مبارك وساط - المقامة الكورونية

كُنتُ في ليلة السبت قد نِمتُ قليلًا، نوما متقطعا لا يُشفي غليلًا، وشاءت الصدفة أني قبل أن أغمض عينيّ، كنتُ أتصفح كتابا ليس بالأثير لديّ، فدون قصد منّي وجدتهُ بين يديّ، وكان عن ديانات عِدّة منها البابية، وهو من وجهة نظر إسلامية، لم يبخل صاحبه على البابيّة بالكلمات النابية، ولا على قرّة العين بشيءٍ من المَيْن، فكان آخر ما قرأت فيه (قبل إغماض العين): “واندفعت قرّة العين مُسفِرة تتلهبُ أنوثتُها الفاجرة، وتتقتّل فتنتنها الطاغية، واعتلت منصّةالخطابة، وراحت تقول: “اسمعوا أيها الأحباب والأغيار، اعلموا أن أحكام الشّريعة قد رُفِعتْ! “ بعدها فكّرتُ في ما نحن فيه من ضائقة، وحلّتْ لحظة لاحقة، لا أدري أكنتُ خلالها في حلم يقظة أم كنتُ قد غفوت، لكنّ الأكيد أنّي خِلْتني أسمع شخصاً يتكلم في الخارج عبر مكبّر صوت، وبدا لي من نبرته الواثقة أنّه ذو سُلطة، فقلتُ ربّما هو من الشُّرْطة! هكذا سمعته يقول: إنّ إجراءات الحجر قدْ رُفِعتْ، وكورونا قد استسلمتْ وأُعْدِمتْ، لكثرة ما قتلتْ من العباد، وعاثتْ خراباً في البلاد، فأبشروا، وفي المدن انْتَشِروا. ولا أخفي أني فكّرتُ أنّه نبأ عظيم، إذن فقد انتهى الزّمن الوخيم، أقبلي إذن يا مسرّة، لقد ابتعدت المضرّة. ثم قلت يا هذا، هلّا خَرَجْت، وإلى المقهى ذهَبْت، ولِم لا إلى حانة النّجوى، وهنالك ستلتقي الحسين وسعيداً وسلوى، وتتحدثون قليلاً عن تلك البلوى، التي انتهى زمانها وانطفأ أوارها.
هكذا عزمت على مغادرة الدّار والتجوّل في الشوارع، ثمّ هيّا إلى البار، وبعده إلى أكل الكوارع! وفي غفلة من أفراد العائلة، تسلّلتُ إلى الخارج، لكنْ ما إنْ خطوتُ خطوتين، حتى رأيتُ شخصين، يسيران متباعديْن، وقد أثبتا على خطميهما كمامتين! ثمّ إنّي دلفتُ عبر مجازٍ قصير، وأطللتُ على شارع كبير، فلم تكن هنالك إلّا ريح ذاتُ صفير، فقلتُ يا هذا عدْ إلى حجرتك وانحجِر، فإنْ ضُبِطتَ بلا كمامة، فأهْونُه أن يُحْكم عليك بغرامة!


---------------------------------------------------
(كتبتُ هذه السطور في الأسابيع الأولى من جائحة كورونا)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى