سعد عبد الرحمن - إلى الحرب

شاعر البؤس كما يعرف أغلب قراء الأدب العربي وقراء الشعر على وجه التحديد هو عبد الحميد الديب، وكان جديرا غفر الله له بذلك اللقب فقد عاش حياة بائسة شديدة البؤس ولكن بؤسه في الواقع كان اختيارا لا اضطرارا وهو ما لا يعرفه كثيرون وبعض من يعرفون ذلك يتغافلون عنه أو يرفضون تصديقه لأنهم من عشاق الأساطير وقد تحول الديب في بؤسه وشعره المعبر عن هذا البؤس إلى أسطورة لا ينبغي عند عشاق أسطورته خدشها، وقد حرص هو على تنميتها وحمايتها من الخدش.
كان بؤس الديب اختيارا وليس اضطرارا كما قلت وقد صدق الأديب الكبير أحمد حسن الزيات فيما بدأ به كلمته التي قدم بها لكتاب الدكتور عبد الرحمن عثمان "الشاعر البائس عبد الحميد الديب" وهو أول كتاب كامل (كتبت عنه عشرات القالات قبل موته وبعده أيضا) يصدر عن حياة الديب وشعره وقد كان مؤلفه على صلة شخصية بالديب وهذا ما يعطي كتابه سمة خاصة هي أنها كتابة من قرب ولم تتوافر تلك السمة لكتاب صديقنا أ. محمد رضوان وإن كان ذلك لا ينتقص شيئا من قيمة الكتاب، صدق الزيات حين قال: كان الشاعر عبد الحميد الديب نمطا وحده في شعراء العصر ، كان ظهوره رجعة إلى نوع انقرض من الشعراء الهجائين المستهترين المكدين الذين لم تهيئهم طبائعهم للعمل الكاسب فأخلدوا إلى التبطل وحملوا عجزهم وعوزهم على لؤم الناس وظلم القدر ".
لو كان الديب صاحب الموهبة الشعرية الكبيرة أراد أن يلتحق بوظيفة أو يعمل عملا شريفا لما عجز عن تحقيق إرادته ولكنه كان مستريحا إلى البطالة مستمرئا لحياة الصعلكة. كان الديب ينشر في دوريات زمانه الصحفية شعرا ويكتب مقالات (جمع أ. محمد رضوان كثيرا من تلك المقالات وأصدرها في كتاب بعنوان: اعترافات شاعر الصعاليك) ويأخذ عنها أجرا ولكنه كان ينفق كل ما يحصله من مال كثر أو قل على تعاطي الخمر وغيرها من المسكرات والمخدرات، كما كان للديب علاقات وثيقة بالمطربين والملحنين بل بكبار الملحنين في ذلك العصر يلحنون نصوصا من شعره ويعطونه أجرا عليها بالطبع ، وهاكم مثالا على ذلك النص التالي المصاحب للمنشور وهو نشيد حماسي بعنوان "إلى الحرب" لحنه له الموسيقار العظيم رياض السنباطي وغنته بصوتها الرخيم السيدة فتحية أحمد التي كانت تلقب بمطربة القطرين ويرجع تاريخ إلى أوائل الحرب العالمية الثانية أي عام 1940 تقريبا، وهو من تراث الإذاعة المصرية المجهول والمفقود أيضا.




1637669012054.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى