خالد محمد مندور - كيف تعمل الرأسمالية المصرية رأسمالية الدولة بين السياسة والاقتصاد

يوتوبيا الرأسمالية الخاصة واوهام المعارضة
قبل ان أوضح ما اريد ان أقوله دعنا أولا نفراء تصريحات رئيس الوزراء يوم 23.11.2021 والمنشور على موقع الفيسبوك الرسمي لمجلس الوزراء، واليكم بعض المقتطفات الهامة من تصريحات رئيس مجلس الوزراء..
"أوضح الدكتور مصطفي مدبولي أنه وفي ضوء الوضع الصعب الذي شهده الاقتصاد المصري قبل تبنى الإصلاح الاقتصادي، لم يكن القطاع الخاص قادراً أو راغباً في ضخ الاستثمارات اللازمة لخلق فرص العمل الكافية التي تحتاجها الدولة والتي تصل لمليون فرصة عمل سنوياً، لذا لم يكن لدى الحكومة خيار سوى التدخل بشكل مباشر للقيام بهذا الدور، وضخ استثمارات عامة بهدف تعويض التراجع الذي شهدته عملية ضخ الاستثمارات الجديدة من جانب القطاع الخاص"
"وأضاف الدكتور مصطفي مدبولي أنه وعلى الرغم من نجاح الحكومة المصرية في القيام بهذا الدور، بل وتحقيق معدلات نمو إيجابية خلال الجائحة، إلا أنها لا تعتزم مواصلة هذا النهج، بل تعمل جاهدة في الوقت الحالي على تعزيز وتوسيع دور القطاع الخاص لقيادة الاقتصاد خلال المرحلة القادمة."
"وفي هذا السياق، صرح رئيس الوزراء بأن الحكومة المصرية تعكف على بلورة استراتيجية واضحة للسنوات الخمس القادمة تحدد دور الحكومة المصرية، ومجالات مشاركتها في قطاعات الاقتصاد، والقطاعات التي سيتولى قيادتها القطاع الخاص، تمهيداً لنشرها بنهاية العام الجاري إعمالاً لمبدأ الشفافية، ولاطلاع القطاع الخاص المحلي والأجنبي على الفرص الاستثمارية الواعدة."
وهي توضيحات مهمة لرؤية الدولة لدورها خلال السنوات السابقة وتوضح في نفس الوقت توجهات الدولة للفترة المقبلة، ولكن التصورات تبقى تصورات لان تحققها رهن بتوفر الشروط الملائمة، شروط لا يجب ولا يمكن اختصارها في الاحتياجات الاقتصادية او حتى لخلق فرص العمل طبقا لتصريح السيد رئيس الوزراء.
فالأكثر أهمية هو ما لم يصرح به السيد رئيس الوزراء ، فتاريخنا الحديث بخبراته المختلفة منذ عهد محمد على والى الان توضح بشكل حاسم ان الدوافع السياسية كانت العامل الأول في التطور الاقتصادي الذى تم بقيادة مباشرة من الدولة سواء بالاستثمار المباشر ام بالتدخل للتحكم في النمو الاقتصادي ، الامر الذى اسفر عن نشوء طبقات اجتماعية جديدة وتصفية او تقزيم طبقات اجتماعية أخرى وما يترتب على ذلك من تغيير الأوضاع الاجتماعية وتعبيراتها السياسية في عملية جدلية حكمت ليس فقط التطور الاقتصادي بل أيضا التغييرات السياسية .
دور فريد للدولة يختلف الان عن دورها في البلدان الأكثر تطورا، وان كانت بعض من هذه البلدان قد مرت بمراحل مشابهة لما مرت وتمر به بلادنا، ولكن في ظروف تاريخية ووسط أوضاع اجتماعية ودولية مختلفة.
أن الدوافع الأساسية لتدخل الدولة بالطريقة التي تمت وتتم منذ 2014 وحتى الان كانت دوافع سياسية في المقام الأول، برغم ان التوجهات النظرية لدور الدولة في النشاط الاقتصادي، التي يعبر عنها كبار المسؤولين، لم تتغير عنها فيما قبل 2011.
ان تعاظم دور الدولة الاقتصادي منذ 2014، بالاستثمار المباشر، لم يسقط من السماء، بل يمثل استمرارا لسلوك الدولة الفعلي فيما قبل 2011، ولكن مع تغييرات كبيرة حجمية ونوعية الامر الذي اثار استياء وقلق بعض قطاعات الرأسمالية الخاصة الكبيرة الأكثر ارتباطا واندماجا مع السوق العالمي.
فالدولة كانت تتدخل وتستثمر بشكل مباشر في بعض القطاعات برغم توجهها الى تشجيع الاستثمار الخاص وبرغم دخول مؤسساتها في شراكة معه والكثير من هذه المؤسسات كانت بحصص اقلية ، فالدولة كانت المستثمر الأساسي في صناعة توليد الطاقة الكهربائية برغم سماحها للاستثمار الخاص الذى ظل محدودا ، وكانت المستثمر الأساسي أيضا في قطاع تكرير البترول والصناعات البتروكيماوية والسكر والالمنيوم وخدمات النقل والموانئ ، وان كانت قد توقفت عن تطوير صناعاتها القديمة في القطاعات المختلفة التي لم تتم خصخصتها ، في نفس الوقت الذى كانت فيه القوات المسلحة تستثمر في بعض القطاعات المرتبطة باحتياجاتها المباشرة ، مثل الصناعات الكيماوية والزراعة والإنتاج الحيواني والاسمنت.
أن استثمارات الدولة فيما قبل 2011 كانت تتخذ شكل الشركات المساهمة حتى ولو كانت مساهمات هيئات الدولة المختلفة وبنوكها تصل الى 100% من حجم الاستثمار.
أن التوقف أمام حجم استثمارات الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها بعد 2014 توضح استمرار نمط الاستثمار السابق، ولكنة يوضح أيضا تزايد حجمة بشكل كبير في كافة القطاعات بما فيها استثمارات القوات المسلحة ، بل وامتداده الى بعض القطاعات الجديدة مثل قيام الدولة بتطوير بعض من قطاعاتها الإنتاجية القديمة ،مثل الغزل والنسيج والبتروكيماويات وتكرير وتخزين البترول واستمرار سياسات الشراكة مع الاستثمار الخاص والأجنبي مثل مصنع السكر الجديد بالمنيا والتوسعات الجديدة في مصفاة مسطرد ومجمع البتروكيماويات الجديد بالسويس ، وهو نفس التوجه في استثمارات القوات المسلحة الذى تعاظم وتوسع في مجالات جديدة مثل الحديد والصلب والغزل والنسيج والأدوية.
لقد استعادت الدولة جزءا كبيرا من دورها الاقتصادي المباشر الامر الذي لم يلقى الترحيب من بعض الرأسمالية الخاصة كما قوبل بحذر من المؤسسات الاقتصادية الدولية برغم ادراكها لضرورته السياسية الامر الذى يفسر حذرها وان كان هذا الحذر لم يرقى ، بعد ، الى المعارضة الصريحة التي سترتبط بسياسات وإجراءات جديدة ستشكل قيودا اقتصادية وسياسية على استمرار هذه السياسات ، الامر الذى يفسر تصريحات السيد رئيس الوزراء عن التوقف عن هذه السياسات التي يعتبرها انتقالية ، والى ان الدولة تصيغ سياسات اقتصادية جديدة للخمس سنوات القادمة تسمح لراس المال الخاص بقيادة الاقتصاد في الفترة القادمة من خلال السياسات الحكومية الجديدة التي سيعلن عنها .
ولكن مثل هذه النوايا المعلن عنها تتناقض تناقضا كبيرا مع طبيعة وارتباطات راس المال الخاص بالسوق العالمي، فالرأسمالية الخاصة ليست هي رأسمالية الثمانينات او التسعينات من القرن الماضي وهى ليست كلا موحدا في التوجهات، فبعض قطاعاتها الكبيرة أصبحت شريكا للرأسمال العالمي وأصبحت ذات طابع دولي تترتب أولوياتها على هذا الصعيد وليس على متطلبات السوق المحلى ، وقطاعات أخرى اقل وزنا ما زالت مرتبطة بالسوق المحلى ، أي ان هناك تناقضات داخلها وستؤثر على السياسات الحكومية الجديدة.
اما عن استثمارات الدولة القديمة والجديدة فمن المؤكد انها ستؤثر على مثل هذه التوجهات الجديدة وسيتضح مدى هذا التأثير عندما تتضح هذه السياسات فيما يتعلق بالخصخصة ومداها واشكالها القانونية.
ويبقى ان اشير، من جديد، ان هذه السياسات المسماة جديدة ستتأثر تأثرا بالغا بسياسات الدولة، فما زالت الرأسمالية الخاصة ضعيفة وبعضها شديد الارتباط بالرأسمالية العالمية بما يمنع من قيامها بالدور الذى تأمله الدولة ، ولذلك فليس من قبيل المصادفة انى قد استخدمت في عنوان هذا المقال لفظ يوتوبيا الرأسمالية الخاصة لأنها ستظل عاجزة لفترة زمنية طويلة عن القيام بمهمة التحديث والانتقال الى مجتمع رأسمالي متقدم وانه لابديل عن دور الدولة المباشر، و سيبقى تأثير سياسات الدولة غالبا سواء إيجابا ام سلبا في كل الأحوال .
وإذا لم تدرك المعارضة بكل توجهاتها طبيعة التناقضات السياسية والاقتصادية والتغييرات الاجتماعية التي تتراكم فأنها ستستمر في التمتع بأوهامها وسيتناقص تأثيرها في الواقع.
ويبقى أخيرا ان النيات تبقى نيات وان تحققها رهن بتوفر قوى اجتماعية قادرة على تحقيقها وان التغييرات الاجتماعية تحكمها عوامل متعددة في عملية جدلية تستدعى المراقبة والانتباه.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى