د. سيد شعبان - الكاتب وظله!

ثمة سرد لما يكتب بعد، ربما لم توات الفرصة لأقتنص مفرداته من واقع الحياة، كثيرون يلجأون للمعجم يرفدهم بما عجزت عنه ملكتهم، غير أن الكتابة التي يقرؤها القادمون تحتاج أفقا وقلما يبدع في المزاوجة بين عوالم جد مختلفة، أحيانا أمحو ما أسرده بل أراهن على ذاكرتي تصاب بالعطب، حيث النفور من كتابة باهتة مصابة بالنزق، لاجدوى من نصوص لاتحرك المياه الراكدة، يبدع الفنان حين يغاير بل يغامر في المزاوجة بالمفردات.
السارد والرسام يقدمان لوحة تكاد تلمسها العين قبل اليد.
أجدني بعد فترة حين أطالع نصا لي أصاب بالدهشة؛ أتساءل من ياترى كتب هذا؟
سرعان ما أعاود التذكر: ذلك المتخفي في إهابي والمتدثر بثيابي والمنتمي لعقلي من شرع بالكتابة في لحظة ما.
يبحث عن رمز لحكاية يسطرها، وتلك آية الواقعية السحرية تتخلص من أسر الواقعية الآلية إلى مزج بالخيال والولوج في عالم عجائبي من ظلال تملؤها تهاويم السحر لكنها بعيدة عن الشعوذة والدجل، لدينا موروث من حكايات تصلح أن تدون فتغالب ما يسطره أدباء تفرد لهم الصحف أوراقها.
ترى من كتب مايضارع الثلاثية؟
على خط نجيب كتبت نصوصي فكان منها: مصر عتيقة وحرفوش وأم هاشم والراهب حنا وقريبا منه الراهب حنا، وناعم ياملح ودسوق لاتنام، سردي مؤكد يحمل بصمتي، ينتمي إلي أدلف منه إلى القاريء الذي قد يجد فيه متعة المشاغبة يعد ربع قرن!
قريب من هذا ما تفرد به نقاد مبدعون فكوا شفرة سردي، أزهو بما آتوا لكنني وجل من جلاء الرمز الذي يمسك مفتاح كراره جني يسكن المغارة في تلة جادو!
لدينا كتاب مبدعون لكننا نتجاهلهم، ربما لغرابة مايقدمون، أو أن الجهل صديق الذين يكتفون من الغنيمة بالإياب.
هل جاء وقت النص الذي أترقبه قنصا، أعود به يملؤني الزهو أن قد رجعت بما يملأ عطفي، آخرون يصمونني بالغرابة التي تعجزهم أن يأتوا من العوالم الخفية بما أسر به من حكايات؛ هل حقا كل هذا الحكي من الأجداد؛ لتلبسي بهم وكثرة ذكرهم في قصصي، لا أنكر أن أكثره قد استوعبته ذاكرتي من أفواههم، غير أن يد الصناع هي التي أبدعت اللحمة والسدى فبدا النص وشيا مرقوما أخايل به لداتي، كتبت من قبل أن حياة المهمشين وغرائب الأشياء مادة للواقعية السحرية التي يحلو لكتاباتي أن تنتمي إليها.
عالم السرد ممتليء بما خفي والرمز يعنت القاريء فيجعله يلتمس مفتاحا للحكي، حين أقرأ لناقد تناول نصا لي أشعر أنه كتب عن سارد غيري، أراه يتطرق لما غفلت عنه، بل لا أصادر مذهبه الذي حلا له أن يصنف سردي جهته، لا أفسر نصي؛ فأنا بعدما أنتهي منه لم تعد لي عليه وصاية لقد بلغ سن الرشد، يقولون هذا سردك، أجيبهم قد كان!
يحلو لي أن أصف سردي بالظل الذي يعنتني، أجتهد أن أفر منه فأعجز حتى أسرب في الجدار، تلك حقيقة لا أبالغ في ذكرها، فزقزقة عصفور أو نباح كلب بل رهف القلم وبكاء طفلة وطرفة عين وطفاء كل هذه أشياء تصلح مادة للسرد لكن أي يد صناع تلك التي تمسك بالريشة وتفرد نصا من مفردات شتى؟
هل امتلك السابقون كل مفردات المعجم ولذا نرانا نأتي بمعاد من القول؟
تلك مقولة الذين تقاصرت هممهم وانسحبوا من الحياة، لكل كاتب عالمه ومن ثم له خزانته تتسع قدر ما يطالع فالمرأة الصناع تأتي بألوان شتى من الدقيق، كذلك السرد في السودان غيره في الشام وهكذا دواليك، غير أن المترجم منه باهت كما الطعام المعلب؛ لا أقارن دفق المداد من نصوص عمنا السارد الكبير نجيب محفوظ بما ترجم من كتابات جارثيا ماركيز، إنها لغة صالح علماني الذي راقص بها مفردات معجمه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى