(1)_في الـسـرد. هـل يستطيع الروائي تشكـيل الحدث بيسـر وسهـولـة؟!
عمـلـيـة بناء الحـدث تخضـع لإجراءات الهـدم والبناء.
فـكـيف يخطط الروائـي لهندسـة الأحداث؟!
هــل يستطيع أن يـربط بينها في حبكـة وانسجام ويسُر دون ارتباك الخيال؟! دون الإخلال بالمعنى؟ بالفكرة بالعواطف والوجدان؟!
كيف يقدم ويؤخـر الأحـداث ؟! ويسترجـع ويستلهم المواقف والشخوص ويحاور؟ وينسـج من الأحداث الصغيرة الحدث الرئيس؟!
من أي حـدث يـطـل علينا ؟ فعملية بناء الـحـدث هـندسـة بالغة الخطورة لأن تشكيل فـضاء المكان والزمان مرتبـط بالذكاء والخبرة والتجربة والموهبـة...
لا يستطيع الروائـي أن يسـرد علينا أحـداث روايتـه ويـقنعنا بواقعيتها وخـيالها المبدع إلاٌ إذا كـان مطـلعـا على الخصائص والفنيات وأدوات الـسـرد وتقنيات الحـكي ..
(2)_ مـعـمـاريــة النـص الـروائـي: ينظـر النقـاد إلى هندسـة النص الروائي من منـظـور تطور الـحـدث الـعـام وتـنامـيه وكيفيـة تـشكـيـلـه وبـنـاء عنـاصـره كالـمكـان والـزمـان والشـخـوص وتنامي الإحداث الصـغيرة في الـحـدث الـعـام. من خـلال لـغـة الـسـرد القـائـمة على الـوصف والـحوار بين الشخـوص فـإذا كـانت الأحـداث مـرتـبة تـرتـيبا تصـاعـديا نـقـول بنـاء نـظمـي.
وإذا كانت الرواية تطـل علينا من الحدث الأخـير، ثـم تعـود بـنـا إلى بـدايـة الـحـدث. نـقـول بناء دائـري وإذا تعلق الأمر بشخـوص الـروايـة في بناء الحدث، كان تتوقـف الشخصـية لسبب من الأسباب وتقوم مقامها شخصية أخرى لتكمل الدور.نقـول بناء تناوبـي
ثـم البناء التـوازي أو المتوازي . شخصيتان متصارعتان تنتهيان إلى نفس المآل..
ورواية تداخـل الأزمـنة وتقنيات الارتـداد .
روايــة تيـار الـوعـي وتـداخـل الأزمـنـة والأمـكنـة...الخ.
(3)_ عـلـى خــط الــنٌــار..
شبه جملـة من الجار والمجرور، خـبر لمبتدأ محذوف ..فما هـو الـمحـذوف في هـذه الجملـة؟! هـل هـو الصـراع؟! الخـوف؟! الـموت؟! الدمار؟! هـل وهل؟!. ومن يطفئ النار إذا اشتـد لهيبها وعــم آوارها؟
ما يـوحـي به الـعـنـوان أن أحـداث الـروايـة ستكـون قائـمة على الـصراع الـدرامي، وأن الـمفاجآت ستكون ملهمـة والمفارقات بـاللـون الأحـمـر الـمباغـت ، خانقـة وعسيرة.
فـماذا حدث على خـط النار؟!
_ على خط النار حديث عن العشرية السوداء، حديث عسير شديد الــهـول والفزع، عصيب حالك، مقيت ، والـنـبش في ذاكـرته مؤلـم لا يستطيع أحـد الإلمام به والإحاطة بأحداثه ومفارقاته وإدراك ما خلفـه من أمراض نفسية وعاهات جسدية وتشوهات خلفية واجتماعية. تعجز عشرات الروايات بل مـئات القصص الوقوف على رصـد تلك الأيام والسنين الدموية ان تلم بتلك الأحداث الدرامـية المأساوية الملطخة بدم النساء و الأطفال الرضع والشيوخ والمشاهد المخزية.
(4)_ تطل علينا الروايـة في حدث بسيـط (بعـد وصـف مكثف للحيـز ألزماني، رجـل كهل ملـقى على أرض مبللـة تحجـب وجـهه قتامه من الـدم، يتخبط يمينا وشمالا، كما يتخبط الطير الذبيح ..كان ذلك مصادفا لأمسية ليلـة رأس السنة الميلادية،حين صدمـه مـوكب الاحتفال ، ينـقـل على إثـر هذا إلى الـمـشـفى وحين يستفيق تعـتريه حالة من الـهذيان، يقول الراوي: (لم يكن هذيانه يوميات يحكي فيها صاحبـها عن صراع مواقع، أو خواطر يتنفس بها لـيخرج أزيزه، ولا وصـايا أدركـه فيها الرحيل، هي أكبر من القصة في أحداثها، واغـرب من الواقـع.) ثم يـسرد لـنا هذه الوقائع والأحداث على لسانه..) يلـتحق بالواجب الذي يدعوه ، بالثكنة أولا ثم بمركز العبور التابع للـقوات المسلحة. ثم بالجـبـل والمقاومة ضـد قـوى الشـر، إلى جانب زملائـه ( جمال ، سـالم، يـوسـف)..
يصف المدينة ومشاهـد الرعب والانكسار، ويصف الـثكنة وأجواء الاستقبال.ثم يـصـف الصراع على خط النار
.صـراع بيـن فرقتين أو جيشيـن في منطقة جبلـية وعـرة الـتـضاريس..
_ يتـخلل هذا الصراع والمواجهـة صـراعا آخـر على مستوى الوجدان يتمثل في تلك الأشـواق والتداعيات النفسية الملتهبة على خـط نار الـشـوق في رسـائـل متبادلـة بين الأهل والأحـبـة يتخللها باعـث الشـوق والحنين، هـروبا من ملاذ القـهـر والكبت، ووقـوفا عند سلـطان الوحشة ولوعة الفراق، وبـعـث للأمـل الـمـعـلق بين الموت والحياة.
يتـخلٌـل هذه الحوارات كثير من الهواجـس، منها ما يتعلق بالإرهاب ومنها ما يـتصل بالسياسة والثقافة والأفكار.
كحديث (رفيق) عن الإرهاب. وما يقوم بـه ويستهدفه
يقول:( ستكون الحرب القادمة أخطـر بكثير من هذه الحرب الموكلة، لأنها لا تـحتاج لأسلـحة فتاكة، ولا إلى جيوش جرارة ستصبح الجيوش عالـة على الحكومات. حين ذلك يستهدفون أفكارنا لا أجسادنا فيبدؤون بتدمير لغتنا باعتبارها أساس هويتنا وتاريخنا ووحدتنا ويشجـعون في المقابل انتشار اللهجات المختلفة التي تمـزق الوطن إلى أقلـيات تفقد التواصل فيما بينها يقول ( إن الحـرب لن تتوقف، اليوم بندقية ومدافع، وغدا لوكالة الفكر الشائع الضائع، فما لم يحققونه بالأسلحة يسعون إلى الحصول عليه فكريا وثقافيا)
____ الــقـراءة النـقدية ____
(5)_يـقـومُ مفهوم النص "عند رولان بارت" على نسيج لُغويّ له مظهران دال ومدلول، يتولّد في حالة من اللاوعي لدى الكاتب ويكتب في الوعي، مكوّنًا بذلك نصًّا مغناجا يجذبُ القارئ إليه، ويخلق لديه نوعًا من التفاعل الحرّ مع عالم متخيّل، وبالتالي فإنّ مفهوم النص عند رولان بارت لا يتحقّق إلّا من خلال تفاعل المتلقّي مع النص، وشرحه وفَهمه وتحليله والتفاعل معه تفاعلًا واعيًا ينقله من مستوى الشرح والوصف إلى مستوى التأويل، ويحقق له قيمته الجماليّة..
من هذا القـول استدعي إلى قـراءة الـنـص مايلي
_______الــتداعـي الـحــر _____
(6)_الهذيان كلام غير مـوضـوعي من حيث البناء اللغوي ، لأنـه صـادر عن اللاوعي، ولكن المتابع لمفارقاته وأجـزائـه يدرك شـيئا فشـيئا تيار الوعـي فيه ، ذلك هـو حـديث النفس غير المترابط ،أو ما يسمى (بالتداعي الحـر) متعلق بأفعال الشخـص وتصرفاته، ويفوق في أهميته ووقـعـه تيار السـرد النظامي للعالم الخارجي. إلاٌ أنٌ تقنياته تحتاج إلى تسـريع الحدث وإلى لـغـة فـنيـة راقـية، تسترجع الأحداث الدرامية المتتالية عن طريق ما يسمى ب (الفلاش باك) أو ما يسـاعـد على بناء الصراع الـدرامـي في أحـداث متفرقــة ارتـسمت على الخريطة الذهنية.. في كلمات ذات دلالة وأبعاد وعبارات بها وقع تـرسـم الأحداث من منظور نفسي واقعـي..
_ روايـة تيار الوعي تـخـرج عن منطق السـرد الموضـوعي، فلا تراعي ترتيب الأحداث وتسلسلها، وهي ذات طبيعـة مخالفة لـطبيعة الـقـص في الـروايات الكلاسيكية، لأنها تستهدف الجوانب الخـفـية والمظلمة في النفس البشرية كما تستهدف تلك المتناقضات من مشاعـر وأفكار، وهو ما دفـع بالروائيين إلى الكـشف عن هذه الأفكار ورصدها في أعمالهم الروائية، دون الاهتمام بالـعالم الخارجي، في محاولة الرجوع أليه من حين لآخـر، وهو ما فـرض أنماطا وأشكالا جديدة من الأساليب في طريقة السـرد والقـص.
أسلوب التداعي الحـر أسـلوب يتميز بخصائص وتقنيات وأدوات تكـون قادرة على كشف المستور من الأحداث والمتناقضات من المواقف.ولا تكون المغامرة إلاٌ بعد تحديد ملامح هـذه النفسية ورصـد معالمها الاجتماعية المرضية السيكولوجية.
كان ذلك جميلا، لو أن الهذيان اسـترجـعت فيه شخصية الـبطـل (رفـيـق)صورا ونماذج متنوعة لوحـشيـة الإرهاب الأعـمى مع مواقف التصدي له، ( من على خـط النار) لكان أرقى وأمتع، لأن الإرهاب لم يقف في كلٌ الأحـوال وجـها لوجـه على خـط النار بل كان مارقا ومخادعا باستعمالـه لشتى أساليب المكـر والدمار، وهذه الأساليب المراوغـة والمخادعة لم تظهر معالمها في واقـع وأحداث الرواية.(1)
2_ يستـعمل تيار الـوعـي لتفجير كـوامن الشخصيـة، للـكـشف عن (مقبرة اللاشـعور ) من المنظور الفرايدي..
كان جميلا لو استدعـت شخصية(رفيق) الواقع تحت تأثير الصدمة في هذيانه أن يعبر عن تلك المكبوتات من حياته المتناقضة بين فكر الإرهاب المتطرف والفكر المقاوم للإرهاب من منظور واقعي نفسي واجتماعي وسياسي..فكثير من الأسر التي أوت الإرهاب ودعـمـته ووقـفت إلى جانبه في تـسـتر وخـداع مـارق تحت تأثيـر إسـلامـوي.!!!
وكـم من مقاوم للإرهاب خـضع لسـلـطة التأثيـر المتطـرف وانـقـلب بين عشية وضحاها رغـم ثقافتـه وتكوينه العلمي ومستواه الثقافي؟!!
3_كان بإمكاننا الـتـعرف على شخصية البطل(رفيق) أثناء وقوعـه في الهذيان عن طريق شخصية أخـرى تتعرف عليه وترافقـه في هذيانـه مفسـرة هذه المكبوتات (التداعي الحر) وتكشف عن هـوية الإرهاب وعن جرائمـه البشعة التي تتنافى مع جـميـع الـقـيم الإنسانية..(رصـد الأفعال الإجرامية المنافية للأعـراف والقيم والأخلاق )
_بناء الشخصيات.. الشخصيات في رواية ( على خط النار ) باهـتـة غـير واضـحة الملامـح والمواقف والسلوكيات في كثير من المواقف والأحداث فلا شخصية البطـل (رفيق) ولا شخصية الإرهابي جليـة وواضحـة.كان بإمكان الروائي أن يوظف اللغة النفسية الأكثر واقعية، وأنت يعمل على إثراء قاموسـه اللغـوي الذي يرسـم ملامـح الشخـصية، ويـؤكـد واقعية الأفعال، (لغـة ردود الأفعال).فـبناء الشخصية في العمل الروائي ينبغي أن تدرس وتـنتقى بعنايـة ومهارة حتى تكـون مقنعـة فـنيا. كشخصية البطل مثلا تكون مميزة عن بقية الشخوص في مـظهرها في حركاتها في لـغتـها في مواقفها في وسلوكها.
والشخصيات إذا حـدد وجودها في العمل الروائي وبـرٌر تبريرا فـنيا يوافق سيرورة الحدث. فزيائيا، ونفسيا وفكريا ثقافية و وإيديولوجيا كانت أكـثر واقعية وأكثر تأثيرا . يسهل علينا وصـفـها ووضـعـها في إطـارها المناسب .كالشخصية النمطية والشخصية ....؟!!!
يبقى علي أن ألتفـت إلى النص الـمـغناج في كـل قـراءة ، بـل في كــل دعــوة يـرفـض صـاحبـها الـمبدع مراسـيم الضيافـة التي تـقـام على الطقوس والتقاليد الـمـصطنعـة كـلـبـس الأحـذيـة الـصينيـة الضـيقـة وارتـداء مـوسـوح الـرهـبان عنـد ولـوج عـتبات الـخيال والعواطـف والوجـدان. ذلـك أن حـريـة الـمـبدع فـوق كل اعتبار... وتـبقـى الــقـراءة الفاعـلة هـي الإبـداع الـثاني ووجــهـة نـظـر تـسـاهـم في إرساء قـواعـد لـعـبة الإبداع وقـديـما جـاء في مؤانسة "أبي حيان التوحيدي" (الــكـلام على الـكلام صـعـب..)
علـى خـط الـنـار نـص جـمـيل ينبـغي الـرجـوع إلـيـه والولـوج إلى دهاليزه وقـراءتـه قـراءات دلالـية ذرائعية طـبـقاً لما تـدعـو إليـه الحاجـة الأداتية كبنيـة اللـغـة مثلا وتأثيث النـص، كأسلوب الحوار والسـرد وكـل المفاهيم المعرفية الغنية والقوانين العلمية والنظريات هي مجرد أدوات أو وسائل أو مفاتيح إلى المواقف، أي «خطط عمل»، ومن هنا يعـتبر الصدق شيء مـبرر يضمن نجاح العمل في كل المواقـف. وأن الـتـقـدم لا يـضمن بلـوغ الأهداف، وإنما يتضمن عملية الحركة نفـسها. مصداقا لقـول مصطفى العقاد (غناك في نفسك وقيمتك في عملك وبواعثك أحـرى بالعناية من غاياتك.) كلٌ الثناء والتقدير للأسـتاذ القاص الـروائي المبدع الطموح "رحـو شـرقـي" خالـص التحية وجزيـل الـشكـر وفائـق المـودة والامتنان.
عمـلـيـة بناء الحـدث تخضـع لإجراءات الهـدم والبناء.
فـكـيف يخطط الروائـي لهندسـة الأحداث؟!
هــل يستطيع أن يـربط بينها في حبكـة وانسجام ويسُر دون ارتباك الخيال؟! دون الإخلال بالمعنى؟ بالفكرة بالعواطف والوجدان؟!
كيف يقدم ويؤخـر الأحـداث ؟! ويسترجـع ويستلهم المواقف والشخوص ويحاور؟ وينسـج من الأحداث الصغيرة الحدث الرئيس؟!
من أي حـدث يـطـل علينا ؟ فعملية بناء الـحـدث هـندسـة بالغة الخطورة لأن تشكيل فـضاء المكان والزمان مرتبـط بالذكاء والخبرة والتجربة والموهبـة...
لا يستطيع الروائـي أن يسـرد علينا أحـداث روايتـه ويـقنعنا بواقعيتها وخـيالها المبدع إلاٌ إذا كـان مطـلعـا على الخصائص والفنيات وأدوات الـسـرد وتقنيات الحـكي ..
(2)_ مـعـمـاريــة النـص الـروائـي: ينظـر النقـاد إلى هندسـة النص الروائي من منـظـور تطور الـحـدث الـعـام وتـنامـيه وكيفيـة تـشكـيـلـه وبـنـاء عنـاصـره كالـمكـان والـزمـان والشـخـوص وتنامي الإحداث الصـغيرة في الـحـدث الـعـام. من خـلال لـغـة الـسـرد القـائـمة على الـوصف والـحوار بين الشخـوص فـإذا كـانت الأحـداث مـرتـبة تـرتـيبا تصـاعـديا نـقـول بنـاء نـظمـي.
وإذا كانت الرواية تطـل علينا من الحدث الأخـير، ثـم تعـود بـنـا إلى بـدايـة الـحـدث. نـقـول بناء دائـري وإذا تعلق الأمر بشخـوص الـروايـة في بناء الحدث، كان تتوقـف الشخصـية لسبب من الأسباب وتقوم مقامها شخصية أخرى لتكمل الدور.نقـول بناء تناوبـي
ثـم البناء التـوازي أو المتوازي . شخصيتان متصارعتان تنتهيان إلى نفس المآل..
ورواية تداخـل الأزمـنة وتقنيات الارتـداد .
روايــة تيـار الـوعـي وتـداخـل الأزمـنـة والأمـكنـة...الخ.
(3)_ عـلـى خــط الــنٌــار..
شبه جملـة من الجار والمجرور، خـبر لمبتدأ محذوف ..فما هـو الـمحـذوف في هـذه الجملـة؟! هـل هـو الصـراع؟! الخـوف؟! الـموت؟! الدمار؟! هـل وهل؟!. ومن يطفئ النار إذا اشتـد لهيبها وعــم آوارها؟
ما يـوحـي به الـعـنـوان أن أحـداث الـروايـة ستكـون قائـمة على الـصراع الـدرامي، وأن الـمفاجآت ستكون ملهمـة والمفارقات بـاللـون الأحـمـر الـمباغـت ، خانقـة وعسيرة.
فـماذا حدث على خـط النار؟!
_ على خط النار حديث عن العشرية السوداء، حديث عسير شديد الــهـول والفزع، عصيب حالك، مقيت ، والـنـبش في ذاكـرته مؤلـم لا يستطيع أحـد الإلمام به والإحاطة بأحداثه ومفارقاته وإدراك ما خلفـه من أمراض نفسية وعاهات جسدية وتشوهات خلفية واجتماعية. تعجز عشرات الروايات بل مـئات القصص الوقوف على رصـد تلك الأيام والسنين الدموية ان تلم بتلك الأحداث الدرامـية المأساوية الملطخة بدم النساء و الأطفال الرضع والشيوخ والمشاهد المخزية.
(4)_ تطل علينا الروايـة في حدث بسيـط (بعـد وصـف مكثف للحيـز ألزماني، رجـل كهل ملـقى على أرض مبللـة تحجـب وجـهه قتامه من الـدم، يتخبط يمينا وشمالا، كما يتخبط الطير الذبيح ..كان ذلك مصادفا لأمسية ليلـة رأس السنة الميلادية،حين صدمـه مـوكب الاحتفال ، ينـقـل على إثـر هذا إلى الـمـشـفى وحين يستفيق تعـتريه حالة من الـهذيان، يقول الراوي: (لم يكن هذيانه يوميات يحكي فيها صاحبـها عن صراع مواقع، أو خواطر يتنفس بها لـيخرج أزيزه، ولا وصـايا أدركـه فيها الرحيل، هي أكبر من القصة في أحداثها، واغـرب من الواقـع.) ثم يـسرد لـنا هذه الوقائع والأحداث على لسانه..) يلـتحق بالواجب الذي يدعوه ، بالثكنة أولا ثم بمركز العبور التابع للـقوات المسلحة. ثم بالجـبـل والمقاومة ضـد قـوى الشـر، إلى جانب زملائـه ( جمال ، سـالم، يـوسـف)..
يصف المدينة ومشاهـد الرعب والانكسار، ويصف الـثكنة وأجواء الاستقبال.ثم يـصـف الصراع على خط النار
.صـراع بيـن فرقتين أو جيشيـن في منطقة جبلـية وعـرة الـتـضاريس..
_ يتـخلل هذا الصراع والمواجهـة صـراعا آخـر على مستوى الوجدان يتمثل في تلك الأشـواق والتداعيات النفسية الملتهبة على خـط نار الـشـوق في رسـائـل متبادلـة بين الأهل والأحـبـة يتخللها باعـث الشـوق والحنين، هـروبا من ملاذ القـهـر والكبت، ووقـوفا عند سلـطان الوحشة ولوعة الفراق، وبـعـث للأمـل الـمـعـلق بين الموت والحياة.
يتـخلٌـل هذه الحوارات كثير من الهواجـس، منها ما يتعلق بالإرهاب ومنها ما يـتصل بالسياسة والثقافة والأفكار.
كحديث (رفيق) عن الإرهاب. وما يقوم بـه ويستهدفه
يقول:( ستكون الحرب القادمة أخطـر بكثير من هذه الحرب الموكلة، لأنها لا تـحتاج لأسلـحة فتاكة، ولا إلى جيوش جرارة ستصبح الجيوش عالـة على الحكومات. حين ذلك يستهدفون أفكارنا لا أجسادنا فيبدؤون بتدمير لغتنا باعتبارها أساس هويتنا وتاريخنا ووحدتنا ويشجـعون في المقابل انتشار اللهجات المختلفة التي تمـزق الوطن إلى أقلـيات تفقد التواصل فيما بينها يقول ( إن الحـرب لن تتوقف، اليوم بندقية ومدافع، وغدا لوكالة الفكر الشائع الضائع، فما لم يحققونه بالأسلحة يسعون إلى الحصول عليه فكريا وثقافيا)
____ الــقـراءة النـقدية ____
(5)_يـقـومُ مفهوم النص "عند رولان بارت" على نسيج لُغويّ له مظهران دال ومدلول، يتولّد في حالة من اللاوعي لدى الكاتب ويكتب في الوعي، مكوّنًا بذلك نصًّا مغناجا يجذبُ القارئ إليه، ويخلق لديه نوعًا من التفاعل الحرّ مع عالم متخيّل، وبالتالي فإنّ مفهوم النص عند رولان بارت لا يتحقّق إلّا من خلال تفاعل المتلقّي مع النص، وشرحه وفَهمه وتحليله والتفاعل معه تفاعلًا واعيًا ينقله من مستوى الشرح والوصف إلى مستوى التأويل، ويحقق له قيمته الجماليّة..
من هذا القـول استدعي إلى قـراءة الـنـص مايلي
_______الــتداعـي الـحــر _____
(6)_الهذيان كلام غير مـوضـوعي من حيث البناء اللغوي ، لأنـه صـادر عن اللاوعي، ولكن المتابع لمفارقاته وأجـزائـه يدرك شـيئا فشـيئا تيار الوعـي فيه ، ذلك هـو حـديث النفس غير المترابط ،أو ما يسمى (بالتداعي الحـر) متعلق بأفعال الشخـص وتصرفاته، ويفوق في أهميته ووقـعـه تيار السـرد النظامي للعالم الخارجي. إلاٌ أنٌ تقنياته تحتاج إلى تسـريع الحدث وإلى لـغـة فـنيـة راقـية، تسترجع الأحداث الدرامية المتتالية عن طريق ما يسمى ب (الفلاش باك) أو ما يسـاعـد على بناء الصراع الـدرامـي في أحـداث متفرقــة ارتـسمت على الخريطة الذهنية.. في كلمات ذات دلالة وأبعاد وعبارات بها وقع تـرسـم الأحداث من منظور نفسي واقعـي..
_ روايـة تيار الوعي تـخـرج عن منطق السـرد الموضـوعي، فلا تراعي ترتيب الأحداث وتسلسلها، وهي ذات طبيعـة مخالفة لـطبيعة الـقـص في الـروايات الكلاسيكية، لأنها تستهدف الجوانب الخـفـية والمظلمة في النفس البشرية كما تستهدف تلك المتناقضات من مشاعـر وأفكار، وهو ما دفـع بالروائيين إلى الكـشف عن هذه الأفكار ورصدها في أعمالهم الروائية، دون الاهتمام بالـعالم الخارجي، في محاولة الرجوع أليه من حين لآخـر، وهو ما فـرض أنماطا وأشكالا جديدة من الأساليب في طريقة السـرد والقـص.
أسلوب التداعي الحـر أسـلوب يتميز بخصائص وتقنيات وأدوات تكـون قادرة على كشف المستور من الأحداث والمتناقضات من المواقف.ولا تكون المغامرة إلاٌ بعد تحديد ملامح هـذه النفسية ورصـد معالمها الاجتماعية المرضية السيكولوجية.
كان ذلك جميلا، لو أن الهذيان اسـترجـعت فيه شخصية الـبطـل (رفـيـق)صورا ونماذج متنوعة لوحـشيـة الإرهاب الأعـمى مع مواقف التصدي له، ( من على خـط النار) لكان أرقى وأمتع، لأن الإرهاب لم يقف في كلٌ الأحـوال وجـها لوجـه على خـط النار بل كان مارقا ومخادعا باستعمالـه لشتى أساليب المكـر والدمار، وهذه الأساليب المراوغـة والمخادعة لم تظهر معالمها في واقـع وأحداث الرواية.(1)
2_ يستـعمل تيار الـوعـي لتفجير كـوامن الشخصيـة، للـكـشف عن (مقبرة اللاشـعور ) من المنظور الفرايدي..
كان جميلا لو استدعـت شخصية(رفيق) الواقع تحت تأثير الصدمة في هذيانه أن يعبر عن تلك المكبوتات من حياته المتناقضة بين فكر الإرهاب المتطرف والفكر المقاوم للإرهاب من منظور واقعي نفسي واجتماعي وسياسي..فكثير من الأسر التي أوت الإرهاب ودعـمـته ووقـفت إلى جانبه في تـسـتر وخـداع مـارق تحت تأثيـر إسـلامـوي.!!!
وكـم من مقاوم للإرهاب خـضع لسـلـطة التأثيـر المتطـرف وانـقـلب بين عشية وضحاها رغـم ثقافتـه وتكوينه العلمي ومستواه الثقافي؟!!
3_كان بإمكاننا الـتـعرف على شخصية البطل(رفيق) أثناء وقوعـه في الهذيان عن طريق شخصية أخـرى تتعرف عليه وترافقـه في هذيانـه مفسـرة هذه المكبوتات (التداعي الحر) وتكشف عن هـوية الإرهاب وعن جرائمـه البشعة التي تتنافى مع جـميـع الـقـيم الإنسانية..(رصـد الأفعال الإجرامية المنافية للأعـراف والقيم والأخلاق )
_بناء الشخصيات.. الشخصيات في رواية ( على خط النار ) باهـتـة غـير واضـحة الملامـح والمواقف والسلوكيات في كثير من المواقف والأحداث فلا شخصية البطـل (رفيق) ولا شخصية الإرهابي جليـة وواضحـة.كان بإمكان الروائي أن يوظف اللغة النفسية الأكثر واقعية، وأنت يعمل على إثراء قاموسـه اللغـوي الذي يرسـم ملامـح الشخـصية، ويـؤكـد واقعية الأفعال، (لغـة ردود الأفعال).فـبناء الشخصية في العمل الروائي ينبغي أن تدرس وتـنتقى بعنايـة ومهارة حتى تكـون مقنعـة فـنيا. كشخصية البطل مثلا تكون مميزة عن بقية الشخوص في مـظهرها في حركاتها في لـغتـها في مواقفها في وسلوكها.
والشخصيات إذا حـدد وجودها في العمل الروائي وبـرٌر تبريرا فـنيا يوافق سيرورة الحدث. فزيائيا، ونفسيا وفكريا ثقافية و وإيديولوجيا كانت أكـثر واقعية وأكثر تأثيرا . يسهل علينا وصـفـها ووضـعـها في إطـارها المناسب .كالشخصية النمطية والشخصية ....؟!!!
يبقى علي أن ألتفـت إلى النص الـمـغناج في كـل قـراءة ، بـل في كــل دعــوة يـرفـض صـاحبـها الـمبدع مراسـيم الضيافـة التي تـقـام على الطقوس والتقاليد الـمـصطنعـة كـلـبـس الأحـذيـة الـصينيـة الضـيقـة وارتـداء مـوسـوح الـرهـبان عنـد ولـوج عـتبات الـخيال والعواطـف والوجـدان. ذلـك أن حـريـة الـمـبدع فـوق كل اعتبار... وتـبقـى الــقـراءة الفاعـلة هـي الإبـداع الـثاني ووجــهـة نـظـر تـسـاهـم في إرساء قـواعـد لـعـبة الإبداع وقـديـما جـاء في مؤانسة "أبي حيان التوحيدي" (الــكـلام على الـكلام صـعـب..)
علـى خـط الـنـار نـص جـمـيل ينبـغي الـرجـوع إلـيـه والولـوج إلى دهاليزه وقـراءتـه قـراءات دلالـية ذرائعية طـبـقاً لما تـدعـو إليـه الحاجـة الأداتية كبنيـة اللـغـة مثلا وتأثيث النـص، كأسلوب الحوار والسـرد وكـل المفاهيم المعرفية الغنية والقوانين العلمية والنظريات هي مجرد أدوات أو وسائل أو مفاتيح إلى المواقف، أي «خطط عمل»، ومن هنا يعـتبر الصدق شيء مـبرر يضمن نجاح العمل في كل المواقـف. وأن الـتـقـدم لا يـضمن بلـوغ الأهداف، وإنما يتضمن عملية الحركة نفـسها. مصداقا لقـول مصطفى العقاد (غناك في نفسك وقيمتك في عملك وبواعثك أحـرى بالعناية من غاياتك.) كلٌ الثناء والتقدير للأسـتاذ القاص الـروائي المبدع الطموح "رحـو شـرقـي" خالـص التحية وجزيـل الـشكـر وفائـق المـودة والامتنان.
