محمد السلاموني - خواطر حول (الدين والعقل والعلم) :

لماذا لا توجد فلسفة (عربية) مثلما يوجد لدى الغرب ؟.
ولنا أن نلاحظ أننا كما نفتقر إلى الفلسفة فإنما نفتقر إلى العلم أيضا - نعم لا يوجد (علم عربى) ...
لماذا يفتقر العرب إلى (الفلسفة والعلم) ؟...
فى الغرب ، (تاريخيا) ، كانت الفلسفة هى أم العلوم ، وبعد ذلك حينما تحررت العلوم الطبيعية من الفلسفة ، كانت الفلسفة هى القوة التى تحرر بها العلم واستقل بذاته ...
يروى (ريتشارد رورتى) ، فى كتابه (مرآةالطبيعة) عن الدور الكبير الذى قام به (ديكارت وكانط وهيوم وليبنتز ، وغيرهم) فى وضع أسس (الأبستمولوجيا) ؛ و تتراوح ترجمتها بين (نظرية المعرفة وفلسفة العلم) - هذا وعلى الرغم من كل ما يقال عن أن (الفلسفة ليست أكثر من فرع من فروع الأدب) ، وعن (موت الفلسفة) ، وما شابه ، إلا أن (العلم) لا يستطيع أن يقطع الطريق بمفرده أبدا ، وسيظل بحاجة ماسة لرعاية الفلسفة ؛ لأنها هى التى تحدد وتضبط أسئلة العلم ومناهجة وأهدافه ...
ذلك أن (العلم) وليد (العقل) ، وليس بإمكانه العمل خارج إطار العقل ، أبدا ..
وبذا يمكننا الجزم، بأن إفتقار العرب إلى (العلم) يعود - بالضرورة - لإفتقارهم إلى (الفلسفة) .
فى عصر المأمون كانت المواجهة بين (الشرع والعقل) ، أما فى عصرنا هذا (الممتد من عصر التنوير العربى فى نهاية القرن التاسع عشر إلى الآن) ففد تحولت المواجهة بين (الشرع والعقل) إلى مواجهة شاملة بين (الدين ككل والعلم ككل) - هذا على إعتبار أن (العلم) نتاج (العقل) ، وكما نعرف فهناك إرتباط وثيق بين (العقلانية والعلمانية ، الغربيتين) ...
إنتهى عصر المأمون إلى (تسخير العقل فى خدمة الشرع)، وسنجد فى عصرنا أيضا ، محاولات ملفقة ، ومضللة ، يأتيها البعض (لتسخير العلم فى خدمة الدين) ، تحت مسمى (التفسير العلمى للقرآن) ...
ما معنى هذا ؟...
هو لا يعنى سوى الخوف من (العقل) ...
هو يعنى أن العقل لدينا هو (بيت الشيطان) أو (المكان الذى يقيم به الشيطان) ... نعم ، لدينا إعتقاد راسخ بأن إستعمال العقل هو بداية الضلال ، والجنوح والشطط والعصيان ... أى (الخروج) !! ..
(الخروج) من من ؟ ..
(الخروج) من القبيلة أو من الجماعة - فهى (الرحم) ، والرحم هو (الجنة أو الفردوس) ، ومنه إشتقت كلمة (الرحمة) ، كما أنه (الخروج) من الجنة ، وبذا تظل أسطورة (آدم وحواء) هى الأسطورة المؤسسة لعلاقة الجماعة بالفرد ، بما هى علاقة (الدين بالعقل) ...
ــــــــــ قد يعنى هذا أن تمسكنا بالدين يعود فى الأساس إلى أنه هو الضامن لوجود (الجماعة) ولإستمراريتها ، والسبب المباشر فى تماسكها ووحدتها ... أى أن (الدين) ، فى حقيقته ، ليس أكثر من تقديس (الجماعة) لنفسها كجماعة ، الدين هو (الدستور) الحاكم والحامى للجماعة من عدوان (الفرد - العقل) على تماسكها ووحدتها ... ولا غرابة فى ذلك ، فدوركايم ، يقول بأن وظيفة الدين تنحصر فى كونه أحد أهم عوامل التماسك المجتمعى فى الغرب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى