أ. د. عادل الأسطة - عبد القادر الحسيني في ثلاث روايات ؛ فلسطينية وعبرية

في روايته " ظلال القطمون " (٢٠٢٠) يذهب إبراهيم السعافين إلى عقد الأربعينات من القرن ٢٠ وإلى فلسطين التاريخية التي كان يوم ضياعها في السادسة من عمره ، ويكتب عما شهده ذلك العقد روايته الثانية - حسب ما أعرف - هو الأكاديمي بالدرجة الأولى ، ثم الشاعر والكاتب المسرحي على هامش نشاطه أستاذا جامعيا .
من المؤكد أن قاريء الرواية سيثير أسئلة كثيرة حول تجربة السعافين منها :
- الأكاديمي شاعرا ومسرحيا وروائيا .
- صلة الكاتب بشخوصه .
- الوعي النظري للكاتب وتأثيره على نصه الإبداعي المنجز
و ... و ... و ... .
ولست أرمي هنا إلى الإجابة عن الأسئلة السابقة . إن ما أرمي إليه هو الكتابة عن الصورة التي أبرزها للشهيد عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل في ١٩٤٨ ، وكان لاستشهاده تأثير كبير في نتائج الحرب .
كانت الروائية سحر خليفة التي تقارب تقريبا السعافين عمرا كتبت رواية عنوانها " حبي الأول " (٢٠١٠) دار قسم كبير منها حول حياة عبد القادر الحسيني ، ويعد هذا الأمر لافتا ، ففي ضوء متابعاتي للرواية الفلسطينية قلما تناول روائي فلسطيني في القرن ٢٠ هذه الشخصية التي ستذكر ، ويا للمفارقة ! ، في رواية عبرية أقرب إلى السيرة الذاتية الجزئية لكاتبها ، في صفحة أو صفحتين تأتيان على لحظة استشهاد عبد القادر الحسيني في معركة القسطل .
خلت الرواية الفلسطينية قبل ١٩٤٨ من الكتابة عن رموز فلسطينية قيادية ، مثلها مثل الشعر الذي أخذ عليه الدكتور إحسان عباس هذا المأخذ فكتب أنه قصر في مديح القسام والسعدي وغيرهما من قيادات ثورة ١٩٣٦ ، وربما كانت رواية إسحق موسى الحسيني " مذكرات دجاجة " ذات الأسلوب الرمزي الإشاري ألمحت إلى عبد القادر حين كتبت عن الزعيم الذي اختار مقاومة الدجاج الغريب الطاريء ! ربما ! ولكن هذا يبقى في باب الاجتهاد ، والرواية أنجزت أصلا في ١٩٤٣ وعبد القادر استشهد في ١٩٤٨ وإن بدأ المقاومة قبل استشهاده بسنوات .
لم يكتب غسان كنفاني أو جبرا ابراهيم جبرا أو إميل حبيبي أو رشاد أبو شاور أو يحيى يخلف أو غيرهم عن عبد القادر في رواياتهم ، فهل أرادت سحر خليفة وإبراهيم السعافين سد هذا النقص ومن ثم إعادة إحياء شخصية جديرة بأن يتعرف إليها الجيل الفلسطيني الجديد ؟
في روايتين كلاسيكتي الشكل إلى حد كبير - والكلاسيكيون يرمون إلى إحياء رموز الماضي لتكون قدوة للأجيال الجديدة - يبرز السعافين وسحر صورة إيجابية مشرقة تماما للشهيد الحسيني جعلت منه بطلا وقدوة في زمن تراخى فيه الحكام العرب وقصروا ، بل وعجزوا ، عن الدفاع عن فلسطين ولم يحولوا دون ضياعها ، ونظر قسم منهم إلى عبد القادر على أنه متهور ومغرور ، فرفضوا تزويده بالسلاح الذي تكدس في مخازن جيوشهم ، مقتنعين بأن فعل التحرير لا يقوى عليه سوى جيوشهم ، فمن هو عبد القادر ورجاله أمامها ؟ ويذهب بعض هؤلاء إلى أن سلوكه الشخصي في ملبسه وتصرفاته ، بسبب تواضعه ، وتربية شاربه بشكل غير معتاد ، جعله متمردا على عائلته وطبقته ، فنفرتا منه .
تكاد صورة عبد القادر في روايتي السعافين وسحر تتشابه إلى حد ما ، مع اختلافات ، ويعود السبب بلا شك إلى اعتمادهما في تشكيل الصورة على مرجعيات تاريخية رسمت له صورة البطل القائد المضحي بنفسه لأجل وطنه ، فالسعافين يعنمد إلى حد كبير على كتب المذكرات والسير الذاتية لمعاصري عبد القادر من أصدقائه ورفاقه في السلاح كبهجت أبو غربية ، بل إنه يقتبس فقرات عديدة منها .
تختلف صورة عبد القادر في رواية كانيوك " ١٩٤٨ " ، فمؤلفها الإسرائيلي يعتمد في رسم الصورة على مشاركته في المعركة وما سمعه عن بطولات " القائد الأسطوري " ، ومع أن التعبير الأخير لكانيوك إلا أنه يرسم له صورة كاريكاتورية تتمثل في تشبيه هيأته بممثلي سينما عالمية :
" لمحت في لحظة كوفية من النوع الفاخر مثبتة بعقال مذهب ومن تحتها رجل وعلى جنبه سيف . صاح موشيه : انظروا إلى هذا .. أتراه رودولف فالنتينو ! هتف هذا البوك جونز المتمنطق الكوفية بالإنجليزية : HelloBoys . " .
ويتابع كانيوك :
" لم نفهم تماما لماذا يخاطبنا صارخا بالإنجليزية . أصدقاؤنا يتهاتفون ويطلقون علينا النيران ، فيصيب أحدهم فالنتينو ، ويدرك للتو أنه أخطأ ، لكن الرجل يستل مسدسه مصوبا إلينا ......." ( أنظر أيضا ص ٦٨ من الترجمة العربية التي أنجزها جورج جريس فرح ) .
في رواية السعافين ما يقول إن عبد القادر قتل الجنود الثلاثة قبل أن يستشهد .
طبعا علينا ألا ننسى أننا نقرأ نصوصا يكتبها طرفان متصارعان ينظر كل طرف في أثناء تقديم الصورة إلى نفسه بمرآة تضخم الذات وإلى عدوه بمرآة تقلل من شأنه .
الجمعة والسبت
٣ و ٤ / ١٢ / ٢٠٢١




تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى