كان في المدينة رجل يصنع أشياءً عديدة. كان يحرث الأرض ويبذر البذور، وكان يشق القنوات لكي يروي الماء العذبُ الحقول. وكان يجري المعادلات الكيمائية ويدون في مفكرة صغيرة ما كان يراه من حركة الأفلاك في السماء مستعيناً بمنظار صنعه بيديه. كان ينسخ المخطوطات القديمة ويرمم اللوحات التي أذهب الزمن ألوانها، وكان يصنع التماثيل الجميلة ليزين بها الميادين. وكان الرجل يضع المقررات الدراسية، ويُصيغ خطب الحكام ويدون التاريخ ويصطاد الفئران قبل أن تنجح في التسلل للبيوت. وكان أيضاً يبتكر الآلات الموسيقية، ويُطعم الخيول والحمير ويرعى الأغنام. ولأنه كان لا ينام، كان في الليل يحمل مشعله ويمر على أسوار المدينة ليتأكد من متانتها وقدرتها على الصمود أمام الغزاة. كان الوحيد الواثق من قدوم الغزاة. وكان يصنع لأطفال المدينة اللعب، ويصنع لرجالها الفؤوس والأسلحة، وللنساء كان يصنع الحلي والآنية. وكان يبحثُ في الجبال المحيطة بالمدينة عن المعادن ثم يعود بها لمعمله الصغير فيصنع بها الأعاجيب بعد أن يخلطها برحيق الزهور التي كان يزرعها في فناء بيته. استطاع الرجل أن يجعل استخراج المياه من الآبار أسهل، وأن يجعل الخيول تركض بسرعة مذهلة، كما تمكن من ترويض الأسود والقردة وخفض أصوات الحمير. كان دائماً يحذر أهل المدينة أن أصوات الحمير العالية ستجتذب الغزاة، لكنهم لم يصدقوه أبداً.. فقد كان هو الوحيد الواثق من قدوم الغزاة. حتى أسوار المدينة كان هو من بناها وحده. لمائة عام كان يحمل أحجار الجبال على كتفيه ليُقيم بها الأسوار العالية، ولمائة عام كان أهل المدينة يسخرون من الرجل.
وفي يوم خرج الرجل ليبحث في الجبال عن بعض المعادن اللازمة لصُنع آلة ترصد عن بعد وقع دبيب خيول الغزاة على الأرض. ولأن المعدن المطلوب لم يُكن متوفراً بكثرة، اضطر الرجل للتوغل في بطن الجبل، وهناك رأي لأول مرة في حياته كهف. لم يسبق للرجل الذي عرف كل شيء ووعى كل شيء أن رأى قبل ذاك اليوم كهف. وبمجرد أن وطئت قدما الرجل الكهف انتابته رغبة في النوم لم يسبق له أن جربها. ففي الألف عام التي عاشها لم ينم الرجل لحظة واحدة.. فنام، نام ليوم واحد. وعندما استيقظ عاد لمدينته مملوءً بالنشاط والحيوية. كان قد رأى في منامه أحلاماً عظيمة، وأفكاراً عظيمة قرر أن يضعها موضع التنفيذ بمجرد عودته للمدينة. لكنه لم يجد المدينة. لم يجد سوى خرائب. كان الغزاة قد آتوا أثناء نومه على أصوات الحمير التي لم يكبحها أحد. كان الغزاة قد خربوا المدينة. كانوا قد حرقوا الحقول والبيوت والكتب، وحطموا التماثيل وهدموا الجسور وهشموا لعب الأطفال. وعلى جذوع الأشجار صلب الغزاة رجال المدينة وسبوا النساء والأطفال وسرقوا الخيول والأسود ورحلوا. لم يترك الغزاة في المدينة سوى الخرائب والحمير. عاد الرجل إلى الكهف حزيناً. وقبل أن يخلد للنوم الأبدي إستل سكيناً صغيراً ونقش على جدران الكهف كل الحكاية ثم نام.
وبعد آلاف السنين جاء إلى الكهف أقوام آخرون بحثاً عن الحقيقة، ونظروا للنقوش التي تركها الرجل الذي اختلط تراب جسده برمال الكهف. وقال أحدهم في ثقة مشيراً للنقوش الغامضة..
"أنتم يا سادة في حضرة رجل ينتمي لعصور ما قبل الحضارة".
وفي يوم خرج الرجل ليبحث في الجبال عن بعض المعادن اللازمة لصُنع آلة ترصد عن بعد وقع دبيب خيول الغزاة على الأرض. ولأن المعدن المطلوب لم يُكن متوفراً بكثرة، اضطر الرجل للتوغل في بطن الجبل، وهناك رأي لأول مرة في حياته كهف. لم يسبق للرجل الذي عرف كل شيء ووعى كل شيء أن رأى قبل ذاك اليوم كهف. وبمجرد أن وطئت قدما الرجل الكهف انتابته رغبة في النوم لم يسبق له أن جربها. ففي الألف عام التي عاشها لم ينم الرجل لحظة واحدة.. فنام، نام ليوم واحد. وعندما استيقظ عاد لمدينته مملوءً بالنشاط والحيوية. كان قد رأى في منامه أحلاماً عظيمة، وأفكاراً عظيمة قرر أن يضعها موضع التنفيذ بمجرد عودته للمدينة. لكنه لم يجد المدينة. لم يجد سوى خرائب. كان الغزاة قد آتوا أثناء نومه على أصوات الحمير التي لم يكبحها أحد. كان الغزاة قد خربوا المدينة. كانوا قد حرقوا الحقول والبيوت والكتب، وحطموا التماثيل وهدموا الجسور وهشموا لعب الأطفال. وعلى جذوع الأشجار صلب الغزاة رجال المدينة وسبوا النساء والأطفال وسرقوا الخيول والأسود ورحلوا. لم يترك الغزاة في المدينة سوى الخرائب والحمير. عاد الرجل إلى الكهف حزيناً. وقبل أن يخلد للنوم الأبدي إستل سكيناً صغيراً ونقش على جدران الكهف كل الحكاية ثم نام.
وبعد آلاف السنين جاء إلى الكهف أقوام آخرون بحثاً عن الحقيقة، ونظروا للنقوش التي تركها الرجل الذي اختلط تراب جسده برمال الكهف. وقال أحدهم في ثقة مشيراً للنقوش الغامضة..
"أنتم يا سادة في حضرة رجل ينتمي لعصور ما قبل الحضارة".