فنون بصرية د. سامى البلشى - الحرف الأول والحرف الثانى فى الفن

معنى الحرف فى معجم المعانى الجامع حرَفَ يَحرُف، حَرْفًا، فهو حارِف، والمفعول مَحْروف، وحرَف الشَّيءَ من وجهه: صرَفه وغيَّره وعدل فيه، وعندما نطبق مانقول على الفنان فإنه يحرف مايراه فى الطبيعة، ويضيف اليه من روحه وعاطفته ويترجم إحساسه بالمشهد الى خطوط وألوان ومساحات. يقول أرسطو ليست مهمة الفن تقديم الشكل الخارجى للأشياء، وإنما تقديم المدلول الداخلى له"، وتأكيدا أيضا على أن الفن حرف للواقع والطبيعة. يقول الفنان الفرنسى ماتيس" وظيفة الفنان ليس أن يرسم ما يراه، ولكن يعبر عن الدهشة التى يسببها ما يراه، وينجح فى التعبير عنها بقوة".

وقد شاهدنا حروف كثيرة قام بها الفنانين ليقدموا لنا رؤيتهم الخاصة لهذا الكون فى لوحاتهم أو منحوتاتهم أو غير ذلك من الفنون المختلفة. ولاحظنا تشابهات فى حروف بعض الفنانين ربما لأن المصدر الذى يحرفون منه واحدا، وربما لإنتمائهم لإتجاه فنى واحد. وهذا لا يقلل من قيمة المبدع طالما لم ينقل من زميله. وهناك من يتأثر بإبداع فنان آخر، لكنه يختار له طريقا يميزه، يضيف اليه ويبحث له عن ملامح خاصة به. وهذا أمر لا خلاف عليه.
لكن الغريب فى الأمر إستباحة إبداع الأخرين إما بالسطو على أفكارهم أو إختيار نفس مفردات لوحاتهم وتناولها دون تغيير أو بتغيير طفيف. هذا الفعل يطلق عليه "الحرف الثانى" فقد تم الإعتماد على الفنان صاحب "الحرف الأول". ودائما ما يكون الحرف الثانى مسخ للحرف الأول وتشويه له. فالحرف الأول للطبيعة يشكل عالما يعبر عن وجهة نظر الفنان الحارف، وثقافته ووعيه لإمتلاكه وعى بأصول الأشياء وكل المنابع التى إستلهم منها. أما الحرف الثانى فقد تطفل على الحرف الأول دون وعى ولا ثقافة فجاءت أعماله مهلهلة لا تحمل خطابا خاصا لها، إلا لو إنتبه وإجتهد فى تشكيل عالمه الخاص.
هناك فنانة يونانية تسبح فى الخيال بعالمها الطفولى الغنى بالحكى والتشكيل، مليئة بالأحاسيس والمشاعر، وتميل للألوان المشرقة، وتستلهم موضوعاتها من الفن الشعبى اليونانى وحواديت الأطفال، إسمها فيكي فلاشوجيانى، ولدت باليونان، وشغلت لمدة 15 عاما مدير ورشة العمل الفنية لبلدية مدينة لمياء. ورئيسة جمعية الفنانين المرئيين في وسط اليونان)1999-2016(، وعضو في غرفة الفنون الجميلة في اليونان. كانت لعدة سنوات مسؤولة عن تخطيط المعارض بمدينة لمياء. وقد عرضت أعمالها في عدة معرض في اليونان وفي الخارج. وقدمت في الصحافة اليونانية والأجنبية مثل هولندا وألمانيا، والآن تعيش وتعمل كفنان حر في لمياء.
أعجب بفيكى عدد من الفنانين المصرين، وتأثروا بإبداعاتها وبدأ كل منهم يعبث بمنتجها الفنى ليتحولوا فى النهاية الى قراصنة فن. لم يجهدوا أنفسهم الا فى تمصير موضوعاتهم. ففكى تنفذ أعمالها بخلط براءتها الطفولية مع ثقافتها ووعيها فتطلق العنان لخيالها، وتأتى بما يخطر على بالها، وتعيد طرحه بحسابات ما تعلمته. إلا أن تدخلها يكون محدودا بترتيب العناصر وتوزيعها لتحقيق المعايير الجمالية بعيدا عن معقولية تلك العناصر من حيث تجاوزات النسب بينها وبين بعضها لتشعر ببراءة التكوين النهائى. أما المقلدين فإنهم يقومون بالحرف الثانى من حرفها الأول معتقدين أن أمرهم لن ينكشف.
سأعرض هذه المرة أعمال الفنانة فيكى عسى أن يعود الكسالى الى رشدهم. خاصة أن بعضهم فى غنى عن هذا السطو لإمتلاكه ملكات إبداعية تأهله لأن يكون ذاته.





د. سامى البلشى
عدد السبت 30 نوفمبر من مجلة الإذاعة والتليفزيون




د سامى البلشى.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى