محمد الكلابي - عندما تكونُ القنَاعةُ عجزاً وانهِزاماً تجاهَ فوَرَانِ الواقع

يتحدّثُ رجلُ الدّين دوماً عن الصّبرِ والقناعةِ و القَبُول بما كتبهُ الله لنا والسّكوت عن ذلك رِضاً أو تكاسُلاً .. ! وإذا كان الدينُ يدعو إلى التّقبلِ و الصّبر على ما هو قائم ، فليس ذلك إلا خُطوةٌ أولى على دربِ تغييرِ الواقع والتّطلع إلى ماهو أكثر عدلا ً، القناعةُ ليست هي الجمودُ على ماهو موجود ، لأنّ الواقعَ قد يكون مملوءاً بالجورِ و الظّلم .. فالقناعةُ والصّبر لا يكونُ لهما من معنى إلا باستحضارِ مستقبل يرتفعُ فيه الظّلم و يعمُّ فيه العدل ،أمّا القناعة لذاتِها و الصبر لذاتهِ، فليسا سوى انهزامٌ و عجز ، فتقبُّلُ الواقع كما هو ، سقوطٌ في الوثنية. الدينٌ ليس تقبّلٌ وصبرٌ فقط ، بل ثورةٌ ضدّ الظّلم القائم ودعوةٌ من أجل التّغيير ، الصّبر والقبول بالواقع هما وسيلةٌ و ليس غاية، و الوقوفُ عند الوسيلة هو نوعٌ من الوثنيّةٍ و الفٍيتيشيّة.. و ما يصدقٌ على الإيمان بالدّين يصدقُ على حبِّ الأوطانِ ، فالوطنيةُ ليست هي عبادةُ وثنٍ كوثن ،بل حبٌّ الوطن هو من أجلِ غايةٍ أسمى وهي العدلُ و الخير ، الدينُ الحقُّ ليس عبادةُ أوثان و الوطنيةُ الحقّةُ ليست تقديساً لأصنام ..!
وهذا يفسّر سمةَ العقل الديني المتسلّط لدى الأفراد الذي يحتلّ الأسبقَ إليه دوماً ، وهي مقولةٌ صادقةٌ صدقاً منطقيّاً ، وتُفسّر لماذا الغالبيةُ من البشر عندنا يبقونَ على ما هم عليه من أفكارٍ ومواقف ورثُوها دينياً وقبَليّاً، ويرفضُون ما ناقضها دونَ محاولة التأكّد من صِحّتها..! ؟إنّ القلّةَ فقط هم من ينجحُون في اختراقِ هذه البرمَجة المُسبَقة التي تتمُّ بطريقةٍ آليةٍ ويتشرَّبُها الفردُ بتلقائيةٍ لتبقَى تحكمُ تفكيرهُ ونظرتهُ للحياة طوال عمُره ، ليس لشيءٍ إلاّ لأنّها كانت الأسبقَ إليه ، من مقولاتِ رجال دين ، وزُعماء قبَليّين، وساسةٍ متسلّطِين ..! هذا و يذكرُ ( فرويد ) في هذا الصدد شيئاً مشابهاً تحتَ مُسمّى ( مبدأُ إجبارِ التَّكرار ) و الذّي يفوقُ أولويّة الّلذّةِ في عملِ الجِهاز النّفسي ، و يُفسّر الكثيرَ من ظواهرِ تمسُّك الإنسانِ بما هو عليه حتى لو كانَ التغييرُ للأفضل .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى