانا راقيا للدعارة بمدينة الإسكندرية - التي كانت أقرب المدن للمعارك التي تدور بين الإنجليز والألمان في الصحراء الغربية - فنشطت مهنة البغاء وأقيمت بيوت الدعارة في حي اللبان والمسماه بــ " الكومبكير " ، ثم تكونت منطقة دعارة ثانية في حي الهماميل أكثر رقيا، لضباطهم، ولكي يحافظوا على حياتهم؛ أقاموا نقطة شرطة الهماميل هناك لتحميهم.
استخدام الجنس في وقت المعارك حدث – كما قلنا – على مر التاريخ القديم والحديث، لكن المشكلة الآن أنه يحدث في البلاد الإسلامية تحت غطاء ديني، فتجد من يفتي بمشروعيته، وأطلقوا عليه اسم قريب من التقديس وهو "جهاد النكاح" فالرجل يحارب بالبندقية والمدفع، والمرأة تشارك في الحرب ولكن بجسدها. والاثنان سينالان الثواب وهو دخول الجنة. والرجال سينالون المتعة الأكثر بعد استشهادهم بمقابلة حور العين في الجنة. فيُسرع البعض إلى تفجير أنفسهم طمعا في حور العين اللاتي سيستقبلونهم بعد التفجير والموت.
وهذا ما تفعلنه فتيات الجيشا في اليابان، تستقبل الرجال، خاصة رجال الأعمال المتعبون من العمل، ويقدمن أجسادهن إليهم، ليزيلوا التعب عنهم.
تفعل فتيات الجيشا هذا ويرون أن هذه مهمة قومية مقدسة من أجل التقرب إلى المعبد هناك، فهن يساهمن في نمو الاقتصاد الياباني وبناء الدولة ورقيها، ولكن بأجسادهن.
وقد أعلن الجيش السوري الموالي لبشار الأسد عن نساء مجاهدات مسلمات تذهبن إلى ساحات المعارك لتقديم أجسادهن هبة للمحاربين في الجيش الحر وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
لكن المتأسلمين كذَّبوا هذا الخبر، واتهموا المخابرات السورية بفبركته، لتشويه صورة المسلمين الذين يحاربون فساد دولة بشار الأسد.
وأعلنت السلطات العراقية عن القبض على امرأة عراقية تسمى "عائشة الدليمي" تجند النساء تحت مسمى "جهاد النكاح" لعناصر القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ( داعش ). وأعلنت مجموعة من النساء العراقيات، يطلقن على أنفسهن اسم "حفيدات الخنساء"، في الأنبار، الجهاد المسلح ضد حكومة نوري المالكي". وهذا الجهاد سلاحه الوحيد هو الجنس.
والفتوى هذه المرة قادمة من تونس، تبيح جهاد المناكحة، وتم استدراج المجاهدات المناكحات وهن دون السادسة عشرة للانتقال إلى سورية لمعاونة المجاهدين الذين يحاربون الجيش السوري. فيتم نقلهن إلى تركيا، ثم يجدن الوسائل السهلة للانتقال إلى القوات التي تحارب باسم الدين الإسلامي.
ويقول مذيع قناة الجزيرة: هناك من يحملون في جيوبهم 40 منديلا معطرا، وحبتين فياجرا، هل تعرفون لماذا؟ حتى ينهمكوا بهمة ونشاط وآخر انبساط مع الحور العين.
وكذب البعض هذا الزعم أيضا، واتهم أعداء الإسلام بمحاولة النيل من رجاله. لكن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو أكد هذا الخبر وقال:
- إن فتيات تونسيات سافرن إلى سوريا تحت مسمى"جهاد النكاح"، وإنهن وهبن أجسادهن للدفاع عن الدولة الإسلامية ويتداول عليهن عشرون وثلاثون ومائة مقاتل، ويرجعن إلي تونس يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم جهاد النكاح.
وأعلن مدير الأمن العام التونسي مصطفى بن عمر عن تفكيك خلية لجهاد النكاح في جبل الشعانبي يتحصن به مسلحون مرتبطون بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
ثم أعلن عثمان بطيخ مفتي تونس بأن فتيات تونسيات تم التغرير بهن وأرسلن لسورية لأجل جهاد النكاح وكثيرات منهن حملن من مقاتلين في جبهة النصرة.
فتم عزله من منصبه بعد هذا التصريح. فالمتأسلمون في كل مكان في العالم، يفعلون ما يخالف الدين الإسلامي، ويدعون عكس ذلك.
وقد حكت صحيفة الشروق التونسية، عن أم اسماء من ولاية القيروان، التي سافرت إلى تل رفعت بسوريا مع زوجها نضال، فاضطروها على أن تشارك في جهاد النكاح من أجل إسعاد بقية العناصر الإرهابية. وقد رفض الزوج في البداية، ولكنه اضطر على الموافقة خوفا على حياته.
وكان نضال يوصلها كل يوم إلى شقة في إحدى العمارات من الساعة التاسعة صباحاً. وتضم الشقة 17 امرأة تمارس جهاد النكاح من جنسيات مختلفة: إيرانية، ومصرية ومغربية وشيشانة وسورية وفرنسية وألمانية، وتدير الشقة امرأة صومالية تدعى أم شعيب تحدد لكل منهن الغرفة التي ستدخلها لممارسة الجنس مع الإرهابيين. وإن أم أسماء مارست الجنس مع أربعة إرهابيين لمدة 27 يوما، وكانت ترتدي ملابس شفافة تختارها أم شعيب، وكانت تطلب منهن معاملة الإرهابيين كما تعامل المرأة زوجها.
وقد أدرك الرئيس الليبي السابق معمر القذافي أهمية تقديم الرشوة للجنود المحاربين، فصرف مع مرتبات جيشه - الذي يحارب ثورة الشعب - حبوب الفياجرا ويحفزهم على مضاجعة نساء القرى والمدن التي يستولون عليها، وذلك تشجيعا لهم للاستمرار في تأييده، ولكي يضمن عدم الانضمام للثوار أعدائه.
ويقول جهادي سابق في محاولته لشرح أسباب جذب الحركات المتشددة للشباب وعلى رأسها "داعش": السبب هو العامل الجنسي، فالفتيات يرغبن في الزواج من المحاربين القساة.
وذلك ذكرني برواية مائة عام من العزلة للروائي الكبير جبرائيل جارسيا ماركيز، عندما تختار المرأة العجوز شباب من المقاتلين الذين يعارضون ويحاربون الدولة، وتقدم إليهم حفيداتها، وتطلب منهم الاختلاء بهن، لكي تضمن أن ينجبن لها أحفاداً شجعانا، أصحاء وأقوياء.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى