هكذا تُخلق الدهشة

تخيّل أنّك إنتحاري ترتدي حزاماً ناسفاً, تدخل مجمعاً تجارياً فيه المئات من الأشخاص الذين يسيرون بإبتسامة بريئة لا حول لها سوى أن تنتشر بين شفاه الجميع, كأنّهم لا يحملون أيّ هَمٍّ سوى لون الملابس التي سيشترونها أو نوع الغداء الذي سيسدّ جوعهم البسيط هذه الظهيرة, حتى تلك النباتيّة التي تبحث عن أيّ مكان يبيع الخضروات لتتناول وجبتها سريعاً حتى تعود لعملها في متجر ملابس الأطفال, إنّه ديسمبر يا عزيزي, كلّ الأطفال يحتاجون ملابساً سميكة هذه الفترة من شتاء بلدك المملوء بالقيح و النتوءات الغبية في كلّ ثواني أيامه الحقيرة.
تنزل من سيارتك التي سرقتها من مرآب الجامع المجاور لمنزلك, ترتب سترتك الجلدية حتى لا ينتبه أحد لتلك المتفجرات التي ترتديها بعناية مفرطة, تدوس بحذائك الأبيض على عقب السيجارة التي أنهيتها للتو, تدخل بمشيّة واثقة كأنّك آخر الملائكة, كانت حبيبتك المزمجرة تشمئز من هذا التصرف الصبياني لأنّك تلوّث أرض الربّ الملوّثة في الأساس بهذا الكم الهائل من المخلوقات الغبيّة.
صوت ضحك طفلة في نهاية ممر الدخول كأنّها تدعو لصلاة الجمعة الضاحكة, تدعو الجميع بحبّ ليجتمعوا حول جمالها الذي أشرقت الشمس لأجله هذا اليوم, كلّ شيء كان مثالياً بطريقة مستحيلة, كأنّ كلّ شيء يعلم بأنّ هذه آخر لحظة سيُداعب بها هواء هذا الكون.
تتوجه إلى لبّ القاعة الكبيرة التي تحوي أكبر عدد من أولئك الغافلين عن مجريات هذه الأرض البشعة و طريقة تكوينها, تُدخن آخر سيجارة بلهفة, كأنّك تشتاقها منذ الآن, تجلس أمامك فتاة بشعر أحمر قصير تبتسم لكوب شايها الذي كان يُحرّك فيها كلّ مشاعر الإشتياق لعلاقة محرّمة كانت تسكن في جحرها لفترة طويلة.
تدّق الساعة الواحدة بأُغنية لهوزيير, تُحرّك أصابعك على شاشة هاتفك, يبدأ الجميع في النظر إليك, رسالة إنتحارك معلّقة في نهاية القنبلة الذكية التي زرعتها في كتابك القادم, حزام الحروف الناسف الذي كنت تصنعه بدقّة أصبح متاحاً ليلتهم الجميع بنار نوره, تبتسم أنت بينما يظلّ الجميع محدقّاً على جناحيك و هما يرفرفان, يراقبون جناحك المحترق و هو يثير الهواء, يخلق دوامة من الحيرة على أفواه الجميع كأنّك قد خُلقت للتو أمام أعينهم, هكذا تُصنع الفكرة, هكذا تُخلق الدهشة, بحزام ناسف.
من سيحتضن هذا الحزام؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى