د. الأمير صحصاح - مفهوم القصة الأدبية وأنواعها

المفهوم اللغوي للقصة :

القصة لغة تعني الشأن والأمر وجاء في مختار الصحاح (قص) أثره وتتبعه من باب رد و(قصصا) وأيضاً ومنه قوله تعالي : {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} [الكهف : 64] , وكذا (اقتص) أثره و(تقصص) أثره . و(القصة) الأمر والحديث وقد (اقتص) الحديث رواه علي وجهه . و(قص) عليه الخبر (قصصاً) والاسم أيضاً (القصص) بالفتح و(القصص) بالكسر جمع القصة التي تكتب .

وجاء في المصباح المنير (قصصت) الحبر قصاً حدثت به علي وجهه. والاسم القصص بفتحتين وقصصت الأثر تتبعته و(القصة) الشأن والأمر .

وفي اللغة الإنجليزية يري "روبرت شولز" أن الواقع Fact والقصة Fiction ومن المعارف القديمة . والكلمتان مشتقتان من كلمتين لاتينيتين. فقد جاءت Fact من Facere ومعناها الصنع أو العمل , وجاءت Fiction من Fingere ومعناها الصنع والتشكيل . وبوسعنا أن نري أن هناك علاقة بين Fact و Fiction إذ نحن فكرنا في مكان تجمع فيه الكلمتان , وهذا المكان ندعوه التاريخ , وأن كلمة التاريخ History تعني حوادث الماضي وحكاية هذه الحوادث الواقعة Fact أو القصة Fiction , وكلمة Story تكمن في كلمة History , وهي مشقة منها وما يبدأ بحثاً ينتهي قصة , والواقعة Fact لكي تبقي حية لابد أن تصبح قصة Fiction والقصة إذا رأيناها علي هذا النحو , فهو تضفي علي أعمال الناس الزائلة شكلاً أشد دواماً.

المفهوم العلمي للقصة الأدبية :

توجد مفاهيم عديدة للقصة الأدبية , ويكاد يتفق أغلب النقاد علي أنها "تجربة إنسانية أو قيمة يصور فيها القاص مظهراً من نظاهر الحياة , تتمثل فيه دراسة إنسانية للجوانب النفسية في مجتمع محدد وفي بيئة خاصة , وتنكشف هذه الجوانب بتأثير حوادث تساق علي نحو يبررها ويجلوها , وتؤثر الحوادث في الجوانب الإنسانية العميقة وتتأثر بها .

ويقول الكاتب الكبير "تشارلتن" نستطيع أن نزعم أن القصة ضرب من الخيال النثري له مهمة خاصة به , وهي تقص أعمال الرجل العادي في حياته العادية بعد أن تضعها في شبكة من الحوادث كاملة الخيوط , متتبعة كل فعل إلي أدق أجزائه وتفصيلاته وسوابقه ولواحقه , موغلة في دخيلة النفس حيناً لتبسيط مكنونها أثناء وقوع الفعل , مستعرضة الآثار الخارجية للفعل حيناً آخر , لا تترك من جوانبه وملحقاته ونتائجه شاردة ولا واردة إلا سجلتها في أمانة وصدق , كما تحدث في الحياة الواقعية التي يخوضها الناس ويمارسونها .

أما الدكتور محمد زغلول سلام فيعرف القصة الأدبية بأنها "نموذج فني يتصل بكثير مما يهم الناس مما قد يضمنه الفنان عمله , فالقصة علي هذا الرأي تجمع الفن إلي شيء آخر هام , فهي تعطي اللذة الفنية والمتعة الجمالية التي يعطيها كل عمل فني إلي جانب ما لها من خاصية آخري تتصل بما يشغل الناس ويهمهم في الحياة .

ويتم التمييز في العمل القصصي الجيد بين مظهرين مختلفين : الأول الحكاية وهي الأحداث المروية والشخصيات المتحركة وغير هذا من العناصر التي يخلقها الفنان ولا تنتمي إلي الحياة وإنما إلي العالم الخيالي , أما المظهر الثاني فهو القول , أي هذه الكلمات الواقعية الموجهة من الكاتب إلي القارئ , أي المسجلة في كتاب , والتي تشمل جوانب التنظيم والصياغة .

أنواع القصة الأدبية

قسم النقاد القصة الأدبية من حيث الشكل إلي أربعة أنواع هي : الرواية , القصة القصيرة , القصة الأقصوصة . ويمكن تعريف هذه الأنواع القصصية علي النحو التالي :

أولاً : الرواية Novel :

الرواية شكل أدبي متميز , له ملامحه الخاصة , وقسماته الواضحة , هذا الشكل يتخذه بعض الأدباء وسيلة للتعبير عما يريدون التعبير عنه , أو هيكلاً لتصوير ما يرغبون في تصويره: من أشخاص , أو أحداث , أو مواقف , أو انفعالات , أو علاقات اجتماعية , أو ظواهر بشرية وطبيعية وإنسانية . إنها إذن واحدة من الأشكال الأدبية الأخري , مثل الملحمة والمسرحية والقصيدة الشعرية والقصة القصيرة والمقال , لكنها تختلف بما تحتفظ به من خصائص فنية , وتقنية تجعل لها استقلالها وتفردها .

والرواية كما يقول الدكتور سيد حامد النساج هي تعبير عن رؤية للحياة , أو موقف منها , ويأتي ذلك عن طريق رسم عاطفة الروائي معاناته , أخذا ورداً بواسطة شخصية أو شخصيات , تتحرك من خلال حدث , أو أحداث , في إطار زمان ومكان .

وتعد الرواية أكثر أنواع القصة الأدبية طولاً واستغراقاً للزمان وامتداداً في المكان , وكثرة في الحدث , حيث تتوالي فيها الوقائع وتكثر, وتتداخل الأحداث , وتتطور الشخصيات , وهذا يجعل حجمها كبيراً , أما فكرتها فتقوم غالباً علي تصوير البطولة الخيالية وينصب الاهتمام فيها علي الوقائع والأحداث , ولذا فهي تتميز عن غيرها بأنها قصة الوقائع المتعددة , فالمجال يتسع فيها أمام الكاتب ليتحرك بالأحداث كيفما يشاء في سلسلة متشابكة متنقلاً بالحدث من موقف لآخر انتقالاً تنكشف منه الجوانب الغامضة للأشخاص في فترات مختلفة من أطوار أعمارهم بعد أن تتناول سلوكهم بالتحليل المتأني العميق في كل ما يقدمون عليه , ولكل مؤثر يتعرض له .

فالرواية تصور تجربة إنسانية تعكس موقف كاتبا إزاء واقعة بنفس القدر الذي تفصح فيه عن مدي فهمه لجماليات الشكل الروائي , والرواية تقول هذا – وأكثر – من خلال أداة فنية متميزة هي الشخصية , وهذا ما يجعل بعض النقاد يعرفون الرواية بقولهم أنها فن "الشخصية" .

ومن الأمور الأساسية في الرواية إطلاق الخيال للبحث عن الأسباب والنتائج والتنقيب عن الأفعال وما يتوقع لها من ردود وأصداء , ومنها عرض الشخصيات متفاعلة مع الحوادث متأثرة بها , نري من خلالها صور الصراع الحيوي .

ثانياً : القصة القصيرة Short story

يعرف النقاد القصة القصيرة بأنها :

حكاية أدبية .
تدرك لتقص .
ذات خطة بسيطة .
وحدث محدد .
حول جانب من الحياة .
لا في واقعها العادي والمنطقي .
وإنما طبقاً لنظرة مثالية ورمزية .
لا تنمي أحداثاً وبيئات وشخوصاً .
وإنما توجز في لحظة واحدة , حدثاً ذا معني كبير .

والقصة القصيرة كتجربة فنية شانها شأن كافة أشكال التعبير الأدبي والفني , تتكون من مضمون وشكل . أو معني ومبني , أو فكرة وصياغة , والمضمون أو الموضوع المعالج ما كان له أن يتشكل بلا صياغة أو إطار خارجي أو شكل معماري يبني عنه , كما أن الشكل أو القالب أو الصورة ما كان له أن يتخلق من الهدم بدون المعني أو الفكرة التي يحتويها هذا الشكل ويفرض وجودها , ومعني هذا أن القصة القصيرة وكل عمل فني , مهما بلغ من التجريد هو فكرة صيغت داخل شكل معين , وأن الفكرة هي التي تفرض لون هذا الشكل وتتجسد داخله وتلتحم به , ومن التآلف والامتزاج والالتحام بين الشكل والمضمون يتكون العمل الفني أو العمل الأدبي .

وعن القصة القصيرة يقول الدكتور رشاد رشدي "إنه من المعروف أن القصة القصيرة تروي خبراً ولكن لا يمكن أن نعتبر كل خبر أو مجموعة من الأخبار قصة فلأجل أن يصبح الخبر قصة يجب أن تتوافر فيه خصائص فنية أولها أن يكون له أثر كلي , وهذا هو أول مستلزمات القصة , أي أن الخبر الذي ترويه يجب أن تتصل أجزاؤه بعضها مع البعض بحيث يكون لمجموعها أثراً أو معني كلياً , ولكن المعني أو الأثر الكلي لا يكفي وحده لكي يجعل من الخبر قصة , فلكي يري الخبر قصة يجب أن يتوافر فيه شرط آخر – وهو أن يكون للخبر بداية ووسط ونهاية , أي يصور ما نسميه "بالحدث" الذي يكون من مراحل ثلاث : المرحلة الأولي وهي البداية والمرحلة الثانية وهي الوسط , والمرحلة الثالثة وهي النهاية .

وقد يظن البعض أن كل حكاية تنشر أو تروي لابد وأن لها بداية ووسط ونهاية وأنها بناء علي ذلك لابد وأن تصور حدثاً , أي أنها قصة , ولكن هذا غير الواقع , فالكثير مما ينشر علي أنه قصص ليس قصصاً علي الإطلاق , بل مجرد أخبار , وهذه الأخبار التي يكتبها الكتاب وينشرونها علي الناس متنكرة في زي قصص كثيرة , بل أن الصحف والمجلات مليئة بها , وهذا النوع من القصص يسميه "أرسطو" بقصص الأخبار .

وتختلف القصة الأدبية عن القصة الإخبارية في عدة وجوه , فيري البعض أن "القصة الخبرية في بنائها تجمل في فقرتين أو ثلاث فقرات , ثم يلي ذلك تفصيل أكثر , ثم تشرح بشيء من التطويل.

وكما أن الخروج عن المألوف يمثل باباً تدخل منه القصة الخبرية , بخلاف القصة الأدبية التي تعتبر الدراما مدخلاً عاماً لها , والقصة الخبرية تحيط بالواقعة إحاطة خارجية , أما القصة الأدبية فإنها تحيط بها إحاطة داخلية , وأن القصة الخبرية تعد تعبيراً موضوعياً عن واقعة , أما القصة الأدبية فهي تعبير ذاتي .

والقصة القصيرة كعمل أدبي هي التعبير من خلال الحادثة , بمعني أن الحادثة فيها موضوع وليست هدفاً بذاته , وهي موضوع مختار ليتيح الفرصة للكاتب ليعبر عن نفسه ويبين عن موقفه وإحساسه , فهي موضوع ما وراء الموضوع , أو بمعني آخر هي موضوع ومضمون أدبي , وفي رأي النقاد يمكن تقسيم القصة القصيرة إلي :

قصة الحادثة , ويكون جوهرها الحدث , الفعل نفسه .
قصة الشخصية , ويكون بطل القصة هو المحور الذي تدور حوله أحداث القصة.
قصة الفكرة , ويكون الغرض منها هو التعبير عن فكرة عند الكاتب ويلجأ إلي أجزاء القصة لتخدم غرضه وخاصة حوارها.

وتختلف القصة القصية عن الرواية , مع أنهما تستمدان من نفس المنابع , ولكنهما تستمدان بطريقة مختلفة تماماً , وأنهما قالبان أدبيان متميزان , والفرق بينهما ليس فرقاً في القالب , مع أنه توجد بينهما فروق كثيرة من حيث القالب بمقدار ما هو فرق أيديولوجي , هذا ما يؤكده "فرانك أوكونور" , ويقول "اعتقد اعتقاداً قوياً أننا يمكن أن نري في القصة القصيرة اتجاهاً عقلياً يجتذب جماهير الجماعات المغمورة علي اختلاف الأزمنة وأن الرواية مازالت بالفكرة التقليدية عن المجتمع المتحضر".

كذلك تختلف القصة القصيرة عن الرواية من حيث الشكل , ومن الممكن أن نعبر عن الفرق بينهما بأن نقول أن القصة القصيرة قصيرة , وذلك ليس صحيحاً بالضرورة , ولكنه كاف كفرق عام.

ويشكل عنصر الزمن أكبر ميزة للروائي , والنمو التاريخي للشخصية أو للحوادث كما نراه في الحياة يشكل قالباً جوهرياً , لكن القصة القصيرة لا توجد لدي كاتبها شيء من هذا ينظر إليه علي انه قالب جوهري , لأن إطاره الذي يرجع إليه لا يمكن أن يكون الحياة الإنسانية برمتها , وهو لابد أن يختار دائماً الزاوية التي يتناولها منها .

وأن أهم ما يميز القصة القصيرة عن الرواية أن الرواية تعتمد في تحقيق المعني علي التجميع أما القصة القصيرة فتعتمد علي التركيز , والرواية تصور النهر من المنبع إلي المصب , أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة علي سطح النهر , والرواية تعرض للشخص من نشأته إلي زواجه إلي مماته , أما القصة القصيرة فتتفي بقطاع من هذه الحياة , بلمحة منها , أو بموقف معين أو لحظة معينة , تعني شيئاً معيناً , كذلك فهي تسلط عليها الضوء بحيث تنتهي بها نهاية تنير لها معني هذه اللحظة .

ثالثاً : القصة : Story

تتوسط القصة من حيث الحجم القصة القصيرة والرواية وفيها يطول الزمن إلي حد ما عندما يعني الكاتب بالتحليل للأحداث أو الشخصيات بشيء من التوسع .

وتحتوي القصة علي قدر كاف من تعدد الأحداث في تطور وتسلسل بحيث يطول فيها – إلي حد ما – عنصر الزمن ويتغير عنصر المكان في الوقت نفسه تتعرض لأكثر من شخصية في أكثر من جانب .

وإذا كان من السهل التمييز بين القصة القصيرة والرواية كما أوضحن , فإن تحديد الرواية القصيرة أو القصة الطويلة كما كان يقول أحياناً , أسهل شيئاً لأنها تجيء في منتصف الطريق بين الاثنين , وقد اختفي تعبير القصة الطويلة في الأدب الأوروبي , لأن هذه ليست قصة قصيرة نفخ في صورها , أو زيد في صفحاتها , وإنما اتسعت لأن موضوعها ونموها تطلب عدداً من الصفحات أكثر مما تتطلبه القصة القصيرة عادة , وإذا استكملت عناصرها الفنية تحدث في مشاعر القراء , رغم طولها , إثارة تجيء دفعة واحدة علي نحو ما تحدث القصة القصيرة غير أن وحدة الذبذبة الشعورية وهي احدي خصائص القصة القصيرة تجيء فيها أكثر امتداداً .

رابعاً : الأقصوصة Short story :

الأقصوصة بحكم طبيعتها وتكوينها أصغر الأشكال القصصية حجماً , وهي لون يختلف عن القصة القصيرة , تدور حول مشهد صغير , أو فكرة جزئية , أو مجرد الفكاهة , أو اللمسة النفسية , فإذا ما احتفظت بقواعد وتكنيكات القصة القصيرة , من التركيز ووحدة الانطباع ووحدة الموقف والشعور , فإنها – بالرغم من أنها أصغر الأشكال القصصية حجماً – تعتبر قصة قصيرة , وليست أقصوصة , ويمكن في هذه الحالة أن تسمي بالقصة القصيرة جداً .

ويتطلب من كاتب الأقصوصة أن يكون علي درجة عالية من البراعة في التصوير والإقناع لأن المجال الذي يتحرك فيه من حيث الزمان والمكان والأحداث والشخصيات مجال ضيق ومحدود .

وتجدر الإشارة بعد أن فرغنا من تحديد وتعريف أنواع القصة الأدبية إلي أن أهم ما يطمح إليه الاديب في أدب أي لغة هو إيجاد علاقة ترابطية حميمة بينه وبين قارئ نتاجه, وهذا الطموح يقابل بعض الانكسارات والملوثات في العصر الحاضر , لذا ألفينا تعاظم إشكالية الغموض والثنائية في إبداع المنشأ الأدبي بل خرج المبدع في معظم التجارب المعاصرة عن المألوف الشكلي في شجرة الأنواع الأدبية في مجال النثر والشعر لدرجة أن القارئ العادي – القاعدة الرئيسية – في جمهور الأدب لا يقدر علي تصنيف العمل الأدبي والاحتفال به .

المصادر

محمد بن أبي بكر الرازي , مختار الصحاح
أحمد بن محمد المقري الفيومي , المصباح المنير في غريب الشرح الكبير , الجزء الأول
روبرت شولز , عناصر القصة , ترجمة محمد منقذ الهاشمي
تشارلتن , فنون الأدب , ترجمة : زكي نجيب محمود
صلاح فضل , نظرية البنائية في النقد الأدبي
سيد حامد النساج , بانوراما الرواية العربية الحديثة
طه وادي , صورة المرأة في الرواية المعاصرة , ط3
الطاهر أحمد مكي , القصة القصيرة , دراسة ومختارات , ط6
رشاد رشدي , فن القصة القصيرة , ط2 القاهرة : الأنجلو المصري. .
فاروق خورشيد , بين الأدب والصحافة , ط2
إجلال خليفة , اتجاهات حديثة في فن التحرير الصحفي
فرانك أوكونور , الصوت المنفرد , ترجمة محمد الربيعي .
أعلى