ديوان الغائبين ديوان الغائبين : سامي يوسف غبريال - السودان - 1951- 1975

سامي يوسف قبريال
- من مواليد حي المسالمة بأم درمان 1951.
- تخرج في ثانوية محمد حسين والتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح .
- أسس جماعة النبض1971 وأشرف على صفحاتها بمجلة الشباب والرياضة .
- نشر العديد من القصص والمقالات المتنوعة بالصحف والمجلات التي كانت تصدر بالسبعينيات .
- له مجموعة قصصية (نمو تحت قطرات الدم) عن إدارة النشر الثقافي بمصلحة الثقافي 1976 .

* من أعماله المعدة للنشر
- خريطة لسودان الأعماق – رواية
- بناء كفن أخضر – رواية
- مجموعة دراسات عن المسرح والشعر

رحل عن عالمنا في 1974.


ولد سامي يوسف في العام 1951م في أسرة عريقة ومعروفة في مجتمع حي المسالمة الشهير بأم درمان التي أول ما يعرف عنها هو احتواؤها لكل ذلك النسيج المتعدد والمتباين من الثقافات والأعراق والأديان وتقديمه في بوتقة واحد هي ام درمان بسمتها الفلكوري والتاريخي.
والده السيد يوسف قبريال ووالدته زكية سليمان تادرس مفتشة التعليم الابتدائي والتي سنجد فيما بعد ولعمق علاقتها مع ابنها والتي تعارضت مع رغباته للجنوح والانطلاق وشفقة وهو يهرع لعوالمه (الغامضة والمريبة احياناً) أثراً واضحاً كرد فعل على محاولاتها للحفاظ ومحاصرة ابنها الوحيد الشيء الذي ورط سامي في مأزق مزدوج ما بين حبه الجارف لأمه وإدراكه لمعاناة والدته وتضحياتها في الغياب الدائم لوالده وكراهيته لتلك القيود حتى القيود التي يعاني منها الآخر..



*****


معلقات الرجل الأخرق *

سامي يوسف

الصعلكة :

أخرق تسمونني وصعلوك وانا أسميكم سراب . من وراء السور كانت حبة الدرويس المهترئة تداعب ذرات الاسفلت "الطار" المفلطح والمنبعج كما الكرة الأرضية تهتز في خفقات مؤتر . والسبحة الوديعة تضع إحصائية الزلتان والهيام والأرق صورتهما تبرزان كالأنف المطمور تحت ضفاف الشمس. غان يعتمد مقاتلاً . انه على موعد مع الأعياد مع إحتفالات هنا على الأرض وليس في أي مكان آخر يمتطي هودجاً وينحني لقبلة الحناء التي ثمنته عمدته ثورياً ..كان هو العريس . عروسه القنبلة والهودج والعربة وسلوى على فتحتي الريح الممشوقة القوام تدور في خاطرها أغنية ما . وجه الأغنية ملوت بالعروبة والكلمات بلغة الحي اللاتيني . سلوى داخل الثوب الناصع نسجته عصافير الجنة سكبت عليه دموع الاطفال قالب الصبر والعطور صورتهما تجعلاني صعلوكاً .
ثلاثتنا من قبيلة الصعاليك .أضعنا مشاويرنا على جرح زماننا الداعر والقضية لن تموت . لن تستطيع هوامش النمل المقيت أن تغرس بيارقها الحديدية فوق الصدور ثانية كخيرور الأشياء .
صعاليك نحن ننهب الغنى لنعطي الفقير .هكذا نحن في الاصيل ياطعم المأساة ألصق على جدران مدينتكم أننا لن نغرق فلقد تشبعنا بالأثير وسنبقى صعاليك كالصمود والجنون .

مارس1973م

* من مجموعة (نمو تحت قطرات الدم) .



***




* قصص غير منشورة للراحل/سامي يوسف

- الحب والجرح الدامي

" كانوا يهمسون بكلمات عرجاء ، تمتماتهم كتعاويذ الأجساد التي تطلب الشفاء من أعواد الأشجار التي لم تسق من مطر، كانوا يحتاجون كل شيء ، لأنهم تعلموا فك الحرف وتقليب الكلمة ، لأنهم ملكوا قوة الفعل والنفي ورسمة لا في وجه نعم . " في بوتقة الضفائر المنيرة كانت " زيزف " قد تلقت هذه الرسالة . لم تفكر حينها في وشم صدغ امها الذي نبضت فيه الشتائم القديمة ، فرحت . كانت في " معهد السنتين"على درجها الأحمر يتكيء جرحها الدفين الأعوام سر الصمود والخفاء . إصمدوا من مواقعكم . كانت منذ نشأتها في " القضارف " تؤمن بإستمرارية الجدل . تشبعت بالتراث . أحبت نحيب الذي بعث لها بهذه الرسالة من " غابة سيقانها الحمى وايديها الاثارة ".
نظرت من أغلال الأرضية حتى خارجها وهي تنتظر مغني التروبادور الحزين . وصلت يوم السبت الى الخرطوم في زمن الخصب والولادة نبضت وردة في مدائن الأعماق . ففرت كنفاثة شقت عواميد الجفاء . حفنة أحزان سودانية خطرت لها عندما رأت الطفل الحزين من أيام " هيبان " .عندما كانت تنتفض كما القرد وهي تشعل يومياً ضمادات إحسان لابيها سليمان . إنهم يفعلون هذا .. أتعلمون لماذا ؟ شاهدت كل العروض . سفر العودة قبل التكوين . لمحته هنالك " البخيت ". الكاثوليك والبروستانت وفلكلور ايرلندي ماو تسي تونغ يصافح البابا . يجب أن يتوقف النزيف إذن ، الغياب من أجل الحضور . توقفت ..
بعد إنتهاء العرض ، دمعت عينيها .ذلك الطفل الذي نبت في أحشائها غرق في خور ممسكاً بعربته الصغيرة . ماتت الدهشة ، مات الفرح كيف لا وزوجها قد إعتقل مرتين . مرة وهو يرتدي عربة " ناشونال "!! بدون وعي رفع سوطاً غليظاً وأهوى به على عنق طفلها الذى إمتص "مناكير" الأرانب والقطط الكالحة كما "الفانوس" الذي حملته " حميدة " صغيرتها التى نمت في الرحم المشمس .. حاملوا الغدارات..
نعيمة زميلتها ذكرتها برواية " الفراغ العريض" هذي النعيمة برغم تعليمها الأكاديمي إلا أن قصورها حضارياً نابض عندما نبضت كل المسفلات و المصعدات !!!
أحقاً ؟ أحقيقة ان زوجها في المعتقل الآن . عندما تزوجها كانت ماهيته ودواخلها غير ما عليه الآن . أين معسكر جودة ؟ لمحتْ من طرف الكانافاة داخل الداخلية " أنجيل" صديقتها. طمأنتها بأن غادة أنجبت وان المُعتقل ما هو إلا نضجْ على نار هادئة وبخيث إلتفتت "أنجيل" الى الممرات المؤدية ال المرحاض وهي تهمس في صدرها " التسوي كريت تلقى في جلدا " . الميكروفونات تنبه " تغيير الحركة من اليسار ال اليمين " الحيوان الجميل بدون أن يلهث يصطدم بجذعها :
- هي إت منو ؟
:- أنا جوزيف ؟... ألم تقرئي خطاباتي من قبل. دعوة للتماسك . عدت من العالم السفلي الى فلسفة البنطال الممزق ألم تسمعي بأخراجي المهمووس ؟؟ هيا فلنحتفل ." تضاريس مشاهدة على مناطق الموت المناخي "* . حفلة كوكتيل : ذنب الديك . ردت : انت قايلني منو ؟؟
وبدون لعثمة واصل رؤيته الى أبعد من مساحة الذراع : تورته .. شاي بلبن أنا موسيقى الجاز، نفذت اسطوانات البوب من مونصفون، سودانكم المغترب .
تسللت الفتاة المترفة من مسرحية " السود" وعروض " البانتومايم " والرجل يتابع قدميها السمراويتين : سلمى .. دار السلام .. مها .. بديعة .. أمسية سعيدة لم أجدها .
" حلمت بيك يا حبيبي ..
تشردك الداخلي ...
عقاقير ال: ل.س.د
حلمت بيك خنفساً .. هيبياً مغفلاً
كنت أظنك الحب والأطفال
وأنا سر الصمود والخفاء و الصبر
ظننتك مهاريش في عصرنا الحائر
فإذا بك لم تَعِدنى بما أوصاك به أبي
يا سلِّمي الخماسي أين أنت ؟؟ "
زكية محمد حاملة الشعلة تلتحم بأوركسترا الاذاعة حروف إسمك .. عويناتك.. جدي الريل.. ضي الرتينة .. حلوين حلاوة.. لو تعرف الشوق .أجهشت بالضحك .عند الفجر حمات "المراتب" حفرتْ أقلام "الكوبيا" ..أطلقت البخور ..حملت الصفوان. ثم تسللت من أعين التلميذات . تماسكت في الفوضى وهتفت منعتقة من الداخلية يحيا الحب والمطر .. عاد التروبادور الحزين ليغني بأسمها :
" يا منيرة
يا سيمفونية الطلح والتبلدي
يا إقليماً غائماً تحت الشمس
أحبك .. أحبك .. أحبك "

سامي يوسف

****

* قصص غير منشورة للراحل/سامي يوسف

- شروخ في شرج جدران مدينتي

كان لي دفتر مثل هذا كنت أغتنم ساعات صفائي ووحدات هواجسي المتناثرة كما الرؤى .الله صديقى وخديني معبودي وعابدي . الله حل بي فلم تحل عقدتي . كنت حينها أسكن في لوكاندة تلتحم حروفها الابجدية بالفحم الملوث برشاش الزبالة كنت أحيا في غياهب الغيث الممطر فتاتات كما اللب تحشو الاصفاق . كان إسمى غالباً في البدء وكنت أحبو على خطوت ترتجلها أصابع وقنافذ بني لوط . ثم اختلط مخاض جدتي بمخاضات الاسرار . جدتي أين أنت يا مريم ؟ ولدت " مرمر" حينئذ على ثغرات السديم ومن صهيل عربات " الكارو" كان مدحت يحبو وخال ي الأنصاري وضع بخرات كثيرة لكيما تولد . لكن الشرج معطوباً .
مناسبة سعيدة للغاية .
بعيد حين من العمر نبتت لي أعضاء في الصدر . نهدين فاخرين كالمزهرية التي كنت أتبول عليها و "هتم " !!!!
صوت الترانزيستر : "حكمة والله و حكاية " . لم تكن القصاري قد صنعت حينها . كان " الرياحي " يغتصب مدينتي التي ترعرت على ممرات حي العرب وكان إبني محباً للخير . نمت قليلاً .
- بالله الذي لا غيرو ؟
- ولدي دا أنا ماعندي غيرو.
كان ميلادي في أهزوجة الحركة والسكون . جبال كرري .الملك فاروق . وصوت أم عوض يأتيني كاللهاث :
- البيت كلو باساب حتى رمتى .. رمتى !!
السيول وأبنائي يغتسلون في الماء العكر ، حدث هذا بعد أن دخلت كلية غردون التذكارية رغبتي كما حدثني والدي رحمة الله عليه كانت أن أكون مهندساً ، وزميلي على كان يقول : " القرشى أكان ريالتو تسيل فتش ليك عمدة يبقى ليك دليل " . كان العرش ثقيلاً وكن أتصفح مجلة أهداها لي الخليل . رأيت وجهى في الرسومات المتبعثرة ...
- آذان الصبح أيقظني من أحلى نومة .
- ولدي حبيبي " توتا " فطرت كويس !!
من الطارق ؟ أطلقوا سراح العصافير . كان الغيم شاحباً وكن أمتص المخاض من صدرى . كان طعمه كالنشاء والجيران السمحات .
- أها .. قمنا للجن والطرطشة .
- والله يا معلم "متى " أنا خروف ، كدي باللوال .. قول لي عملت الحشوة مظبوطة .
- آسيا بت مؤدبة لكن مظلومة ، لسه القسمة .. ود الحلال جاي في الطريق هسع !!
الكركار و الصعوط تفوح رائحتاهما كما اللوز والبنجر من شفتى أم عوض الزغاريد . طهور عفاف بت خديجةالليلة . " عطبرة " تلوح في المخيلة كما المخاط الذي يتسلل من خاتم سلوى . الليلة الاخيرة من صيام رمضان . كنت أضع الصورة اتأملها أحيانا ثم أقذف بها الى ظفري . كنت متخماً حينها .
يمه : صاحت سلوى جاني أب عديلات وترد أمى في هدوء :هُس !!
أب نحار قاطع حلقى ، نومي إتندلي . واضطجعنا سوياً أنا والمدام في كلية التمريض ماما خديجة .كان صدرها مثقوباً . بعد تحليل البول ونظافة " النشارة " عثر الطبيب على الحصبة . كنت وسلواى في القاهرة إشتريت اسطوانتين " حديث الروح " و " بعيد عنك ."
- " عمي يعقوب المرا دي مالا نباحة كدي " . سبحت ُ حينها على عنق الزجاج المتخثر . وجوزيف المجنون كان يتبرز على مجمرة من الألحان المغرورقة . وسليمان يتلو : (( الرب حصني ودرعي من من أخاف .))
فمتى يتم " تلقيم " الخشب والروبرايت عدم في الأيام . كنت العب " صفرجت " وعلى الارضية كان فريد يضحكنى بألوان وجهى .وجهه كان موساً حادة . ضمدي جراحي يا أماه فأصابعي قد أصابها الضجر . ثلاثون عاماً في وزارة التربية والتعليم ..
- ها .. يا ود حشاي الخرطة رسما لينا خالك نصر – ونبضات قلبها تهمس – " الله يرحموا ويسامحو " . الموت مر بخاطري . " مدحت " أثناء ركوبه لدراجته الجديدة قال لي أن هذا احساس خفي . الإحساس كامن في الاعماق . الاحساس القوي بالبقاء والخلود .
- حلاتك إتي بت منو !!
- أ .. أ ..أنا ما بت أنا ولد .
استاذ العلوم قال الفرق بسيطاً للغاية . " بس إتَّ قوم لي المقاسات وأنا أوضب ليك عشك جنة ."
وسن الرشد ليس تصوراً بالمقلوب !!
- ياخي خلي قليب الهوبه خليني هسع في شغلي . الخرسانة وصلت ولا لسع ؟
- ياحاج صلي على النبي ..
- اللهم ألف صلاة عليه .
- الزمن دا قاسي ..
أيوي .. يوي .. يوي . زغردت آسيا بت السُمنة . عرسوني خلاص .
- إنشا لله البركة فيكم يا أم يوسف .
- العريس قال دايرلو ا بت فتا ما عزبا .
- أجي يا يمة !!
سلواي كانت تردد : نحن إن أشرق صبح ُ. نترك النوم ونصحو . و " مرمر " نقلوها " بورتسودان " . إتحيل المنظر !
كانت ناشفة مثل جذع اللوبيا . " تعرس دا وتخلي دا ، غايتو !! خليها على الله ."
الألوان تمتزج محاضرنا الطيب كان يخيط قبل أن يتزوج فاتن . بعد العودة عدت الى المتحف . توتا .. أنا عايزة مرتدلا . ومر بخاطري خطراً شديد السخف ." الضفر ما بتقلع من اللحم " تضاجعنا سوياً . البسطرمة بالبيض عليها شوية . سهير لمحتها في الطريق ... تسلقنا سقف " الباص" الى المهدية . الجدران يمسها زلزال من التوافق و التجانس .
- إنتي يا طيرة لمن انا كتّ عيان ليه ما جيتي زرتيني ؟
- والله فاتن في الحقيقة أزعجتني صراخ ونحيب . أوقفنا " الباص ".
- تودينا طلب لي مصنع النسيج . وضممت باب العربة الى صدري فشعرت بالخريف يهطل . " لاكين السقف كان وقع نعمل شنو" " اللهم أعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجِنة والناس ."
- " لو تكرمت ودينا نادي السباحة " . وكانت سهير في القطار المؤدي الى حقيبتها المكتنزة . سكنت الدرجة الرابعة . تحت المظلة إختفت المغارب وعلى الكبرى كانت جنة عدن تجري من تحتها الأنهار . إشترينا صارقيل . من راسم زاهية الألوان هذه ؟
الموسيقى تنساب وسط شلال من الظلام . صوتها يأتي من وراء وجهى المعفر : " زوروني كل سنة مرة حرام تنسونى بالمرة " صباح الغد علي َّ أن أصحو .. أشعلت سيجارة برنجي . جسدي يحتاج الى المزيد من السوائل الروحية . زهرة المدائن .تسقط إمتحانات الملاحق واللعنة على كل شيء .سيأتي " النجار " ليركبنا ضفدعة الى " زقلونا " .
- وبعدين العمل شنو !!
- والله أنا أديتك كلمة واحدة "جوزيف" دا خليك منو أهو شايل منفاخو وينفخ في الفاضي .
وصرخت " توتا " من الفزع وكان لسانها ألثغاً : بيت فَدُرْ .. فَدُرْ .
ونادية لقيتها في الباب المجاور " للسجانة " . فتشت عن نقود أدفعها لسائق التاكسي . . مردداً عفينا ليكم منها .قلت لنفسي ما سبب القطيعة بيني ورمزي " واللاهي انا مظيور." آمنت بالتقمص في إنتظاري خمور الطقوس وغداً سآتي الى مدينتي منصوراً . وبين " طرمبات " البوتوجاز حدقت الى الرقم الأخير من السيارة .
- حاجة تمام .. صفر ..
- ولدك ساقط في الرياضيات وجايب أكبر نمرة في الدين ، جيبوا ليهو فروة وسبحة يقعد مع خالو _ كلمة مشطوبة*- الانصاري الناموس يختلط بألواح السيخ .
أنا نادر لي خروفين في كنيسة ماري جرجس وعند باب الدكان جلست على " عنقريب " مهتوك . تلفت وأسرعت فحرقت أصابعي . الى الرب عالم الغيب إذن سوف يكون الممشى الى " البيارة " . وعند كازينو النيل الازرق توقفت قليلاً كيما أنظر من ثقوب الدموع ... أنهراً .. بحاراً . لماذا هاجر " الهيبيز "الى أمتي . ألم نولد سوياً . الكادحون ملح الأرض زاد الخناجر: والشيوعيون يحتسون الخمر في ساح الشهيد . هذا أمرنسبي فالتنمية عندما نفذت إليها كرهت الروتين والأعمال الرسمية .
- صُوَرْ ... صُوَرْ ..
- ضاربني في عرس أمي .
- أمك شكيتا على الله أكان بهدلتك . عطست . أقرب اجزخانة .كافينول
بف .. باف . غسلت يديّ بفضلات " البعر" " خربانة أم بنايتن قش "
- إت تعال ترب النصارى ديل حفروهم ليه ؟
- طرينا الشر لي بعدو داير تذكرني بأحداث يوليو ؟
يا نادية : المادة لا تفنى ولا تستحدث .
- وإتَّ يا ود ضراعي قصَّرت في حقى ما تراني ربيتك ورشدتك
- يمه واللاهي مافاهم حاجة ؟
- طيب تعال لي ناس أم يوسف عشان " كتورة " تفتح ليك " العلبة " !!
وهمست في غضب : أتومنين بالخرافات يا أماه " كتيرة دي مش الضربوها بنات أم لعاب في راسا لامن جنت ." وسرت لا شعورياً ، أتكيء على على صخر أهل الكهف . لمحتني أم يوسف وفي معصمها حجاب . السراي .. السراي الجافو النوم وعقدوا الراي . رائحة البخور الأثيوبية . مر بخاطري أباداماك ..نهر القاش .. أسمرا ..
جلست على البرش . حصيراً ناعماً . مضغت العنقود . الكوريون وأهل الصين . كانت " توتا " بجواري . ركبنا على ظهر " القفة " . أبي الضرير سرق نقوده " جرجس" ونعيماً لك هذا الاحتفال .
قالت " كتيرة " وهي تُخرِج " الحجابات " المدسوسة في شرج مدينتي : المره الفي عينا " صَبة " دي دايرا ولدك يعرس بت أختا . فكرت في الخارطة ، السيول تجتاحُ الجزيرة. غرقى . مات ذلك مات بالضغط وهو جالس على مكتبه . ومدينتي لم " تُصَبْ "عليها قطرة من ينابيع اللون الأحمر . " الحناء " نظرت إلى أصابعي . نظرت إلى الدجاج المذبوح في الفردوس . إذن فهمت أخيراً .وعلى جدران مدينتي وجدت جثثاً كثيرة مسبوكة على مخدات ريش النعام . وبدون أن أدري رسمت صاعقة تلوت وزحفت رويداً رويداً حتى الدور الأخير .
وجدتي تحدثني الآن : الأمريكان ديل مش كان كان احسن يصلوا الشمس . وكيف .. وكيف طلعوا القمر . وتلاوة من المآذن " إقرا بأسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم . علم الإنسان مالم يعلم " صيام رجب توافق مع صيام العذراء وجاءني صدى ابراهيم ساخطاً : مريم دا إسم امك الخادم . ومن عَلقةٍ انتفضت أعضائي التناسلية . تصدعت الخطوط والمرايا .. تبعثرت الاعشاب وأزهار الفل والرمان . حفرت قبري ونمت بجوار صالح وعبير .. نجيب
خالد و أيا إيبان كانت القبور متعددة .صعدت روحي الى شفاة العالمين وعلى بعد رأيت شرج مدينتي تتسلل خيوطه كما الرحيق . فتحت عيني فجأة فأبصرت شهادة معلقة على الحائط : للذكرى والتاريخ.
رأيت " شادية " تنظر اليَّ وأنا أنهق . وضعنا هباءً ومدينتي تختفي .. تختفي ..تختفي .

سامي يوسف


***


سامى يوسف غبريال - البحث عن زوربا..

ملايين الأشياء تتكون عند الخاطر ثم تثب قافزة وأنا في المنعطف التاسع بعد المائة مصاب بزكام حاد يقف ككابح بيني وبين إنتعاش الذاكرة ، خرجت من غرفة العمليات بطاردني شبح أبي صرخاته المتألمة ـ خيوط الدم واللفافات والأشرطة البيضاء ، القطن المغمس في اللون الأحمر ، عملية إخراج بياض من العين وأبي يصرخ ويدفعني صراخه المتزق للخروج وأنا في المنعطف الثامن بعد المائة أبحث عن زوربا .. أبحث عن رقصة علي قبر أبي . أريد أنتزاع الصديد المثخن ألما من داخلي .. أريد أن أبتسم في وجه المأساة .
للحظة يثب هاجس ملحاح يرغمني علي الإنحناء أمام بريق العهد التالف . علي جذع شجرة قديمة أتكيء وينبعث من صدري ثغاء مهمل .. محاولة للغناء والهاجس يطفر كالنجوي .. قلبت مساء أمس الصحف القديمة ، كل ما يتلكأ علي أطراف الغبار والشعيرات الدقيقة وعلي ضوءأشعة بنفسجية خالصة الصفاء .. عثرت علي الخبر التالي ( إكتشف مخبرنا أن زينب عطا قد وجدت متلبسة بالخيانة الزوجية في .. ) والآن وأنا أعيد النظر في الكلمات المنتحرة علي ضفاف اللعنة .. أعرف جيدا أن زينب عطا هي أمي .. أعرف جيدا أن الخبر أصبح مؤكدا ، فكلمات الجيران تتسلل إلي طبلة أذني ـ والشك يضرسني ويجعلني قطاعات وشرائح من اللظي المتجمد ، أنا إبن من .؟ لابد أن أمي ذهبت مع رجل آخر .. إبنها إذا من نسل رجل آخر .
أبي ليس أبي .. وأنا لست أنا .. في المنعطف السابع بعد المائة أنفذ إلي كنيسة مهجورة لكن زوربا لن يكون داخلها ، أصغي إلي تراتيل حزينة وألحان شجية ترغمني علي أن أبلل الدمعات بطرف منديلي الأخضر اللون .. أنا في حاجة اليك يا زوربا .. في حاجة إلي سناتورك الميلودي الرنين .. في حاجة إلي صحوك وإنفجارك بالضحك .. ليتني أملك صبرك وصمودك أمام الأشياء من لي بك ؟ أين أعثر عليك ؟ ملايين الأشياء تتكون عند الخاطر تمسخ عجلة التكوين ، تزيدها رتابة .. تجعلني أبحث عن ذاتي الهاربة في ظلال المجهول ، نعم سكرت ذات ليلة مع رجل يدعي (.. ) لعب الوسكي برأسي في صبيحة اليوم التالي قلت له بعد أن طلب مني الذهاب هل تظنني أريد إغتصاب زوجتك ؟ نعم سكرت مع رجل تركني علي قارعة الطريق وهرب لعربته الكاديلاك . عبثا يبحث عني هذا الرجل فإسمي ليس موجودا بدليل التلفونات ولا في دفاتر البوليس وعبثا أحاول العثور عليك يا زوربا .. وسط تجمعات البشر قرب قبة الشيخ حمد النيل .. كانت ضربات الذكر والدوران المجنون وسط الساحة .. زرت الضريح فتمني لي حارس الضريح أن أجد بنت الحلال .
وأنا بالفعل وجدتها حبيبتي ، أعمل هذه الأيام جاهدا علي أن أدرك أدق تفاصيل حياتها الشخصية ، أريد أن تكون صديقتي أخبرها بأن الإشتهاء وارد في محيطاتي وتخبرني بأنها تشتهيني ، هل ترينني أوسم بنظارة أم بدون نظارة ؟ فقالت بدون نظارة .. كان ردي أنا أظن نفسي وسيما بنظارة لأنني لا أستطيع ساعتها رؤيتك جيدا ، وأنا في المنعطف السادس بعد المائة كنت أغني :
عينا حبيبتي زهرتا غردينيا وفراولة .. وكنت أقول أن الجنس عندي ليس راقصة ستربيتيز تتعري أمام رواد ظلمة مقهي ما في حواري سوهو .. الجنس عندي يعادل نفح الحياء وكنت أسأل نفسي لماذا لا تعرض في بلادي أفلام كإنفجار روما فلليني وآخر رقصة تانجو في باريس؟ وأنا في المنعطف الخامس بعد المائة كنت أعبر العشش ثم القماير ثم الكرتون ثم زقلونا .. كنت أنقب عن زوربا ملجأي ومنفاي مهدي ولحدي ـ وانا في المنعطف الرابع بعد المائة كنت ألهث .. نافورات من العرق تفصد وجهي وأود أن أرحل عند المنعطف الثالث بعد المائة إلي أثينا إلي جبال ( الأناضول ) إلي إسبانيا إلي جبال البلغان أن أنتشر في كل المساحات . في كل القباب والمآذن والواح الصلب وشلالات الغضب .. في المادة التي لا تفني وفي الفناء الذي لا يستحدث . وعند المنعطف الثاني بعد المائة تحاصرني كلمات العسس الليلي رجال الدرك المتجهمي الوجوه ، إنهم يضربوني بقسوة لأنني إخترقت إستيديو التلفاز حيث الصورة المرئية وأنا أدخن سيجارة .. لكماتهم تزيد ألم الشك والحريق المتلبد كالسحي الراحلة .. عند المنعطف الأول بعد المائة كنت أبحث عنه في كل الزوايا والمنحنيات عند الصفر .. سأبحث عنك يا زوربا هذه المرة داخل نفسي


****

" دنيقيلا يا حبي "

وددت للحبر أن يكون أحمرٌ كيما أرفع رأسي. ولكن الإبن كان عاقاً. طوفانات "ماجدة" في أزقة القبح والبذاءة. تاريخ السودان .الجغرافيا الإقتصادية . قواعد. طبيعة. تاريخ أوروبا .نقد وتاريخ وأدب .........
الوطن العربي .حينها توقفت قليلاً. بالأمس قرأت مقالة محمود درويش " إرحمونا من هذا الحب القاسي" فكرت في كنيسة الزيتون التى لم ترها . في مغارة جعيتا . في " أتبرا" كان خالى المعتقل يراسلها. يطوف بها عل دراجته يعلمها الغناء .أظنها كانت لا تلثغ بل تلدغ . في تلك القرية كانت " العشش".كانت تستحم مع طفلها في حمام واحد . " الرجل عليه ان يرجع للوراء قليلاً بعض الأحايين حتى يتعلم أن يجد نفسه وقبل ان يعثر على جملته المفقودة عليه ان ينقب في جذور الأرضية "
أهو صوت "جيمس براون" . أم هو صوت فتحية التى لم ترجع لها كتبها بعد . خالتى التومة أتذكرنني . اشراق وخليل أبس "جوزيف" وجدته في الدنيقيلا يحمل البرسيم على هودج بقرته الضريرة . " غادة" شبت الآن ألم يغني لها : ياأجمل غادة . الجابرى كان يؤكل معنا في " الحِلة " تلك الثعابين . في رحلة الإنطواء والعقارب التى تنوح .الآن يا محبوبتي تبحثين عن سعد يحنو عليك. جدنا القمص توفى . كان خولاً بادئة الآمر. لكنه عندما كان عليلاً أرسل بإشارات. ببصمات الحوادث التى أحرقت الطائرات .
" أحايينا تكثر الفوانيس التى تحب!
وأحياناً من ممرات الضرس المخلوع
تتجدد الأزمة .
" في مثل هذه اللحظات من السكينة
أبعث الى أطراف الدائرة الملتفة بالجمود
أردد الوصايا العشر في خندقى
لكن الهدوء لا يبدو حنيناً إلا بتجدد الصخب . الأصداء المؤدية الى مهدى
.. أقتلع فيها كفاف يومنا
لكيما أصفع صدري المصاب بالإلتهاب الرئوي ."
أتذكرين يا حبي .. ماسحو الصدر بالشَرافة . تلك الأماني التى أنجبها " جرجس". من ضفيرتك يا حبي أتهمتُ بحبي " للوريس". وميلادي المتخم سُرِقت ملابسه .أتذكرين بخلي عندما كنت أكتب على المربى سماً كيما تتعلمين تلك اللغات .من ضفيرتك يا حبي صنعتِ رجالاً.
والآن فليبعث الجفاف وتفسيري ياحبي الشديد الخصوصية لن يكون إلا مراجعة لتلك الأيام التى تتجدد " أهو بتلِفْ " . "سالم" بائع "الفراخ" هاجر الى كندا .ذلك البوي صار جندياً ببابنوسة . و" سلامة" يردد رموزاً لم أفهمها. هل أعود الى الخرطوم .يا حبي أنت لا تفهمين : كوديانا شلف .. شلف الشلف .
- عاجباني انتي يا السمحة .. الله يهديك يا عبد الرمن يا ولدي .
وصلتني قصيدة من عمو رياض .. كنا في تونس .نسيت اسم الشاعر لكنني سأنقل لك المقاطع.
- لاهَوْلا ..يُمه !! يُمه كعب!!
فاطمة القرآنية نزحت الى المدينة قضيت معها طفولتى بالأبيض . " يا حِمبِشة .. ياكتكوت أمو. جاءها نبأ وفاة أمها . فتذكرت :
كأس وحانة
وخمر وقور
مددنا إليها أيادي الأمل . وبحنا إليها بستر الحياة وموج الشباب ..يراقصنا من وراء الضباب وفوق الهضاب .. فينساب بين الصخور ..ليلقي بنا في رمال الأسى . رمال المنى .. رمال النقاء ..رمال الحياة .. ومازال فجر الضياء يدغدغنا عند كل مساء . فترج للكأس أيدٍ رشيقة وتمتص من جوف تلك الكؤؤس ..رحيق الحياة غذاء النفوس ويشتد ذاك العناق ..كؤؤس ..أياد وخمر تراق. قوارير غصَّت بحلو المذاق .. بخمر تسْرِ بروح الرفاق .. وصمت طويل طويل..أتاح الكلام للحن الشجون.. لقد ذاب مجد الكؤؤس الحيارى أضاعت عنان الشباب .. فراغ .. فراغ . أمات الكؤؤس فراغ الشباب المرير ..فراغ الشباب المثير .. فراغ فراغ ولكن كبير طموح الشباب وتنساب أيد لترجع مجد الكؤؤس .. لتحي النفوس ..لتلقي الحياة لكأسٍ شَحوب .. لتسكب خمراً لعوب وتملأ ذاك الفراغ زجاج دماء .. صراع جديد. أياد لأخذ الكؤؤس تعود. شفاة لذاك العناق تعود .. لقد مات ذاك الضباب ..فأمس الشباب طريح الفراغ.. ضجيج بنته الحياة .. صراع بدون إنقطاع .. رؤؤس سبتها الخمور. نفوس تثور وقد ودعت كأسها منذ حين .. تثور لصمت العصور وتشكو جمود الحياة تثور ومازال فيها طموح ، طموح غريب..طموح يحب الحياة .. طموح يمزق ذاك الضباب ."

سامي يوسف




1621789462144.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى