شعوب و إشبيليا الجبوري - العلامة العراقي جواد علي صاحب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" (1 ـ 3 ).. عن الالمانية أكد الجبوري

صراع تناقضات الاختلاف في دلالات المفاهيم المتصلة بتنزيل المعرفة التاريخية

يذكر العلامة العراقي البارز جواد علي (1907 ـ 1987م) مؤلف أشهر ألمع موسوعتين (تاريخ العرب قبل الإسلام، 1968/1947) بثمانية مجلدات وموسوعة (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، 1965/1965) بعشرة مجلدات، وهي من أهم المصادر الموسوعية التي تظهر خفايا فترة ما يطلق على سكانها (بالجاهليين) في الكتب والمقالات، عن المعرفة التاريخية التي جاء منها ظهور الإسلام وجذوره. يذكر المؤرخ في مقدمته لمفاصل التاريخ قبل الاسلام عن المسمى للكتاب، فيقول (.. رأى أستاذي العالم الفاضل السيد محمد بهجت الأثري تسميته: "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام"، لما فيه من تفاصيل لم يرد في الكتاب السابق، فوجدت في أقتراحه رأيا صائبا. ينطبق كل الانطباق على ما جاء فيه، فسميته بما سماه به، مقسما إليه الشكر الجزيل على هذا التوجيه الجميل".) أنتهى الأقتباس.

وأن الغرض من تأليفه له فيقول:(.. والكتاب بحث، أردت جهد طاقتي إن يكون تفصيليا، وقد يعاب علي ذلك، وعذري في هذا التفصيل أنني أريد تمهيد الجادة لمن يأتي بعدي فيرغب في التأليف في هذا الموضوع، وأنني أكتب للمتتبعين والمختصين، ومن حق هؤلاء المطالبة بالمزيد. وقد فعلت هذا في الكتاب ما فعلته في الأجزاء الثمانية من الكتاب السابق من تقصي كل ما يرد عن موضوع من الموضوعات في الكتابات وفي الموارد الاخرى، وتسجيله وتدوينه، ليقدم للقاريء أشمل بحث وأجمع مادة في موضوع يطلبه، لأن غايتي من الكتاب أن يكون "موسوعة" في الجاهلية والجاهلين، لا أدع شيئا عنها أو عنهم إلا ذكرته في محله، ليكون تحت متناول يد القاريء. فكتابي هذا وذاك هما للمتخصصين وللباحثين الذين يطمعون في الوقوف على الجاهلية بصورة تفصيلية، ولم يكتب للذين يريدون الإلمام بأشياء مجملة عن تلك الحياة... وأنها ستتناول كل نواحي الحياة عند الجاهليين: من سياسية، واجتماعيةن ودينية، وعلمية، وأدبية، وفنية، وتشريعية.) أنتهى الأقتباس.

إذن الغرض في هذا الكتاب أنه أثبت فيه لنفسه والآخر المتخصص على جهة التذكرة متن مسائل المعارف ودلائل الأحكام المتفق عليها والمختلف فيها بأدلتها، والتنبيه على هزل الخلاف فيها ـ وما يجري مجرى الأصول والقواعد في الكتابات التاريخية، ومنه من هاجروا بها إلى الاماكن المعروفة التي استقروا فيها بين هذه الشعوب والقبائل، وما لبس عليهم من ضيم هذه الشعوب إليها؛ لما عسى أن يرد على المجهد من المسائل المسكوت عنها في متصل الشرع والمعرفة التاريخية، لأثبات إنها ذات أصل تؤول إليه، و وأعطى للعرب تاريخا نبت في القديم جوره ولم يراجع سبب القيود المفروضة على فهمه. جمعت الأعتبارات في تحبيرها وتحريرها إلى غير فك في الحضارة العربية الأسلامية من تفاصيل؛ على انفاق في التوجيه والاجتهاد، ما يغنيهم عن سماع التبخيس والأشفاق والاتهامات المزرية ناشروها، بنعتها "بالجاهليين" و"السراق" و"اللصوص والقتلة...الخ فليس لهم غير"عقد مركبة بالنقص"، كما لا أحد يستطيع نقد الماضي دون تصور بيئتها السائدة من توافق العموم، ليثبتوا من هم في تصورها له. وليس طمع بجديد فما جمع وتطور لشعوبها من تمكنهم بالظفر بها، وثابروا في غرس الحضارة العربية الاسلامية، متيسرة على استطاعتها لتقصي منح الشعوب الأخرى أينع المعارف ثقافة وعلم وفن، وما جمعت مكتسبة بها من العلماءن بواطن تسجله وتدونه في العالم الاسلامي، فكانوا أصحاب حضارة وسعة ثقافة.

وهذه المسائل في الأكثر هي مسائل المنطوق بها في بواطن الشرع ومتن المعارف التاريخية. أو تتعلق بالمنطوق به تعلقا قريبا ترى أنهم "غير عتات" أو من الأسرة العربية المعروفة بلفظة العرب الجاهليين، إلا إذا تداهمت الادلة بدهماء مغرضيها، في نفي الإثبات والتلاحق بنصوص المستشرق عن تركته. وأن الادلة المتوفرة ـ وهي المسائل التي وقع الأتفاق عليها، أو اشتهر الخلاف فيها الفقهاء الإسلاميين من لدن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى أن فشا التلقيد ونبشوا في تربة غير صالحة، فما هو معروف من تاريخ اليمن وبقية الجزيرة والبادية لا تحتاج إلى ترقيع زمانها ولا تغريب شرحتها من وحدة الثقافة والجنسية وعمق التراث في أصدق اصلاحاته في روابطه وتاريخية ما تنزل بها من معارف.

الذي ابدع مؤرخنا فيه، وجود تمهيد محتوى الموسوعة، فكانت دليلا على وجوده وعلمه ووحدته وأقدامه وبقاءه، فالمؤلف مؤرخ موسوعي. وأهميته، تنبهه على موضوع التخصص بتاريخ العرب القديم، في دراسة علم آثاره والكشف عن تاريخ هذه الأمة العربية القديم، ولهجاتها قبل الإسلام والمعارف الجاهلية، لاجل تقويم الطلبة والباحثين من عدم الأغفال، والانجرار وراء الإملاءات، في النظر إلى التماثيل كاوثان واصنام فقط، وأغلاق التنقيب عن العادات، بل إحياء المعارف وتناقضات خلافاتهم في البعث والتأملات القيمة، وهذا ما بحثه ووجده المؤرخ والبعثات المتخصصة من الباحثين في اليمن وجنوب اراضي الجزيرة العربية، التي كشفت المسخ المعربد في مؤلفات المستشرقيين في أشاعة اللغط والخرافة في أتساع التخريف عن شعوب المنطقة وتاريخها ونعتها بـ(الجاهليين) .

أغنت للمؤرخ مؤلفاته عدد مجلداتها الضخمة، وأظهرت بإجادة دقة التمرس للباحث في صنعته وتحير المؤلفون الاجانب من تاريخ الجاهلية، في نبوغة بحثه العلمي وحيادته، عن ترجمته إدراك حقيقته لصراع تاريخ أفكار العقلاء في تاريخ الجاهلية عما أزعموه باطلا، فهو الظاهر للمعرفة والباطن في اثرها.

اتم عن منهجه نظام وجود لزوم الرصانة٬ وجبته الحياديته عند الباحث، سافر عالما مطلعا ببعثة موضوعات (الأثار واللهجات القديمة لمواطنها القديمة)، اختارها عن صفوة الصراع في تناقضات الاختلاف في دلالة المفاهيم، حيث الاماكن، فبلغ الرسالة بتنزيل المعرفة التاريخية كما وجد، فبلغ رشد أشدها جلدا، ما إشاد العلماء العراقيين والعرب غير العرب، زهوا وترفعا بما جاد به، وربط شكيمته محلها (محمد بهجت الاثري) متناولا تقصيه، كما شجعوه وأيدوه زملاءه من الداخل والخارج، بالمعلومات والمعرفة الناطقة بصدقية اسانيده وبعفة دوافعه، فتمت بعثة بحثه العلمي متمرسا منهم، بما يجب ان يكون عليه منهج العالم، فكان من زملاءه واساتذته أمناء، وأقاموا الحجج، فكانوا فطناء عصمهم أخلاصهم مما يشين فوجب تباعهم. هذه الامور بسطها يحتمل مجلدات، لكن نشير إلى المهم منها لاحقا.

أما بعد فنتقدم بمقالنا هذا إلى العقلاء أجمعين، راجين، من كل شخص يريد أن ينتفع، يلقي الضوء في ألفة تبادل الاراء، في حسن تقويم عوجه وتعديل أغلاط، مبديا أراءه وإرشاده وملاحظاته، لتعم الفائدة، إن وجب تصحيحه، وتلك بغية المبتغى قلائد الأفذاذ في البحث والاستيعاب، ويعم النفع به من قدم رأيا من درسه أو أعان على درسه، والعلم يم عميق قراره.

يتبع....

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى