أ. د. لطفي منصور - في يَوْمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْعالَمِيَِ:

أَهَمِّيََةُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيََةِ في حَياةِ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَكَيْفِيَّةُ الْمُحافَظَةِ عَلَيْها:
اللُّغَةُ وَسيلَةُ الاتِّصالِ وَالتَّواصُلِ وَالتَّفاهُمِ بَيْنَ بَنِي الْبَشَرِ. وَهٍيَ أَنْجَعُ وَسيلَةٍ لِلتَّعْبيرِ وَالتَّواصُلِ. وَهِيّ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ مَنَحَها اللَّهُ لِلٍإنْسانِ دُونَ سائِرِ الْحَيَوانِ عَلَى وَجْهِ االْبَسيطَةِ.
نَشَأَتِ اللُّغاتُ في الْمُجْتَمَعاتُ الْبَشَرِيَّةِ، وَكُلُّ
شَعْبٍ أوْ مُجْتَمَعٍ اصْطَلَحَ عَلَى مُسَمَّياتِ الْأَشْياءِ وَالْأَفْعالِ وَالْأَفْكارِ والْعَواطِفِ. وَلِهذا السَّبَبِ اخْتَلَفَتِ اللُّغاتُ نَتيجَةَ انْعِزالِ الشُّعُوبِ، وَابْتِعادِ بَعْضِها عَنْ بَعْضٍ. وَكُلَّما تَقارَبَتْ هَذِهِ الْأَقْوامُ تَداخَلَتْ لُغاتُهُمْ في كَثِيرٍ مِنَ الْمُفْرَداتِ.
اللُّغاتُ لَمْ تَنْزِلْ مِنَ السَّماءِ. لِأَنَّ لُغاتِ الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ كَالتَّوْراةِ وَالإنْجيلِ وَالْقُرْآنِ نَزَلَتْ بِلُغاتِ الشُّعوبِ الَّتِي يَتَكَلَّمُونَها.
هُنا تَهُمُّنا لُغَتُنا الْعَرَبِيَّةُ الْفُصْحَى الْمَكْتُوبَةُ، وَتَهُمَُنا أّيْضًا اللُّغاتُ الدّارِجَةُ وَاللَّهَجاتُ الْمَحْكِيَّةُ، لِأَنَّها لُغاتُ التَّخاطُبِ الْيَوْمِيِّ بَيْنَ النَّاسِ في شَتَّى أَقطارِهِمِ الْعَرَبِيَّةِ.
لَمْ يَعْرِفِ الْعَرَبُ كَلَمَةَ “لُغَة” إلّا في الْعُصورِ الٍمُتَأَخِّرَةِ، وَهيَ غَيْرُ مَوْجودَةٍ في الْقُرْأنِ الْكَريمِ، وَلا في الْحَديثِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ، وَإنَّما جاءَ بَدَلَها ما هُوَ أَفْضَلُ مِنْها وَأَصَحُُّ، وَهيَ كَلِمَةُ “لِسان” الََتي وَرَدَتْ في كَثيرٍ مِنِ آيِ الذِّكْرِ الْحَكيمِ.
أَقَرَّتِ الْمَجامِعُ الْعّرَبِيَّةُ كَلِمَةَ “لُغَة”، فَنادِرُ ما تُسْتَعْمَلُ كَلِمَةُ “لِسان”.
إنَّ مَعْنَى كَلِمَةِ “لّغْوٍ” في الْقُرْآنِ والْحَديثِ الْكَلامُ السََيِّيءُ. وَقَدْ ذَمَّها الْقُرْآنُ الْكَريمُ وَأثْنَى عَلَى كَلِمَةِ “لِسان” في آياتٍ كَثيرَةٍ مِنُها: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إلّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُم) أيْ لِيَفْهَمُوا عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْآيَةُ الْكَريمَةُ (وَهَذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) أَيْ واضِحٌ كُلَّ الْوُضوحِ.
بِجانِبِ اللُّغَةِ الْفُصْحَى هِناكَ اللُّغَةُ الْمَحْكِيَّةُ، وَهيَ عِبارَةٌ عَنْ لَهَجاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، فَلِكُلِّ قُطْرٍ عَرَبِيٍّ لَهْجَتُهُ الْخاصَّةُ بِهِ، وَأَحْيانًا تَتَعَدَّدُ اللَّهَجاتُ في الْقُطْرِ الْواحِدِ؛ فَلَهجاتُ شَمالِ إفْريقِيَّةَ مِنَ الصَّعْبِ أَنْ يَفْهَمَها أَهْلُ الشّامِ، وَالْعِراقِ، وَالْيَمَنِ، وَالْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ. وَهُنا يَأْتي دَوْرُ الْفُصْحَى لِحَلِّ هَذِهِ الْمُعْضٍلَةِ.
أَهَمِّيَّةُ الْفُصْحَى أَنَّها تُوَحِّدُ الْعَرَبَ، وَتَجْعَلُهُمْ أُمَّةً واحِدَةً يَتَفاهَمُونَ بِها قِراءَةً وَكِتابَةً في وَسائِلِ الْإعْلامِ وَالصُّحُفِ وَالْكُتُبِ.
اللُّغَةُ الْعَرَبٍيَّةُ الْفُصْحَى هِيَ لُغَةُ الثَّقافَةِ وَالتَّأْليفِ وَالْأَدَبِ والشِّعْرِ والتّاريخِ، وَكُلُّ الْعُلُومِ النَّقْلِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ.
هٍيَ لُغَةُ الدِّينِ وَالْقُرْآنِ وَالْحَديثِ وَهُما دُسْتُورُ الْأُمَّةِ وَالْعٍبادَةِ وَالصَّلَواتِ.
قالَ الشّاعِرُ: مِنَ الْكامٍلِ
إنَّ الَّذِي مَلَأَ اللُّغاتِ مَحاسِنًا
جَعَلَ الْجمالَ وَسِرُّهُ في الضّادِ
اللُّغَةُ الفُصْحَى هيَ الرّابِطُ بَيْنَ ماضي الْأُمَّةِ وَحاضِرِها. مُنْذُ الْعَصْرِ الْجاهِلِي إلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ.
وَهِيَ لُغَةٌ ثَرِيَّةٌ اِشْتٍقاقٍيَّةٌ مِنْ أَوْسَعِ اللُّغاتِ في الْعالَمِ. فَفي قاموسِ “تاجِ العَروسِ” لِلزَّبِيدِي الَّذِي أُلَِفَ قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ سَنَةٍ مِلْيونُ كَلِمَةٍ عَرَبٍيَّةٍ.
يُعْتَبَرُ الْأَدَبُ الْعَرَبِيُّ مِنْ مَصافِّ الْآدابِ الْعَرَبٍيَّةِ نثْرًا وَشِعْرًا وَرِواياتٍ وَقِصَصًا، وَأدَبُنا القديمُ حَتّى أَواخِرِ الْقَرْنِ الْخامِسِ الْهِجْرِيَِ لا يُضاهيهِ أَدَبٌ في الْعالَمِ.
لا يُوجَدُ في الْعالَمِِ الْقَديمِ أَدِيبٌ يُضاهي عَمْرَ ابنَ بَحْرٍ الْجاحِظِ، وَلا مُحَمَّدَ بنَ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ، ولا أدَبَ يُضاهي أَلْفَ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ أوْ أدَبَ الْمَقاماتِ.
يُعْتَبَرُ الْقُرْآنُ أَعْظَمَ كِتابٍ ظَهَرَ في التّاريخِ إلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لُغَةً وَبَلاغَةً، وَفَصاحَةً، وَإعْجازًا، وَأُسْلُوبًا.
لَوْلا اللُّغَةُ الْفُصْحَى لَبَقِيَ الْعَرَبُ شُعوبًا مُمَزَّقَةً، لا وَحْدَةَ لَها، بَلْ شُعوبًا مُتَباعِدَةً يَحْتاجونَ إلى تَرْجَمَةِ لُغاتِهِمْ.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى