الظلمة التي وضع فيها دامسة، لا يرى فيها أي قبس لنور، يتحسس المكان بيديه بعد أن طمس ضياء أحدى عينيه منذ زمن بعيد، العين التي فقدها نتيجة ضربة من رجل سلطة أثناء تظاهرة سلمية... يضحك في نفسه عندما يتذكر كلمة سلمية ويقول: إذا كانت التظاهرة التي خرجت سلمية أطارت فيها عين لي فكم عين تطير إذا كانت غير سلمية...
بعد ذلك الوقت قرر الهروب، الرحيل الى خارج العراق... حتى ذلك اليوم الذي اشتاقت نفسه الى العراق، أهله واصدقائه عاد بعد أن أكتسب جنسية غير جنسيته لم يعد يرغب بأن يكون عراقيا هكذا كانت قناعاته كلما يرى وجهه في المرآة، ينظر من خلال نافذة الطائرة الى الإضوية التي تشع حيث مكانه، يتنفس بعمق يا إلهي إنه العراق!! بغداد عشقي وعشق شهريار وشهرزاد، بغداد هارون الرشيد، كهرمانة العطاء، بغداد ساحة التحرير، باب المعظم، الشورجة، ابو نوؤاس.. بغداد كرادة داخل، كرادة خارج وكرادة مريم... توقف شعر جسمه حينما ذكر كرادة مريم، فذكرياته لا زالت مثل فتاة في العشرين تبحث عن الحب، السلام، الاستقرار، الوطن، الحرية... نعم الحرية لكن هناك من أفزعها، غدر بها، اغتصبها فض بكارتها بعنوان مسميات تدين أعمى، خرج من قارورة هواجسه، لقد حطت الطائرة، نزل الى المطار وعينه تشهق حيث البعيد في صالة استقبال المسافرين، لقد اخبر اهله أنه قادم... وقف في الطابور، سلم جوازه الاجنبي الى الضابط وما هي سوى أزرار على جسد حاسبة كانت كفيلة بأن يجد نفسه بين جمع من رجالات سارعوا بوضع كيس اسود على رأسه وضربة لم تكن بالحسبان، لم يسمع سوى جلبه تقول... إنه الإرهابي الهارب فهمي كليم الله... الأعور الدجال، يا إلهي إنه اسمي!!!! لكن من هو الاعور الدجال هذا؟؟؟ فصرخت الى اين تأخذون بي؟ ما الحكاية؟ إني مواطن أجنبي لست عراقيا، دعوني اتصل بالسفارة إنه حقي أليس كذلك؟ ساعات مضت هزت صالة الانتظار، الجميع اخرج هاتفه النقال ليصور الحدث، شاع بسرعة الصوت خبر الامساك بالاعور الدجال الإرهابي الذي قام بقتل الكثير من ابناء الجنوب في سبايكر وبادوش وحتى بغداد، الإرهابي الذي قام بأكثر من عملية تفجير سواء بسيارت مفخخة او عبوات ناسفة.... قاطع الرؤوس الأعور.
إقتادوني الى حيث لا أدري او أعلم، صراخي كان كعويل النساء لكنه في فراغ فضاء واسع أصم، كل ما سمعت عن الذين معي هو السباب والشتائم والكثير من اللكمات التي ادمتني، اظن أنفي قد كسر واسقطت بعض أساني، الدم يخرج ساخنا ويتجمد على فمي وذقني.. توسلت أليهم أن يكفوا، يسمعوا لي، يخبروني ما هي تهمتي؟ لكن لا رد سوى الإكثار من الضرب المبرح...
توقفت المركبة، كانت حفل الاستقبال ينتظرني مرحبا بي بالعصي والركل، اني شيطانهم الذي لا يعبدون، او أني ربما قد قتلت ابناءهم، اخوانهم نسائهم لا ادري؟؟؟ حتى أغمي علي
ساعات او يوم لا أدري كنت فيها غائبا عن الوعي، مددت يدي الى رأسي وانا في وسط بركة من الدم المتجلط على الارض بالكاد رفعت رأسي محاولا الجلوس فالنهوض كان مستحيلا، أقدامي وسيقاني كانت ملتهبة متورمة... كل شي في جسمي احسه يكابد الصراخ واللعن مثلي، تساءلت ماذا فعلت؟؟ هل انا مطلوب لتهمة قديمة... لا أعتقد فالتهمة التي وجهت لي في الماضي نلت عليها العقاب هكذا ظننت، لا... لا اعرف؟ صرخت ما ان جلست أين أنا يا ناس يا عالم انا مواطن اجنبي لست عراقيا، ألا يوجد أحد يرد علي؟ أين أنا وما تهمتي؟؟
صرير مزلاج جعل اسناني تصطك بشدة على الدم المتجلط بداخله.. فتح الباب بالكاد رأيت رجلا ضخم الجثة يمسك بقفاي وهو يقول: تحرك يا بن الكحبة، الدجال الاعور، يبدو أنك جيت كبل موعدك او انك تبشر بظهور الغايب، راح تشوف الجواب على كل اعمالك الإرهابية يا كواد..
أخي أنا لست من تظنون أنا أسمي فهمي كليم الله وليس الاعور الدجال....
السجان: حتى الله لم يخلص منكم ولا النبي... تسميتم بالله وبأنبياءه حتى خلقتم لأرواحكم ارباب يا أعور الخايس
فهمي: صدقني إنا لست من تظنون...
لم أكملها حتى جائتني لطمة أخرستني، دخلت الى غرفة ولا زال ذلك الضخم يمسك بي من قفاي وهو يقول: سيدي هذا الاعور الدجال..
رجل تجاوز الأربعين من العمر، هكذا قدرت عمره فهو يتمتع بصحة جيدة غير انه كما بدى لي ليس متحضرا او مهندما... لم اكترث لذلك فرحت مبادرا سيدي الكريم انا لست من تظنون يبدو ان هناك تشابه اسماء او خطأ كبير لاشك، فأنا قد وصلت قبل ساعات من الخارج، لا اعرف ماهو الخطأ والسبب، لعل الامر كله فيه شبهة ارجوكم ان تتصلوا بأهلي او تتركوني اتصل بالسفارة الامريكية كي يعلموا بأمري ويكشفوا لكم حقيقة الشبهة..
جاء صوت حقير لا يكاد يجيد مزج المفرادت... السفارة الامريكية ها يعني انت عميل أصلي وإرهابي تشتغل على الجهتين دولة الخرافة والامريكان يا كلب ابن الكلب... قبل ما أمد أيدي عليك اعترف بكل جرائمك وقبلها من هم اعوانك في العراق وفي بغدداد خاصة وشنو سبب مجيئك؟
فهمي: سيدي لقد جئت في زيارة لعائلتي إنهم يسكنون في كرادة مريم يمكنك التأكد من ذلك من خلال أرقام الهواتف النقالة التابعة لأهلي ستجدها في هاتفي الذي اخذه احد رجالاتك فقط اتصل لتعرف حقيقة اسمي
المحقق: ولك اعور تريد تضحك علينا، مو عينك وشكلك ولحيتك خير دليل قابل احنا ما نعرفك؟
فهمي: سيدي الكريم اقسم اني لست الشخص الذي تبحثون عنه
المحقق: خلي نعشيك ونشوف
كان العشاء دسما، المقبلات التي تذوقتها كانت مغمسة بالبهارات الهندية الحارة تلك التي ادمعتني وجعلتني اصرخ من حرارتها... أما الطبق الرئيس أظنني لم اتذوق مثله من قبل، يبدو انه ليس عراقيا بل مشكل ومطعم بحركات بهلوانية مستجدة، فجأة توقف العشاء انزلوني من على تلك الطاولة، كانت جهة عيني السليمة هي من تتلقى الضربات واللكمات كأنهم يريدون ان يطفئوها كما اطفئوا أختها من قبل.. أيام سوداء تزحف مثل معوق لا أرجل له يتحرك على خلفيته، يجر جسمه متعكزا على راحة يده المتورمة ذات الاصابع المكسور... كل شي أفكر فيه يصبح واقعا... إلا الإنفراج من هذه المحنة، عشرون يوما قضيتها وأنا بين عشاء وغداء إلا الإفطار يتركوني فيه تحت الشمس بعد ان تعفنت جروحي وباتت رائحتي لا تطاق... اقسم عندما أكون تحت الشمس أرى القمل والحشرات تهرب من جسدي ومن بين ملابسي او بقايا ملابسي، شعرت اني فعلا الاعور الدجال، لكن ماذا افعل؟ كيف الخلاص من جماعة لا ينصتون الى العقل، فعيني التي فقدت سببت لي الكثير من المشاكل، كم تمنيت أني اعمى لا نصف مبصر، نظرت بعيني الواحدة الى السياج والاسلاك الشائكة التي عليه، أحسستها ترثي حالي، تبكيني، الطيور تخاف ان تقف عليه فزعة اعتقالها بتهمة التجاوز او الزقزقة دون إذن... أين الحرية التي قيل لي عنها وسمعت من اخوتي؟ أين السلام الذي يشعرون به والأمان؟ ترى كيف يعيشون وسط هذا البحر المتلاطم بالدم والخلافات والتحزبات، كنت اتابع كل شي من خلال الفضائيات لكن يبدو ان في الامر خدعة... صدقوني فعندما امسك بقضبان الباب الذي يؤدي الى الباحة المشمسة اجده يهمس لي ما الذي جاء بك؟ كنت في عالم بعيد ربما جنة ليست بجنة لكنك بعيد عن جهنم بلدك، صدقني إني ارثي لك والى الكثير ممن مروا خلالي... لا ادري لعلك ستعمر وتقص لي حكايتك لأنظمها سيرة قضبان معمرة...
فجأة رأيت الرجل الضخم ومعه شخص بملابس مدنية وقد هز رأسه بنعم مشيرا الى الامساك بي والسير معهما، أخذت من خاطر اعضائي، دعيت لها بأن تتحلى بالصبر، فالغداء سيكون دسما فهذا الذي رأيت لاشك سيطبخ على جسدي طبخة جديدة لم اتذوقها من قبل... ولكن لا أدري كيف أُدخلت الى غرفة لأول مرة أراها، فإذا بأخوتي وأمي يلقون بأنفسهم علي، بكاء وصراخ حتى رائحتي لم تمنعهم من الألتصاق بي وتقبيلي في كل مكان...
جلسوا قليلا وقد با درتهم ما الذي حصل؟ وكيف توصلوا لي؟ قالت أمي من خلال هذا الرجل إنه شخص معروف وصاحب علاقات..
فهمي: لكن ما هي تهمتي؟؟؟
الرجل: تهمتك بإختصار تشابه في الشكل والاسم بما يسمى بالاعور الدجال... فأسمه مثل أسمك فهمي كليم الله الفرق ربما بأسم الام وجهة العين العوراء، ذلك ما اثبته لهم والى أنك من الطائفة المسيحية العراقية، أما الاعور الدجال الحقيقي فهو من المتأسلمين ومن طائفة الجماعة
بعدها لا أتذكر اني بقيت في العراق كثيرا... ما ان استعدت عافيتي حتى كانت الطائرة تحلق بي فوق سماء دبي لأخذ الطائرة المتوجهة الى أمريكا محملا بذكريات عيني المفقودة وحظي العاثر.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي
بعد ذلك الوقت قرر الهروب، الرحيل الى خارج العراق... حتى ذلك اليوم الذي اشتاقت نفسه الى العراق، أهله واصدقائه عاد بعد أن أكتسب جنسية غير جنسيته لم يعد يرغب بأن يكون عراقيا هكذا كانت قناعاته كلما يرى وجهه في المرآة، ينظر من خلال نافذة الطائرة الى الإضوية التي تشع حيث مكانه، يتنفس بعمق يا إلهي إنه العراق!! بغداد عشقي وعشق شهريار وشهرزاد، بغداد هارون الرشيد، كهرمانة العطاء، بغداد ساحة التحرير، باب المعظم، الشورجة، ابو نوؤاس.. بغداد كرادة داخل، كرادة خارج وكرادة مريم... توقف شعر جسمه حينما ذكر كرادة مريم، فذكرياته لا زالت مثل فتاة في العشرين تبحث عن الحب، السلام، الاستقرار، الوطن، الحرية... نعم الحرية لكن هناك من أفزعها، غدر بها، اغتصبها فض بكارتها بعنوان مسميات تدين أعمى، خرج من قارورة هواجسه، لقد حطت الطائرة، نزل الى المطار وعينه تشهق حيث البعيد في صالة استقبال المسافرين، لقد اخبر اهله أنه قادم... وقف في الطابور، سلم جوازه الاجنبي الى الضابط وما هي سوى أزرار على جسد حاسبة كانت كفيلة بأن يجد نفسه بين جمع من رجالات سارعوا بوضع كيس اسود على رأسه وضربة لم تكن بالحسبان، لم يسمع سوى جلبه تقول... إنه الإرهابي الهارب فهمي كليم الله... الأعور الدجال، يا إلهي إنه اسمي!!!! لكن من هو الاعور الدجال هذا؟؟؟ فصرخت الى اين تأخذون بي؟ ما الحكاية؟ إني مواطن أجنبي لست عراقيا، دعوني اتصل بالسفارة إنه حقي أليس كذلك؟ ساعات مضت هزت صالة الانتظار، الجميع اخرج هاتفه النقال ليصور الحدث، شاع بسرعة الصوت خبر الامساك بالاعور الدجال الإرهابي الذي قام بقتل الكثير من ابناء الجنوب في سبايكر وبادوش وحتى بغداد، الإرهابي الذي قام بأكثر من عملية تفجير سواء بسيارت مفخخة او عبوات ناسفة.... قاطع الرؤوس الأعور.
إقتادوني الى حيث لا أدري او أعلم، صراخي كان كعويل النساء لكنه في فراغ فضاء واسع أصم، كل ما سمعت عن الذين معي هو السباب والشتائم والكثير من اللكمات التي ادمتني، اظن أنفي قد كسر واسقطت بعض أساني، الدم يخرج ساخنا ويتجمد على فمي وذقني.. توسلت أليهم أن يكفوا، يسمعوا لي، يخبروني ما هي تهمتي؟ لكن لا رد سوى الإكثار من الضرب المبرح...
توقفت المركبة، كانت حفل الاستقبال ينتظرني مرحبا بي بالعصي والركل، اني شيطانهم الذي لا يعبدون، او أني ربما قد قتلت ابناءهم، اخوانهم نسائهم لا ادري؟؟؟ حتى أغمي علي
ساعات او يوم لا أدري كنت فيها غائبا عن الوعي، مددت يدي الى رأسي وانا في وسط بركة من الدم المتجلط على الارض بالكاد رفعت رأسي محاولا الجلوس فالنهوض كان مستحيلا، أقدامي وسيقاني كانت ملتهبة متورمة... كل شي في جسمي احسه يكابد الصراخ واللعن مثلي، تساءلت ماذا فعلت؟؟ هل انا مطلوب لتهمة قديمة... لا أعتقد فالتهمة التي وجهت لي في الماضي نلت عليها العقاب هكذا ظننت، لا... لا اعرف؟ صرخت ما ان جلست أين أنا يا ناس يا عالم انا مواطن اجنبي لست عراقيا، ألا يوجد أحد يرد علي؟ أين أنا وما تهمتي؟؟
صرير مزلاج جعل اسناني تصطك بشدة على الدم المتجلط بداخله.. فتح الباب بالكاد رأيت رجلا ضخم الجثة يمسك بقفاي وهو يقول: تحرك يا بن الكحبة، الدجال الاعور، يبدو أنك جيت كبل موعدك او انك تبشر بظهور الغايب، راح تشوف الجواب على كل اعمالك الإرهابية يا كواد..
أخي أنا لست من تظنون أنا أسمي فهمي كليم الله وليس الاعور الدجال....
السجان: حتى الله لم يخلص منكم ولا النبي... تسميتم بالله وبأنبياءه حتى خلقتم لأرواحكم ارباب يا أعور الخايس
فهمي: صدقني إنا لست من تظنون...
لم أكملها حتى جائتني لطمة أخرستني، دخلت الى غرفة ولا زال ذلك الضخم يمسك بي من قفاي وهو يقول: سيدي هذا الاعور الدجال..
رجل تجاوز الأربعين من العمر، هكذا قدرت عمره فهو يتمتع بصحة جيدة غير انه كما بدى لي ليس متحضرا او مهندما... لم اكترث لذلك فرحت مبادرا سيدي الكريم انا لست من تظنون يبدو ان هناك تشابه اسماء او خطأ كبير لاشك، فأنا قد وصلت قبل ساعات من الخارج، لا اعرف ماهو الخطأ والسبب، لعل الامر كله فيه شبهة ارجوكم ان تتصلوا بأهلي او تتركوني اتصل بالسفارة الامريكية كي يعلموا بأمري ويكشفوا لكم حقيقة الشبهة..
جاء صوت حقير لا يكاد يجيد مزج المفرادت... السفارة الامريكية ها يعني انت عميل أصلي وإرهابي تشتغل على الجهتين دولة الخرافة والامريكان يا كلب ابن الكلب... قبل ما أمد أيدي عليك اعترف بكل جرائمك وقبلها من هم اعوانك في العراق وفي بغدداد خاصة وشنو سبب مجيئك؟
فهمي: سيدي لقد جئت في زيارة لعائلتي إنهم يسكنون في كرادة مريم يمكنك التأكد من ذلك من خلال أرقام الهواتف النقالة التابعة لأهلي ستجدها في هاتفي الذي اخذه احد رجالاتك فقط اتصل لتعرف حقيقة اسمي
المحقق: ولك اعور تريد تضحك علينا، مو عينك وشكلك ولحيتك خير دليل قابل احنا ما نعرفك؟
فهمي: سيدي الكريم اقسم اني لست الشخص الذي تبحثون عنه
المحقق: خلي نعشيك ونشوف
كان العشاء دسما، المقبلات التي تذوقتها كانت مغمسة بالبهارات الهندية الحارة تلك التي ادمعتني وجعلتني اصرخ من حرارتها... أما الطبق الرئيس أظنني لم اتذوق مثله من قبل، يبدو انه ليس عراقيا بل مشكل ومطعم بحركات بهلوانية مستجدة، فجأة توقف العشاء انزلوني من على تلك الطاولة، كانت جهة عيني السليمة هي من تتلقى الضربات واللكمات كأنهم يريدون ان يطفئوها كما اطفئوا أختها من قبل.. أيام سوداء تزحف مثل معوق لا أرجل له يتحرك على خلفيته، يجر جسمه متعكزا على راحة يده المتورمة ذات الاصابع المكسور... كل شي أفكر فيه يصبح واقعا... إلا الإنفراج من هذه المحنة، عشرون يوما قضيتها وأنا بين عشاء وغداء إلا الإفطار يتركوني فيه تحت الشمس بعد ان تعفنت جروحي وباتت رائحتي لا تطاق... اقسم عندما أكون تحت الشمس أرى القمل والحشرات تهرب من جسدي ومن بين ملابسي او بقايا ملابسي، شعرت اني فعلا الاعور الدجال، لكن ماذا افعل؟ كيف الخلاص من جماعة لا ينصتون الى العقل، فعيني التي فقدت سببت لي الكثير من المشاكل، كم تمنيت أني اعمى لا نصف مبصر، نظرت بعيني الواحدة الى السياج والاسلاك الشائكة التي عليه، أحسستها ترثي حالي، تبكيني، الطيور تخاف ان تقف عليه فزعة اعتقالها بتهمة التجاوز او الزقزقة دون إذن... أين الحرية التي قيل لي عنها وسمعت من اخوتي؟ أين السلام الذي يشعرون به والأمان؟ ترى كيف يعيشون وسط هذا البحر المتلاطم بالدم والخلافات والتحزبات، كنت اتابع كل شي من خلال الفضائيات لكن يبدو ان في الامر خدعة... صدقوني فعندما امسك بقضبان الباب الذي يؤدي الى الباحة المشمسة اجده يهمس لي ما الذي جاء بك؟ كنت في عالم بعيد ربما جنة ليست بجنة لكنك بعيد عن جهنم بلدك، صدقني إني ارثي لك والى الكثير ممن مروا خلالي... لا ادري لعلك ستعمر وتقص لي حكايتك لأنظمها سيرة قضبان معمرة...
فجأة رأيت الرجل الضخم ومعه شخص بملابس مدنية وقد هز رأسه بنعم مشيرا الى الامساك بي والسير معهما، أخذت من خاطر اعضائي، دعيت لها بأن تتحلى بالصبر، فالغداء سيكون دسما فهذا الذي رأيت لاشك سيطبخ على جسدي طبخة جديدة لم اتذوقها من قبل... ولكن لا أدري كيف أُدخلت الى غرفة لأول مرة أراها، فإذا بأخوتي وأمي يلقون بأنفسهم علي، بكاء وصراخ حتى رائحتي لم تمنعهم من الألتصاق بي وتقبيلي في كل مكان...
جلسوا قليلا وقد با درتهم ما الذي حصل؟ وكيف توصلوا لي؟ قالت أمي من خلال هذا الرجل إنه شخص معروف وصاحب علاقات..
فهمي: لكن ما هي تهمتي؟؟؟
الرجل: تهمتك بإختصار تشابه في الشكل والاسم بما يسمى بالاعور الدجال... فأسمه مثل أسمك فهمي كليم الله الفرق ربما بأسم الام وجهة العين العوراء، ذلك ما اثبته لهم والى أنك من الطائفة المسيحية العراقية، أما الاعور الدجال الحقيقي فهو من المتأسلمين ومن طائفة الجماعة
بعدها لا أتذكر اني بقيت في العراق كثيرا... ما ان استعدت عافيتي حتى كانت الطائرة تحلق بي فوق سماء دبي لأخذ الطائرة المتوجهة الى أمريكا محملا بذكريات عيني المفقودة وحظي العاثر.
القاص والكاتب
عبد الجبار الحمدي