د. عبدالجبار العلمي - عن ذ العلامة محمد بن تاويت التطواني، وعن دراسة الفارسية والعبرية بكلية الآداب بظهر المهراز في فاس المحروسة أواخر سنوات الستين

كنت قد اخترت الفارسية التي كان يدرسها لنا الأستاذ الموسوعي محمد بن تاويت رحمه الله ، وكان متشددا في إمتحاناتها التي كانت شفوية . وكم من طالب رسب بسببها وأعاد السنة ومنهم من أعاد السنتين ، رغم أنه نجح في الامتحان الكتابي ، ثم جاء إلى الكلية أستاذ حاصل على الدكتوراه في اللغة والأدب الفارسيين هو الدكتور عبداللطيف السعدني التي وافته المنية في عز شبابه ، ولم يكن أقل من أستاذنا ابن تاويت تشددا في الامتحان الشفهي . وأذكر أنه كان بينهما تنافس علمي كان ثمرته ، على ما أذكر ، ترجمة الأستاذ ابن تاويت رباعيات الخيام من الفارسية بالوزن والقافية على الشكل العمودي ، ونشرها بجريدة العلم ، وأذكر أن التنافس استمر بينهما بعد تخرجنا ..
لقد وصف أحد زملائنا أستاذنا محمداٌ بن تاويت التطواني بالهرَم المغربي . وقد كان حقا هرما وذا ثقافة موسوعية، فقد درسنا عهد ذاك الأدب المغربي، ومُغني اللبيب والكتاب لسيبويه، كما كان الأستاذ محمد بن عبدالله الذي كان يحفظ كتاب المغني يدرس هذا الكتاب ، غير أننا لم نكن نفهم عنه . لم يكن الأستاذ ابن تاويت يحمل درجة الدكتوراه ، لكنه كان ذا تخصصات متعددة متضلعا فيها ، وبالنسبة لنا - نحن طلبته الذين نعرف قدره - كنا نجله ونقدره ، فقد كان في الحقيقة يحمل أكثر من شهادة دكتوراه مثل زكي مبارك الذي كان يغيظ خصومه بوصف نفسه بالدكاترة زكي مبارك. للعلامة المغربي محمد ابن تاويت تآليف عديدة أهمها : " الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى " في ثلاثة أجزاء . ويذكر المؤلف أن هذا الكتاب يتضمن محاضرات كان قد ألقاها بكلية الآداب ، في الرباط وفاس .. وكتاب " الأدب المغربي" مشترك مع محمد صادق عفيفي ، والحقيقة أن الكتاب كان جله لأستاذنا ابن تاويت ، فقد " استقل[ محمد عفيفي ] فيه بالمقدمة والتمهيد واللمحة الجغرافية والتاريخية ، وما إلى هذا حتى الفصل الأول من الكتاب " كما ورد في توطئة هذا السفر القيم . هذا إلى جانب عمله في الصحافة الثقافية ، حيث كان يرأس تحرير مجلة "تطوان" التي كان يكتب فيها مقالاته القيمة غالبا في الأدب المغربي القديم والحديث ، وهي مجلة راقية كانت في مستوى مجلة المناهل التي كانت تصدرها وزارة الثقافة التي كان يرأسها الوزير الحاج امحمد باحنيني . هذا مجرد نبش خفيف ورد في سياق حديثنا عن أستاذنا العلامة ، في ذاكرتنا الثقافية المليئة بالذخائر والكنوز الخبيئة التي يجهلها الجيل الجديد من المتأدبين و طلاب كليات آدابنا. ولا أعفي نفسي من التقصير في العودة إلى ما انتجه الكتاب والأدباء المغاربة والتعريف بآثارهم ،ومنهم كتاب وأدباء وباحثون في عدة مجالات وفنون أدبية وليس هنا مجال ذكرهم وهم أسماء لامعة عديدة.
قلت : إننا ـ طلبته بكلية أداب فاس ـ كنا نقدره لعلمه وثقافته الموسوعية ، فقد كان ضليعا في الأدب المغربي وفي اللغة والنحو واللغات الفارسية والتركية وله إلمام باللغتين الإسبانية والإنجليزية ، حيث كانت دراسته العليا بمصر .. كنا نكاد نقبل يده احتراما وتقديرا ومحبة خاصة ، نحن أبناء مدينته تطوان . أما حين كان يلقي درسه ، فكانت حجرة الدرس يسودها الهدوء والانضباط . وإذا سمع صوتا أو تهامسا بيننا وهو يكتب بعض الكلمات الفارسية على السبورة ، يلتفت مخاطبا إيانا بلهجته الجبلية التطوانية التي لم يغيرها الزمان وطول عهد بعده عن بلدته ، موبخا وداعيا إيانا إلى الانتباه إلى الدرس لنستفيد. أشهد أنه كان مخلصا في عمله ، جديا في أداء واجبه ، أنوفا و لا يعرف في الحق لومة لائم. أستاذ جامعي من طينة الأساتذة الجامعيين الكبار في الجامعات العربية وفي كلية آدابها. رحم الله أستاذنا العلامة محمد بنتاويت ، وجزاه الله خيراً عن ما قدمه من أيادي بيضاء لأجيال من الطلبة الباحثين الذين ساروا على نهجه ، ولما أسداه للمكتبة المغربية من اأبحاث وكتب نفيسة ، تعتبر من أهم المراجع والمصادر في الأدب المغربي. فلتنم قرير العين أيها العلامة الجليل ، فقد قمت بواجبك تحو وطنك وأبنائه بكل تفان وإخلاص وزهد في كل ما تمحوه يد الفناء .





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى