د. صبري محمد خليل خيري - العقل العربى- الاسلامى من التعطيل ( العقل التكرارى) الى التفعيل (العقل التجديدى)

اولا: ملخص الدراسه : تبدأ الدراسه بتقرير وجوب التمييز بين الدلالات المتعددة لمفهوم العقل، ثم تعرف العقل العربى – الاسلامى- استنادا الى احد دلالات مفهوم العقل- بأنه البناء العقلي" المعرفي" - الحضاري - المكتسب على الهيكل العقلي"المعرفي" الأساسي- الحضاري- للامه العربيه المسلمه بشعوبها المتعددة .ثم تحدد بنيه وهوية العقل العربى – الاسلامى بانه ( ذو هيكل حضارى اسلامى . وبنيه حضارية : سنيه طبقا للمذهب الأشعري"عقديا"، واحد المذاهب الأربعة"فقهيا"، مع اثر صوفي عملى"سلوكى " موضوعى ). ثم تقرر ان هناك معوقات للعقل عموما والعربى الإسلامي خصوصا، تتصل باحد دلالات مفهوم العقل وهي أنماط التفكير الثلاثه : الخرافي والأسطوري والبدعى .ثم تبين الدراسه ان الاسلام يرفض – على المستوى العقدى "النظرى"_ التفكير الخرافي ،اما على المستوى العملى"التطبيقى " ، فقد شاع فى المجتمعات المسلمة فى مراحل تاريخية متاخره- كمحصله لتخلف النمو الحضاري - " شيوع جزئى وليس كلى"، ليصبح العقل العربى- الاسلامى عقل يختلط فيه نمطي التفكير الخرافى والعلمى - بدرجات متفاوتة – كما بينت الدراسه ان الاسلام ايضا يرفض- على المستوى "العقدي" النظرى- التفكير الاسطورى ، ولكنه شاع فى المجتمعات المسلمة فى مراحل تاريخية متاخره- كمحصله لتخلف النمو الحضاري - " شيوع جزئى وليس كلى"، ليصبح العقل العربى- الاسلامى عقل يختلط فيه نمطى التفكير الاسطورى والعقلانى - بدرجات متفاوتة – ثم بينت الدراسه انه رغم ان النصوص قد حذرت من البدع. الا انه فى عصور تاريخية متأخرة ظهرت العديد من البدع ،التى شكلت بمجملها نمط تفكير بدعى، تضمن انماط التفكير شبه الخرافي – شبه الأسطوري .ثم بينت الدراسه ان هناك معوقات للعقل العربى – الاسلامى تتصل باحد دلالات مفهوم العقل - محصلة الفاعلية المعرفية في واقع معين -وهنا نجد نمطين للتفكير - يتصلان بإشكالية كيفيه تحقيق التقدم الحضارى للامم المسلمة – ومنها الامه العربيه المسلمه - يشكلان معوقات للعقل عموما وللعقل العربى – الاسلامى خصوصا وهي: أولا: نمط التفكير التغريبي: ثانيا: نمط التفكيرالتقليدى. ثم بينت الدراسه ان هذه المعوقات أدت الى تعطيل العقل العربى – الاسلامى ، ومن ثم تحوله الى عقل تكرارى من مظاهره :تحوله الى عقل ذاتى عاطفى، اداته الخيال غير المقيد بالحواس او العقل او الوحى ، فى ادراك المستويات المتعددة للوجود ، وبالتالي انتاج انماط تفكير"شبه خرافيه / شبه اسطوريه / يختلط فيها الفهم الصحيح للدين بالتفكير البدعى . وتعطيل ملكات العقل"الذاكرة والادراك و الخيال " كفاعليه معرفيه بانتفاء الموضوعية منها.ويلزم منه موضوعيا الدوران فى حلقة مفرغة ، وبالتالي عجزه عن حل المشاكل المتعددة المتجددة التى يطرحها الواقع المعاصر وانتاج نمط تفكير يظل أسير المرحلة الأولى من مراحل المنهج الثلاثة - مرحله المشكلة ولا يتجاوزها إلى مرحلتي الحل والعمل وهو نمط التفكير الذي يمكن ان نطلق عليه اسم "التفكير الجنائزي "رغم انه يتناقض مع الاسلام كدين .كما يلزم منه انماط من التفكير والسلوك السلبى على مستويات الحياة المختلفة، ثم تبين الدراسه ان هناك آليات لتفعيل للعقل العربى الاسلامى تتصل بأحد دلالات مفهوم العقل. وهنا نجد ثلاثة أنماط للتفكير تشكل اليات تفعيل للعقل عموما – والعقل العربى - الاسلامى خصوصا، وهي أنماط التفكير الثلاثه : العلمى والعقلانى "الفلسفى" والدينى طبقا للفهم الصحيح للدين .حيث تقرر ان الاسلام أقر- المستوى العقدي النظرى - التفكير العلمي ،. اما على المستوى العملى التطبيقى اصابه الضمور فى مراحل تاريخية متاخره ، نتيجه لتخلف النمو الحضاري ،ولكنه ضمور نسبى يختلط فيه نمط العلمى بالتفكير الخرافي- بدرجات متفاوتة – وليس ضمور مطلق . ثم نبين الدراسه ان الاسلام اقر الاسلام ايضا - على المستوى العقدي النظرى- التفكير العقلانى و خصائصه ، اما على المستوى التطبيقي فقد اصابه أيضا ضمور نسبي وليس مطلق فى مراحل تاريخية متأخرة .ثم اشارت الدراسه الى انه قد ساد فى المجتمعات المسلمة – ومنها المجتمع العربى- فى عصورها المتقدمة الفهم الصحيح للدين وتنحى التفكير البدعى . الا انه فى عصور تاريخية متأخرة ظهرت أنماط من التفكير البدعى ، ليصبح العقل العربى الاسلامى عقل يختلط فيه الفهم الصحيح للدين والتفكير البدعي- بمظاهره المختلفة – بدرجات متفاوته -ثم اشارت الدراسه الى ان هناك آليات لتفعيل العقل العربى – الاسلامى ، تتصل باح دلالات مفهوم العقل وهنا نجد نمط تفكير - يتصل بإشكالية كيفية تحقيق التقدم الحضارى للامم المسلمة – ومنها الامه العربيه المسلمة - يشكل آلية تفعيل للعقل عموما وللعقل العربى – الاسلامى خصوصا وهو نمط التفكير التجديدى. ثم لين الدراسه اخيرا ان هذه الاليات تساهم فى تفعيل العقل العربى – الاسلامى ، ومن ثم تحوله الى عقل تجديدى من مظاهره : تحوله الى عقل موضوعى يحدد – ولا يلغى - ما هو ذاتي كالعاطفه والخيال بالحواس او العقل او الوحى فى ادراك المستويات المتعددة للوجود. وبالتالى ينتج أنماط من التفكير العلمي والعقلاني- غير المتناقض مع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للوحي- والديني- القائم على الفهم الصحيح للدين- وتفعيل الملكات العقلية، وتحقيق التقدم الحضاري والاجتماعي للمجتمعات المسلمه، من خلال مساهمته فى حل المشاكل المتعددة المتجددة التي يطرحها الواقع المعاصر. ويلزم منه أنماط من التفكير والسلوك الايجابي على مستويات الحياة المختلفة. وايضا يلزم منه الاتقاء بالاراده الشعبيه للامه من مرحله التفعبل التلقائى الى مرحله التفعيل القصدى. ..........................................

ثانيا: متن الدراسه التفصيلى:

مفهوم العقل وتعدده الدلالي
: يجب التمييز بين الدلالات المتعددة لمفهوم العقل:

الدلالة الأولى"الفاعليه المعرفية المشتركة ": الفاعلية المعرفية الإنسانية فى ذاتها،اى العقل في ذاته في كل زمان ومكان . فالعقل هنا هو امكانيه المعرفه ، التى يشترك فيها كل الناس، فى كل زمان ومكان.

الدلالة الثانية"الأنماط المتعددة للفاعليه المعرفية": أنماط هذه الفاعلية ، والتي تختلف - اى تتعدد على المستوى النظرى- طبقا للاتى:

اولا: مجالات معرفيه: مستويات الوجود التي يحاول تفسيرها " وجوديا" (العلم يفسر الوجود على مستوى جزئي – عينى ،الفلسفه تفسر الوجود على مستوى كلى – مجرد،الدين يفسر الوجود على مستوى مطلق – غيبى)

ثانيا:فلسفه او منهج او مذهب: الجهة المنظور منها إلى ذات المشاكل التي يطرحها الواقع المعين" معرفيا "(الفلسفة او منهج المعرفة او المذهب المستخدم فى تفسير مستوى الوجود المعين)

ثالثا:انواع المشاكل : مضمون هذه المشاكل"منهجيا"(مشاكل مشتركة مشاكل خاصه. مشاكل سياسيه او اقتصاديه او اجتماعيه ...)

الدلالة الثالثة" محصله الفاعلية المعرفية بانماطها المتعددة فى واقع معين: وهى الدلالة التى نعنيها عند الحديث عن العقل العربى - الاسلامى . ومضمونها محصلة هذه الفاعلية- المعرفية - بأنماطها المختلفة ، في محاولتها حل مشاكل طرحها واقع معين زمانا ومكانا، اى التراث الفكري "البنية الحضارية " لجماعة معينة"قبيلة،شعب، أمه"في زمان معين.فالعقل هنا هو تحقق المعرفة فى واقع معين زمانا ومكانا. ويمكن تقسيمها إلى مستويين:

المستوى الأول "الهيكل الحضارى ": الهيكل العقلي"المعرفي" الأساسي الحضاري، ويتضمن مجموعة القواعد التي تحدد لكل فرد ، ما ينبغي أن يكون عليه موقفه واتجاهه وسلوكه، في مواجهة الغير من الأشياء والظواهر والناس، يكتسبها من انتمائه إلى مجتمع معين.فهذا المستوى يشير إلي مكونات الوحدة العقلية(المعرفية) المتجانسة بين كل الأفراد الذين ينتمون إلى مصدر حضاري واحد،

المستوى الثاني" البنيه الحضاريه ": البناء العقلي" المعرفي" المكتسب على هيكلها الأساسي، فهذا المستوى يشير إلي التفرد العقلي(المعرفي) بما هو بناء مكتسب على هيكلها الأساسي من مصادر بيولوجية وفسيولوجية وفكرية واقتصادية وروحية …الخ.

تعريف العقل العربى - الاسلامى: انطلاقا من الدلالة الثالثة لمفهوم العقل- المذكوره اعلاه- فاننا نعرف العقل العربى – الاسلامى بانه البناء العقلي" المعرفي" - الحضاري - المكتسب على الهيكل العقلي"المعرفي" الأساسي- الحضاري- للامه العربيه المسلمة بشعوبها المتعددة .

بنيه وهويه العقل العربى – الاسلامى ( ذو هيكل حضارى اسلامى ، وبنيه حضاريه : سنيه طبقا للمذهب الأشعري"عقديا"، واحد المذاهب الاربعه"فقهيا"، مع اثر صوفي "عملى" ): استنادا الى هذا التعريف للعقل العربى – الاسلامى ، والتمييز بين الدين كوضع الهي ثابت ، والتدين ككسب بشرى متغير،فانه يمكن تحديد بنيته وهويته كالاتى:

اولا: هيكل حضارى اسلامى:فالإسلام كدين- ممثلا فى أصوله النصية الثابتة – يشكل الهيكل الحضاري للامة العربيه المسلمه بشعوبها المتعددة. لأنه هو الذي أوجدها كامه واحده – هناك روابط موضوعية- غير متوقفة على الوعى بها او الاقرار بها او عدم الوعي بها او انكارها- "دينيه ، حضاريه، تاريخيه، لغوية..." بين شعوبها...". بعد ان كانت قبله شعوب وقبائل متفرقة- لا رابط موضوعى بينها-

ثانيا:بنية حضارية:

ا/ سنية:
فللتدين الشعبي العربي " الذي يشكل جزء رئيسى من البنية الحضارية للعقل العربى – الاسلامى" نمطين:

نمط رئيسى سائد: سنى طبقا لأحد المذاهب السنية الفرعية : الفقهية: كالمذهب الحنبلي او الشافعي او المالكي اوالحنفي…او الاعتقاديه "الكلامية" : كالمذهب الحنبلي او الظاهري او الماتريدي او الطحاوي او الاشعرى او التصوف السني الذي يشكل المذهب الأخير” الاشعرى ” أساسه العقدي. وايه هذا ان اغلب الشعب العربى مسلم طبقا للمذهب السني- الذي ينتمي إليه اغلب الأمم والشعوب المسلمة ( أكثر من تسعين في المائة من المسلمين في العالم).

انماط فرعيه غير سائدة: هى امتدادات مذهبية لأحد المذاهب الإسلامية غير السنية كالمذهب الشيعي مذهب الخوارج...وقد تحولت هذه المذاهب فى مراحل تاريخية متأخرة، ونتيجة لعوامل متعددة متفاعله،الى طوائف اى مذاهب مقصورة على جماعات قبلية او شعوبية معينة .).

ب/ طبقا للمذهب الأشعري" عقديا":
وهو – اى التدين الشعبي العربي- هو سني طبقا للمذهب الأشعري عقديا"كلاميا"، فأغلب المسلمين العرب ينتمون إلى أهل السنة طبقا للمذهب الأشعري ، وهو المذهب الذي ينتمي إليه أغلب المسلمين في العالم.

أثر التفسير الاشعرى للمفاهيم الإسلامية على مفاهيم التدين الشعبي العربي والعقل العربى - الإسلامي: هناك بعض المفاهيم الإسلامية التي اتفقت المذاهب الاسلاميه"السنية" المتعددة على إثباتها، لورود نصوص فى ذلك ، ولكنها اختلفت في تفسيرها ،ولكن ساد تفسير المذهب الاشعرى لهذه المفاهيم فى التدين الشعبي العربى، لان اغلب المسلمين العرب ينتمون إلى أهل السنة طبقا للمذهب الاشعرى - كما سبق ذكره- وترك هذا الأمر أثره - الايجابي أو السلبي - على كثير من أنماط تفكير وسلوك الشخصية الحضارية العربية والعقل العربي الاسلامي ، لان اى مذهب بما هو اجتهاد بشرى يتضمن أوجه صواب و أوجه خطاْ، كما أن اى شخصية تتضمن أنماط من التفكير والسلوك الإيجابي والسلبي.

ج/ طبقا لاحد المذاهب الأربعة"المالكى/ الشافعى /الحنفي/ الحنبلي "فقهيا": والتدين الشعبي العربي هو سني طبقا لأحد المذاهب الأربعة المالكي/ الشافعي /الحنفي/ الحنبلي"فقهيا"، فأغلب المسلمين العرب ينتمون إلى أهل السنة طبقا لأحد هذه المذاهب .

د/ مع اثر صوفي عملى " سلوكى" : وللتصوف"السني" أثر واضح على التدين الشعبي العربي: فقد ساهمت الطرق الصوفية في نشر الإسلام في العديد من الشعوب العربيه، وأصبح التصوف وقيمه المعرفية والسلوكية "موضوعيا" أحد مكونات الشخصية الحضارية العامة العربيه، بصرف النظر عن الموقف "الذاتي"منه . وهنا نجد أن الكثير من القيم الايجابية التي تميز الشخصية العربيه كالتعايش السلمي مع الأخر والتسامح والتضامن مع الآخرين والزهد... مرجعها التصوف ، كما ساهم التصوف في حل مشكلة المعرفة بالإسلام ذاته، نسبة لجهل الناس بدلالات ألفاظ القران والحديث، وعدم فهم كتب التراث الإسلامي؛ نسبه لأسلوب تدوينها المختلف عما تعارف عليه الناس في عصرهم. غير أن واقع تخلف النمو الحضاري للمجتمعات العربية - نتيجة لعوامل داخلية وخارجية متفاعلة - أدى إلى اختلاط التصوف ببعض أنماط التفكير البدعى ، متمثلا في شيوع أنماط من الفهم الخاطئ للإسلام فيه؛ والتي تكتسب قدسية نسبتها إلى الدين، وقد دعي كثير من الصوفية أنفسهم - قبل غيرهم - إلى تحرير التصوف من هذه الأنماط الفكرية والسلوكية البدعية التي اختلطت به.

التعطيل "معوقات العقل العربى – الاسلامى":

أولا : معوقات تتصل بالدلالة الثانية لمفهوم العقل :
فهناك معوقات تتصل بالأنماط المتعدده للفاعليه المعرفيه، والتي تختلف طبقا لمستويات الوجود التي يحاول تفسيرها "وجوديا"(المجالات المعرفية كالعلم والفلسفة والدين ). وهنا نجد ثلاثة أنماط للتفكير تشكل معوقات للعقل عموما – والعقل العربى - الاسلامى خصوصا، وهي أنماط التفكير الثلاثه : الخرافي والأسطوري والبدعى .

ا/ المجال العلمى :

نمط التفكير الخرافي:
هو محاوله لتفسير ظاهرة جزئية" تشكل جزء من أجزاء الوجود " - عينيه"محسوسة "تنتمي الى الوجود المادي "الشهادى – المسخر بالتعبير القرآنى"، بدون دليل حسي "تجريبى " يمكن التحقق من صحته بالتجربة والاختبار العلميين " .

موقف الإسلام منه:

المستوى العقدي "النظرى": يرفض الاسلام التفكير الخرافي ، لأنه أقر بالوجود "الموضوعي" للوجود المادى ، والحواس كوسائل لمعرفته-ومعيار للتحقق من صحة الافكار عنه - (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ). اتساقا مع هذا نهى عن كثير من أنماط التفكير الخرافي الفرعيه، التي كانت سائدة في المجتمع العربي الجاهلي كالكهانة ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد برئ مما أنزله الله على محمد)( رواه الطبراني)،والتنجيم (من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر)( رواه أبو داود وابن ماجه)،والعرافة (من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما)،والتطير(العيافة والطيرة والطرق من الجبت).

المستوى العملى"التطبيقى ": ساد التفكير الخرافي فى المجتمع العربى القبلي الجاهلي قبل الاسلام، فلما ظهر الاسلام نهى عن هذا النمط من أنماط التفكير، وحث على الالتزام بنمط التفكير المناقض له – التفكير العلمى- مما أدى الى سيادة الأخير وتنحى الثانى ، وانحصاره فى بعض الفئات الاجتماعية التي تسود فيها الأمية ، فى المجتمعات المسلمة - ومنها المجتمع العربى - فى عصور التقدم الحضارى ,غير انه نتيجه لتخلف النمو الحضاري لهذه المجتمعات نتيجه لاسباب داخليه وخارجيه متفاعلة- فى مراحل تاريخية متأخرة – عاد نمط التفكير الخرافي الى الشيوع فى هذه المجتمعات.ولكنه شيوع جزئي وليس كلي كما كان فى المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام، اي أصبح العقل العربى- الاسلامى عقل يختلط فيه نمطي التفكير الخرافى والعلمى - بدرجات متفاوتة -

ب/ المجال الفلسفي : نمط التفكير الاسطورى: هو محاوله لتفسير مفهوم كلي " يتناول الوجود ككل " مجرد "- نظرى " بدون دليل عقلى يمكن التحقق من صحته بعلم المنطق .

موقف الاسلام منه:

المستوى "العقدي" النظرى
: رفض الاسلام التفكير الاسطورى لانه اقر بالعقل كوسيلة لمعرفة المفاهيم "الكلية –المجرده"- ومعيار للتحقق من صحتها-كما رفض خصائص هذا النمط من انماط هذا التفكير وهى:

أولا:الانشطارالمعرفى بين القبول المطلق لفكره،وبالتالي الرفض المطلق للأفكار الأخرى . وقد رفضت النصوص كلا الموقفين﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ ﴾ (المائدة:104)

ثانيا: الانشطار المعرفى بين الشك المطلق" أي إنكار إمكانية التحقق من صحة أي فكرة"، أو نزعة الحزم بدون دليل قطعى" أي التسليم بصحة فكرة دون التحقق من كونها صادقة أم كاذبة". وقد رفضت النصوص هذا النوع من الشك " الذى عبر عنه القرآن بمصطلح ريب (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا)( النور: 50) ، كما ذمت النصوص نزعه الحزم بدون دليل قطعى في عدة مواضع كما في قوله تعالى: (قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۚ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ )( المائده: 104)

ثالثا:الاستناد المعرفي المطلق إلى الخيال والعاطفة ، اى على الوجه الذي يلغي دور الحواس والعقل كوسائل للمعرفه، وبالتالي اى يلغى الموضوعية. ومنهج المعرفة الاسلامى اذ يقر بالخيال والعاطفة ، فانه فى ذات الوقت يجعل دورهما محدود تكوينيا بالحواس والعقل، وتكليفيا بالوحي (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا).

رابعا: عدم المنطقيه ( كالتناقض) .وقد رفضتها النصوص باشكال متعدده ، منها اشاره بعضها الى قانون عدم التناقض فى قوله تعالى(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا )( النساء: 82).

المستوى العملى التطبيقى: كما ساد التفكير الاسطورى فى المجتمع العربى القبلي الجاهلي قبل الاسلام، فلما ظهر الاسلام نهى عن هذا النمط من أنماط التفكير، وحث على الالتزام بنمط التفكير المناقض له – التفكير العقلانى- مما أدى الى سيادة الأخير وتنحى الثانى ، فى عصور التقدم الحضارى , غير انه نتيجه لتخلف النمو الحضاري لهذه المجتمعات نتيجه لاسباب داخليه وخارجيه متفاعلة-- فى مراحل تاريخية متأخرة – عاد نمط التفكير الاسطورى الى الشيوع فى هذه المجتمعات.ولكنه شيوع جزئى وليس كلي كما كان فى المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام، اى أصبح العقل العربى- الاسلامى عقل يختلط فيه نمطي التفكير الاسطورى والعقلانى - بدرجات متفاوتة -

ج/ المجال الدينى:

نمط التفكير البدعى
: هو محاوله تفسير ما هو غيبي "غائب عن حواس- وبالتالى عقل- الإنسان – مطلق " غير خاضع للتطور خلال الزمان والتغير فى المكان " (كمحاولة بيان مفهوم او قيمة او قاعدة كليه، تنتمي الى أصول الدين النصية الثابتة) ،بدون دليل نقلى " نصى " (اى دليل قطعى،يستند الى نص يقيني الورود قطعي الدلاله).(فقد عرف العلماء البدعة اصطلاحا الإضافة إلى اصول الدين، بدون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة) .

تحذير النصوص منه : قد حذرت النصوص من البدع كما فى قوله (صلى الله عليه وسلم)( ... وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة)(رواه أحمد واللفظ له، وابن ماجة والترمذي) .وساد فى المجتمعات المسلمة – ومنها المجتمع العربى- فى عصورها المتقدمة الفهم الصحيح للدين وتنحى التفكير البدعى . الا انه فى عصور تاريخية متأخرة ظهرت العديد من البدع ،التى شكلت بمجملها نمط تفكير بدعى، تضمن أنماط التفكير شبه الخرافي – شبه الأسطوري .فنمط التفكير البدعى شكل حاضنة هذه الأنماط من التفكير فى المجتمعات المسلمة.

ثانيا: معوقات تتصل بالدلالة الثالثة لمفهوم العقل: وهناك معوقات للعقل العربى – الاسلامى تتصل بمحصلة الفاعلية المعرفية في محاولتها حل مشاكل طرحها واقع معين زمانا ومكانا ، بمستوييها "البنية الحضارية للامه والهيكل الحضارى الذى تستند إليها".

الانشطار بين التقليد والتغريب: وهنا نجد نمطين للتفكير - يتصلان بإشكالية كيفية تحقيق التقدم الحضارى للامم المسلمة – ومنها الامه العربيه المسلمة - يشكلان معوقات للعقل عموما وللعقل العربى – الاسلامى خصوصا وهى:

اولا: نمط التفكير التغريبي:

محاوله اجتثاث الجذور:
هو نمط تفكير يستند الى موقف يقوم - حضاريا وفي واقعنا المعاصر- على أن تحقيق التقدم الحضاري لا يمكن أن يتم إلا باجتثاث جذور الأمة ، والتبني الكامل للمفاهيم والقيم والقواعد " الكليه والجزئيه" للأمم المعاصرة " ، وتحديدا الامم الغربية التي تتبنى الليبرالية كفلسفة ومنهج ومذهب ذو اركان اربعة "الفردية فى الاخلاق ، والرأسمالية فى الاقتصاد والصيغة الليبرالية للديمقراطية فى السياسيه، والعلمانية فى علاقة الدين بالدولة ".

محاوله فاشله:وهذا الموقف فاشل فى محاولته اجتثاث الفرد والامة من الجذور الحضاريه، او هدم البنية الحضارية للأمم المسلمة - ومنها الامه العربيه بشعوبها المتعددة -

التشويه الحضاري وتكريس التبعية: واقصى ما يمكن ان يصل اليه هذا الموقف هو تشويه الشخصية الحضاريه للفرد او الامه حال تبنى هذا الموقف. فلا تعود هذه الشخصية الحضارية اسلاميه او غربيه . بل شخصية تتصارع فيها شخصيتان متناقضتان. فضلا عن انه يلزم منه –موضوعيا وبصرف النظر عن النوايا الذاتية لأنصاره- تكريس التبعية و خدمة غايات الاستعمار باشكاله المتعدده "الاستعمار القديم ،الاستعمار الجديد " ومثاله – فى واقعنا المعاصر- مشروع الشرق الأوسط الجديد"الامبريالي- الصهيوني".

ثانيا: نمط التفكيرالتقليدى:

العزله المطلقة عن الامم المعاصرة: هو نمط تفكير يستند الى موقف يقوم – حضاريا- على أن تحقيق التقدم الحضاري يكون بالعزلة – المطلقة- عن الامم المعاصرة وإسهاماته الحضارية ، وبمنظور علم أصول الفقه هو موقف يقوم على الوقوف عند أصول الدين وفروعه، فهو لا يميز بين أصول الدين النصية الثابتة وفروعه الاجتهادية المتغيرة …

الاخذ بالتقليد المنهى عنه: فهذا الموقف يرتبط ارتباطا عضويا بالتقليد ،الذي مضمونه قبول قول القائل بدون دليل ، والذي يرفضه الإسلام، والذي نهى عنه الأئمة :يقول الإمام أحمد بن حنبل ( لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري، وخذوا من حيث أخذوا) (ابن القيم ، اعلام الموقعين،ج2، ص302(.

العقل التكرارى والدوران فى حلقة مفرغة: ان هذه المعوقات أدت الى تعطيل العقل العربى – الاسلامى ، ومن ثم تحوله الى عقل تكرارى من مظاهره :

عقل ذاتى " عاطفى- خيالى": تحوله الى عقل ذاتى عاطفى، اداته الخيال غير المقيد بالحواس او العقل او الوحى فى إدراك المستويات المتعددة للوجود "المادي ،الفكريه ، الغيبية". وبالتالي إنتاج أنماط تفكير"شبه خرافيه / شبه اسطوريه / يختلط فيها الفهم الصحيح للدين بالتفكير البدعى .

تعطيل الملكات العقلية: تعطيل ملكات العقل كفاعليه معرفية بانتفاء الموضوعيه منها: ذاكرة انتقائيه،وادراك متحيز،وخيال مجنح منفصل عن الواقع.

الدوران فى حلقة مفرغة: ويلزم منه موضوعيا الدوران فى حلقة مفرغة ، وبالتالي عجزه عن حل المشاكل المتعددة المتجددة التى يطرحها الواقع المعاصر. ومن ثم تفاقم هذه المشاكل " فتتحول من مشكله الى اشكالية الى ازمة الى ازمة مستفحلة الى ازمة وجودية تهدد وجود المجتمع ذاته "اى كارثه ".

التفكير الجنائزي السلبي : إنتاج نمط تفكير يظل أسير المرحلة الأولى من مراحل المنهج الثلاثة - مرحله المشكلة التى هدفها معرفة طبيعة المشكلة - ولا يتجاوزها إلى مرحلتي الحل- والتي هدفها وضع حل النظري للمشكلة ، والعمل –والتى هدفها تنفيذ الحل النظري في الواقع بالعمل . - وهو نمط التفكير الذى يمكن ان نطلق عليه اسم "التفكير الجنائزى- رغم انه يتناقض مع الاسلام كدين ، لانه نمط تفكير سلبى: فهو ينكر امكانيه تغيير الواقع ، بينما المنهج الاسلامى يقرر امكانيه تغيير الواقع، استنادا الى تقريره حريه الاراده الانسانيه ، فى سياق أن الفعل الانسانى هو محصله الخلق الالهى والكسب الانسانى (و ما تشاءون إلا أن يشاء الله). ويقوم على اليأس والتشاؤم ، وكلاهما نهى عنه الاسلام ، الذى عبر عن الاول بمصطلح " القنوط كما فى قوله تعالى.( لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)(الزمر:53) ، وعبر عن الثانى بمصطلح"التطير"، كما فى قوله (صلى الله عليه وسلم )( الطيرة شرك، الطيرة شرك) (سنن أبي داود : 3411 )

أنماط التفكير والسلوك السلبي : كما يلزم منه أنماط من التفكير والسلوك السلبى على مستويات الحياة المختلفة.

مستوى المعاملات الفردية"الشخصية" : شيوع نمط التفكير والسلوك الجماعي - الذي يعبر عنه بعض الباحثين بمصطلح " عقلية القطيع " - ومظاهره السلبية " كالتدخل في شؤون الغير بدون إذن منهم ، المجاملة التى تصل الى حد النفاق،عدم الوضوح فى التعبير عن الاراء، وضمور الالتزام الذاتى،التقليد الاعمى،الاعتماد المطلق على الآخرين و عدم الاستقلال الشخصي، الحسد، النميمة ، التعصب، المحاباة" ....

المستوى الاجتماعى: شيوع الظواهر الاجتماعية السلبية المعيقة للتطور الاجتماعي كالعنصرية و القبلية والطائفية والخلط بين علاقات الانتماء المتعددة للشخصية الحضارية وجعل العلاقة بينهما علاقة تناقض وليست علاقة تكامل " اضطراب الهوية الحضارية": كعلاقات الانتماء الوطنية "ذات المضمون الجغرافى - الاقليمى" ، والقومية- كعلاقة الانتماء العربيه- "ذات المضمون الحضاري اللغوي - غير العرقى"والدينية - كعلاقة الانتماء الاسلاميه- "ذات المضمون الديني - المقصور على العرب المسلمين - والأثر الحضارى - الذى يشمل العرب المسلمين وغير المسلمين"، والقارية- كعلاقة الانتماء الافريقيه والاسيويه- "ذات المضمون الجغرافى - القارى " ، والعالمية" ذات المضمون الانسانى المشترك" ، والعرقية - كعلاقات الانتماء السامية او الاريه او الحامية او المختلطه بينهما- "ذات المضمون العرقى المختلط غالبا".

المستوى الثقافى: شيوع العديد من المظاهر الفكرية و السلوكية السلبية بين المتعلمين والمثقفين،والتى تحول دون قيامهم بدورهم كقادة – فكريين- للتطور الاجتماعى فى مجتمعاتهم،وتحولهم الى نخب معزولة عن عنها ، بدلا من ان تكون طليعه لتغيير واقعها نحو الافضل. ومن هذه المظاهر السلبية :الفردية "التى يعبر عنها عامة الناس بمصطلح " الانانيه " الذي قد ياخذ شكلا سالب" كالعزلة الفكريه عن الجماهيروفضاياها، أو شكل موجب " كالاستعلاء على الناس"، او محاوله فرض الوصاية على الشعب...

المستوى الفكرى: شيوع نمط التفكير الأسطوري بمظاهره المختلفة ، كشيوع العديد من الأساطير التي تحاول تفسير الوجود على مستوى كلى – مجرد بدون دليل عقلى منطقى، واغلبها ترجع جذورها الى الوجود الحضاري القبلى والشعوب السابق على الاسلام،والذى شاع فيه التفكير الاسطورى ، رغم عدم خلوه من أنماط للتفكير العقلانى..

المستوى العلمي: شيوع أنماط من التفكير الخرافي- حتى بين المتعلمين- كالاعتقاد بإمكانية العلم بالغيب (رمي الودع وقراءة الكف وضرب الرمل وقراءة الأبراج) رغم تحريم الإسلام القاطع له. وأنماط التفكير والسلوك اللا علمي كإصدار أحكام قبلية على الأشياء والأحداث والناس، اي قبل التحقق من صدق أو كذب هذه الأحكام (الأحكام الانطباعية)،والاعتقاد بإمكانية المطلقة لقطع اضطراد القوانين الموضوعية – السنن الالهيه بالتعبير القرآنى التي تضبط حركه الوجود المادي"الشهادى" – والذى يعبر عنه بمصطلح "خرق العادة" ، وهو ما يتعارض مع المنهج الإسلامي الذي قصر هذه الإمكانية على الأنبياء فى حالة المعجزات( بما هى ظهور ذاتى " تجلى"للفعل الالهى المطلق "الربوبيه ")ـ أما كرامات الاولياء فان المذهب الصحيح فيها انها تكريم الله تعالى لشخص صالح، دون ان يصل الى درجة قطع هذا الاضطراد- فهو إذا كان قطع للعاده، فان العاده هنا هى عادة أغلب الناس وليس العاده المضطردة "،اما المذهب الذى يجعلها خرق للعادة المضطردة فيتناقض مع المنهج الاسلامى ويساوي بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء فى الدرجة .

تفعيل العقل العربى – الاسلامى والياته :

أولا : اليات تفعيل تتصل بالدلالة الثانية لمفهوم العقل :
فهناك آليات تفعيل تتصل بالأنماط المتعددة للفاعليه المعرفيه، والتي تختلف طبقا لمستويات الوجود التي يحاول تفسيرها "وجوديا"(المجالات المعرفية كالعلم والفلسفة والدين ). وهنا نجد ثلاثة أنماط للتفكير تشكل اليات تفعيل للعقل عموما – والعقل العربى - الاسلامى خصوصا، وهي أنماط التفكير الثلاثه : العلمى والعقلانى "الفلسفى" والدينى طبقا للفهم الصحيح للدين .

المجال العلمى :

نمط التفكير العلمى
: هو محاوله لتفسير ظاهرة جزئية" تشكل جزء من أجزاء الوجود " - عينيه"محسوسة "تنتمي الى الوجود المادي "الشهادى – المسخر بالتعبير القرآنى"، استنادا الى دليل حسي "تجريبي " يمكن التحقق من صحته بالتجربة والاختبار العلميين "

موقف الإسلام منه:

المستوى العقدي النظري
: اقر الإسلام التفكير العلمي، فقرر القران أن حركة الكون خاضعة لسنن إلهية لا تتبدل(فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا.)( فاطر:43). وحث على الالتزام بالمنهج العلمي والكشف عن القوانين الموضوعية " السنن الالهيه " التي تضبط حركه الوجود المادى " الشهادى " (مصطلح التفكر القرآنى الذى اشارت اليه العديد من النصوص ،قالتعالى(وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا)، وورد فى معجم الطبراني عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم( (تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله.)

المستوى العملى التطبيقى : كما اشرنا سابقا فقد عانى المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام من ضمور التفكير العلمى – لشيوع نمط التفكير المناقض له فيه –التفكير الخرافى – وبعد ظهور الاسلام ساد التفكير العلمى فى المجتمعات المسلمة - ومنها المجتمع العربي - فى عصور تقدمها الحضاري ,غير انه اصابه الضمور فى مراحل تاريخية متأخرة ، نتيجه لتخلف النمو الحضاري لهذه المجتمعات نتيجه لاسباب داخليه وخارجيه متفاعلة- كما اشرنا أعلاه - ولكنه ليس ضمور شبه مطلق ، كما كان فى المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام، بل ضمور نسبى، يختلط فيه نمط العلمى بالتفكير الخرافي- بدرجات متفاوتة -

المجال الفلسفي:

نمط التفكير العقلاني:
هو محاوله لتفسير مفهوم كلى " يتناول الوجود ككل " مجرد "- نظرى " استنادا الى دليل عقلى يمكن التحقق من صحته بعلم المنطق .

موقف الإسلام منه:

المستوى العقدى النظرى
: أقر الإسلام التفكير العقلانى، كما اقر خصائصه وهى : معيار التحقق(الشك المنهجي) و العقلانية والمنطقية و الموقف التقويمي (الموقف النقدي).

(1) معيار التحقق (الشك المنهجي " النسبي") : وعبر العلماء المسلمين عن هذه الخصيصة بمعيار التحقق الذى اشارت اليه العديد من النصوص كقوله تعالى( قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) .كما عبرت الفلسفه الغربيه عن هذه الخصيصة بمصطلح"الشك المنهجى – النسبى "، وهو شك مؤقت و وسيلة وليس غاية في ذاته، إذ غايته الوصول إلى اليقين، أي أن مضمونه عدم التسليم بصحة فكرة إلا بعد التحقق من كونها صحيحة. وهو لا يتعارض مع منهج المعرفة الاسلامى لان غايتهما واحده "الوصول الى اليقين" ، لكن الاخير لا يحصر طرق الوصول الي اليقين فيه ،وتاكيدا لذلك يمكن أن نجد نموذجاً لهذا النوع من الشك في القرآن الكريم فى قوله تعالى(فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(الأنعام).كما استخدمه بعض المفكرين المسلمين كالامام الغزالى فى كتابه " المنقذ من الضلال".

(2) العقلانية: أي استخدام ملكة الإدراك " المجرد" كوسيلة للمعرفة، إذ الفلسفة هي محاولة إدراك الحلول الصحيحة للمشاكل الكلية المجردة. ومنهج المعرفة الإسلامى يدعو إلى العقلانية التي لا تناقض مع الدين والعلوم التجريبية " أي التي لا تناقض فيها استخدام الإدراك أو العقل مع استخدام الوحي والحواس كوسائل للمعرفة " ، لذا فقد ورد في القرآن مادة عقل وما اشتق منها تسعة وأربعون مرة، ومادة فكر ثمانية عشر مرة، ومادة فقه عشرون مرة ومادة أولي الألباب ستة عشر مرة.

(3) المنطقية: وهى تتصل بالخصيصة السابقة ، ومضمونها الاستناد إلى المنطق بما هو القوانين التي تضبط حركة الفكر الإنساني. وقد استخدم القرآن الكريم العديد من الحجج والبراهين المنطقية ، كما إلى اشار الى بعض قوانين المنطق ، حيث نجد على سبيل المثال الإشارة إلى قانون عدم التناقض (أما أ أو لا أ) في قوله تعالى (فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )(النساء: 82) ، والهدف من كل هذا الحث على التفكير المنطقى.

(4) موقف التقويم (الموقف النقدي): عبر العلماء المسلمين عن هذه الخصيصة بمصطلح "التقويم " ،التى اشارت اليه العديد من النصوص- كما سنشير ادناه - وعبرت عنه الفلسفه الغربيه بمصطلح " الموقف النقدى"، فإذا انتقلنا من المصطلح المستخدم فى وصفها فإن مضمون هذه الخصيصة هو الموقف الذي يرى أن كل الآراء "بما هي اجتهادات إنسانية" تتضمن قدراً من الصواب والخطأ ،وبالتالي نأخذ ما نراه صواباً ونرفض ما نراه خطأ. ومنهج المعرفة الاسلامى يقر بهذه الخصيصة فى القضايا الاجتهادية التي لا نص قطعى فيها، تأكيدا لذلك أشارت النصوص إلى هذا الموقف النقدي، كما فى قوله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر: 18) ، وقول الرسول( صلى الله عليه وسلم) (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً ، تَقُولُونَ : إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا ، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا ، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا ، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا)( رواه الترمذي “2007” بإسناد ضعيف / ضعفه الألباني لكنه صححه منقول عن عبد الله بن مسعود ) . كما التزم العديد من المفكرين المسلمين بالموقف النقدى عند تناولهم لعديد من القضايا الفكريه، منهم الإمام الغزالى فى تناوله للفلسفه اليونانية (حيث قسمها الى اقسام متعدده بعضها يتعارض مع أصول الدين فهو مرفوض، واغلبها لا يتعارض معها فهو مقبول..).

المستوى العملى التطبيقى : كما اشرنا سابقا فقد عانى المجتمع العربي الجاهلي قبل الاسلام من ضمور التفكير العقلاني – لشيوع نمط التفكير المناقض له فيه –التفكير الاسطورى – وبعد ظهور الاسلام ساد التفكير العقلانى- غير المتناقض مع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية الإسلامية - فى المجتمعات المسلمة - ومنها المجتمع العربي - فى عصور تقدمها الحضاري ,غير انه اصابه الضمور فى مراحل تاريخية متأخرة ، نتيجه لتخلف النمو الحضاري لهذه المجتمعات نتيجه لاسباب داخليه وخارجيه متفاعلة- كما اشرنا اعلاه - ولكنه ليس ضمور شبه مطلق ، كما كان فى المجتمع العربى الجاهلى قبل الاسلام، بل ضمور نسبى، يختلط فيه نمط العقلانى بالتفكير الأسطوري- بدرجات متفاوتة –

المجال الدينى:

التفكير الدينى:
هو محاوله تفسير ما هو غيبي "غائب عن حواس- وبالتالى عقل- الانسان – مطلق " غير خاضع للتطور خلال الزمان والتغير فى المكان " (كمحاولة بيان مفهوم او قيمة او قاعده كليه، تنتمى الى أصول الدين النصية الثابتة) ،استنادا الى دليل نقلي " نصى " (اى دليل قطعى،يستند الى نص يقيني الورود قطعي الدلالة) .

الفهم الصحيح للدين: وكما اشرنا سابقا فقد ساد فى المجتمعات المسلمة – ومنها المجتمع العربى- فى عصورها المتقدمة الفهم الصحيح للدين وتنحى التفكير البدعى . الا انه فى عصور تاريخية متأخرة ظهرت أنماط من التفكير البدعى ، ليصبح العقل العربى الاسلامى عقل يختلط فيه الفهم الصحيح للدين والتفكير البدعى- بمظاهره المختلفة – بدرجات متفاوتة -

ثانيا: آليات تفعيل تتصل بالدلالة الثالثة لمفهوم العقل: وهناك آليات لتفعيل العقل العربى – الاسلامى ، تتصل بمحصلة الفاعلية المعرفية في محاولتها حل مشاكل طرحها واقع معين زمانا ومكانا ، بمستوييها "البنية الحضارية للامه والهيكل الحضارى الذى تستند اليها".

نمط التفكير التجديدى: وهنا نجد نمط تفكير - يتصل بإشكالية كيفيه تحقيق التقدم الحضارى للامم المسلمة – ومنها الامه العربيه المسلمه - يشكل آلية تفعيل للعقل عموما وللعقل العربى – الاسلامى خصوصا وهو نمط التفكير التجديدى:

التجديد: فهذا النمط من أنماط التفكير يستند إلى موقف ينطلق من مفهوم التجديد طبقا لدلالته الاصطلاحية - الشرعية التي اشارت اليها النصوص وبينها السلف الصالح وعلماء أهل السنة بمذاهبهم المتعددة " باعتبارهم يمثلون الفهم الصحيح للإسلام). ومضمونها اجتهاد فى فروع الدين المتغيرة مقيد "محدود" بأصوله الثابته، قال (صلى الله عليه وسلم)(إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) (سنن أبى داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر فى قرن المائة ، 3740 - الحاكم فى المستدرك: ج4/ ص 522) .

الاستفادة من الإسهامات الحضارية للأمم الأخرى : هذا الموقف يتجاوز موقفي الرفض والقبول المطلقين للإسهامات الحضارية للأمم الأخرى، إلى موقف نقدي قائم على اخذ وقبول ما يتسق مع أصول الدين وواقع المجتمعات المسلمة، ورد ورفض ما يتناقض معهما ، وهو الموقف الذي يتسق مع جوهر موقف الإسلام من المجمعات الأخرى وإسهاماتها ، فقد استفاد الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) في غزوة الأحزاب من الفرس فى صنع الخندق ( عون المعبود )، و استفاد عمر بن الخطاب(رضي الله عنه) من الفرس في تدوين الدواوين ، يقول ابن الأثير(الديوان هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء، وأول من دون الدواوين عمر، وهو فارسي معرب(.

العقل التجديدى وتحقيق التقدم الحضاري للمجتمعات المسلمة: ان هذه الاليات تساهم فى تفعيل العقل العربى – الاسلامى ، ومن ثم تحوله الى عقل تجديدى من مظاهره :

عقل موضوعى : تحوله الى عقل موضوعى يحدد – ولا يلغى - ماهو ذاتى كالعاطفه والخيال بالحواس او العقل (موضوعيه تكوينية ) او الوحى(موضوعيه تكليفية) فى ادراك المستويات المتعددة للوجود (المادي ، الفكريه ، الغيبية). وبالتالى ينتج أنماط من التفكير العلمي والعقلاني- غير المتناقض مع المفاهيم والقيم والقواعد الكلية للوحي- والدينى- القائم على الفهم الصحيح للدين-

تفعيل الملكات العقلية: ويترتب على الالتزام بالموضوعية تفعيل ملكات العقل " الذاكرة والإدراك والخيال "، ومن ثم الإدراك الصحيح للماضى والحاضر والمستقبل.

تحقيق التقدم الحضاري: ويلزم منه موضوعيا تحقيق التقدم الحضاري والاجتماعي للمجتمعات المسلمه، من خلال مساهمته فى حل المشاكل المتعددة المتجددة التي يطرحها الواقع المعاصر..

أنماط التفكير والسلوك الايجابي : كما يلزم منه انماط من التفكير والسلوك الايجابي على مستويات الحياة المختلفة.

الارتقاء بالاراده الشعبيه للامه : كما يلزم منه الارتقاء بالاراده الشعبيه للامه- على المستوى الشعبى- من مرحله التفعيل التلقائى، التى تاخذ حركتها فيها شكل رد فعل عاطفى ، الى مرحله التفعيل القصدى، التى تاخذ حركتها فيها شكل فعل عقلانى منظم "مؤسساتى".

د. صبرى محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

[email protected]

............................

الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى