محمود سلطان - قراءة في نص "رحيل القمر" للقاص سيد اسماعيل أبوفجر

عرفته عن طريق الفيسبوك، ولم نلتق إلا عبر هذه الأداة نتدثر بها بحثا عن دفء افتقدناه بين من هم أقرب إلينا من حبل الوريد.
لفت انتباهي لغته الشفيفة، ومهاراته عندما يرسم بالكلمات لوحاته السردية.. إنه القاص سيد أبو إسماعيل.
استمتعت بالاطلاع على مجموعته القصصية "رحيل القمر"، واستفقت على قدرته في التخلي عن استخدام ضمير المتكلم، ويبدو أنه كان حذرا من التورط في السردية الذاتية بكل أنانيتها وأفقها الضيق الملامس لقاع رسالتها الصغيرة ونفسها القصير الذي عادة لا تهتم إلا بالذات وتغمض عينيها عن الآخرين.
صحيح أنه ليس بوسع القاص أن يحلق بعيدا عن ذاته طوال الوقت، أبو إسماعيل استطاع ببراعة أن يصنع من تجربته وتجارب الآخرين، طلاء لون به لوحات تحكي سيرة الإنسان في المطلق مع الغربة والموت والحياة والسفر والإياب والخوف والرجاء مع النور والعتمة مع الفقد والحب والوداع مع الوحدة والضياع
استهل مجموعته بـ"البداية"، لم يكن انتقاء من قبيل الترتيب العبثي، وإنما بوعي الفنان الذي يدرك أن ولوج نصوص ما بعد الحداثة، تحتاج إلى "الونس" أو من يأتنس إليها، فيهدي القارئ على باب أول نص قمره وقت اكتماله، فيحمله كما كانت تحمل أمهاتنا "الوناسة" ليلا تتفقد بها الدار بدون أن تزعق الغارقين في نومهم اللذيذ.
ويبدو لي أن القاص كان قلقا من حمولته الرمزية في القصة التالية عليها "وداعا .. يا كتف الزمان" ومن صور الدمار والخراب التي نقلتها كلماته من عمق النص وتخفيه، لتتقافز على سطحه: ألسنة النيران، رؤوس الحراب كتل الجحيم وومهاد الأرض الأسود
لم يترك أبو إسماعيل يد القارئ لتتفلت منه، بعيدا عن التورط في مشهد كابوسي ينزف إحساسا لا ينقطع بالضياع والتيه وتتدلى منه الدمعات الساخنة دما وجثثا مبعثرة. فكانت "البداية" تلطيفا لما هو آت، عندما يركض القارئ داخل غيمات النصوص المسافرة.
ليس بوسع الناقد، أن يتوقع النص اللاحق في المجموعة، فهي تدفقات قلب لم تنتزعه الغربة من البيوت التي تنفس فيها عبق عشقه البريء للحياة وإنما ربما تكون انتزعت منه كل شيء ولم تترك له إلا حسابا بنكيا، لن يعوضه سنوات السعادة البكر والروح المشرقة الغضة ومجتمع القرية التراحمي ولا مرارة الفقد. ربما سجلت هذه الأحاسيس قصته "هلوسات الوحدة" ثم مشهد الوداع قبل السفر في "أمي .. دموع مستترة".
يقبض على النصوص في عمومها جدل العلاقة بين "الحضور" و"الغياب" جدل "الحياة" و"الموت" كأداة تهذيب للنفس المتوترة والمضطربة وتوطينها على السكينة والهدوء كما سجلها القاص في آخر سطر مع الموظف "صلاح" في قصته "نداء". أو مدخل يهزأ من خلاله من تجار الشعوذة كما في قصته "حضرة مولانا". وكذلك عندما أهدت صدفة "الموت" للشاب المصري حب أميرة عربية، ثم يُلقي به في غيابة السجون كما في "أحبك أيها المصري".
وبمضي الوقت سنكتشف وجود "تناص" ناعم يتخفي من أول "ألف" المجموعة وإلى "يائها" عندما يسدل الكاتب عينيي القارئ على آخر قصة فيها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى