رايفين فرجاني - سبعة أماكن قد تمر على أحدها بعد الموت

واحدة من أكثر الأماكن مداعبة لخيالات الأحياء هي تلك التي تعد واقعا للأموات؛ما بعد الموت.

وهذه سبعة أماكن قد تذهب إلى أحدها بعد الموت.

[1] الجنة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أشهر تصورين في العالم حول ما بعد الموت ينبثقان من مخيلة جماعتين يمثلان الفئتين الرئيسيتين لأي تقسيم أيديولوجي من ناحية دينية؛حيث ينقسم الناس طبقا لذلك إلى دينيين أو لادينيين / إلحاديين. ومن المثير أن هذا التقسيم هو الوحيد في كل التصنيفات للمذاهب الفلسفية الذي لا يمكن أن يتوسطه وسط بحسب ما يزعم البعض بأن اللأدريين وأشباههم ينتمون إلى فئة ثالثة. وعلى ذلك نجد أن التصورين الأشهر لما بعد الموت هما

1-الجنة والنار
2-العدم

التصور الأول مبني على مفهوم الثواب والعقاب الذي يعد واحدا من أكثر الأفكار تأثيرا في تاريخ البشرية,فمنه تتكون منظومة أخلاقية وتربوية,ينبثق منها أسلوب الترغيب والترهيب, أو بتعبير أكثر حدة وتهكما وتطرفا العصا والجزرة. حيث يفعل الأخيار الخير رغبة منهم في الحصول على الثواب وخيفة من أن يطالهم العقاب.

الجنة هي مكان مخصص لاحتواء الأخيار والخيرات,وبحسب العقيدة الإسلامية يذهب إليه الأخيار بعد موتهم ليحصلوا فيه على خيرات جزاء للخير الذي فعلوه في حياتهم الأولى.

ويتمتع هذا المكان بخصائص فريدة من نوعها,يمكن جمعها في أبرز خاصيتين عنها؛وهي

1-اللانهائية
2-اللامثيل

وهذه الخصائص لا يتميز بها المكان / الجنة فحسب بل تنطبق على العناصر الثلاثة المكونة للجنة وهي

1-الجنة
2-الخيرات
3-الأخيار

فالجنة مكان لانهائي لا يوجد أطراف له ولا حد لامتداده,كما أنه لا يتمثل في أي صورة يمكن أن يتخيلها عقل بشري أو حتى غير بشري. وجماله بديع حيث يعد المكان نفسه بجميع الأماكن التي يحتويها جزء من الخيرات التي يتمتع بها الأخيار في الجنة. أي أن تواجد الرجل الصالح في الجنة فحسب هو خير عظيم له وجزاء لا مثيل له.

أما عن الخيرات فهي لا نهائية في تعدادها أو تنوعها أو في المتعة الناتجة عن الاستمتاع بها,كما أنها لا مثيل لها ولا شبيه ولا حتى يوجد أي تصور من أي كائن حي يمكن أن يصل إلى القرب منها. وهنا يجب توضيح إشكالية تقفز إلى الذهن أول ما نصل إلى هذه النقطة. وهي إشكالية متمثلة في شقين

الأول طالما أن الخيرات لا نهاية لأعدادها أو أنواعها فلماذا هي محصورة بعدد معين من الأنواع المذكورة في النص القرآني أو الرسولي؟.

والثاني طالما أنه لا مثيل لها ولا شبيه,فلماذا يستند النص الإسلامي (قرآن أو حديث) إلى تشبيهات آتية من أشياء موجودة فعلا بين أيدي الإنسان؟.

للإجابة على السؤالين يجب أولا أن نشير إلى طبيعة النص القرآني (وكل ما يأتي حول طبيعته هنا قد ينطبق على الحديث) وكونه يمزج بين أنواع نصية مختلفة. منها الرسالة (الاتصال) والخطاب (الفكر) والأدب (الفن). الأخير يكشف عن خصائص محددة هي التي تهمنا هنا,وهي القدرة المذهلة لدى الأدب على التعبير,وجميع الفنون ليست إلا تعبير عن أفكار العقل. وقبل الاسترسال في هذه الخاصية يجب أن نشير بالمقابل إلى خاصية مهمة في عقل الإنسان وهي النقصان. وبما أن القرآن هو رسالة كما أسلفنا القول فذلك يعني أنها تقع بين طرفين هما المرسل والمستقبل. وذلك يذهب بنا إلى عمليتي الإرسال والإستقبال. المرسل هو الله القادر على كل شيء والذي تجلت قدرته في مظاهر عديدة داخل القرآن وخارجه. والمستقبل هو الإنسان ذو العقل القاصر الذي يجب استخدام كلمات معينة توصل الفهم إلى عقله دون أن يعي كل مدلولاتها إذا اقتضى الأمر في توصيفات لما داخل الجنة. وعلى ذلك يستخدم القرآن ببراعة لا يرقى إليها بشر خصائصه الأدبية في مظهران بارزان.

الأول هو استخدام لكلمات معينة تؤدي الغرض منها بحيث يفهمها العقل البشري وتعبر في نفس الوقت عن أشياء لا يمكن أن يدركها العقل البشري. ففي الجنة "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر".

الثاني هو القائمة وفيها تتجلى أوضح صورة للمقصود في المظهر الأول,فكما وضح أمبرتو إيكو في كتابه الواضح باطنه من ظاهره (لا نهائية القوائم) أن القوائم المحدودة,إذا ما وظفت أدبيا بشكل مثالي,تخلق تصور قاصر ومتلائم مع ذهن البشر عن أشياء غير محدودة.

العنصر الثالث المكون للجنة هم الأخيار اللذين يعمرون فيها,وينزع من قلوبهم أي غل أو لا طمائنينة.

يبقى أن نذكر,أن هذا التفصيل غير ملم بما في الجنة من تفاصيل,فوصفها لا يمكن أن يشمله نص,ولكن ما ذكر هو بعض من الدراية التي لا تنقصها -الجنة- شيء.

[2] الجحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والظاهر أن الجيم نالت شرف أن تكون فاتحة الجنة والجحيم في أول الكلمتين,والجحيم هنا -بحسب المعتقد الإسلامي- ماثل فيه كل ما قلناه عن الجنة ولكن بشكل عكسي من النعيم إلى الجحيم ومن الهناء إلى الشقاء ومن الراحة الأبدية إلى العذاب الأبدي. حتى أن علو الجنة في درجات يقابله سفلية الجحيم في دركات.

الشقاء الأبدي في الجحيم متمثل في شكله الرئيسي بالنار حتى قيل لا يعذب بالنار إلا خالقها, كما أن جهنم دوما جائعة,وهو جوع تمثله النار عن جدارة,وفي القول الشهير في وصف سعار النار "والنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله". وقد روي عن جنهم في حديث "عباس الدوري البغدادي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا شريك عن عاصم هو ابن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة" (1)

ومثل الجنة فجهنم تتشابه في خصائصها وسماتها مع الكثير من المسميات الدنيوية التي لا يربطها بالنار إلا أمرين.

الأول هو الإسم الذي يتشابه مع الإسم.

الثاني هو استخدام تلك المسميات لتقريب الصورة فقط إلى ذهن المتلقي القاصر الذي لن يستوعب عذاب النار بأي حال من الأحوال. إلا قدر ضئيل من التصور بقدر ما أعطانا الله من مخيلة جامحة تحاول أن تطال بأقصى ما تبلغ أدنى ما يبلغ العذاب في الجحيم من أجل أن تستوعب العقول التحذير وتتعظ القلوب من الهول المنتظر.

أما عن تلك الخصائص فأولها هي النار,وبالطبع هي ليست نار مثل التي في الدنيا,لا تقاس عليها النيران التي تحرق البشر والغابات,ولا نيران القنابل الكيميائية والنووية,ولا نيران البراكين التي تذيب المعادن,ولا حتى نيران الشموس والنجوم. نار وقودها الناس والحجارة ولكن لا يعني ذلك تشابهها مع أي نار تلتهم الناس والحجارة.

وثانيها هو الإتساع إلى ما لا نهاية.

وثالثها هو تنوع العذاب داخل النار بما لا يحصى أو يقاس,بل لربما يعذب الكافر في برد زمهرير مع حرارة النار في آن واحد.

[3] العدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملحدين وأنصار النظرية الوضعية يتبنون هذا التصور,حيث يتمثل في نفي جميع التصورات الأخرى عن ما بعد الموت,ببساطة لا يوجد شيء في الجهة الأخرى من الموت. لا يوجد جهة أخرى أصلا. لا شيء. لا يمكن تسميته حتى بالظلام والصمت والسكون. وإنما أبلغ وصف لهذا التصور هو العدم. العدم هو واحد من الأشياء التي لا يمكن للعقل تخيلها. فكل ما يقع ضمن تصورنا لا يمكن أن يسمى عدما. حتى اللاشيئية. وهو أمر مخيف بحق, خاصة وأننا كنا عدم. أي آتين من هناك. منبثقين منه أو منشقين عنه إلى هذا الوجود. التخيل البشري قاصر عن بلوغ أمر يتعدى الخيال. وفي ذلك يقول الباحث محمد قاسم حول إمكانية تخيل العدم:-

"نتساءل،هل فعلا لا يمكن أن نتخيل العدم؟ حاول أن تتخيل اللاشيء،كما فعل الفيلسوف الكبير فيصل العميري،نستطيع أن نمسح من خيالنا البشر والحيوانات والنباتات والمياه والأبنية والصخور والتراب،لنزيل الأرض كلها،ثم ننتقل إلى الشمس والكواكب والنجوم والمجرات،ثم نأتي للفراغ،ربما لن تستطيع أن تزيل الفراغ،فكلما فكرت في لا شيء وجدت نفسك في ظلام دامس،ربما تستطيع أن تتخيل الفراغ أو الفضاء وكأنما يصغر تدريجيا إلى أن يصل إلى نقطة صغيرة،ولكن سرعان ما ستجد هذه النقطة في فراغ آخر،ولنفترض أنك شخص غير اعتيادي مثل فيصل العميري،واستطعت أن تزيل كل ما حولك بما في ذلك الفراغ،سيبقى هناك المراقب،وهي نفسك،وكلما أزلتها ستجد أن مراقب آخر موجود ليراقب اضمحلال المراقب الأول،بل لم تكن هناك فاصلة بين تلك وهذه.

ربما تكون أقرب طريقة لأن تعرف ما هو اللاشيء هو ما تشعر به بعد أن تقعد من النوم، إنها تلك الفترة التي مررت بها أثناء النوم حينما لا تتذكر أي شيء، بشرط أنك لا تتذكر أنك حلمت حلما واحدا أيضا،فلا تشعر بوجود عالم من حولك،ولا وقت،ولا حتى وعي تتذكره.

ولكن حتى في التجربة التي تمر بها خلال النوم لا تعتبرها تخيلا،فأنت لم تكن بوعيك أثناء النوم حتى تعرف ما هو العدم،حينما ذكرت لك أن تخيل العدم مستحيلا،إنما كان المقصود من ذلك أنك تبذل مجهودا عقليا من أجل أن ترى العدم في مخيلتك،لا أن يكون خيالك معطلا،وتعتبر ذلك وعيا به.

قد تكون لك تجربة في معرفة العدم،فقبل أن تأتي للحياة،أو حتى قبل أن تكون في بطن أمك، كيف كان العالم بالنسبة لك؟ قد تجيب بأنه لم يكن،بالنسبة لك فإن العالم كان معدوما،ولكن هل من الصحيح أن تقول أن لك تجربة شخصية في ذلك؟ فأنت لم تكن موجودا،فكيف ستكون لك تجربة؟ في تلك الفترة ما قبل وجودك أنت لم تكن موجودا لتكون لك تجربة شخصية مع الأشياء الموجودة،ناهيك عن تجربة شخصية مع العدم الحقيقي.

ماذا يعني أننا لا نستطيع أن نتخيل العدم؟ هل يعني ذلك أن العدم لا يمكن له أن يكون موجودا؟ نحن قمنا بتخيل الأشياء وهي تختفي شيئا فشئيا،وحاولنا الوصول إلى اللاشيء، وقد طرح هذا التخيل الفلسفي الفيلسوف هنري بيرجسون Henri Bergeson،وبعد محاولاته وفشله بالوصول إلى تخيل العدم،ادعى أن العدم غير موجود بما أننا لا نستطيع أن نتخيله. فهل نقبل بهذا الادعاء؟ ألمجرد عدم قدرتنا على تخيل العدم يصبح العدم غير ممكن؟

المشكلة في هذا التحليل الفلسفي أننا نعرف أنه لا نستطيع أن نتخيل أشياء كثيرة،ولكن لا يعني ذلك عدم وجودها،فخذ على سبيل المثال اجتماع النقيضين،هذه القضية موجودة في الفيزياء،وقد أكدتها التجارب مرارا وتكرارا،نحن لا نستطيع أن نتخيل أن يكون الشخص حيا وميتا في نفس الوقت والمكان،أو لا نستطيع أن نتخيل أن الجسم يتحرك وهو ساكن في نفس الوقت،هذا شيء خارج نطاق تغطية الخيال،ولكنه موجود.

وكذلك لا يمكننا تخيل الأشياء بلا ألوان،حاول أن تتخيل شيئا من غير أن تجعل له لونا، ستجد استحالة في ذلك،لابد أن أي جسم تتخيله سيكون له لونا معينا،ولكن الذرات ليست لها ألوان في الواقع،هي في الحقيقة ليست ملونة.

إذن، أن تتخيل العدم هو أمر مستحيل ذهنيا،ومهما حاولت أن تتخيله ستجد نفسك مرغما على تخيل شيء ما." (2)

ومفهوم العدم يتلاقى مع مفهوم الجماد. فعدم وجود وعي بوجود معين,وهو جزء من سمات العدم,هو ذاته تعريف الجماد بكونها كائنات غيرة عاقلة وغير حية. إنه بالرغم من حضورها في هذا العالم,إلا أنها خالية من أي حيوات في هذا العالم أو العالم الآخر. حتى أن النص القرآني يقول متحدثا عن لسان الكافر (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا). (3)

والعدم له حضور بارز في أدب الفانتازيا,وتحديدا على محورين.

المحور الأول العدم,وهو قدرة الشخصيات من ناحيتين,إنزال الموت,وتجريب الموت.

أولا إنزال الموت أي قدرة الأشخاص على بث الموت عدما إلى شخصيات أخرى. إعدامه من الوجود. مثلما في مانجا وأنمي دراغون بول من قوة التدمير وقوة الزوال. الدمار والإبادة. وهي قوى خاصة بآلهة هذا العالم مثل زينو وبيروس. فهناك عدة أكوان,ولكل كون الفردوس والجحيم والآخرة الخاصة به حيث يذهب إليها الموتى. قوة التدمير هي قوة يملكها آلهة الدمار في الكون,حيث لكل كون في الأكوان المتعددة إلها للدمار مثل بيروس إله الكون الذي يحتوي على كوكب الأرض. وتمكنه من تدمير أي شيء في لحظة. قوة الزوال يملكها فقط أقوى إله وهو زينو سيد الآلهة جميعا. ولا يذهب من تجري عليه إلى جنة أو جحيم,بل إلى عدم. هناك مثال آخر يتكرر في أنمي موكب الموت Death Parade حيث الآخرة ليست إلا مكان يذهب منه الموتى إلى الجنة (التناسخ) أو الجحيم (الفراغ).

ثانيا تجريب الموت,أي عودة الشخصيات من الموت والإخبار عن أن ما رأووه كان عدما.

يكون السؤال هو

-ماذا رأيت؟

والجواب

-لا شيء

ورغم أن في هذا تناقض إلى حد ما,فما أدراه أنه كان لا شيئا,فالرضيع لا يتذكر مولده, والطفل لا يتذكر طفولته,والنائم قد لا يتذكر حلمه,فما بالك بالمستيقظ من موته!.

المحور الثاني الجماد,وهو التحول الذي يمزج بين الإنسان والأشياء. جمادات تتكلم,أو أناس يتحجرون أو يتحولون لجمادات,وغير ذلك من التحولات. فهذا نوعين فقط. النوع الأول ويطلق عليه الأنسنة,النوع الثاني ويطلق عليه التشيء.

هما إجتماع للحياة والموت,فالإنسان يصير عدما لما يتحول إلى جماد,بينما الجماد تدب فيه الحياة إذا تحول إلى إنسان.

[4] المطهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"لن تورد لا على جنة ولا على نار" (4) فطالما لن تقصد في رحلتك الأخروية لا الجنة ولا الجحيم فالمطهر إذن هو المكان المقصود. والمطهر يحمل تصورين مختلفين وقريبين من بعضهما البعض.

التصور الأول,ينص على فعل يشتق من المصدر (الطهارة) والفعل هو التطهير,والمكان هو المطهر. حيث يمر الخاطئين بمكان تتم فيه عملية تطهيرهم من خطاياهم,حتى يصيروا كما ولدتهم أمهاتهم بلا أي ذنب لهم. أي أن المطهر هو مكان يحصل فيه المخطئين على الطهارة. وهو مصير ينتظر الضائعين وليس التافهين,الذين تساوى خيرهم مع شرّهم. وصالحهم مع فاسدهم. وحسناتهم مع سيئاتهم. ولأن العبد طبقا للمعتقد الإسلامي يدخل الجنة برحمة خالقه قبل عمله. والرحمة صفة الله لدى الإسلام والمسيحية. والمطهر تصور راسخ لدى المعتقد المسيحي. كان من الله أن العبد يتطهر حتى يدخل الجنة بعد مروره من المطهر. وفترة عبوره المطهر تقتضي وقتا معينا,عادة يزداد طوله بحسب كمية ذنوبه. فكلما كان خطائا كان مكوثه أكبر. والتطهير غالبا هو تعذيب مخفف,سواء كان التخفيف متمثلا في وسائل التعذيب نفسها,أو كان -وذلك هو الأهم- حذف الأبدية من الأحكام المنزلة على العبد. فلا يخلد في هذا المكان وهذا المصير. وفي التصور الإسلامي يوجد أيضا المطهر,متمثلا في سوابق العذاب,وسابقة العذاب هي فترة غير معلومة يقضيها المذنب في جهنم لتذوب ذنوبه في الحمم متطهرا منها,ومن ثم ينتقل إلى الجنة,كما يوجد لدى معتقد المسلمين نوع آخر من المطهر هو الأعراف في الفقرة التالية.

[5] الأعراف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التصور الثاني هو أنه مكان لا تكافئ فيه ولكن لا تعذب أيضا. جزائك هو تركك. هذا هو التصور الإسلامي للمطهر,والمعروف بإسم الأعراف. ويرى نجيب محفوظ أنه مصير محقق للتافهين في هذه الدنيا. (5) ليس لهم أي قيمة,ولا أي قدرة على فعل الخير أو أذية الغير.

هذا التصور أرقى من الأول لأنه يصف مكان على الأرجح لا تعذيب فيه للتطهر بل إختبار, ويدخله نفس سكان المطهر في المسيحية حيث ينظر في أمرهم من قبل الله من خلال اختبارهم اختبار أخير أخروى من سعة رحمته.

الأعراف هو مكان يتوسط الجنة والنار,وسمي على إسم ساكنيه,وهم الأعراف. ويوصف المكان بأنه جبل عالي يقع مثل سور بين الجنة والنار,وتشرف عليته على أهل الجنة من ناحية وأهل النار من ناحية أخرى,ويشتغل وظيفة حاجز بين العالمين.

[6] البرزخ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البرزخ هو ممر الأحياء إلى عالم الأموات,من الدنيا إلى الآخرة. مكان يركن / ينتظر فيه المرء حتى يحين موعد قيام الساعة. ولكن إلى ذلك الوقت وحسب المعتقد الإسلامي يكون هناك وقت للحساب الصغير إلى حين وقت الحساب الكبير. وإلى أن يأتي يوم القيامة,قيل من مات قامت قيامته. لهذا كان يروى عن سيدنا عثمان بن عفان بكاءه عند سماع سيرة القبر أو رؤيته. حيث روى هانئ مولى عثمان بن عفان،قال: ((كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى،حتى يبل لحيته،فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي،وتبكي من هذا؟ فقال: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ القبر أول منزل من منازل الآخرة،فإن نجا منه فما بعده أيسر منه،وإن لم ينج منه فما بعده أشد منه، قال:وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت منظراً قط إلا القبر أفظع منه)) أخرجه الترمذي،ولما كان ما بعد القبر أيسر منه لمن نجا فإن العبد المؤمن إذا رأى في قبره ما أعد الله له من نعيم يقول: ((رب عجل قيام الساعة،كيما أرجع إلى أهلي ومالي)) والعبد الكافر الفاجر إذا رأى ما أعد الله له من العذاب الشديد فإنه يقول على الرغم مما هو فيه من عذاب: ((رب لا تقم الساعة))،لأن الآتي أشدُّ وأفظع. (6)

لهذا يسمى حساب صغيرا,لأنه يقطتع جزء,أو لا يفعل,ربما يقدم مقدما دون أي اقتطاع (فلا يمكن الاقتطاع من رصيد لا نهائي من العذاب أو الراحة) عن ما سيلاقيه العبد في حسابه الكبير,من جحيم أو نعيم.

قيل أن البرزخ تصور إسلامي لا وجود له في المسيحية,فلا شقاء ولا هناء في القبر,ولا قبر أصلا يحوي إلا أجسادهم,أما أرواحهم فتذهب مؤقتا إلى الجحيم أو الفردوس.

[7] القبر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القبر هو بوابة الدخول إلى البرزخ,تدخل إليه بروحك وجسدك,وهنا أنا أعني القبر بصفته مكان واقع بين ممر العبور وبين عالم البرزخ. النقطة التي يفترق فيها الإنسان عن أهله وعن العالم بحسب المعتقد الإسلامي. وبدون أي معتقدات دينية أصلا ومن منظور إلحادي يظل القبر مكانا تذهب إليه. حيث تفترق روحك عن جسدك. وفي الحالتين يحدث الفراق. ولكن من وجهة نظر دينية روحك تذهب إلى مكان ما,إلى البرزخ أو إلى ما يقابله في المعتقد المسيحي أو غيره. ومن وجهة نظر إلحادية روحك تذهب إلى العدم,أو ربما الأدق أن نقول أنها لا تذهب إلى أي مكان,بل تصير لا شيء,تفنى وتعدم. تصير عدما دون أن يتسنى لنا القول أنها (صارت) عدما. فالماضي زمن لم يعد ينطبق عليها,وقد لا يجوز استخدام فعل الماضي في وصفها. وكل ما نصفه حين نقول أن فلان مات,هو فعل رحيله عنا. دون أن نملك أي محددات لطبيعة هذا الرحيل. لا نملك إلا إجابات من الداخل مستقاة من الفلسفات والديانات والأيديولوجيا والأساطير. وإجابات من الخارج تعطيها لنا العلوم التطبيقية,والتي تتعرف على الموت بصفته توقف الجسد عن النشاطات الحيوية / العقلية المختلفة. وفي كلى المنظورين,الديني والإلحادي,فإن الجسد يذهب إلى القبر. هذا متفق عليه.

أما ما يحدث هناك فمعروف,فمن التراب خلقنا -حسب المعتقد الإسلامي والإبراهيمي- وإليه نعود. فيبدأ الجسد في التحلل,وتتغذى عليه الديدان,وينحسر اللحم عن العظم. وفي الأخير يفنى العظم أيضا. لذا القبر هنا هو منظور خارجي,لا نملك أن نخترقه,وإن حاول البعض فعل ذلك,أبرزهم مصطفى محمود في فترة إلحاده أو تردده بين الإيمان والكفر,وما عرف عن أفعاله في التنقيب عن عذاب القبر.

المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-من كتاب صفة جهنم,انظر صفحة الحديث على موقع إسلام ويب.

إسلام ويب - تحفة الأحوذي - كتاب صفة جهنم - باب منه- الجزء رقم3

2-الخيال,وأربعة أشياء لا يمكنك تخيلها مهما حاولت 2: العدم.

SW102 الخيال، وأربعة أشياء لا يمكنك تخيلها مهما حاولت 2: العدم - Sciware Podcast

3-سورة النبأ,آية 40.

4-مثل شعبي مصري.

5-انظر رواية نجيب محفوظ أمام العرش.

6-الموسوعة العقدية / الكتاب السادس: الإيمان باليوم الآخر / الباب الأول: القيامة الصغرى / الفصل الخامس: أهوال القبور / المبحث الأول: هول القبر وفظاعته.

المبحث الأول: هول القبر وفظاعته

7القيامة الصغرى / عمر بن سليمان الأشقر / الفصل الرابع: القبر,المبحث الأول: هول القبر وفظاعته. ص 41.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى