محمود شاهين - رُبّ صديق خيرمن أخ أو حتى ابن ، وألف عديق!

لأول مرة في حياتي أفرح كثيرا بالتعرف مباشرة إلى رجل فريد ، أصبح صديقا حميما من اللقاء الأول. كنت أتمشى في حارات اللويبدة . شاهدت طفلة في حدود الرابعة عشرة من عمرها ترسم على الجدار الداخلي لمنزل أهلها . وقفت أتفرج على رسوماتها من خارج السور . نظرت نحوي متسائلة ..

- مرحبا عمو .. رسمك حلو .. أنا رسام كمان ..

- أهلا عمو عن جد ؟ ( وهي تقترب مني )

- عن جد.. أتمنى لك مستقبلا زاهرا ..

لاحظت أنها تكتب عبارات بالانكليزية والعربية أيضا على الحائط .. فخطر لي أن أقول لها جملة من كتاباتي ، دون أن أفكر في أن معظم عباراتي لا تتناسب وعمرها ..

- أنا كمان كاتب عمو . ولي عبارات كثيرة .

- ماذا تكتب؟

- أكتب في الأدب والفلسفة .

وشاهدت رجلا يخرج من المنزل ويقف بالباب .. واضح أنه سمع كلامي مع الطفلة ، فبادر إلى القول من مكان وقوفه بالباب:

- أنت فيلسوف ؟

- يعني هيك شي !

- وأنا كذلك !

كانت مفاجأة مدهشة لي أن ألتقي صدفة بفيلسوف. واقترب مادا يده لمصافحتي وأنا ما زلت أداري دهشتي.

- أنا اسمي محمود شاهين ولي بعض المؤلفات في الأدب والفلسفة .

- أنا محمد القاسم لي بعض المؤلفات لكني لم أسع إلى نشرها . ..

- لماذا ؟

- تفضل لنتحدث.



وقام بفتح باب السور لي. دخلت . في مدخل المنزل طلب إلي أن أشلح من رجلي .. نزعت صندلي. توقعت أن أكون في حضرة فيلسوف اسلامي ..

صالون فخم مرتب بشكل جيد وفي منتهى النظافة .

طلب قهوة لنا بعد أن سألني عما أشرب .. كما سألني إن كنت أدخن . قلت قليلا لأنني تركت التدخين منذ أكثر من عام .. أحضر لي نوع من السيجار .. بدا أنه قديم لأنه جاف .

- ايه . احك لي عن فلسفتك .

خلال ما يقرب من نصف ساعة سرد علي معظم ما قرأه من مئات الكتب . بدءا بالتراث الاسلامي مروروا بعشرات الفلاسفة والمدارس الفلسفية والتصوف والأساطير القديمة والمعتقدات المختلفة . وأشار إلى مجلد ضخم على منضدة كبيرة ، قال أنه من تأليفه . لم أخرج بخلاصة فلسفية لفكرة ، سوى أنه مثقف كبير .

لخصت له خلاصة فلسفتي دون أن أتطرق إلى قراءاتي.. تقبلها بصدر رحب . وحين طلبت إليه أن أعرف ما في المجلد ( المخطوط ) أبى . والأمر نفسه تكرر على مجلد آخر بخط يده .

دعوته إلى بيتي لأهديه آخر مؤلفاتي.. وافق . أهديته آخر روايتين ( زمن الخراب وقصة الخلق ) إضافة إلى أيوب التوراتي. وثلاث لوحات إضافة إلى لوحة للطفلة التي كانت سببا في تعارفنا ..

حين التقينا في المرة الثانية بدا متفهما لفلسفتي ومعجبا بها ، وأنه متفق معي على معظم ما جاء فيها .. وأنني كنت بالنسبة إليه مفاجأة لم يتوقعها على الإطلاق ..

عرفت أنه كان متدينا جدا وترك الدين في ما بعد وراح ينهل من أفكار مختلفة . ما صرح لي به حول كتاباته أنها تلخص ثقافة ما قرأه من كتب .

تابعنا لقاءاتنا لمرة أو مرتين في الأسبوع وخاصة أنني لم أشرع بشكل جدي في كتابة روايتي مع خالق الخلق .. غمرني بهدايا مختلفة خلال هذه الفترة ، فهوميسور الحال ومن أسرة ميسورة .. وأصبحنا صديقين حميمين . لذلك قلت رب صديق لك خير من أخ أو حتى ابن أو ألف عديق ( عدو أو ماشابه في شكل صديق )

*****

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى