في أول عملية صيد بري، خطيرة، أقوم بها، قتلتُ كبير الأسود في بلدي، بضربة خنجر قاضية. ففزعتْ قطعان الوحوش، الضارية والبرية، التي كانت تتجمهر حوله: تناجيه، تتسابق في خدمته واجلاله... فرَّتْ كلها بعيدا عن ساحة المعركة، هاربةً ذليلةً.
ثم سرعان ما تغير الموقف: رجع الهاربون، وبدأوا يلعقون دم الأسد القتيل، ويتنافسون على التقرب مني، واصواتهم تعلو، تصدح بمدحي، وجميعهم يصرخون بقوة حناجرهم، ذمًا وشتما للمهزوم:
" أنت قائدنا العظيم المُفدَّى، ندعمك ونفديك بدمنا ومالنا... نحن مدينون لك: خلَّصتنا من هذا الطاغية المجرم... أهاننا واهلك الحرث والنسل."
تظاهرتُ بالاستماع والسرور بما يقولون؛ بينما كنتُ استمتع بالمشهد واخجل منه في آن واحد، وأنا اكرر ما يدور في خاطري دون أن أبوح به لأحد:
"لا، أنا لستُ بطلا ! وهؤلاء الوحوش لن يخذلوني، فهم منافقون، لا يعول عليهم".
ثم فكرتُ في مصلحتي وخشيتي، كزعيم سياسي، يستغل انصاره ويخشاهم، يستحقرهم ويخاطبهم، دون أن يسمعوه :
"سوف استخدمكم، مع علمي ويقيني أنكم تحاولون خديعتي، وستكيدون لي كيدا، كما خدعتم هذا الأسد المسكين من قبلي، وغيره من قادة القطيع. وكما ستفعلون مع من سيأتي من بعدي. فعسى ربي أن يجيرني مكركم ".
لم تكن ابنتي جارا على علم بما يشغل بالي من همومٍ، رغم أنها كانت تجلس إلى جانبي رفقة صديقتين لها، راماتا وامباركه. كنَّ يتابعن معي البرنامج التلفزيوني. وجميعنا صامتون، لأن الفتيات تعلمن مدى حبي الشديد للأفلام الحيوانية، وحرصي على الهدوء خلال متابعتها. وهن أيضا يجدن فيها متعة وتسلية.
لكن أياً منهن، لا ابنتي ولا رفيقتيها، لم تكن لتتخيلن أنني أتصور نفسي في تلك اللحظات بطلَ ومؤلفَ الفيلم الوثائقي الذي يمر على الشاشة: أغيِّر في السيناريو حسب ما تجود به قريحتي، أضيف له لقطات واحذف أخرى، ألعب الأدوار الرئيسية التي ترمز إلى القوة، إلى السلطة، إلى النجاح... تجاوبا مع طموحي الفائق.
كان تركيزي منصبا كليا على المشهد السينمائي، اتفاعل معه، أحاور وأُسيَر الحيوانات البرية، التي أشاهد صورها تتوالى أمام عيني، بوصفها كائنات حقيقية، تغمر مخيلتي: رجعتْ بعد فرارها خوفا مني لتستسلم فورا لسلطتي وإرادتي. فلم أتردد في قبول بيعتها، وأنا استمتع برؤيتها تلعق دم الأسد الذي قتلتُه منذ وقت قصير، واخذتُ مكانه على رأس القطيع.
احلامي كانت فياضة-ما شاء الله -وانا أتابع الفيلم !
لكن الأوهام سوف تتوقف فجأة، لتحل الحيرة والارتباك مكانها دون سابق انذار، لمَّا سألتني جارا:
"بابا، بوصفك مولعا بالسياسة، وشغوفا بالأفلام الحيوانية، كيف تفسر أن عالم السياسة يشترك مع عالم البراري في صفة واحدة : يحكمهما قانون الغاب؟"
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)
ثم سرعان ما تغير الموقف: رجع الهاربون، وبدأوا يلعقون دم الأسد القتيل، ويتنافسون على التقرب مني، واصواتهم تعلو، تصدح بمدحي، وجميعهم يصرخون بقوة حناجرهم، ذمًا وشتما للمهزوم:
" أنت قائدنا العظيم المُفدَّى، ندعمك ونفديك بدمنا ومالنا... نحن مدينون لك: خلَّصتنا من هذا الطاغية المجرم... أهاننا واهلك الحرث والنسل."
تظاهرتُ بالاستماع والسرور بما يقولون؛ بينما كنتُ استمتع بالمشهد واخجل منه في آن واحد، وأنا اكرر ما يدور في خاطري دون أن أبوح به لأحد:
"لا، أنا لستُ بطلا ! وهؤلاء الوحوش لن يخذلوني، فهم منافقون، لا يعول عليهم".
ثم فكرتُ في مصلحتي وخشيتي، كزعيم سياسي، يستغل انصاره ويخشاهم، يستحقرهم ويخاطبهم، دون أن يسمعوه :
"سوف استخدمكم، مع علمي ويقيني أنكم تحاولون خديعتي، وستكيدون لي كيدا، كما خدعتم هذا الأسد المسكين من قبلي، وغيره من قادة القطيع. وكما ستفعلون مع من سيأتي من بعدي. فعسى ربي أن يجيرني مكركم ".
لم تكن ابنتي جارا على علم بما يشغل بالي من همومٍ، رغم أنها كانت تجلس إلى جانبي رفقة صديقتين لها، راماتا وامباركه. كنَّ يتابعن معي البرنامج التلفزيوني. وجميعنا صامتون، لأن الفتيات تعلمن مدى حبي الشديد للأفلام الحيوانية، وحرصي على الهدوء خلال متابعتها. وهن أيضا يجدن فيها متعة وتسلية.
لكن أياً منهن، لا ابنتي ولا رفيقتيها، لم تكن لتتخيلن أنني أتصور نفسي في تلك اللحظات بطلَ ومؤلفَ الفيلم الوثائقي الذي يمر على الشاشة: أغيِّر في السيناريو حسب ما تجود به قريحتي، أضيف له لقطات واحذف أخرى، ألعب الأدوار الرئيسية التي ترمز إلى القوة، إلى السلطة، إلى النجاح... تجاوبا مع طموحي الفائق.
كان تركيزي منصبا كليا على المشهد السينمائي، اتفاعل معه، أحاور وأُسيَر الحيوانات البرية، التي أشاهد صورها تتوالى أمام عيني، بوصفها كائنات حقيقية، تغمر مخيلتي: رجعتْ بعد فرارها خوفا مني لتستسلم فورا لسلطتي وإرادتي. فلم أتردد في قبول بيعتها، وأنا استمتع برؤيتها تلعق دم الأسد الذي قتلتُه منذ وقت قصير، واخذتُ مكانه على رأس القطيع.
احلامي كانت فياضة-ما شاء الله -وانا أتابع الفيلم !
لكن الأوهام سوف تتوقف فجأة، لتحل الحيرة والارتباك مكانها دون سابق انذار، لمَّا سألتني جارا:
"بابا، بوصفك مولعا بالسياسة، وشغوفا بالأفلام الحيوانية، كيف تفسر أن عالم السياسة يشترك مع عالم البراري في صفة واحدة : يحكمهما قانون الغاب؟"
البخاري محمد مؤمل (اليعقوبي)