المستشار بهاء المري - حُجِّية رسائل البريد الإلكتروني في الإثبات ومدى جواز جَحد الخصوم لمُستخرجاتها:

البريد الاليكتروني كما عرَّفه قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات وسيلة لتبادل رسائل إلكترونية على عنوان مُحدد بين أكثر من شخص طبيعي أو اعتباري، عبر شبكة معلوماتية أو غيرها من وسائل الربط الإلكترونية، من خلال أجهزة الحاسب الآلي وما في حكمها.
وعرَّفه القانون العربي النموذجي الموحد بأنه "نظام للتراسل باستخدام شبكات الحاسبات" أي شبكات الانترنت، ومن المعلوم أن شبكات الحاسبات لا تتصل ببعضها الا من خلال خط اتصال ومنها الخطوط التي تستعمل على أجهزة التليفونات المحمولة، لا سيما التليفونات الذكية أو أجهزة الكومبيوتر اللوحي "تابلت" أو الكمبيوتر المحمول "لاب توب".
ويعد البريد الإلكتروني هو الاستخدام الأكثر شيوعا في مجال الانترنت، والرسالة تنتقل من كمبيوتر المرسل أو تليفونه الذكي، عبر خط تليفوني إلى الكمبيوتر الذي به صندوق بريد المتلقي، الذي يطلع عليها مباشرة أو يسترجعها في أي وقت لاحق عند دخوله على الانترنت.
- تعريف محكمة النقض للبريد الإلكتروني:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البريد الإلكتروني electronic mail (e-mail) هو وسيلة لتبادل الرسائل الإلكترونية بين الأشخاص الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية من أجهزة كمبيوتر أو هواتف محمولة أو غيرها، تتميز بوصول الرسائل إلى المرسل إليهم في وقت معاصر لإرسالها من مرسلها أو بعد بُرهة وجيزة، عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) أيا كانت وسيلة طباعة مستخرج منها في مكان تلقى الرسالة، وسواء اشتملت هذه الرسائل على مستندات أو ملفات مرفقة attachments أم لا(1).
- هل تخضع رسائل البريد الإلكتروني لجحد الخصوم لها:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مما يحدث في الواقع العملي لا سيما في جنايات التهديد ضد النفس أو المال المصحوب بطلب، أو في جنح تعمد الإزعاج عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، أن يطبع المجني عليه، أو رجال البحث المختصين الرسائل الإلكترونية، سواء المرسلة (من) أو (إلى) تطبيق واتس آب، أو (من) أو (إلى) البريد الإلكتروني، أو ما شابَه من التطبيقات الأخرى وترفق بمحاضر الاستدلالات، أو ترد إلى المحكمة مرفقة بالتقارير الفنية التي أجريت بناء على طلب النيابة العامة أو المحكمة لفحص الجهاز المستخدم في الإرسال أو الاستقبال، فهل يجوز للخصوم أو المتهم في المحاكمات الجنائية، جحد صور الرسائل التي تطبع كمستخرجات من النظام المعلوماتي؟
لقد حسمت محكمة النقض هذه المسألة بمناسبة جحد خصم للمخرجات التي تم الحصول عليها من رسائل بريد إلكتروني، بصدد توقيع إلكتروني فيما قضت به من أن القوانين: "أجازت القوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية للقاضي استخلاص واقعتي الإيجاب والقبول - في حالة التعاقد الإلكتروني - من واقع تلك الرسائل الإلكترونية دون حاجة لأن تكون مفرغة كتابيا في ورقة موقعة من طرفيها، ذلك أن هذه الرسائل يتم تبادلها عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، ولذلك فإن أصول تلك الرسائل - مفهومة على أنها بيانات المستند أو المحرر الإلكتروني - تظل محفوظة لدى أطرافها - مهما تعددوا - المرسل والمرسل إليهم داخل الجهاز الإلكتروني لكل منهم، فضلا عن وجودها بمخزنها الرئيسي داخل شبكة الإنترنت في خادمات الحواسب Servers للشركات مزودة خدمة البريد الإلكتروني للجمهور. وفى كل الأحوال، فإنه في حالة جحد الصور الضوئية، فلا يملك مرسل رسالة البريد الإلكتروني أن يقدم أصل المستند أو المحرر الإلكتروني، ذلك أن كل مستخرجات الأجهزة الإلكترونية، لا تعدو أن تكون نسخا ورقية مطبوعة خالية من توقيع طرفيها، ومن ثم فإن المشرع وحرصا منه على عدم إهدار حقوق المتعاملين من خلال تلك الوسائل الإلكترونية الحديثة حال عدم امتلاكهم لإثباتات مادية على تلك المعاملات، قد وضع بقانون تنظيم التوقيع الإلكتروني ولائحته التنفيذية الضوابط التي تستهدف التيقن من جهة إنشاء أو إرسال المستندات والمحررات الإلكترونية وجهة أو جهات استلامها وعدم التدخل البشرى والتلاعب بها للإيهام بصحتها، وهو ما قد يستلزم في بعض الحالات الاستعانة بالخبرات الفنية المتخصصة في هذا المجال، فإذا ما توافرت هذه الشروط والضوابط، فإن الرسائل المتبادلة بطريق البريد الإلكتروني، تكتسب حجية في الإثبات تتساوى مع تلك المفرغة ورقيا والمذيلة بتوقيع كتابي، فلا يحول دون قبول الرسالة الإلكترونية كدليل إثبات مجرد أنها جاءت في شكل إلكتروني، ولهذا فإنها تكون عصية على مجرد جحد الخصم لمستخرجاتها وتمسكه بتقديم أصلها؛ إذ إن ذلك المستخرج ما هو إلا تفريغ لما احتواه البريد الإلكتروني، أو الوسيلة الإلكترونية محل التعامل، ولا يبقى أمام من ينكرها من سبيل إلا طريق وحيد هو المبادرة إلى الادعاء بالتزوير وفق الإجراءات المقررة قانونا تمهيدا للاستعانة بالخبرة الفنية في هذا الخصوص(2).
وأصَّلت محكمة النقض القضاء سالف الذكر بما قضت به في ذات الطعن من أن: "المشرع في المواد 1، 15، 18 من القانون رقم 15 لسنة 2004 بشأن تنظيم التوقيع الإلكتروني وبإنشاء هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وفى المادة 8 من اللائحة التنفيذية لهذا القانون، كان حريصا على أن تتحقق حجية الإثبات المقررة للكتابة الإلكترونية والمحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية لمنشئها، إذا توافرت الضوابط الفنية والتقنية من حيث ‌ أن يكون متاحا فنيا تحديد وقت وتاريخ إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية، من خلال نظام حفظ إلكتروني مستقل وغير خاضع لسيطرة منشئ هذه الكتابة أو تلك المحررات، أو لسيطرة المعنى بها. وأن يكون متاحا فنيا تحديد مصدر إنشاء الكتابة الإلكترونية أو المحررات الإلكترونية الرسمية أو العرفية ودرجة سيطرة منشئها على هذا المصدر وعلى الوسائط المستخدمة في إنشائها. وهو ما يدل على أن المشرع ارتأى مواكبة التطور التكنولوجي العالمي في المعاملات المدنية والتجارية والإدارية عن طريق تنظيمها ووضع ضوابط لها من أجل ترتيب آثارها القانونية، مدركا المفهوم الحقيقي للمحرر وأنه لا يوجد في الأصل ما يقصر معناه على ما هو مكتوب على نوع معين من الدعامات Support سواء كانت ورقا أم غير ذلك. وأنه ولئن كانت الكتابة على الورق هي الأصل الغالب، إلا أن المحرر لم يكن في أي وقت مقصورا على ما هو مكتوب على ورق وحده، وكل ما يتطلبه المشرع للإثبات هو ثبوت نسبة المحرر إلى صاحبه، فلا ارتباط قانونا بين فكرة الكتابة والورق، ولذلك لا يشترط أن تكون الكتابة على ورق بالمفهوم التقليدي ومذيلة بتوقيع بخط اليد، وهو ما يوجب قبول كل الدعامات الأخرى - ورقية كانت أو إلكترونية أو أيا كانت مادة صنعها - في الإثبات، ومن ذلك ما نصت عليه المادة الأولى (ز) من اتفاقية مدة التقادم في البيع الدولي للبضائع (نيويورك، 1974) بصيغتها المعدلة بالبروتوكول المعدل للاتفاقية (بروتوكول عام 1980) على أنه "في هذه الاتفاقية:... (ز) تشمل "الكتابة" البرقية والتلكس". وما نصت عليه المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن عقود البيع الدولي للبضائع (فيينا، 1980) من أنه: "يشمل مصطلح "كتابة"، في حكم هذه الاتفاقية، الرسائل البرقية والتلكس". وما نصت عليه المادة الرابعة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الإلكترونية (نيويورك، 2005) من أنه " أ- يقصد بتعبير الخطاب: أي بيان أو إعلان أو مطلب أو إشعار أو طلب، بما في ذلك أي عرض وقبول عرض يتعين على الأطراف توجيهه، أو تختار توجيهه في سياق تكوين العقد أو تنفيذه. ب- يقصد بتعبير الخطاب الإلكتروني: أي خطاب توجهه الأطراف بواسطة رسائل بيانات. ج- يقصد بتعبير رسالة البيانات: المعلومات المنشأة أو المرسلة أو المتلقاة أو المخزنة بوسائل إلكترونية أو مغناطيسية أو بصرية أو بوسائل مشابهة تشمل - على سبيل المثال لا الحصر- التبادل الإلكتروني للبيانات أو البريد الإلكتروني أو البرق أو التلكس أو النسخ البرقي". وأنه وفق التعريف الذي أوردته الفقرة (17) من المادة الأولى من اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بعقود النقل الدولي للبضائع عن طريق البحر كليا أو جزئيا (نيويورك 2008) ("قواعد روتردام")، فإن مصطلح الخطاب أو الرسالة الإلكترونية electronic communication " يعنى المعلومات المعدة أو المرسلة أو المتلقاة أو المخزنة بوسيلة إلكترونية أو بصرية أو رقمية أو بوسيلة مشابهة، بما يؤدى إلى جعل المعلومات الواردة في الخطاب ميسورة المنال بحيث يمكن الرجوع إليها لاحقا"(3).


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1،2،3) نقض مدني، الطعن رقم 17689 لسنة 89 جلسة 10 / 3 / 2020.




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى