مقتطف أشرف الخضري - مقتطف من رواية (أطفال لا ترى الملائكة)..

- إسرائيل لم ترتدع بسهولة كما تظن، لكن سقوط أكثر من ثلاثة عشر ألف قتيل إسرائيلي في الأيام الأولى من الحرب قلبت الموازيين، لم تكن جولدا مائير لتسمح بخسارة جندي آخر، كانت ردود الأفعال داخل المجتمع الإسرائيلي عنيفة جدا بعد تسرب أخبار القتلى اليهود، لأن حرب يونيو لم تخسر إسرائيل فيها سوى تسعمائة جندي وهي تحارب في سيناء والجولان والحدود الأردنية والضفة الغربية والقدس، ثم تخسر ثلاثة عشر ألف قتيل في أيام معدودة في سيناء، كان الأمر كارثيا، موشي ديان فكر جديا في استخدام الأسلحة النووية الإسرائيلية، لكن مائير رفضت الفكرة،خوفا من انتقام عربي وإسلامي واسع سيؤدي لا محالة لزوال إسرائيل،كانت تظن العرب بنفس القوة والعزة التي تملكها هي نفسها كامرأة حديدية، وعندما قررت القيادة العامة للقوات المسلحة سحق أرئيل شارون وقواته التي اندفعت من ثغرة الدفرسوار، هدد هنري كسنجر السادات أن قنبلة نووية سيتم إسقاطها على مدينة مصرية تعدادها مليونا نسمة، ملفات أكتوبر وحقائق الحرب كبيرة جدا، الزمن كان يتمدد بشكل خرافي، والأيام المعدودة للحرب كانت كأنها سنوات من القتال، والتفاصيل مرعبة، عندما شاهد موشي ديان مخلفات معركة المزرعة الصينية في الصباح،والتي دارت ليلا بين دبابات مصرية وإسرائيلية أصابه ذهول ورعب لازمه لنهاية حياته، دبابات يا كامل تتلاحم في القتال لمسافة قصيرة جدا، الموت أمام الموت، ماسورة الدبابة أمام الماسورة الأخرى، كان مشهدا مروعا أوضح لموشي ديان أن مصر هذه المرة جاءت لتحرق وتنتقم وتنتصر.
- هل كنت خائفا من الموت؟
- أبدا كنت أنتظر الحرب كما أنتظر مدفع الإفطار.
- كنت ستحارب لاسترداد أرضك؟
- لا. كنت أنتظر الانتقام، إن هدفنا كلنا هو الانتقام لشهدائنا في 67.
- تقصد أن هذه الحرب الدامية لم يكن هدفها تحرير سيناء؟
- لا . هدفنا جميعا هو الثأر. كنا نتلهف للانتقام من اليهود وإذلال إسرائيل.
- لكن إسرائيل متطورة عسكريا وتدعمها أمريكا وبريطانيا وفرنسا هل كنت مطمئنا لقدرة الجيش المصري على كسب الحرب؟
- لا . كنت مطمئنا أننا سنملأ بيوت إسرائيل بالأيتام والأرامل ونكسر أنف موشيه ديان ونرى انهيار جولدا مائير وقد فعلنا ذلك يا كامل.
- أمريكا لم تترك ذلك يحدث بسهولة وصنعت الثغرة ودعمت إسرائيل بشكل مفضوح وعلني، كسينجر نفسه تحدث أن ماء وجه إسرائيل الذي حفظه لها في الدفرسوار لم تحلم به جولدا مائير ولا ديان.
- الله أكبر من أمريكا، وما النصر إلا من عند الله، ما فعلناه في أكتوبر سيظل درسا مرعبا لليهود إلى الأبد،وأن مصر سوف تعود دائما في أي وقت للثأر والانتقام ومن يستغل ضعفها اليوم سيدفع الثمن غاليا غدا، مصر صعيدية حرة يا كامل.
- يدهشني حبك الهائل لمصر، رغم أنها نسيتك وأهملتك أنت وكل المحاربين القدماء، لا تكريمات ولا معاشات استثنائية ولا أي تقدير يليق بتضحياتكم الكبيرة.
- حب البلد يا كامل لا يرتبط بالأخذ والاستيلاء والحصول على غنائم وفرص وثروات، هو حب غريزي غير مفهوم، أشبه ما يكون برجل يصيب عاموده الفقري بأذى ويمزق ثيابه وهو يزيح صخرة أو شجرة عن طريق الناس، الحياة معوجة وفاسقة يا صديقي ولو أصبحنا كلنا مثلها في دناءتها وقذارتها لاحترق العالم، أحيانا أتوهم أن الله يترك الحياة تستمر بسبب وجود أشخاص طيبين يمكنهم العطاء والتسامح والتضحية.

- أطفال لا ترى الملائكة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى